المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415953
يتصفح الموقع حاليا : 183

البحث

البحث

عرض المادة

المجامع النصرانية

المجمع الأول
 فلما ظهرت النصرانية بالاسكندرية أراد بتركها أن يكسر الصنم ويبطل الذبائح له ، فامتنع عليه أهلها ، فاحتال عليهم بحيلة ، وقال: لو جعلتم هذا العيد لميكائيل ملاك الله لكان أولى .
فإن هذا الصنم لا ينفع ولا يضر فأجابوه إلى ذلك ، فكسر الصنع وجعل منه صليباً وسمى الهيكل كنيسة ميكائيل فلما منع بترك الإسكندرية آريوس من دخول الكنيسة ولعنه خرج آريوس مستدياً عليه ومعه أسقفان فاستغاثوا إلى قسطنطين ، وقال آريوس : إنه تعدى علي وأخرجني من الكنيسة ظلماً ، وسأل الملك أن يشخص بترك الاسكندرية بناظره قدام الملك ، فوجه قطنطين برسول إلى الإسكندرية فأشخص البترك وجمع بينه وبين آريوس ليناظره ، فقال قسطنطين لآريوس اشرح مقالتك قال آريوس : أقول إن الأب كان إذ لم يكن الابن ، ثم أنه أحدث الابن فكان كلمة له أنه محدث مخلوق ، ثم فوض الأمر إلى ذلك الابن المسمى كلمة ، فكان هو خالق السموات والأرض وما بينهما ، كما قال ففي إنجيله إن يقول وهب لي سلطاناً على السماء والأرض فكان هو الخالق لهما مما أعطى من ذلك ، ثم إن الكلمة تجسدت من مريم العذراء ومن روح القدس فصار ذلك مسبحاً واحداً ، فالمسيح الان معنيان كلمة وجسد إلا أنهما جميعاً مخلوقان.
فأجابه عند ذلك بترك الإسكندرية ، وقال : تخبرنا الآن : أيما أوجب علينا عندك عبادة من خلقنا أو عبادة من لم يخلقنا؟ قال آريوس : بل عبادة من خلقنا فقال له البترك : فإن كان خالقنا الابن كما وصفت ،وكان الابن مخلوقاً ، فعبادة الابن المخلوق أوجب من عبادةالأب الذي ليس بخالق ، بل تصير عبادة الأب الذي خلق الابن كفراً وعبادة الابنالمخلوق إيماناً ، وذلك من أقبح الأقاويل.
فاستحسن الملك وكل من حضر مقالة البترك ، وشنع عندهم مقالة آريوس ، ودارت بينهما أيضاً مسائل كثيرة ، فأمر قسطنطين البترك أن يكفر آريوس وكل من قال بمقالته ، فقال له : بل يوجه الملك بشخص للبتاركة والأساقفة حتى يكون لنا مجمع ونصنع فيه قضية ويكفر آريوس .
يشرح الدين ويوضحه للناس.
فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان فجمع البتاركة والأساقفة فاجتمع في مينة نيقية بعد سنة وشهرين ألفان وثمانة اربعون أسقفاً ، فكانوا مختلفي الأراء ، مختلفي الدين .
فمنهم من يقول : المسيح ومريم إلهان من دون الله وهم المريمانية.
ومنهم من يقول : المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار تعلقت من شعلة نار فلم ينقص من الأولى لإيقاد الثانية منها.
ومنهم من كان يقول: لم تحبل مريم لتسعة أشهر وأنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب، لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها وهذه مقالة الباريليدس وأشياعه.
ومنهم من كان يقول : إن المسيح إنسان خلق من الاهوت كواحد منا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم ، وغنه اصطفى ليكون مخلصاً للجواهر الإنسية صحبته النعمة الإلهية فحلت منه بالمحبة والمشيئة فلذلك سمي ابن الله ويقولون : إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد ويسمونه بثلاثة أسماء ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس وهذه مقالة بولس وأشياعه.
ومنهم من كان يقول : ثلاثة آلهة لم تزل صالح ، وطالح وعدل بينهما وهذه مقالة مرقيون وأشياعه.
ومنهم من يقول : ربنا هو المسيح ، وهي مقالة ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً.
وقال ابن البطريق : ولما سمع قسطنطين الملك مقالتهم عجب من ذلك وأخلى لهم داراً وتقدم بالإكرام والضيافة ، وأمرهم أن يتناظروا فيما بينهم لينظر من معه الحق فيتبعه ، فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً على دين واحد ورأي واحد.
وناظروا بقية الأساقفة المختلفين ففلحوا عليهم في المناظرة ، وكان باقي الأساقفة مختلفي الاراء والديان صنع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفاً مجلساً عظيماً وجلس وي وسطه وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه فدفع ذلك إليهم ، وقال لهم : قد سلطتكم اليوم على المملكة فاسنعوا ما بدا لكم وما ينبغي لكم أن تضيعوا ما فيه قوام الدين وصلاح الأمة ، فباركوا على الملك وقلدوه سيفه ، وقالوا له : إظهر دين النصرانية وذب عنه ، ووضعوا له أربعين كتاباً فيها السنن والشرائع وفها ما يصلح أن يعمل به الأساقفة وما يصلح للملك أن يعمل بما فيها.
وكان رئيس القوم والمجمع والمقدم فيه بترك الاسكندرية وبترك اناطية وأسقف بيت المقدس .
ووجه بترك رومية من عنده رجلين فاتفق الكل على لعن آريوس واصحابه ولعنوه وكل من قال بمقالته ، ووضعوا الأمانة وقالوا : إن الابن مولود من الأب قبل كون الخلائق وإن الابن من طبيعة الأب غير مخلوق ، واتفقوا على أن يكون فصح النصارى يوم الأحد ليكون بعد فصح اليهود ، وأن لا يكون فصح اليهود مع فصحهم في يوم واحد ، ومنعوا أن يكون للأسقف زوجة ، وذلك أن الأساقفة منذ وقت الحواريين إلى مجمع الثلاثمائة وثمانية عشر كان لهم نساء ، لأنهم كانوا إذا صيروا واحداً أسقفاً وكانت له زوجة تثبت معه ولم تنح عنه ما خلا البتاركة فإنهم لم يكن لهم نساء ، ولا كانوا أيضاً يصيرون أحداً له زوجة بتركاً.
قال: وانصرفوا مكرمين محظوظين ، وذلك في سبعة عشر سنة من ملك قسطنطين الملك ، ومكث بعد ذلك ثلاث سنين:
(أحدها) : كسر الأصنام وقتل من يعبدها.
)والثانية) : أمر أن لا يثبت في الديوان إلا أولاد النصارى ، ويكونون هم المراء والقواد.
 (والثالثة) : أن يقيم لناس جمعة الفصح والجمعة التي بعدها لا يعملون فيها عملاً ولا يكون فيها حرب ، وتقدم قسطنطين إلى أسقف بيت المقدس أن يطلب موضع المقبرة والصليب ويبني الكنائس ، ويبدأ ببناء القيامة فقالت هيلانة أمه : إني نذرت أن اسير إلى بيت المقدس وأطلب المواضع المقدسة وأبنيها ، فدفع إليها الملك أموالاً جزيلة ، وسارت مع أسقف بيت المقدس ، فبنت كنيسة القيامة في موضع الصليب وكنيسة قسطنطين.

المجمع الثاني
 ثم اجتمعوا بعد هذا مجمعاً عظيماً ببيت المقدس ، وكان معهم رجل دسه بترك القسطنطينية وجماعة معه ليسألوا بترك الاسكندرية ، وكان هذا الرجل لما رجع إلى الملك أظهر أنه مخالف لآريوس ،وكان يرى رأيه ويقول بمقالته ، فقام الرجل وقال : إن آريوس لم يقل إن المسيح خلق الإنسان ولكن قال : بهخلقت الأشياء لنه كلمة الله التي بها خلقت السموات والأرض ، وإنماخلق الله الأشياء بكلمته ، ولم تخلق الأشياء كلمته كما قال المسيح في الإنجيل كل بيده كان ومن دونه لم يكن شئ ، وقال : به كانت الحياة والحياة نور البشر ، وقال : العالم به يكون فأخبر أن الأشياء به تكونت.
قال ابن البطريق : فهذه كانت مقالة آريوس ولكن الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً ولا ظلموه لنه إنما قال: الابن خالق الأشياء دون الأب ، وإذا كانت الأشياء إنما خلقت بالابن دون يكون الأب لها خالقاً فقد أعطى أنه ما خلق منها شيئاً ، وفي ذلك تكذيب لقوله : الأب يخلق ، وأنا أخلق.
وقال : إن أنا لم أعمل عمل أبي فلا تصدقوني.
وقال : كما أن الأب يحيى من يشاء ويميته ، كذلك الابن يحي من يشاء ويميته.
قالوا : فدل على أنه يحي ويخلق ، وفي هذا تكذيب لمن زعم أنه ليس بخالق وإنما خلقت الأشياء به دون أن يكون خالقاً.
وأما قولك : إن الأشياء كونت به فإنا لما قلنا : لا شك أن المسيح حي فعال وكان قد دل بقوله إني أفعل الخلق والحياة كان قولك : به كونت الأشياء إنما هو راجع في المعنى إلى أنه كونها وكانت به مكونة ، ولو لم يكن ذل لتناقض القولان.
قال: وأما قول من قال من أصحاب آريوس : إن الأب يريد الشئ فيكونه الابن الإرادة للأب والتكوين للابن .
فإن ذلك يفسد أيضاً إذا كان الابن عنده مخلوقا، فقد صار حظ المخلوق في الخلق أوفى من حظ الخالق فيه ، وذلك أن هذا أراد وفعل.
وذلك بمنزلة لك فاعل من الخلق لما يريد بالخالق منه ، ويكن حكمه كحكمه في الخير والاختيار ، فإن كان مجبوراً فلا شئ له في الفعل ، وإن كان مختاراً فجائز أن يطاع وجائز أن يعصى ، وجائز أن يثاب وجائز أن يعاقب وهذا أشنع في القول.
ورد عليه أيضاً وقال : إن كان الخالق إنما خلق خلقه بمخلوق والمخلوق غير الخالق بلا شك فقج زعمتم أن الخالق يفعل بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى متمم ليفعل به إذ كان لا يتم له الفعل إلا به ، والمحتاج إلى غيره منقوص والخالق متعال عن هذا كله.
قال : فلما دحض بترك الاسكندرية حجج أولئك المخالفين وظهر لمن حضر بطلان قولهم ، وتحيروا وخجلوا ووثبوا على بترك الاسكندرية فضربوه حتى كاد يموت ، فخلصه من أيديهم ابن أخت قسطنطين ، وهرب بترك الاسكندرية وصار إلى بيت المقدس من غير حضور أحد من الأساقفة ، ثم أصلح دهن الميرون وقدس الكنائس ومسحها بدهن الميرون ، وسار إلىالملك فأعلمه الخبر فصرفه إلى الاسكندرية.
قال ابن البطريق: وأمر الملك أن لا يسكن يهودي ببيت المقدس ولا يجوز بها ومن لم ينتصر قتل ، فظهر دين النصرانية وتنصر من اليهود خلق.
فقيل للملك : إن اليهود يتنصرون من خوف القتل وهم على دينهم ، فقال : كيف لنا أن نعلم ذلك منهم؟ فقال بولس البترك إن الخنزير في التوراة حرام واليهود لا يأكلون لحم الخنزير ، فأمر أن تذبح الخنازير ويطبخ لحومها ويطعم منها فمن لم يأكل منه علم أنه مقيم على دين اليهودينة ، فقال الملك إذا كان الخنزير في التوراة حراماً فكيف يحل لنا أن نأكله ونطعمه لناس؟ فقال له بولس : إن سيدنا المسيح قد أبطل كا ما في التوراة وجاء بنواميس أخر وبتوراة جديدة وهو الإنجيل وفي إنجيله إن كل ما يدخل البطن فليس حرام ولا نجس ، وإنما ينجس الإنسان ما يخرج من فيه وقال بولس: إن بطرس وريس الحواريين بينما هو يصلي في ست ساعات من النهار وقع عليه سبات فنظر إلى السماء قد تفتحت ، وإذا زاد قد نزل من السماء حتى بلغ الأرض ، وفيه كل ذي أربع قوائم على الرض من السباع والدواب وغير ذلك من طير السماء ، وسمع صوتاً يقول له : يا بطرس قم فاذبح وكل ، فقال بطرس : يا رب ما أكلت شيئاً نجساً قط ولا دنساً قط فجاء صوت ثان : كل ما طهره الله فليس بنجس ، وفي نسخة أخرى : ما طهره الله فلا تنجسه أنت ، م جاءه الصوت بهذا ثلاث مرات ، ثم إن الزاد ارتفع إلى السماء فتعجب بطرس وتحير فيما بينه وبين نفسه.
فأمر الملك أن بذبح الخنازير وتطبخ لحومها وتقطع صغاراً وتصير على أبواب الكنائس في كل مملكته يوم أحد الفصح ، وكل من خرج من الكنيسة يلقم لقمة من لحم الخنازير ، فمن لم يأكل منه يقتل، فقتل لأجل ذلك خلق كثير.
ثم هلك قسطنطين وقام بعده أكبر أولاده واسمه قسطنطين وفي أيامه اجتمع أصحاب آريوس ومن قال بمقالته إليه فحسنوا لهم دينهم ومقالتهم ، وقالوا : إن الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً الذين كانوا اجتمعوا بنيقية قد أخطأوا وحادوا عن طريق الحق في قولهم إن الابن متفق مع الأب في الجوهر ، فأمر أن لا يقال هذا فإنه خطأ ، فعزم الملك على فعله ، فكتب إليه أسقف بيت المقدس أن لا يقبل قول أصحاب آريوس فإنهم حائدون علن الحق وكفار ، وقد لعنهم الثلاثمائة عشر أسقفاً ولعنوا كل من يقول بمقالتهم فقبل قوله.
قال ابن البطريق : وفي ذلك الوقت أعلنت مقالة آريوس على قسطنطينية وأنطاكية والاسكندرية ، وفي ثاني سنة من ملك قسطنطين هذا صار على أنطاكية بترك آريوسي ثم بعده آخر مثله.

قال : وأما أهل مصر والاسكندرية وكان أكثرهم آريوسيين ومانيين فغلبوا علىكنائس مصر فأخذوها ، ووثبوا على بترك الاسكندرية ليقتلوه فهرب منهم واستخفى.
ثم ذكر جماعة من البتاركة والأساقفة من طوائف النصارى وما جرى لهم مع بعضهم بعضاً ، وما تعصبت به كل طائفة لبتركها حتى قتل بعضهم بعضاً واختلف النصارى أشد الاختلاف وكثرت مقالاتهم واجتمعوا عدة مجامع كل مجمع يلعن فيه بعضهم بعضاً.

المجمع الثالث
 فكان لهم مجمع ثالث بعد ثمان وخمسين سنة من المجمع الأول بنيقية فاجتمع الوزراء والقواد إلى الملك ، وقالوا : إن مقالة الناس قد فسدت وغلبت عليهم مقالة آريوس ومكدونيس ، فاكتب إلى جميع الأساقفة والبتاركة أن يجتمعوا ويوضحوا دين النصرانية فكتب الملك إلى سائر بلاده ، فاجتمع في قسطنطينية مائة وخمسون أسقفاً ، فنظروا وبحثوا في مقالة آريوس فوجدوها : أن روح القدس مخلوق ، ومصنوع وليس بإله ، فقال بترك الاسكندرية : ليس روح القدس عندنا غير روح الله ، وليس روح الله غير حياته ، فإذا قلنا : إن روح الله مخلوق فقد قلنا إن حياته مخلوقة ، وإذا قلنا: إن حياته مخلوق فقد جعلناه غير حي ، وذلك كفر به.
فلعنوا جميعهم من يقول بهذه المقالة ولعنوا جماعة من أساقفتهم وبتاركتهم كانوا يقولون بمقالات أخر لم يرتضوها ، وبينوا أن روح القدس خالق غير مخلوق ، إله حق من إله حق من طبيعة الأب والابن ، جوهر واحد وطبيعة واحدة ، وزادوا في الأمانة التي وضعتها الثلاثمائة والثمانية عشر ونؤمن بروح القدس الرب المحيي الذي من الأب منبثق.
الذي مع الأب والابن وهو موجود وممجد.
وكان في تلك الأمانة وبروح القدس فقط، وبينوا أن الابن والأب وروح القدس ثلاثة أقانيم وثلاث وجوه وثلاث خواص، وأنها واحدة في تثلثي في وحدة، وبينوا: أن جسد المسيح بنفس ناطقة وانفض هذا الجمع وقد لعنوا فيه كثيراً من أساقفهم وأشياعهم.

المجمع الرابع
ثم بعد إحدى وخمسين سنة من هذا المجمع كان لهم مجمع رابع على نسطورس، وكان رأيه: أن مريم ليست بوالدة الإله على الحقيقة، ولذلك كان اثنان.
أحدهما: الإله الذي هو موجود من الأب، والآخر: إنسان وهو الموجود من مريم، وأن هذا الإنسان الذي نقول إنه المسيح متوحد مع ابن الإله، ويقال له: إله، وابن الإله ليس على الحقيقة ولكن موهبة واتفاق الاسمين على طريق الكرامة.
قبل ذلك بتاركة سائر البلاد فجرت بينهم مراسلات واتفقوا على تخطيئته مراث فأجمعوا على لعنه فلعنوه ونفوه وبينوا: أن مريم ولدت إلهاً وأن المسيح إله حق من إله حق وهو إنسان وله طبيعتان فلما لعنوا نسطورس تعصب له بترك أنطاكية فجمع الأساقفة فلم يزل الملك حتى الذين قدموا معه وناظرهم وقطعهم فتقاتلوا وتلاعنوا وجرى بينهم شر فتفاقم أمرهم ثم أصح بينهم فكتب أولئك صحيفة: أن مريم القديسة ولدت إلهاً وهو ربنا يسوع المسيح الذي هو مع الله في الطبيعة ومع الناس في الناسوت.
وأقروا بطبيعتين وبوجه واحد وأقنوم واحد وأنفذوا لعن نسطورس فلما لعنوه ونفى سار إلى مصر وأقام في أخميم سبع سنين ومات ودفن بها، وماتت مقالته إلى أن أحياها ابن صرما مطران نصيبين وبثها في بلاد المشرق فأكثر نصارى المشرق والعراق نسطورية وانفض ذلك المجمع الرابع ايضاً وقد أطبقوا على أمن نسطورس وأشياعه ومن قال بمقالته.

المجمع الخامس
 ثم كان لهم بعد هذا المجمع مجمع خامس وذلك انه كان بالقسطنطينية طبيب راهب يقال له أوطيسوس يقول : إن جسد المسيح ليس هو مع أجسادنا بالطبيعة ، وإن المسيح قبل التجسد من طبيعتين وبعد التجسد طبيعة واحدة.
وهو أول من أحدث هذه المقالة وهي مقالة اليعقوبية ، فرحل إليه بعض الأساقفة فناظره وقطعه ودحض حجته، ثم صار إلى قسطنطينة فأخبر بتركها بالمناظرة وانقطاعه فأرسل بترك القسطنطينية وجمع جمعاً عظيماً وناظره.

فقال أوطسيوس : إن قلنا أن المسيح طبيعتين فقد قلنا بقول نسطورس ولكنا نقول : إن المسيح طبيعة واحدة وأقنوم واحد لأنه من طبيعتين كانت قبل التجسد فلما قبل التجسد زالت عنه وصار طبيعة واحدةت وأقنوماً واحداً.
فقال له بترك القمطنطينية : إن كان المسيح طبيعة واحدة فالطبيعة القديمة هي المحدثة وإن كان القديم هو المحدث فالذي لم يزل هو الذي لم يكن ولو جاز أن يكون القديم هو المحدث لكان القاعد هو القاعد والحار هو البارد فأبى أن يرجع عن مقالته فلعنوه.
فاستعدى إلى الملك وزعم أنهم ظلموه وسأله أن يكتب إلى جميع البتاركة للمناظرة ، فاستحضر الملك البتراكة والأساقفة من سائر البلاد إلى مدينة أفسس، فثبت بترك الإسكندرية مقالة أوطيوس وقطع بتاركة القسطنطينية وأنطاكية وبيت المقدس وسائر البتاركة والاساقفة وكتب إلى بترك رومية والى جماعة الكهنة فحرمهم ومنعهم من القربان إن لم يقبلوا مقالة أوطيسوس.
ففسدت الأمانة وصارت مقالة أوطيسوس خاصة بمصر والاسكندرية وهو مذهب اليعقوبية ، فافترق هذا المجمع الخامس وكل فريق يلعن الآخر ويحرمه ويبرأ من مقالته.

المجمع السادس
 ثم كان لهم بعد هذا مجمع سادس في مدينة خليقدونية فإنه لما مات الملك ولى بعده مرقيون فاجتمع اليه الأساقفة من سائر البلاد فأعلمون ما كان من ظلم ذلك المجمع وقلة الإنصاف ، وأن مقالة اوطيسوس قد غلبت على الناس وأفسدت دين النصرانية فأمر الملك باستحضار سائر البتاركة والمطارنة والأساقفة إلى مدينة خليقدونية فاجتمع فيها ستمائة وثلاثون أسقفاً فنظروا في مقالة أوطيسوس وبترك الاسكندرية الذي قطع جميع البتاركة فأفسد الجميع مقالتهما ولعنوهما.
وأثبتوا : أن المسيح إله وإنسان ، في المكان مع الله باللاهوت .
وفي المكان معنا بالناسوب يعرف بطبيعتين تام بالللاهوت وتام بالناسوت ومسيح واحد.

وثبتوا أقوال الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً وقبلوا قولهم : بأن الابن مع الله في المكان نور من نور إله حق من أله حق.
ولعنوا آريوس ، وقالوا : إن روح القدس إله ، وأن الأب والابن وروح القدس واحد ببطبيعة واحدة وأقانيم ثلاثة.
وثبتوا قول المجمع الثالث في مدينة أفسس أعني المائتي أسقف على نسطورس وقالوا /: إن مريم العذراء ولدت إلها ربنا يسوع المسييح الذي هو مع الله بطبيعة ومع الناسوت بطبيعة وشهدووا : أن المسيح طبيعتين وأقنوماً واحداًولعنوا نسطورس وبترك الاسكندرية ، ولعنوا المجمع الثاني الذي كان بأفسس ثم المجمع الثالث المائتي أسقف بمدينة أفسس أول مرة ، ولعنوا نيطورس ، وبين نسطورس إلى مجمع خليقدونية أحد وعشرون سنة فانفض هذا المجمع وقد لعنوا من مقدميهم وأساقفتهم من ذكرنا وكفروهم وتبرؤوا منهم ومن مقالاتهم.

المجمع السابع
ثم كان له بعد هذا المجمع مجمع سابع في أيام أنسطاس الملك ، وذلك أن سورس القسطنيطي كان على رأي أوطيسوس فجاء إلى الملك فقال : إن المجمع الخليقدوني في الستمائة وثلاثين قد أخطأوا في لعن أوطيسوس وبترك الاسكندرية ، والدين الصحيح ما قالاه فلا يقبل دين من سواهما ، ولكن اكتب إلى جميع عمالك ان يلعنوا الستمائة وثلاثين ويأخذوا الياس بطبيعة واحدة ومشيئة واحدة وأقنوم واحد فأجابه الملك إلى ذلك فلما بلغ ذلك إيليا بترك بيت المقدس جمع الرهبان ولعنوا أنسطاس الملك وسورس ومن يقول بمقالتهما فلبغ ذلك أنسطاس ونفاه إلى أيكلة وبعث يوحنا بتركاً على بيت المقدس لأن يوحنا كان قد ضمن له أن يلعن المجمع الخيلقدوني الستمائة وثلاثين فلما قدم إلى بيت المقدس اجتمع الرهبان وقالوا: إياك أن تقبل من سورس ولكن قاتل عن المجمع الخيلقدوني ونحن معك.
فضمن لهم ذلك وخلف أمر الملك ، فبلغ ذلك الملك فارسل قائد وأمره أن يأخذ يوحنا بطرح المجمع الخيلقدوني ، فإن لم يفعل ينفيه عن الكرسي فقدم القائد طرح يوححنا في الحبس فصار إليه الرهبان في الحبس وأشاروا عليه بان يضمن للقائد ان يفعل ذلك ، فاذا حضر فليقر بلعنة من لعنة الرثبان ففعل ذلك واجتمع الرهبان وكانوا عشرة آلاف راهب ومعهم مدرس وسابا ورؤساء الديرات فلعنوا أوطيسوس وسورس ونسطورس ومن لا يقبل المجمع الخيلقدوني وفزع رسول الملك من الرهبان وبلغ ذلك الملك فهم بنفي يوحنا فاجتمع الرهبان والأساقفة فكتبوا إلى أنسطاس الملك أنهم لا يقبلون مقالة سورس ولا أحد من المخالفين ولو أهريقت دماؤهم وسألوه أن يكف أذاه عنهم ، وكتب بترك رومية إلى الملك يقبح فعله ويلعنه.
فانفض هذا المجمع أيضاً وقد تلاعنت فيه هذه الجموع على ما وصفنا وكان لسورس تلميذ يقال له يعقوب يقول بمقالة سورس وكان يسمى يعقوب البرادعي وإليه تنسب اليعاقبةفأفسد أمانة النصارى ثم مات أنسطاس وولى قسطنطين فرد كل من نفاه انسطاس الملك إلى موضعه واجتمع الرهبان وأظهروا كتاب الملك وعيدوا عيداً حسناً بزعمهم وأثبتوا المجمع الخيلقدوني بالستمائة وثلاثين أسقفاً ثم ولي ملك آخر وكانت اليعقوبية قد غلبوا علىالاسكندرية وقتلوا بتركا له ميقال له بولس كان ملكياً ، فأرسل قائداً ومعه عسكر عظيم إلى الاسكندرية فدخل الكنيسة في ثياب البترك وتقدم وقدس فرموه بالحجارة حتى كادوا يقتلونه فانصرف .
ثم أظهر لهم من بعد ثلاثة أيام أنه قد أتاه كتاب الملك وضرب الحرس ليجتمع الناس يوم الأحد في الكنيسة فلم يبق أحد بالاسكندرية حتى حضر لسماع كتاب الملك وقد جعل بينه وبين جنده علامة إذا هو فعلها وضعوا السيف في الناس فصعد المنبر وقال : يا معشر أهل الاسكندرية! إن رجعتم إلى الحق وتركتم مقالة اليعاقبة وإلا لن تأمنوا أن يرسل إليكم الملك من يسفك دماءكم.
فرموه بالحجارة حتى خاف على نفسه أن يقتل فأظهر العلامة فوضعوا السيف على كل من في الكنيسة فقتل داخلها وخارجها أمم لا تحصى كثرة حتى خاض الجند في الدماء وهرب منهم خلق كثير وظهرت مقالة الملكية.

المجمع الثامن
 ثم كان لهم بعد ذلك مجمع ثامن بعد المجمع الخيلقدوني الذي لعن فيه اليعقوبية بمائة سنة وثلاث سنين وذلك أن أسقف منبج - وهي بلدة شرقي حلب بالقرب منها وهي مخسوفة الآن - كان يقول بالتناسخ وأن ليس قيامة وكان أسقف الرها وأسقف المصيصة وأسقف آخر يقولون : إن جسد المسيح خيال غير حقيقة فحشرهم الملك إلى قسطنطينية.
فقال لهم بتركها : إن كان جسده خيالاً فيجب أن يكون فعله خيالاً وقوله خيالاً وكل جسد يعاين لآحد من الناس أو فعل أو قول فهو كذلك.
وقال لأسقف منبج : إن المسيح قد قام من الموت وأعلمنا أنه كذلك يقوم الناس من الموت يوم الدينونة وقال في إنجيله : إنه تأتي ساعة حتى أن كل من في القبور إذا سمعوا قول ابن الله يحيون فكيف تقولون ليس قيامة؟ فأوجب عليهم الخزي واللعن ، وأمر الملك أن يكون لهم مجمع يلعنون فيه واستحضر بتاركة البلاد فاجتمع في هذا العام مائة وأربعة وستون فلعنوا اسقف منبج وأسقف المصيصة وثبتوا على قول أسقف الرها أن جسد المسيح حقيقة لا خيال ، وانه إله تام وإنسان تام معروف بطبيعتين ومشيئتين وفعليين أقنوم واحد.
وثبتوا المجامع الأربعة التي قبلهم بعد المجمع الخيلقدوني ، وأن الدنيا زائلة ، وأن القيامة كائنة وأن المسيح يأتي بمجد عظيم فيدين الأحياء والأموات كما قال الثلاثمائة والثمانية عشر.

المجمع التاسع
 ثم كان لهم مجمع تاسع في ايام معاوية بن أبي سفيان تلاعنوا فيه وذلك أنه كان برومية راهب قديس يقال له مقسلمس وله تلميذان ، فجاء إلى قسطا الوالي فوبخه على قبح مذهبه وشناعة كفره فأمر به قسطا فقطعت يداه ورجلاه ونزع لسانه وفعل بأحد التلميذسين مثله وضرب الآخر بالسياط ونفاه فبلغ ذلك ملك قسطنطينية فأرسل إليه أن يوجه إليه من أفاضل الأساقفة ليعلم وجه هذه الحجة ومن الذي كان ابتدأها لكيما يطرح جميع الآباء القديسين كل من استحق اللعنة ، فبعث غليه مائة وأربعين أسقفاً وثلاث شمامسة فلما وصلوا إلى قسطنطينية جمع الملك مائة وستين أسقفاً فصاروا ثلاثمائة ، وأسقطوا الشمامسة في البرطحة .
وكان رئيس هذا المجمع بترك قسطنطينية وبترك أنطاكية ، ولم يكن لبيت المقدس واسكندرية بترك فلعنوا من تقدم من القديسين الذي خالفوهم وسموهم واحداً واحداً وهم جماعة ولعنوا أصحاب المشيئة الواحدة ولما لعنوا هؤلاء جلسوا فلخصوا الأمانة المستقيمة بزعمهم ، فقالوا : نؤمن بأن الواحد من اللاهوت الابن الوحيد الذي هوالكلمة الأزلية الدائم المستوي مع الأب الإله في الجوهر الذي هو ربنا يسوع المسيح بطبيعتين تامتين ، وفعلين ومشيئتين في أقنوم واحد ووجه واحد يعرف تاماً بلاهوته تاما بناسوته وشهدت كما شهد مجمع الخيلقدونية وعلى ما سبق أن افله الابن في آخر الأيام اتحد مع العذراء السيدة مريم القديسة جسداً أنساناً بنفسين وذلك برحمة الله تعالى محب البشر ولم يلحقه اختلاط ولا فساد ولا فرقة ولا فص لولكن هو واحد يعمل بما يشبه الانسان أن يعمله في طبيعته وما يشبه الإله أن يعمل في طبيعته الذي هو الابن الوحيد والكلمة الأزلية المتجسدة إلى أن صارت في الحقيقة لحماً كما يقول الأنجيل المقدس من غير أن تنتقل عن محلها الأزلي وليست بمتغيرة ولكنها بفعلين ومشيئتين وطبيعتين : إلهي ، وإنسي الذي بهما يكون القول الحق وكل واحدة من الطبيعتين تعمل مع شركة صاحبتها مشيئتين غير متضادتين ولا متضارعتين ، ولكن مع المشيئة الإنسية الإلهية القادرة على كل شئ.
هذه شهادتهم وأمانة المجمع السادس من المجتمع الخيلقدوني وثبتوا ما ثبته الخمس مجامع التي كانت قبلهم ولعنوا من لعنوه وبين المجمع الخامس إلى هذا المجمع مائة سنة.

المجمع العاشر
ثم كان لهم مجمع عاشر لما مات الملك وولي بعده ابنه واجتمع فريق المجمع السادس وزعموا أن اجتماعهم كان على الباطل فجمع الملك مائة وثلاثين أسقفاً فثبتوا قول المجمع السادس ولعنوا من لعنهم وخالفهم وثبتوا قول المجامع الخمسة ولعنوا من لعنوا وانصرفوا.
فانقرضت هذه المجامع والحشود وهم علماء النصارى وقدماؤهم وناقفوا الدين إلى المتأخرين وإليهم يستند من بعدهم.
وقد اشتملت هذه المجامع العشرة المشهورة على زهاء أربعة عشر ألفاً من الأساقفة والبتاركة والرهبان كلهم يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً فدينهم إنما قام على اللعنة بشهادة بعضهم على بعض وكل منهم لاعن ملعون.
فإذا كانت هذه حال المتقدمين مع قرب زمنهم من أيام المسيح وبقاء أخبارهم فيهم والدولة دولتهم ولاكلمة لهم وعلماؤهم إذ ذاك أوفر ما كانوا واحتفالهم بأمر دينهم واهتمامهم به كما ترى ثم هم مع ذلك تائهون حائرون بين لاعن وملعون لا يثبت لهم قدم ولا يتحصل لهم قول في معرفة معبودهم بل كل منهم قد اتخذ إلهه هواه وباح باللعن الوبراءة ممن اتبع سواه فما الظن بحثالة الماضين ونفاية الغابرين وزبالة الحائرين وذرية الضالين وقد طال عليهم الأمد وبعد عليهم العهد وصار دينهم ما يتلقونه عن الرهبان.
وقوم إذا كشفت عنهم وجدتهم أشبه شئ بالأنعام وإن كانوا في صور النام ، بل هم كما قال تعالى ومن أصدق من الله قيلاً؟ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً وهؤلاء هم الذين عناهم الله سبحانه بقوله: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ومن أضل من أمة الضلال بشهادة الله ورسوله ؟ وأمة اللعن بشهادتهم على نفوسهم بلعن بعضهم؟ وقد لعنهم الله سبحانه على لسان رسوله في قوله صلى الله عليه وسلم : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما فعلوه
هذا والكتاب واحد ، والرب واحد ، والنبي واحد ، والدعوى واحدة ، وكلهم يتمسك بالمسيح وإنجيله وتلاميذه ثم يختلفون فيه هذا الاختلاف المتباين : فمنهم من يقول : إنه الإله ومنهم من يقول : ابن الإله ومنهم من يقول انه اقنوم وطبيعة ومنهم من يقول طبيعتان إلى غير ذلك من المقالات التي حكوها عن أسلافهم ، وكل منهم يكفر صاحبه.

  • الاربعاء PM 05:35
    2015-06-10
  • 3776
Powered by: GateGold