المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 423988
يتصفح الموقع حاليا : 330

البحث

البحث

عرض المادة

بيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

خلاصة الفصل:

أولاً: بهذه الأدلة من الكتاب والسنة والنقولات عن أئمة السنة، يتبين لكل ذي عقل أن أهل السنة والجماعة يثبتون جميع صفات الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة على الحقيقة لا على المجاز، إثباتاً منزهاً عن التمثيل والتكييف، وتنزيهاً بلا تأويل وتحريف وتعطيل.

وبهذا يفارقون طائفتين: المعطلة الذين ينفون حقائق الصفات ويدعون فيها المجاز بحجة التنزيه، والمشبهة الذين الذين يجعلون حقيقة صفات الله كحقيقة صفات خلقه، بحجة الإثبات.

ثانياً: موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في هذا الأصل العظيم، مما يستلزم أن يوافقه كل من انتسب إليه، وإلا كان انتسابهم إليه دعوى مجردة.

[[بطلان إنكار حقائق الصفات لله]]

ثالثاً: بطلان ما ادعاه الأشعريان من إنكار نسبة حقائق الصفات لله تعالى حيث قالا (ص 74): (أما الذي يأباه العقل والنقل فهو نسبة حقائق هذه الألفاظ اللغوية لله تعالى) اهـ.

فليت شعري أي عقل هذا الذي يزعمونه وأي نقل هذا الذي يأثرونه!!!

وقالا (ص242): (إن أريد بإثبات الصفات إثباتها على ما جاءت دون تفسير، ولا تعيين معنى، وإنما يُكتفى بتلاوتها والسكوت عليها، وذلك -قطعاً- بعد صرفها عن ظاهرها المحال في حق الله تعالى، ولا يقال بالذات أو حقيقة، فذلك حق لا ريب فيه) اهـ.

والأعجب منه ادعاؤهما: أن هذا هو مذهب السلف قاطبة، ولم ينقلا حرفاً واحداً عن أحد من السلف قط.

كيف؟ ونصوص السلف صريحة في إبطال هذه الدعوى، وبيان وجوب حمل كلام الله على حقيقته التي تقتضيها اللغة التي أنزل الله بها كتابه، وتعرّف بها إلى عباده.

وبه يتبين جهل هذين الأشعريّيْن بمذهب السلف، وبعدهما عن طريقتهم.

[[صحة إطلاق لفظ "بذاته" و"حقيقة" والجواب على من استنكرها]]

رابعاً: صحة تأكيد الإثبات في صفات الله تعالى بقول: "حقيقة"، أو "بذاته"، وأنه وارد عن السلف الأئمة، وهو الأمر الذي أعظما فيه النكير، جهلاً منهما بكلام السلف وأصولهم.

فقالا (ص123): (أن لفظة "بذاته" لم ترد في كتاب ولا سنة ولا على لسان أحد من الصحابة أو التابعين .... فإن لفظة "بذاته" إذا ذُكرت مع هذه الألفاظ أو ما شاكلها حصرت معانيها في المعنى الحسي الجسماني، فلا يقال مثلاً "استوى بذاته"، و"ينزل بذاته"، و"يجيء بذاته"، ثم يقال: لا كاستوائنا، ولا كنزولنا، ولا كمجيئنا، لأن هذا تناقض صريح) اهـ.

وقالا (ص138): (نخلص من هذا إلى أن القول بأن الله ساكن السماء، أو أنه على العرش بذاته، أو ينزل بذاته، أو استوى بذاته، أو على الحقيقة .... كل ذلك وصف لله بما يستحيل في حقه تعالى عقلاً ونقلاً .. ) اهـ.

فيقال لهما:

أولاً: قد سبق نقل كلام كثير من أئمة السلف بزيادة "حقيقة"، وزيادة "بذاته"، بل قد نقل أبو نصر السجزي الإجماع على ذلك.

فقال في كتاب "الإبانة": (وأئمتنا كسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك، وفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي، متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش، وأن علمه بكل مكان) (1) اهـ.

وسبقه المزني حيث قال في شرح أصول السنة: (عالٍ على عرشه في مجده بذاته) (2). ثم حكى الإجماع عليه كما سبق نقله.

ونقل الطلمنكي وابن عبد البر الإجماع على ذلك أيضاً كما سبق.

وقال الذهبي في "العلو": (قال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المغربي شيخ المالكية في أول رسالته المشهورة في مذهب مالك الإمام: "وأنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته، وأنه في كل مكان بعلمه".

قال الذهبي: وقد تقدم مثل هذه العبارة عن أبي جعفر بن أبي شيبة، وعثمان بن سعيد الدارمي، وكذلك أطلقها يحيى بن عمار واعظ سجستان في رسالته، والحافظ أبو نصر الوائلي السجزي

في كتاب الإبانة له، فإنه قال: "وأئمتنا كالثوري، ومالك، والحماد، وابن عيينة، وابن المبارك، والفضيل، وأحمد، وإسحاق متفقون على أن الله فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان"، وكذلك أطلقها ابن عبد البر كما سيأتي، وكذا عبارة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري، فإنه قال: "وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه"، وكذا قال أبو الحسن الكرجي الشافعي في تلك القصيدة:

عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب

وعلى هذه القصيدة مكتوب بخط العلامة تقي الدين بن الصلاح هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث.

وكذا أطلق هذه اللفظة أحمد بن ثابت الطرقي الحافظ، والشيخ عبد القادر الجيلي والمفتي عبد العزيز القحيطي وطائفة.

والله تعالى خالق كل شيء بذاته، ومدبر الخلائق بذاته، بلا معين ولا مؤازر، وإنما أراد ابن أبي زيد وغيره التفرقة بين كونه تعالى معنا، وبين كونه تعالى فوق العرش، فهو كما قال، ومعنا بالعلم، وأنه على العرش كما أعلمنا حيث يقول {الرحمن على العرش استوى} طه5، وقد تلفظ بالكلمة المذكورة جماعة من العلماء كما قدمناه .. ) (3) اهـ.

ثانياً: أن قولهما عن لفظة "بذاته": (لم ترد في كتاب ولا سنة ولا على لسان أحد من الصحابة أو التابعين): عجب منهما، وتناقض صريح، فلا أدري هل يأثران هما شيئاً من كلامهما في الصفات، وتأويلها، عن أحد من الصحابة أو التابعين أو الأئمة؟!!

وصدق القائل: "رمتني بدائها وانسلت".

ثالثاً: أن قول من قال من السلف "بذاته" هو من باب التأكيد والتنصيص، والرد على المعطلة الذين يفسرون صفات الله تعالى بما قام بغيره، وينكرون أن يقوم بذات الله تعالى صفة متعلقة بمشيئته، فيقولون: نزوله: نزول أمره، ومجيئه: مجيء ثوابه، وهكذا.

وكذا قولهم "حقيقة" تأكيد لحقيقة الصفة، ورد على من جعلها مجازاً.

ومعلوم أن الخبر وقع عن نفس ذات الله تعالى لا عن غيره، كما في قوله: {الرحمن على العرش استوى} طه5،، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا"، وهذا خبر عن مسمى هذا الاسم العظيم.

ومثاله ما لو قلت: عمرو عندك، وزيد قائم، فإنما أخبرت عن الذات لا عن الاسم، فقوله تعالى: {الله خالق كل شيء} الزمر62، هو خبر عن ذات الرب تعالى، فلا يحتاج المخبر أن يقول: خالق كل شيء بذاته، وكذلك جميع ما أخبر الله به عن نفسه فإنما هو خبر عن ذاته.

لكن لما ظهر من أهل البدع والمعطلة من يحعل صفات الله تعالى مجازات، نص السلف على كونها حقيقة، ولما ظهر منهم من يجعل ما وصف الله تعالى به نفسه هو ما قام بغيره، كمن يقول: نزول أمره، ومجيء ملائكته، نص السلف على كونها صفة ذاته.

وكيف يعيبان ذلك وقد قالا مدافعين عمن قال "لفظي بالقرآن مخلوق" - مع كونه قول متأخري الجهمية- كالكرابيسي وابن كلاب وغيرهما (ص57): (وإننا متيقنون بأنهم رحمهم الله لم يقولوا هذا القول دون أن تدعو له حاجة، كلا، وحاشاهم أن يتكلموا بشيء سكت عنه الصحابة والتابعون، لكنهم لمّا رأوا الناس تقحموا هذا الباب، وخاضوا في هذا المر، وحملوه على غير وجهه، اضطروا إلى الكلام فيه تبياناً للحق، وكفّاً للناس عن ذلك) اهـ.

فهذا اعتذاركم عن مقولة باطلة، فهلا عذرتم من قال بالحق وأكده!!!

قال الذهبي معلقاً على كلام القصاب: (وكان أيضاً يسعه السكوت عن "صفة حقيقة" فإننا إذا أثبتنا نعوت الباري وقلنا تُمر كما جاءت، فقد آمنا بأنها صفات، فإذا قلنا بعد ذلك: صفة حقيقة وليست بمجاز، كان هذا كلاماً ركيكاً نبطياً مغلثاً للنفوس فليهدر، مع أن هذه العبارة وردت عن جماعة، ومقصودهم بها أن هذه الصفات تمر ولا يُتعرض لها بتحريف ولا تأويل، كما يُتعرض لمجاز الكلام والله أعلم. وقد أغنى الله تعالى عن العبارات المبتدعة، فإن النصوص في الصفات واضحة، ولو كانت الصفات ترد إلى المجاز، لبطل أن يكون صفات الله، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فهو موجود حقيقة لا مجازاً، وصفاته ليست مجازاً، فإذا كان لا مثل له ولا نظير لزم أن تكون لا مثل لها) (4) اهـ.

وهذا من الذهبي صريح بأن معنى: كون الصفات حقيقة، أو أنه متصف بها بذاته، حق، ولكن لا يُحتاج إلى زيادة "حقيقة" أو "بذاته"، لا لكون المعنى باطلاً، بل لكونه ظاهراً بلا حاجة للزيادة.

إذ من المعلوم في لغة العرب أنه إذا قيل: سمع زيد، وكلام زيد، ونزول زيد، فهو حقيقة لا مجاز، إلا أن يقترن باللفظ ما يدل على كونه مجازاً. إذ أن قاعدة اللغة: أن الأصل في الكلام الحقيقة والإفراد، لا المجاز والاشتراك.

ويقال لهؤلاء: كيف سوغتم لأنفسكم هذه الزيادات في النفي كنفي الجهة والحيز ونحو ذلك، والتقصير في الإثبات على ما أوجبه الكتاب والسنة، وأنكرتم على أئمة الدين ردهم لبدعة ابتدعها أهل التعطيل والتجهيم مضمونها إنكار حقائق صفات الله تعالى، وعبروا عن ذلك بعبارة كقولهم "حقيقة" و "بذاته"، فأثبتوا تلك العبارة ليبينوا ثبوت المعنى الذين نفاه أولئك؟! وأين في الكتاب والسنة أنه يحرم رد الباطل بعبارة مطابقة له، فإن هذه الألفاظ لم تثبت صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة، بل بينت ما عطله المبطلون من حقيقة اتصافه بصفات الكمال.

رابعاً: أن ما أنكراه من قول: "أن الله ساكن السماء"، قد قاله إمامهم أبو الحسن الأشعري نفسه، مستدلاً به على علو الله تعالى، وذكر أنه قول جميع المسلمين!!

فقال: (ومن دعاء أهل الإسلام جميعاً إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل بهم يقولون جميعاً: يا ساكن السماء) (5) اهـ.

وهذا أمر مثير للاستغراب والحيرة، ألا وهو كثرة إنكارهما لأمور قد نص عليها أبو الحسن الأشعري نفسه في كتبه، حتى ليظن الناظر أنهما ألفا كتابهما رداً على أبي الحسن الأشعري، لا انتصاراً له؟!!


(1) نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (6/ 250) وفي بيان تلبيس الجهمية (2/ 38) وفي مجموع الفتاوى (3/ 222)، وابن القيم في الصواعق المرسلة (4/ 1284)، وأورده الذهبي في العلو (ص235).
(2) شرح أصول السنة (ص75).

(3) العلو (ص235).

(4) المرجع السابق (ص239).

(5) الإبانة للأشعري (ص79 - 103).

 

 

  • الجمعة AM 05:37
    2022-05-27
  • 1531
Powered by: GateGold