المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412480
يتصفح الموقع حاليا : 399

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى أن نفي العصمة عن الصحابة دليل على عدم عدالتهم

دعوى أن نفي العصمة عن الصحابة دليل على عدم عدالتهم(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض أعداء السنة أن الصحابة - رضي الله عنهم - غير عدول؛ لأنهم غير معصومين. وهم بذلك يشترطون العصمة في العدالة. ويستدلون على ذلك بأنه من المعلوم في الإسلام أن العصمة للأنبياء فقط، وعليه فإن الصحابة ليسوا كذلك، ومن ثم تنتفي عدالتهم.

وجه إبطال الشبهة:

  • لقدبنيتهذهالشبهةعلىدليلفاسد؛إذإنعصمةالرسولشرطلازملتحقيقالصدقوالثقةفيالبلاغالإلهي. ثمإنالعدالةهيشرطقبولالروايةوليستالعصمة،واشتراطالعصمةفيتحقيقالعدالةغيرصحيح،وليسفيمااستدلبهالمغرضونماينفيعدالةالصحابة، ولم يقل به أحد من العلماء، لذا قيض الله لدينه الصحابة - رضي الله عنهم - ليبلغوه إلى الأمم كلها، وحقق لهم من العدالة ما يحول بينهم وبين التحريف والتبديل، ويضمن للرسالة الصحة والسلامة.

التفصيل:

العصمة من خصائص الأنبياء وليست شرطا في عدالة غيرهم:

إن عصمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكذلك عصمة كل الرسل - عليهم السلام - يجب أن تفهم في نطاق مكانة الرسول ومهمة الرسالة؛ فالرسول بشر يوحى إليه؛ أي: إنه - مع بشريته - له خصوصية الاتصال بالسماء بواسطة الوحي. ولذلك فإن هذه المهمة تقتضي صفات يصنعها الله على عينه فيمن يصطفيه، كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها.

والرسول مكلف بتبليغ الرسالة، والدعوة إليها، والجهاد في سبيل إقامتها وتطبيقها، وله على الناس طاعة هي جزء من طاعة الله - سبحانه وتعالى - قال تعالى: )من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (80)( (النساء).

ولذلك كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم، والثقة في هذا البلاغ الإلهي الذي اختيروا ليقوموا به بين الناس.

وبداهة العقل - فضلا عن النقل - تحكم بأن مرسل الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذي يضفي الصدق على رسالته كان عابثا، وهو ما يستحيل على الله - سبحانه وتعالى - الذي يصطفي من الناس رسلا يؤهلهم بالعصمة لإضفاء الثقة والصدق على البلاغ الإلهي، والحجة على الناس بصدق هذا الذي يبلغون([1]).

العدالة شرط قبول الرواية، وليست العصمة:

إن العدالة التي نثبتها لصحابة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم نعطها هبة لهم من عند أنفسنا، فلا يملك لهم أحد ذلك، وإنما العدالة ثابتة لهم جميعا بنص الكتاب العزيز، والسنة الشريفة، سواء منهم من تقدم إسلامه ومن تأخر، ومن هاجر ومن لم يهاجر، ومن اشترك في الغزوات ومن لم يشترك، ومن لابس الفتنة ومن لم يلابسها؛ فهذه العدالة لهم جميعا تضافرت عليها الأدلة من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة([2]).

وقبل أن نشرع في سرد الآيات والأحاديث الدالة على عدالتهم - رضي الله عنهم - وجب علينا أن ندفع هذا اللبس الحاصل لدى المشتبهين بين عدالة الصحابة وعصمتهم.

إذ معنى عدالة الصحابة: أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اتصفوا به من قوة الإيمان والتزام التقوى، والمروءة، وسمو الأخلاق، والترفع عن سفاسف الأمور.

وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو من السهو أو الغلط، فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم.

 وتتحقق العدالة في الراوي إذا اتصف بصفات خمسة هي: الإسلام، والبلوغ والعقل، والسلامة من أسباب الفسق، وخوارم المروءة.

وعليه فإن العصمة ليست شرطا من شروط العدالة، وليس المقصود بالعدل أن يكون بريئا من كل ذنب، وإنما المراد أن يكون الغالب عليه التدين، والتحري في فعل الطاعات([3]).

وقد أكد هذا المعنى "أن العدالة ليست متعلقة بالعصمة" الإمام الشافعي فقال: "لو كان العدل من لا ذنب له لم نجد عدلا، ولو كان كل مذنب عدلا لم نجد مجروحا، ولكن العدل من اجتنب الكبائر، وكانت محاسنه أكثر من مساوئه"([4]).

وقد زاد الإمام الأبياري الأمر وضوحا بقوله: "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية عليهم، وإنما المراد: قبول روايتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا أن يثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك ولله الحمد"([5]).

فثبتت لهم العدالة دون اشتراط العصمة، وها هو ابن مسعود - رضي الله عنه - يؤكد ذلك، فبالرغم من ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه بقوله: «... واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود»([6])، وإجماع الأمة على صحة حديثه وجلالة قدره، فإذا به يقسم - وإن كان من باب الورع والتواضع - أن لو علموا ذنوبه لـحثوا على رأسه التراب، فكيف تشترط العصمة للعدالة؟! ولم يشترط لها ألا تبدو من الشخص هفوة، ولا يقع في معصية([7]).

وعليه فإن وقف عدالة الصحابة على عصمتهم إنما هو ضرب من الخيال والخبال والتنطع والتشدد؛ ذلك لأن عدالتهم ثابتة عقلا - كما أشرنا - ونقلا، قال سبحانه وتعالى:

)محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم( (الفتح: ٢٩)، وقال تعالى: )والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100)( (التوبة)، وقال تعالى: )لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18)( (الفتح)، وقال تعالى: )رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه( (الأحزاب: ٢٣).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»([8]). وقال صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم...»([9]).

وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة الدلالة على عدالة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهم خير الأجيال وأفضل القرون، وعلى تحريم الطعن فيهم، وأنه لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق زنديق.

الخلاصة:

  • إنالعصمةمنمستلزمات النبوة، سواء كانت عصمة من المعاصي والذنوب، أو عصمة من الخطأ في التبليغ عن الله تعالى.
  • إنعدالةالصحابةضرورةدينية؛لأنهمحملةالرسالةبعدالنبي - صلىاللهعليهوسلم - ولايجوزالعقلأنيجعلاللهتعالىرسالتهفيأيديمنيتوقعمنهمتحريفأوتبديلأو كذب في التبليغ.
  • أثبتاللهتعالىعدالةالصحابةفيكتابه،كماأثبتهاالنبي - صلىاللهعليهوسلم - فيسنته،وهيأالله - عزوجل - لهممنالمقوماتوالمزايامايضمنلهمالعدالة،وللرسالةالصحةوالسلامة.
  • لقدخلطالمغرضونبينالعصمةوالعدالة،وجعلواالعصمة شرطا في قبول الرواية؛ ليهدموا الدين من أساسه؛ إذ تنقطع بذلك أخبار الأنبياء من تشريع ووحي بموتهم، وينتفي المطلوب من إرسالهم، وهذا عبث تنزه الله تعالى عنه.

 

 

 (*) الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث، محمد حمزة، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط1، 2005م.

[1]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مطابع الأهرام، القاهرة، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص315، 316.

[2]. تيسير اللطيف الخبير في علوم البشير النذير، د. مروان محمد شاهين، مكتب فوزي الشيمي، مصر، د. ت، ص95.

[3]. عدالة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات، د. عماد السيد الشربيني، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص15 بتصرف.

[4]. الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير اليماني، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/ 1979م، ص28.

[5]. فتح المغيث: شرح ألفية الحديث، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1993م، (3/ 115).

[6]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب، باب: مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، (10/ 208، 209)، رقم (4057). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3805).

[7]. الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير اليماني، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/ 1979م، ص29 بتصرف.

[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا... "، (7/ 25)، رقم (3673). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، (9/ 3666)، رقم (6370).

[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (7/ 5)، رقم (3651). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم...، (9/ 3658)، رقم (6351).

  • الجمعة AM 02:03
    2020-10-23
  • 1652
Powered by: GateGold