المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413856
يتصفح الموقع حاليا : 316

البحث

البحث

عرض المادة

شبهة: أنَّ عسكرها رضي الله عنها لما أتوا البصرة نهبوا بيت المال، وأخرجوا عامل الأمير عثمان بن حنيف الأنصاري مهانًا، مع أنَّه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

والجواب عن ذلك من وجهين:

الوجه الأول : كلُّ ما حصل لعثمان بن حنيف رضي الله عنه، لم تكن عائشة عالمة به ولا راضية، بل لما أخرجوه من قصره مُهانًا إلى طلحة والزبير استعظما أن يكون ذلك، وأخبرا عائشة، فأمرت أن يُخلى سبيله، ويذهب حيث شاء[1].

قال الشيخ الدهلوي: (هذه الأمور لم تقع برضاء عائشة، ولا علمت بذلك، حتَّى أنَّها لما علمت ما جرى في حق عثمان بن حنيف اعتذرت له، واسترضته)[2].

الوجه الثاني: أنَّ المرء إذا تبرأ من عمل لم يجز أن يُنسب إليه، بل نسبته إليه من البهتان الذي نهي الله ورسوله عنه، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يُحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فقالوا: صَبَأْنا صَبَأْنا[3]. فجعل خالد يقتل فيهم ويأسر، فلمَّا ذُكر ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم رفع يده، وقال: ((اللهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد))[4]. ولم يقل أحد إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أمر خالدًا بذلك، ومثله يقال هنا: إِنَّ عائشة رضي الله عنها ما أمرت بذلك، بل أمرت بخلافه.

الشبهة السادسة: أنَّ عمارًا رضي الله عنه قال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم؛ لتتَّبعوه أو إياها[5]

والجواب عن ذلك من أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن يُقلب الدليل عليهم[6]، فيقال: هذا الأثر يدلُّ على فضيلة الله عنها لا ذمها، وهذا الذي فهمه الأئمة الحفاظ، فأورده الإمام البخاري وتلميذه الحافظ الترمذي رحمهما الله في (باب فضل عائشة)[7]، ومما يؤيد هذا الفهم الصحيح أنَّ رجلا نال من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال: (اغرب مقبوحًا منبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم)[8]، وهل هناك فضل أعظم من أن تكون زوجة النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة؟!.

قال الحافظ ابن حجر : ( فكان ذلك يُعدُّ من إنصاف عمار، وشدَّة ورعه، وتحريه قول الحق)[9].

وقال ابن هبيرة[10]: (في هذا الحديث أنَّ عمَّارًا كان صادق اللهجة، وكان لا تستخفه الخصومة إلى أن ينتقص خصمه، فإنَّه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب)[11].

فهذا فهم العلماء الحفاظ لهذا الدليل، وأنه دليل على فضلها لا ذمها. الوجه الثاني: أنَّ عائشة نفسها رضي الله عنها لقيت عمارًا في وقعة الجمل، فقال لها حين فرغ القوم: (يا أُمَّ المؤمنين، ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عُهد إليكِ! قالت: أبو اليقظان؟ قال: نعم. قالت: والله إنَّك ما علمتُ قوال بالحق. قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك)[12].

وهذه شهادة عزيزة، حفل بها عمار، وقد صدقها القول أمامها، فشهدت له بأنه قوال للحق رضي الله عنهما. الوجه الثالث: تعلُّق بعض الرافضة بقول عمار: (ولكنَّ الله ابتلاكم لتتَّبعوه أو إياها).

والجواب: أنَّ ذلك أيضًا مما يدلُّ على فضيلتها بين أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وعِظَم مكانتها عندهم، ووجه ذلك: أنَّ الابتلاء هو الامتحان، فامتحنهم الله أن يطيعوه أو يطيعوا زوج رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ا عندهم، فعمار أراد بيان أنَّ الحقِّ كان مع على رضى الله عنه، وعلم أنَّ في جبلة النَّاس ميلها إلى قول من كان معظما عندها، فأخبر الناس أنه مؤمن بفضل عائشة، وأنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يحملنكم هذا الفضل الذي تعرفونه منها أن تميلوا إلى رأيها، وتدعوا الحق لمكانة عائشة عندكم.

وقريب من هذا قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعروة لما عارضه برأي أبي بكر وعمر: (أراهم سيهلكون، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: نهى أبو بكر وعمر)[13].

قال الخطيب: (قد كان أبو بكر وعمر على ما وصفهما به عروة، إلا أنه لا ينبغي أن يُقلّد أحدٌ في ترك ما ثبتت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)[14].

وللعلامة المعلمي[15] رحمه الله في (التنكيل) كلام مطوّل في تقرير المعاني السابقة وزيادة، ومما قاله: (أكثر النَّاس مغرَون بتقليد من يعظم في نفوسهم، والغلو في ذلك... فإن زاد المنكرون فأظهروا حسن الثناء على ذلك المتبوع، كان أشدَّ لغلو متبعيه. خطب عمار بن ياسر في أهل العراق قبل وقعة الجمل؛ ليكفّهم عن الخروج مع أم المؤمنين عائشة، فقال: (والله إنَّها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم؛ ليعلم إيَّاه تطيعون أم هي؟). أخرجه البخاري في (الصحيح)[16] من طريق أبي مريم الأسدي عن عمار، وأخرج نحوه من طريق أبي وائل، عن عمار، فلم يؤثر هذا في كثير من الناس، بل رُويَ أَنَّ بعضهم أجاب قائلا: فنحن مع من شهدت له بالجنة يا عمار)[17].

الوجه الرابع: أن يقال : هَبْ أَنَّه قيل : شتمها -وحاشاه- فاقتناص مثل هذا المطعن في وقت الفتنة، يدلُّ على غلّ قلب هذا المتصيد للكلام وبغضه للصحابة، وتصيد المثالب، وتقفر الهفوات، وليس ذلك من أدب المؤمنين الذين وصفهم الله في كتابه بقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُو مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَنِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)[18].

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقع بينهم ما يقع بين الرجل وأخيه من خصومة، فيأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو، ولا يعيب عليهم ذلك. ومن أجمل ما سطر الإمام أبو نعيم الأصبهاني في هذا المعنى قوله رحمه الله : (وقد كان يجري بين الصحابة رضي الله عنهم بحضرة الرسول وفي غيبته، فيبلغه من الله تعالى ذلك الخصام والسباب في حال الغضب والموجدة أشياء، فلا يأخذهم به، ولا يعيب ذلك عليهم، بل يأمرهم بالعفو، ويحضُّهم على التآلف، ويطفئ ثائرة الغضب، وثورة البشرية، وذلك مثل ما جرى بين السيدين سعد بن معاذ[19]، وسعد بن عبادة، وكلاهما من الفضل في الدين بالمحل العظيم...)[20]، في أمثلة أخرى ذكرها رحمه الله، إلى أن قال: فأمَّا حال الغضب والموجدة فلا اعتبار به، ولا حجة فيه)[21].

فإذا كان هذا في حال الغضب والموجدة ، فكيف بمن ينتهز وقت الفتنة؛ ليتصيد الكلمات التي قيلت فيها؛ ليطعن بها في الصحابة رضي الله عنهم. هذا دليل على الفتنة، وزغل القلب، فاللهم إنا نبرأ إليك من فعالهم.

الشبهة السابعة: أنها كانت تقول في آخر الحال: قاتلتُ عليا ووددت أني كنت نسيا منسيا[22].

أولا: هذه الرواية ما صحت بهذا اللفظ، ولو صحت لما كان في ذلك ما يُطعن به عليها، والذي صح أنها كانت تذكر يوم الجمل، وتبكي بكاءً شديدًا، حتّى يبتل خمارها[23].

والذي في صحيح البخاري أنها قالت حين دخل عليها ابن عباس، يثني عليها

قبل موتها : ( وددت أني كنت نسيا منسيا )[24].

ثانيا : قد ثبت أنَّ عليا قال: (والله لوددت أني مت من قبل اليوم بعشرين سنة)[25]. وما عدّ أحد ذلك مطعنا في علي رضي الله عنه.

 

 

 

 

 

[1]  (تاريخ الطبري) (4/468)، (البداية والنهاية) لابن كثير (10/438)

[2]  (مختصر التحفة الاثنى عشرية) (269)

[3]  صبأ فلان: اذا خرج من دين الى دين غيره.

انظر: (النهاية في غريب الحديث والاثر) لابن الاثير (3/3)

[4]  رواه البخاري (4339)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

[5]  من شبه التيجاني، وقد رد عليه الرحيلي ايضا ً في (الانتصار للصحب والآل)

[6]  قلب الدليل هو على وجه يكون ما ذكره المستدل يدل عليه لا له

انظر: (شرح الكوكب المنير) لابن النجار (4/338)

[7]  (صحيح البخاري) (5/36)، ( جامع الترمذي) (5/707)

[8]  تقدم تخريجه، ص: 284

[9]  (فتح الباري) ابن حجر (13/58)

[10]  هو يحيى بن محمد بن هبيرة ابو المظفر الشيباني الحنبلي، الوزير الكامل، العالم العادل، ولد سنة 499هـــ، سمع الحديث وتلا بالسبع، ومهر في اللغة، كان سلفيا ً أثريا ً، دينا ً خيرا ً متعبدا ً، وزر للمقتفى، من مصنفاته: (الافصاح عن معاني الصحاح)، توفى سنة 562هــ.

[11]  (فتح الباري) ابن حجر (13/59)

[12]  رواه الطبري في (تاريخه) (3/61)

وصحح اسناده ابن حجر في (فتح الباري) (13/63)

[13]  رواه احمد (1/337) (3121)، والضياء في (الاحاديث المختارة) (4/204)

وحسنه ابن مفلح في (الاداب الشرعية) (2/70)، وصحح اسناده احمد شاكر في تحقيق (المسند) (5/48).

[14]  (الفقيه والمتفقه) للخطيب البغدادي (1/377)

[15]  هو عبدالرحمن بن يحيى بن علي، ابو عبدالله المعلمي اليماني، شيخ الاسلام، العلامة، ذهبي عصره ولد سنة 1313هــ، تولى رئاسة القضاة بعسير، فأمينا ً لمكتبة الحرم المكي، كان متمكنا ً من علم الرجال، ذابا ً عن عقيدة السلف، حقق عددا ً من كتب السنة والرجال، توفى سنة 1286هــ، من اشهر مصنفاته: (التنكيل).

انظر: (الاعلام) للزركلي (3/342)

[16]  البخاري (7100)

[17]  (التنكيل) للمعلمي (1/190)

[18]  الحشر: 10

[19] هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس رضي الله عنه، ابو عمرو الانصاري، الصحابي الجليل سيد الاوس، حكم في يهود قريظة ورضي بحكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهتز العرش لموته، توفى سنة 5هــ.

انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (1/181)، و(الاصابة) لابن حجر (3/84)

[20]  (الامامة والرد على الرافضة) لابي نعيم الاصبهاني (344)

[21]  (الامامة والرد على الرافضة) لابي نعيم الاصبهاني (345)

[22]  انظر (مختصر التحفة الاثنى عشرية) لشاه عبدالعزيز الدهلوي (269)

[23]  انظر: المصدر السابق (270)

[24]  تقدم تخريجه ص: 136

[25]  رواه الطبري في (تاريخه) (3/57)، وانظر: (الكامل في التاريخ) لابن الاثير (2/611).

  • الاثنين PM 12:15
    2023-05-08
  • 1001
Powered by: GateGold