المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416079
يتصفح الموقع حاليا : 271

البحث

البحث

عرض المادة

دلالات السقيفة مع افتراض وجود النص والبيعة

دلالات السقيفة مع افتراض وجود النص والبيعة

اما اذا افترضنا أن الامامة شأن إلهي وانه اُنزل فيها نصوص قرآنية وأنه كانت هناك وصية من رسول الله لعلي وبيعة في اعناق الناس له لأصبح لاجتماع الصحابة في السقيفة دلالات اخرى كثيرة مغايرة للتي ذكرناها، منها:

1- ضعف ايمان الصحابة وقلة تقواهم وتهاونهم في امور الدين وحبهم للدنيا وتنافسهم عليها ومخالفتهم لله والرسول، والشيعة يذهبون الى ابعد من ذلك فيرمونهم بالارتداد والنفاق ، فلو كانوا مؤمنين حقا واتقياء لما عصوا الله ورسوله ولما ظلموا عليا و تآمروا عليه واغتصبوا حقه ، ولما اجتهدوا في مسألة دينية فيها نص ولما نقضوا البيعة التي اعطوها لعلي في غدير خم .

2- ضعف الرسول وعدم هيمنته على اصحابه ومجتمعه (حاشاه )، اذ لو كان مهيمنا عليهم لنصب عليا قبل موته ولأعلنه ايام مرضه ولجمع الناس في المسجد واعلن ذلك على الملأ رغم انف المعارضين، ولم يكن بحاجة الى التحايل على الصحابة بزجهم في جيش اسامة ليبعدهم عن المدينة ليخلو الجو لعلي بعد وفاته فيعود هؤلاء وقد اُبرم الامر لعلي واسقط في أيديهم [1]، ويدل ايضا على ان ابا بكر وعمر كانا اقوى منه حين ابرما الامر لمن خلفهما دون الخشية من احد.  ولا اظن ان منصفا سيماري في هذه المسالة ويقول بأن لجوء الرسول الى هذه الوسيلة ثم نقض الصحابة لعهده ليس دليلا على ضعفه ، وان سبب عدم اتخاذه تلك الاجراءات التي ذكرناها هو مرضه ، فالمرض لا يقلل من هيمنة القادة الاقوياء المطاعين . ألا ترى ان كثيرا من الخلفاء قد عهدوا الى غيرهم في حال مرضهم وقبل موتهم وان ذلك لم يكن مانعا من تنفيذ وصاياهم وابرام عهودهم.

         اذاً، لو كان الرسول قويا ومهيمنا على مجتمعه ومطاعا فيهم لما استطاع احد ان ينقض عهده او يردّ امره . وهذا الطعن في الرسول من الخطورة ما تعلم ومناف للحقيقة كما سنبـينه فيما بعد.

3- فشله (حاشاه r) في التأثير على الناس وتغييرهم وتزكيتهم  وتربيتهم ! وهذا هو مقتضى قول الشيعة ان الصحابة كلهم ارتدوا بعد وفاة رسول الله الاّ ثلاثة - او سبعة في احسن الاحوال - اذ لو كان الرسول قد نجح في التأثير على الناس ونجح في تغييرهم لما تواطئوا جميعهم على كتمان النص ونقض العهد والانقلاب على من ارتضاه الله ورسوله ليكون أميرا عليهم ولرضوا بما رضيه الله ورسوله لهم لا سيما الذين صاحبوه منذ البداية  لان الله يقول :" وربك يخلق ما يشاء ويختار  ماكان لهم الخيرة" ، ويقول  : "ماكان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم" ويقول ايضا: "انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم أنْ يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون " النور/51

لو كان هناك مجموعة كافية من الاتقياء وممن تشبعوا بتعاليم الاسلام لوقفوا في وجه من يريد ان يخالف امر الله في مسألة دينية مهمة ويريد أن يصرف الحق عن اهله ويجتهد في معرض النص . فكما انه لم يستطع احد ان يجتهد في شأن الخمر ويـحلّه ولو فعله لوقف الناس كلهم في وجهه، كذلك لما استطاع احد ان يبدّل امرا دينيا مهما وخطيرا كالامامة التى يزعم الشيعة انها ركن من اركان الايمان . فلو كانت الامامة بهذه الاهمية فكيف لم يعترض المؤمنون على من اعتدى عليها وجعلها امرا دنيويا وغصبها من صاحبها؟    انك ترى اليوم حربا شعواء بين الاسلاميين الذين يدعون الى تحكيم شريعة الله والعلمانيين الذين يدعون الى تنحية شرع الله و تحكيم القوانين الوضعية ، فهل كان الصحابة الذين رباهم رسول الله r أقلّ غيرة على الاسلام ممن جاؤوا بعدهم بألف واربعمائة سنة؟. ان اجتماع الانصار في السقيفة ثم لحاق المهاجرين بهم وبحث مسألة الخلافة مع وجود النص والبيعة ثم مبايعة ابي بكر بالخلافة ورضوخ الصحابة لهذا الامر، الا قليلا منهم، يدل على رضى الصحابة بتبديل شرع الله ، وعدم ظهور معارضة ، لاشديدة ولا ضعيفة ، يدل على تواطئهم على مخالفة النص ونقض البيعة ، وهذا لعمري –لو صح – لعُدّ اكبر دليل على فشل الرسول في مهمته وعدم تمكنه من تكوين مجموعة صالحة يعتمد عليهم في نشر دينه وتبليغ رسالته.

ألم تكن مهمة الرسول r تعليم المؤمنين الكتاب والحكمة وتزكيتهم كما أخبر الله تعالى في مواطن عديدة من كتابه؟ [2] فهل نجح في تحقيق هذا المهام ام لا؟ هذا يجيب عليه القرآن والتاريخ والمنطق. فالقرآن يثني عليهم في مواقع كثيرة وباسلوب واضح صريح لا يدع مجالا للشك ، ويذكر لنا أن الله قد رضي عنهم ووعدهم جنات تجري من تحتها الانهار وليس جنة واحدة وأمر من يأتي بعدهم باتباعهم ،  والتاريخ يذكر لنا انهم وقفوا في وجه المرتدين وردوهم الى حظيرة الاسلام  وجمعوا القرآن وفتحوا البلدان ونشروا الاسلام ونقلوا نور الاسلام وتعاليمه  الى العالم ، والمنطق يقضي بكونهم من خيرة البشر لأن استاذهم ومربيهم هو الرسول r ومنهجهم هو كتاب الله ينزل عليهم غضا طريا ويوجههم خطوة خطوة .

4- جهل الرسول ( حاشاه) باصحابه وعدم تمييزه بين صالحهم وطالحهم وعدم معرفته المؤمنين الحقيقيين من غير الحقيقيين وعدم تمييزه بين طلاب الدنيا وطلاب الآخرة ، لذلك لم يكن يعرف من يُقدّم منهم ومن يُؤخّر، ومن يُقرّب ومن يُبعّد، وعلى من يعتمد وعلى من لايعتمد، لانه كما هو معلوم ان اقرب الناس اليه كان ابا بكر ثم عمر ثم عثمان مع علي طبعا وقد صاهرهم جميعا فتزوج من بنات اثنين منهم وزوج الآخرَين بناته وليس هذا فحسب فانه زوج عثمان احدى بناته وظل لا يعرف حقيقته طوال الفترة التي قضاعا مع رقية فزوجه الثانية [3] ،  فكان هؤلاء الاربعة من اقرب الناس اليه والى مجلسه، وربما يقول الشيعة انه كان يعرفهم ولكنه صاهرهم ليأمن شرهم ويتحاشى مكرهم[4] ، وهذا اتهام له بالضعف وعدم الهيمنة على مجتمعه وعدم رضوخ الناس له وهذا لعمري أشنع من الاول .

5- ضعف علي وجبنه (حاشاه) ، لان الاقوياء لا احد يجرؤ على الاعتداء عليهم وسلب حقوقهم  وان كانوا مكروهين من قبل الناس، فان اغلب الاشداء مكروهون من قبل الناس الا من كانت شدته على الاعداء لا على الاصحاب والاتباع ، وفي الحق لا في الباطل. فلو كان علي قويا وشجاعا لما استطاع احد ان يفكر ، مجرد التفكير، في الخلافة ناهيك عن انتزاعها منه أو صرفها عنه  . ولكن عليا لم يكن لا جبانا ولا ضعيفا بل كان من اشجع الفرسان واقوى الابطال وكان من عشيرة بني هاشم ومن اهل بيت النبـيr وهذه الامور تزيده قوة الى قوته وتعزز موقفه وموقعه .

6-  ويدل أيضاً على أن عليا علاوة على ضعفه وجبنه كان مكروها من  قبل الناس ، لذا لم يرحب احد بخلافته وتواطئوا جميعا على خلعه وتنصيب غيره لانه لو كان محبوبا من الناس لما تواطئوا على خلعه  ولما احجم كل الناس عن التذكير بحقه في الخلافة، فقد يكون الانسان ضعيفا ولكن الناس يقبلونه اميرا لحبهم له.

هذه ست دلالات على اجتماع الصحابة في السقيفة فيما لو كان هناك نص وبيعة اردت ان اثبتها اولا ثم آتي الى مناقشتها فيما بعد ، وهي كما ترى مترابطة ومتداخلة ولا يمكن فصلها عن بعضها ، فهي طعن في الرسول والصحابة وعلي في آن واحد. فقلة ايمان الصحابة لا تؤثر شيئا لو كان الرسول قويا ومهيمنا عليهم او كان علي شجاعا وقويا ومهابا ، فلا يمكن الاقتصار على امر دون آخر فكلها دلالات حتمية لاجتماع السقيفة فيما لو كان هناك نص او بيعة فما بالك بالنص والبيعة معا ، فوجود واحد منهما- اي النص والبيعة- يكفي للقول بهذه الدلالات الستة فكيف بهما جميعا .

والآن نأتي الى مناقشة هذه الامور ونرى مدى صحتها ، فاذا اثبتنا صحتها فحينئذ نسلم بوجود النص والبيعة ، اما اذا اثبتنا خطأها وفسادها فعندئذ يسقط القول بوجود النص او البيعة وتسقط هذه الفرضية وبذلك يكون اجتماع السقيفة دليلا على صحة ما فعله الصحابة ودليلا على ان اختيار الخليفة موكول الى الامة وليس امرا الهيا.

وقبل البدء بدراسة هذه الدلالات يجب ان نقر بان الشيعة يقولون باثنتين منها  : اولهما القول بان الصحابة خالفوا امر الله ورسوله ونبذوا النص ونقضوا العهد وتآمروا على علي وانقلبوا عليه ، و ثانيهما القول بان عليا كان مكروهامن قبل كثير من الناس لأنه قتل صناديد قريش وابطالهم ، لذلك حقدوا عليه وتآمروا عليه.[5] ولكن كما قلنا لايمكن الفصل بين هذه الدلالات والاقتصار على بعضها دون بعض فكلها مترابطة ومتداخلة ومتماسكة وكلها بنفس القوة من حيث دلالتها .

ولنبدأ الآن بمناقشة هذه الدلالات واحدة واحدة:

اولا: ما يخص الصحابة بانهم لم يكونوا متقين ولم يتمكن الايمان من قلوبهم  لذلك آثروا الدنيا ونقضوا البيعة وردّوا نصوص الكتاب والسنة ، نقول: هذا القول ينقضه  الكتاب والسنة واقوال علي في الصحابة وينقضه العقل والمنطق والتاريخ وحياة الصحابة.

اما ادلة الكتاب والسنة فسوف نقتصر على القرآن ولن نتطرق الى  السنة الاّ عند الضرورة على الرغم من كثرة الاحاديث التي وردت في شأن الصحابة  وان كان لا يُلتفت الى موقف الشيعة من تلك الاحاديث لأنهم لم يقبلوا اي حديث في مدح الصحابة كما لم يرفضوا اي حديث  في مدح من يسمونهم ائمة اهل البيت ، وهذا فيه ما فيه من الادلة على انصاف اهل السنة وتعصب الشيعة ، ولكن مع ذلك سوف لن نذكر الاحاديث التي وردت في فضائل الصحابة ونركز على اقوال علي وابنائه فانها الزم في الحجة.

اولا: ادلة القرآن:

قبل ان نذكر الايات التي تتحدث عن الصحابة يجب ان نشير الى حقيقة مهمة لا يماري فيها احد ، وهي ان القرآن يُعد اصدق وثيقة تاريخية للفترة التي نزل فيها والمجتمع الذي نزل فيه، و فيه صورة واضحة لذلك المجتمع الذي عاش فيه الرسول (r) وصورة دقيقة عن شرائحه بجميع اطيافه من المؤمنين والمشركين والمنافقين والنصارى واليهود. فانه يتحدث عن الجماعة المسلمة ونشأتها والمخاطر التي واجهتها وعن صفات المؤمنين ومابذلوه من اجل نصرة دينهم ورسولهم وعن الجهود التي بذلها الرسول الكريم في تربية ذلك الجيل وتنشأتهم على المباديء والقيم والمفاهيم  والاخلاق الاسلامية . بناء عليه نقول انه لايجوز غض الطرف عن هذه الوثيقة الصادقة والدقيقة ونُكوِّن في اذهاننا بعيدا عنها- أي القرآن- صورة لذلك المجتمع مغايرة تماما لتلك التي يرسمها القرآن.

 

. [1]   هذا هو تحليل الشيعة لبعثة اسامة وسوف نتحدث عنه فيما بعد بالتفصيل وانظر الى كتاب السقيفة لمحمد رضا المظفر والمراجعات لشرف الدين عبد الحسين الموسوي موضوع بعثة اسامة  

[2] .(هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة/2

( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) البقرة/151

( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) آل عمران /164

( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) البقرة/ 129

[3] . بعض علماء الشيعة يحاولون انكار كون رقية وام كلثوم وزينب من بنات الرسول ومن صلبه وهم مع ذلك ليسوا على قول واحد فمنهم من يقول انهن كن بنات خديجة من زوجها الاول وبعضهم يقول انهن كن بنات هالة اخت خديجة وكن في ذمة خديجة! وهذا يشبه قول بعضهم ان الذي كان مع النبـي في الغار لم يكن ابابكر الصديق ! والتكلف في كلتا الحالتين واضح وهو مخالف لما اجمع عليه اهل السير . وهذا يدل على ان الشيعة لا يسعون الى الوحدة والتقارب مع السنة لذلك يعمدون الى كل ما هو متفق عليه بينهم  يغيرونه ويبدلونه!

[4].مثل هذه التبريرات الباردة التي تدل على عدم احترام عقول الناس جاهزة عندهم في مثل هذه المواقف ، مثلا في سبب اصطحاب ابي بكر في الهجرة يقولون انه اصطحبه لكي لا يخبر عنه ، وفي سبب سكوت على على ضرب فاطمة يقولون انه سكت ولم يدافع عنها لان النبـي امره ان يصبر ولا يدافع عنها ، وهكذا الخ .

  1. ويضيف بعضهم كشرف الدين الموسوى في مراجعاته سببا آخر وهو القول بأنهم كانوا يحسدونه على ما آتاه الله من فضله لذلك تآمروا عليه والحسد جزء من الكراهية ، فلو أحبوه ما حسدوه .

  • الخميس PM 12:43
    2021-05-20
  • 1243
Powered by: GateGold