المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 474422
يتصفح الموقع حاليا : 339

البحث

البحث

عرض المادة

فكرة التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة

لا يخفي على أحد أهمية الوحدة والإصلاح بين المسلمين لقوله تعالى : ﴿ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ [الحجرات : 10]، فإن اتفاق كلمة المسلمين ووحدة صفهم وعدم تفرقهم في أصول الدين من المقاصد العظيمة التي حرصت الشريعة على إيجادها وتأكيدها.

لذا كان العمل على تحقيق ذلك في أرض الواقع من المهام الجليلة التي يعمل لها المحبون لنصرة هذا الدين، ولظهوره على الدين كله، لكن مع شرف هذا المقصد فقد سلك بعض الناس لإصلاح الفرقة طريقًا لا يوصل إلى المراد، وهو الاستجابة لمحاولة التوفيق بين الحق والباطل وغض الطرف عن المخالفات العقدية بزعم الإصلاح والتقريب بين المخالفين، ومن هذا المنطلق انطلقت دعوى الإصلاح والتقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة وتوحيد صفهما، ومع كل محاولة من هذه المحاولات المتعددة يتبين خطأ هذا الطريق وعدم جدواه.

وتمت محاولات للإصلاح والتقريب بين أهل السنّة والشيعة في القديم والحديث، من بعض أهل السُّنَّة ومن بعض الشيعة، سواء كانوا جماعاتٍ أو أفرادًا.

يشير التاريخ : أن الطوسي شيخ الطائفة في زمنه أول من اهتم بقضية التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة هم علماء الشيعة.

يقول الإمام أبوزهرة : « إن الطوسي كان بشخصه أول من حاول التقريب الفكري والنفسي بين طائفة الاثني عشرية وجمهور المسلمين »[1].

بينما يرى الدكتور محمود بسيوني فوده : أن الطبرسي هو من كان له السبق في هذا المجال[2].

يقول الدكتور ناصر القفاري : « ويظهر منهج كل من الطوسي والطبرسي في دعوى التقريب في كتابيهما : (تفسير التبيان) للطوسي و(مجمع البيان) للطبرسي، حيث اعتمدا في تفسير الآيات على مصادر الفريقين؛ متجنبين بعض (مظاهر الغلو) المعهودة عند الروافض في الاعتقاد والتفسير وهذا المنهج وضعه الطوسي والطبرسي على سبيل التقية لنشر نحلتهما في أوساط أهل السُّنَّة، وإلا فكل منهما لا يؤمن بجواز الاحتجاج بروايات أهل السُّنَّة، كما قال ابن طاووس والنوري الطبرسي وهما من كبار أئمة الشيعة : بأن تفسير التبيان للطوسي موضوع على أسلوب التقية، ومن الدليل أنه وضع على التقية : أن الطوسي هذا يرفض الاحتجاج بروايات أهل السنّة، بل يرفض روايات زيد بن علي بن الحسين، وكانت هناك محاولات للتقريب بين الفريقين في خضم الأحداث الكبيرة العنيفة في الصراع بين الطائفتين أشبه ما تكون بومضة برق في ليل بهيم ما تلبث أن تنتهي[3]

مؤتمر النجف

لكن أكبر المحاولات بعد ذلك في التقريب كانت في القرن الثاني عشر الهجري فيما يُعرف بـ «مؤتمر النجف« بين ممثلي الطائفتين برئاسة علامة العراق (عبد الله السويدي)[4] وإشراف وتدبير (نادر شاة)[5].

وفي السطور القادمة أتعرض لهذا المؤتمر باختصار، من كتاب : « مسألة التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة » للدكتور ناصر القفاري :

الزمان : عقد مؤتمر النجف في يوم الخميس 25 شوال سنة 1156 هـ في النجف لمدة ثلاثة أيام.

المكان : الموضع الذي تحت المسقف الذي وراء الضريح المنسوب إلى علي بن أبي طالب t.

سببُ انعقادِ المؤتمرِ :

الصراع الذي حصل بين السُّنَّة والشيعة في مملكة (نادر شاه) بعد أن استولى على الهند وتركستان وبخارى وبلخ وأصفهان، مما حدا بـ (نادر شاه) لعقد المؤتمر للتفاهم بين الطائفتين، وكلف بهذه المهمة العلامة السني عبد الله السويدي[6].

المشاركون في المؤتمر :

حضر المؤتمر سبعون عالما من إيران، وشارك سبعة من علماء الأفغان، وشارك سبعة من علماء بلاد ما وراء النهر[7].

نتائج المؤتمر : خرج المؤتمر بنتائج فيها نصرٌ عظيمٌ لأهل السُّنَّة ولا شك، وأقر الشيعة بأمور تخالفُ عقيدتهم، وهي :

إقرارهم بأن الصحابة كلهم عدول.

خضوعهم بأن أفضلَ الخلقِ بعد النبي صلى الله عليهم أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب y أجمعين، وأن خلافتهم على هذا الترتيب.

حرّموا المتعةَ، وقالوا : لا يقبلها إلا السفهاء منا.

وافقوا على أن لا يحلوا حراماً معلوماً من الدين بالضرورة وحرمته مجمع عليها، ولا يحرموا حراما مجمعا عليه بالضرورة.

منعُ سبِ الشيخين على المنابر.

التوقيعُ على ما سبق، ومصادقةُ جميعِ الحضورِ على ذلك.

وفي اليوم الثاني من أيام المؤتمر جرى فيه تلاوة ما صيغ من مقررات المؤتمر في يومه الأول، ذلك أن نادر شاه قد أمرهم أن يكتبوا جميع ما قرروه والتزموه في اليوم الأول في رقعة وأن يحضروا في اليوم الثاني وفي نفس المكان لتلاوة ما اتفقوا عليه والتصديق على ذلك من الجميع[8].

 

دار الإنصاف و دار التقريب بين المذاهب الإسلامية

أولاً :دار الإنصاف :

تأسست عام (1366هـ ) ببيروت.ومن كتبهم التي أصدروها من أجل التقريب كتاب (الإسلام بين السُّنَّة والشيعة)[9].

ثانياً :دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة :

وهذه الدار هي أهم محاولات التقريب، وأكثرها دراسة، وأطولها عمرًا [10]، التي تأسست سنة 1948م في حي الزمالك في القاهرة، بدعوة من الشيعي (محمد تقي القمي) الذي كان أمينًا عامًا للدار بعد ذلك. وقد ساهم في تأسيسها عدد من شيوخ الأزهر مثل : (محمود شلتوت) و(عبد المجيد سليم)[11]. و(مصطفي عبد الرازق)[12]، وغيرهم.

وعدد من علماء الشيعة مثل : (عبد الحسين شرف الدين) و(آقا حسين بروجردي)[13]، وقامت الجماعة بإصدار مجلة تتحدث باسمها وتخدم أغراضها باسم (رسالة الإسلام)[14].

وقد نقلت لنا مجلة الأزهر مقالًا لأحد كبار جماعة التقريب وهو الشيخ عبد اللطيف السبكي عضو هيئة كبار االعلماء بالأزهر الشريف يصف لنا نشأة الجماعة وهدفها، قائلا : «...جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، نشط في تكوين هذه الجماعة شيخ شيعي، يقيم في مصر لعهد قريب أو بعيد وقد استجابت لدعوته ثلة كريمة من رجالات الأزهر، ولم يكن يَسَع مسلمًا أن يتخلف عن تلبية الدعوة لتجديد وحدة المسلمين التي هتف بها القرأن الكريم : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران : 103]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام : 159].

جذبتني هذه الدعوة، فشرفت بالعضوية المتواضعة بين أولئك الأمجاد، فماذا وجدت جماعتنا وقد مضى عليها أربع سنوات تقريبا؟ نشطت في صدر عهدها إلى تعاقب الاجتماعات، فمرة للتعارف واختيار الرئيس والوكيل والسكرتير إلخ. ومرة ثانية : لاستقبال ضيف شرقي مسلم سيزور دارنا، دار التقريب وثالثة : لسماع رسائل وردت من جهات إسلامية، ومن بينها رسالة من النجف مركز الشيعة يطلب مرسلوها كلمة تُلقى هناك في الذكرى الموسمية للإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما ثم يُقترح علينا في هذه الجلسة أن تطلب الجماعة إلى الأزهر تدريس الفقه الشيعي إلى جانب مذاهب أهل السُّنَّة، ويتوارى الاقتراح في سرعة لأنه قبل أوانه...، وبعد ذلك توقفت الاجتماعات، وانحصرت الجهود في مجلة تصدرها دار التقريب هذه وتسميها (رسالة الإسلام) »[15].

ثالثاً :إعادة فتح دار التقريب في القاهرة :

وبعد إغلاق الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لهذه الدار بسبب خلافات سياسية بين إيران ومصر، ففي شهر مارس لعام 2007م تقرر إعادة فتح دار التقريب في القاهرة وإعادة إصدار مجلة رسالة الإسلام برئاسة الشيخ (محمود عاشور) وكيل الأزهر الشريف ومشاركة الشيخ (عبد الله تقي الدين القمي)[16] من كبار علماء الشيعة في إيران، وذلك عقب زيارة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي للقاهرة[17].

رابعاً :جمعية آل البيت :

كواحدة من أثار دار التقريب بالقاهرة وبدعم إيراني تأسست جمعية آل البيت سنة 1973، وكانت تعتبر مركز الشيعة في مصر، واستند عملها إلى فتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد على المذهب الشيعي، وكان للجمعية مقر في شارع الجلاء في القاهرة، وكانت تمول من إيران، ومن شيعة مصر من أموال الخمس، وكان يتبع الجمعية فروع في أنحاء كثيرة من قرى مصر تسمى حسينيات، كان هدفها نشر الفكر الشيعي، وتنظيم التعازي والمناسبات الشيعية، وكان آخر رئيس لها قبل أن تحلّ سنة 1979 محمد عزت مهدي[18].

يتبين لنا مما سبق، عدة إشارات جديرة بالوقوف عندها، وهي :

1ـ أن نشأة هذه الدار بتخطيط من مراجع الشيعة، على يد الشيخ محمد تقي قمي.

2ـ طلب علماء الشيعة إدخال الفكر والفقه الشيعي في مناهج الأزهر لكن اعتراض بعض العلماء أوقف تنفيذ ذلك الأمر.

3ـ اقتراح طباعة بعض الكتب الشيعية، وقد تم بالفعل طبعها وبعضها على نفقة وزارة الأوقاف المصرية[19].

فهل هذه دار للتقريب أم دار لنشر المذهب الشيعي في أوساط أهل السُّنَّة ؟!

وأنقل فيما يلي مقابلة أجرتها صحيفة الأخبار القاهرية مع زعيم دار التقريب الامام محمد تقى القمي في 4/2/1977، اعترف فيها بهذه الأهداف التي تحققت لصالح طائفته :

صرح القمي أنه بدأ بدعوته منذ عام 1937، وأن دعوته قد أثمرت، وساق المعلومات التالية كأدلة على نجاح دعوته :

1ـ وزارة الأوقاف المصرية تطبع وتنشر كتب أئمة الشيعة.

2ـ جامعة الأزهر قررت تدريس الفقه الشيعي دراسة مقارنة.

3ـ وزارة العدل المصرية تأخذ بآراء فقهاء الشيعة في قوانين الأسرة والأحوال الشخصية.

وأضاف قائلا : « إن دار التقريب بالزمالك في القاهرة تموج الآن بالنشاط والعمل وأنه مع عدد من علماء الأزهر يعكفون على إنجاز سلسلة من البحوث والكتب والدراسات في هذا الشأن ومنها : (الفقه الجامع) وهو يضم آراء علماء الفقه في مذهبي أهل السُّنَّة والشيعة، ويشرف على هذا الكتاب الشيخ عبد العزيز عيسى وزير شؤون الأزهر »[20].

وقد تنبه لذلك بعض علماء الأزهر والذين كانوا من أعضائها ثم فضوا أيديهم منها مثل الدكتور محمد البهي[21]، الشيخ عبد اللطيف السبكي، والشيخ محمد عرفه، والشيخ طه محمد الساكت وغيرهم.

يقول الشيخ محب الدين الخطيب : « انفض المسلمون جميعًا من حول دار التخريب التي كانت تسمى دار التقريب ومضى عليها زمن طويل والرياح تصفّر في غرفها الخالية تنعي من استأجرها، وأن العلماء المخلصين من أهل السُّنَّة انكشف لهم المستور من حقيقتها »[22].

إطلالة عامة على مواقف علماء الأزهر الشريف من فكرة التقريب

كما أشرت في بداية هذا البحث؛ إن تأسيس الجامع الأزهر من أول الأعمال التي قام بها الفاطميون لدى حكمهم لمصر؛ ليؤدي دوره في الدعاية للمذهب الشيعي الإسماعيلي؛ وبعد القضاء على الدولة الفاطمية؛ اجتهد صلاح الدين الأيوبي في توجيه الأزهر وجهة سنيّة، وجعله مؤسـسـة لتدريـس مذهـب أهل السُّنَّة، ولا يـزال الأزهـر بفضل الله تعالى إلى اليوم أحد أكبر المؤسسات الإسلامية، وبات يشكل مرجعية سنية بارزة.

ولكن في العصر الحديث اتسمت مواقف بعض علماء الأزهر تجاه الشيعة ومذهبهم بالتذبذب، والتأثر بالظروف السياسية، خصوصاً وأن المُشاهد اليوم لما يجري على الساحة يجد من دعاة التقريب من السُّنَّة حماسًا منقطع النظير لايقتصر فحسب على الدعوة للتآلف بل تعدى الأمر إلى التلبيس وتعمية الأمر على عوام أهل السُّنَّة بالقول بأنه لا يوجد خلاف بين أهل السُّنَّة والشيعة في الأصول بالرغم من وجوده، وهذا يُعَدُّ أمرًا خطيرًا ومزلقا صعبًا !! الأسباب التي أوقعتهم في هذه الخدعة تتنوع بحسب حال الدعاة وهي في تقديرنا ترجع لعدة أمور :

أولهما : عدم الإلمام بعقائد القوم، فتجد الواحد من هؤلاء متخصص في فن معين بعيد عن العقائد والفرق والملل والنحل، ولا يطلع على معتقدات القوم أو اطلاعه قاصر، والأمر كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ــ : « من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب ».

وثانيها : التقيَّة التي يُلبس بها الشيعة على هؤلاء الدعاة من السُّنَّة فيخدعونهم. ومن المعلوم أن للتقية عندهم شأن عظيم حتى جعلوها تسعة أعشار الإيمان[23].

وفي السطور القادمة سأقوم بمشيئة الله تعالى بتجلية هذه المواقف وملابستها والظروف التي ظهرت فيها، بل ربما ما يبطلها من أصحابها أنفسهم.

فتاوى وآراء علماء الأزهر المتساهلين في قضية التقريب وتحليلها

أولاً :الإمام الشيخ محمد عبده :

يذكر عنه تلميذه الأستاذ محمد رشيد رضا : أنه كان يرى الشيعة من أحوج الفرق إلى التقريب إلى الحق لأنه كان يحكم عليها بحكم أشد من حكم شيخ الإسلام ابن تيمية ولم يبين هذا الحكم لأن شيخه محمد عبده استكتمه إياه[24].

وموقف ابن تيمية من هؤلاء القوم : لا يخفي على أحد وكتابه المشهور (منهاج السُّنَّة النبوية) خير بيان لموقفه فمن كلامه فيه إن :«كثيرًا من أئمة الرافضة وعامتهم زنادقة وملاحدة ليس لهم غرض في العلم ولا في الدين»[25].

فكيف يدعوا الإمام محمد عبده إلى التقارب مع الشيعة، وفي نفس الوقت يحكم عليهم بحكم أشد من حكم ابن تيمية ؟!! ياليت الأستاذ رشيد رضا أفصح لنا عما استكتمه شيخه إياه حتى يخرجنا من هذه الحيرة التي أصابنا بها![26].

ثانياً :فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت :

أصدر شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت في سنة (1378ﻫ = 1959م) : فتوى تجيز التعبد بالمذهب الجعفري، واعتباره مذهباً إسلامياً خامساً! كالمذاهب السنية الأربعة (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) وأحدثت هذه الفتوى تأثيراً كبيراً.

ونص هذه الفتوى : « إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الاثنى عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السُّنَّة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير حق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات »[27].

والغريب أنه في الوقت الذي يفتي فيه فضيلة الشيخ رحمه الله بأن الشيعة مذهب خامس كالمذاهب السنية! إلا أننا لا نجد فتوى شيعية مشابهة؛ حتى من علمائهم المصنَّفين في خانة (المعتدلين)؛ كالمرجع الشيعي اللبناني (محمد حسين فضل الله)[28]، عندما سأل : هل يجوز التعبد في فروع الدين بالمذاهب السنية الأربعة، وكذلك بقية المذاهب غير الشيعية؟

فأجاب بالنص :

« لا يجوز التعبد بأي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت عليهم السلام لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة، والله الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل »[29].

وفي موضع آخر يقول : «... نحن عندما نتبع أئمة أهل البيت عليهم السلام إنما نفعل ذلك لاعتقادنا بعصمتهم، وأنهم لا يُخطئون أبداً، ولذا فإنهم عليهم السلام ليسوا أصحاب مذهب، فمذهب أبي حنيفة يسمّى : وجهة نظر، ولكن مذهب الإمام الصادق u ليس وجهة نظر يمكن أن تخطئ، ويمكن أن تصيب، بل هي على صواب ولذلك ليس مذهب الشيعة مذهباً اجتهادياً يخضع كغيره للصواب والخطأ، بل هو مذهب الإسلام؛ الذي ﴿ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [فصلت : 42][30].

ومن ناحية أخرى عمل الشيعة على نشر هذه الفتوى في أوساط العالم الإسلامي؛ فهم قد اتخذوها دليلاً على صحة مذهبهم بشهادة من داخل الأوساط السنية، من باب : (وشهد شاهد من أهلها )، وبالتالي تساعدهم على نشر التشيع في مجتمعاتهم، وهذا ما جعل الخميني يقول عند وفاة الشيخ شلتوت رحمه الله ـــ : « ما أحوج العالم الإسلامي إلى مثل هذا الرجل »[31].

 

[1] محمد أبوزهرة : الإمام الصادق : (ص464).

[2] محمود بسيوني فوده : الطبرسي مفسرا (ص10) رسالة دكتوراة لم تنشر.

[3] السابق (ص152)، وانظر : مسألة التقريب (ج2/ ص155).

[4] عبد الله بن حسين بن مرعي بن ناصر الدين البغدادي، أبو البركات السويدي : فقيه متأدب، من أعيان العراق. وهو أول من عرف بالسويدي من هذا البيت. ولد في كرخ بغداد، وتوفي والده وهو طفل فكفله عمه لأمه (الشيخ أحمد سويد) وتعلم واشتهر. ورحل إلى بلاد الشام والحجاز وعاد إلى بغداد فتوفي فيها... ثم ذكر له عدة مؤلفات منها شرح جليل على صحيح البخاري، وكتاب (المحاكمة بين الدماميني والشمني) وغير ذلك من المؤلفات، توفي في شوال سنة 1470هـ. انظر : محمودشكري الآلوسي : المسك الأذفر (ص61، 63)، نقلاً عن : مسألة التقريب (ج2/ ص155، 156).

[5] نادر شاه : أعظم ملوك إيران، وهو مؤسس أسرة أفغار، وقد عرف بالشجاعة الفائقة، وقد ترقى في رتب الجيش وعلا مقامه بانتصاراته على الأفغانيين والترك، وفي عهد الأسرة الصفوية جعل نفسه شاه فارس عند وفاة عباس آخر وبايعه الإيرانيون بالملك سنة سبع وأربعين ومئة وألف، توفي سنة 1747م. انظر : كارل بروكلمان : تاريخ الشعوب الإسلامية (ص525، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 1968م).

[6] د ناصر القفاري : مسألة التقريب (ج2/ ص157).

[7] ما وراء النهر : يراد به ما وراء نهر جيحون بخراسان فما كان في شرقيه يقال له بلاد الهياطلة وفي الإسلام سموه ما وراء النهر وما كان في غربيه فهو خراسان وولاية خوارزم. معجم البلدان : (ج5/ص45).

[8] عبد الله السويدي : النفحة المسكية (ص91 - 94)، عن : مسألة التقريب (ج2/ ص164، 165).

[9] د ناصر القفاري : مسألة التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة (ج2/ ص172، 173) باختصار.

[10] أحمد سيد أحمد علي : التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة ما له وما عليه (ص64).

[11] الشيخ عبد المجيد سليم : ولد سنة 1300هـ = 1882م : مفتي الديار المصرية. تخرج بالأزهر، وأخذ عن الشيخ محمد عبده. وتقلب في مناصب التدريس والقضاء والإفتاء. وولي مشيخة الأزهر مرتين. والافتاء نحو عشرين عاما. ويقال : أصدر ما يقارب 15 ألف فتوى، بينها ما يرجع إليه الفقهاء والقانونيون. ت 1374هـ = 1954م. الأعلام (ج4/ ص149).

[12] مصطفي عبد الرازق (1302 - 1366 هـ = 1885 - 194 )، من أسرة (عبد الرازق) المعروفة في قرى (المنيا) بمصر. ولد بها، وتخرج بالأزهر، وتتلمذ للشيخ محمد عبده، وأكمل دراسته في باريس وليون. وانتدب لتدريس مباحث إسلامية في ليون، وعاد إلى القاهرة سنة 1916م فعين سكرتيرا عاما لمجلس الأزهر، فمفتشا بالمحاكم الشرعية، فأستاذا للفلسفة الإسلامية بكلية الآداب. وأسندت إليه وزارة الأوقاف (سنة 1938م) ثم عين شيخًا للجامع الأزهر (سنة 1945م) واستمر إلى أن توفي بالقاهرة. انظر : عثمان أمين : أعلام الفكر الإسلامي (ص133- 138 )، الزركلي : الأعلام : (ج7/ ص231).

[13] آقا حسين بروجردي : ولد في مدينة بروجرد سنة 1292م / وكان زعيماً روحياً للاثني عشرية، انتقلت إليه الرئاسة الدينية العامة للإمامية بعد وفاة السيد الأصفهاني عام 1365هـ، وتوفي سنة 1380هـ ودفن بمدينة قمّ. انظر : المرجعية الدينية ومراجع الإمامية (ص142، 143) عن : د. أحمد سيد أحمد علي : التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة ما له وما عليه (ص68).

[14] وكان يرأس تحرير مجلة (رسالة الإسلام) الشيخ المرحوم محمد محمد المدني وظل قائماً على تحريرها إلى أن توفي في مايو سنة 1968م = 1388هـ، بعد أن أشرف على رئاسة تحرير (58) عددًا من أعداد المجلة الستين = = وتولى رئاسة تحرير المجلة د. علي الجندي، إلا أن رئاسته لم يكتب لها الدوام والاستمرار، فأشرف على رئاسة عددين فقط من أعداد المجلة، كانا هما العددين الأخيرين اللذين خُتمت بهما أعداد المجلة / وهما العددان (59، 60)، وتولى إدارة تحريرها في جميع أعدادها الشيخ عبد العزيز عيسى، والذي عُيّن فيما بعد وزيراً لشئون الأزهر. انظر : د. أحمد سيد أحمد علي : التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة ما له وما عليه (ص87)، وأيضاً : د. ناصر القفاري : مسألة التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة (ج2/ ص174).

[15] مجلة الأزهر المجلد 24 (ص 285، 286)، وانظر : مسألة التقريب (ج2/ ص174، 175).

[16] وهو نجل محمد تقي القمي صاحب فكرة دار التقريب. انظر : د. أحمد سيد أحمد علي : التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة ما له وما عليه (ص121).

[17] جريدة الدستور المصرية بتاريخ : 11/3/2007.

[18] أسامة شحادة، وهيثم الكسواني : التجمعات الشيعية في بلاد إفريقيا العربية (ص30).

[19] من هذه الكتب التي طبعت بالفعل : (المختصر النافع) لنجم الدين الحلي (ت676هـ)، (تذكرة الفقهاء) لـ : الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (ت726هـ)، (وسائل الشيعة) للحر العاملي، (المستدرك) للنوري الطبرسي، (الحج على المذاهب الخمسة) أي الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والجعفري ــ. انظر : د. ناصر القفاري : مسألة التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة (ج2/ ص180، 181).

[20] جريدة الأخبار : بتاريخ 4/2/1977، وانظر : الدكتور عبد الله محمد الغريب : وجاء دور المجوس الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية (ص283)، شبكة الدفاع عن السُّنَّة على الانترنت.

 

[21] محمد البهي : الفكر الإسلامي والمجتمعات المعاصرة (ص439)، ومسألة التقريب (ص183).

 

[22] مجلة الفتح العدد 848، العام السابع عشر شوال 1366هـ. وانظر : مسألة التقريب (ج2/ ص184).

 

[23] أشرف عبد المقصود : خدعة التقريب (ص1، ط1، مكتبة التراث الإسلامي، مصر 1999) بتصرف.

[24] محمد رشيد رضا : تاريخ الشيخ محمد عبده (ج1/ ص934).

[25] ابن تيمية : منهاج السُّنَّة (ج4/ ص70).

[26] وقد ادّعى الشيعة كذبًا وزورًا تشيع الإمام محمد عبده، انظر : هشام آل قطيط : المتحولون حقائق ووثائق (ص94، دار المحجة البيضاء، بيروت، ط1، 1422هـ = 2002م).

[27] جاسم عثمان مرعي : الشيعة في مصر (ص119، ط1، مؤسسة البلاغ، بيروت، 1423هـ = 2003م).

[28] محمد حسين فضل الله : ولد في مدينة النجف العراقية في عام 1935 أو 1936 ودرس على يد آية الله أبو القاسم الخوئي، من كبار مراجع الشيعة في العالم، قدم فضل الله إلى لبنان في عام 1966 وأقام في النبعة في ضاحية بيروت الشرقية، وعين في عام 1976 وكيلاً للإمام الخوئي (ممثله الشخصي) في لبنان أقام في النبعة، حيث وعظ وكتب، إلى أن استولى عليها الكتائب في 1976، فاضطر لمغادرتها كما فعل جميع سكان الحي من الشيعة. برز فضل الله منذ خريف 1983 بوصفه أحد أكثر علماء الشيعة نفوذًا في لبنان وبخلاف مرشده آية الله الخوئي الذي يرفض التدخل في السياسة، مارس فضل الله دورًا فعالاً على الساحة السياسية، وبدا أحيانًا وكأنه يستمتع بوضعه كشخصية سياسية معروفة. يمكن مراجعة سيرة فضل الله السياسية بشكل مكثف في : الحركة الإسلامية في لبنان (ص 246 - 277).

[29] محمد حسين فضل الله : مسائل عقدية (ص110)، وانظر : أسامة شحادة، وهيثم الكسواني : التجمعات الشيعية في بلاد إفريقيا العربية (ص 27).

[30] محمد حسين فضل الله : فقه الحياة (ص278، 279)، وانظر : أسامة شحادة، وهيثم الكسواني : التجمعات الشيعية في بلاد إفريقيا العربية (ص 27، 28).

[31] محمد السعيد إدريس : مصر وإيران؛ تحديات ما بعد 11 سبتمبر 2001 (ص163، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 2003م).ويميل الدكتور حمدي عبيد إلى أن هذه الفتوى مسيسة وتتسق مع دور الأزهر الذي حاول جمال عبد الناصر استخدامه لصالح طموحه القومي في زعامة العرب (سنة وشيعة) وبخاصة شعوب دول حلف بغداد المناوئ له وبوجه خاص في العراق والسعودية التي ساهم في إنشاء منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية(شيعية ) في المنطقة الشرقية منها، ومن ثم قدم عدداً من الشواهد التي تدعم هذا الرأي.

 

  • الاثنين AM 11:22
    2025-04-07
  • 239
Powered by: GateGold