المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414879
يتصفح الموقع حاليا : 211

البحث

البحث

عرض المادة

عصمة الأئمة

عصمة الأئمة

       ذكرت من قبل ما ذهب إليه الشيعة من القول بعصمة الأئمة ، فلا يخطئون عمداً ولا سهواً ولا نسياناً طوال حياتهم ، لافرق في ذلك بين سن الطفولة وسن النضج العقلى ، ولا يختص هذا بمرحلة الإمامة .

       ومما استدلوا به قوله تعالى :- " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " .

      قالوا : تدل هذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصوماً عن القبائح ، لأن الله سبحانه وتعالى نفى أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم ، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالماً إما لنفسه وإما لغيره ، فإن قيل : إنما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه ، فإذا تاب لا يسمى ظالماً ، فيصح أن يناله ، فالجواب أن الظالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالماً . فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها . والآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت ، فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلها ، فلا ينالها الظالم وإن تاب فيما بعد ([1][110]) .

      ثم قالوا : إن الله سبحانه وتعالى عصم اثنين فلم يسجدا لصنم قط وهما : محمد بن عبد الله وعلى بن أبى طالب ، فلأحدهما  كانت الرسالة ، وللآخر كانت الإمامة ، أما الخلفاء الثلاثة فلم يعصموا ، وهم ظالمون ليسوا أهلاً للإمامة .

       ونلاحظ هنا :

  1. في تأويل الآية الكريمة ([2][111])" إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا " يحتمل جعله رسولاً ُيقتدي به ، لأن أهل الأديان، مع اختلافهم ، يدينون به ، ويقرون بنبوته . ويحتمل إماماً من الإمامة والخلافة ، أو الإمامة والاقتداء ، فيقتدي به الصالحون . والعهد اختُلف في تأويله : فقيل الرسالة والوحي ، وقيل الإمامة ، وهو واضح من التأويل السابق ، ويؤيده عدة روايات . وعن  ابن عباس     قال : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : ليس للظالمين عهد ، وإن عاهدته أنقضه ، وروى عن مجاهد وعطاء ومقاتل بن حبان نحو ذلك. وقال الثوري عن هارون بن عنترة عن أبيه  قال : ليس لظالم عهد . وقال عبدالرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة قال : لا ينال عهد في الآخرة الظالمين ، وأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به وأكل وعاش ، وكذا قال إبراهيم النخعى وعطاء والحسن وعكرمة . وقال الربيع بن أنس : عهد الله الذي عهد إلى عباده دينه ، يقول لا ينال الظالمين ، ألا ترى أنه قال :

" وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ  " ([3][112])

      يقول : ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق ، وكذا روى عن أبى العالية وعطاء ومقاتل بن حيان ، وقال جويبر عن الضحاك : لاينال طاعتي عدو لي يعصيني ، ولا أنحلها إلا ولياً يطيعني . وروى عن على بن أبى طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينال عهدي الظالمين " قال :  " لا طاعة إلا في المعروف . فالآية الكريمة إذا اختلف في تأويلها ، والقطع بأن المراد هو ما ذهب إليه الجعفرية من التأويل ينقصه الدليل ، ورد باقي الأدلة .

  1. ولكن مع هذا فلا خلاف بأن الظالم لا يصلح لإمامة المسلمين ، قال الزمخشري : " وكيف يصلح لها من لايجوز حكمه وشهادته ، ولا تجب طاعته ، ولا يقبل خبره ، ولا يقدم للصلاة ؟ وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتى سراً بوجوب نصرة زيد بن على رضوان الله عليهما ، وحمل المال إليه ، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمى بالإمام والخليفة كالدوانيقى([4][113]) وأشباهه ، وقالت له امرأة : أشرت على بنى بالخروج مع إبراهيم ومحمد بنى عبد الله بن الحسن حتى قتل : فقال ليتنى مكان ابنك وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة ، فإذا نصب من كان ظالماً في نفسه فقد جاء المثل السائر : من استرعى الذئب ظلم "([5][114])

ا 3. لايمكن التسليم بأن غير المعصوم لابد أن يكون ظالماً ، أو أن غير الظالم لابد أن يكون معصوماً  ، فبين العصمة وعدم الظلم فرق شاسع ، فالمخطئ قبل التكليف ليس ظالماً ولا يحاسب بالاتفاق ، ومن ندر ارتكابه للصغائر وأتبعها بالتوبة والاستغفار لا يكون ظالماً ، أما الخطأ والنسيان فمما لايحاسب عليه كما قال صلى الله عليه وسلم : " وُضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ([6][115]). وكما يؤخذ من دراسة قوله تعالى :

"  رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا "  ([7][116])

  1. في رفض الآلوسى لما ذهب إليه الشيعة قال : استدل بها بعض الشيعة على نفى إمامة الصديق وصاحبيه رضي الله عنهم ، حيث إنهم عاشوا مدة مديدة على الشرك ، وإن الشرك لظلم عظيم ، والظالم بنص الآية لا تناله الإمامة ، وأجيب بأن ( غاية ما يلزم أن الظالم في حال الظلم لايناله ، والإمامة إنما نالتهم رضي الله تعالى عنهم في وقت كمال إيمانهم وغاية عدالتهم ) ، ثم قال : " ومن كفر أو ظلم ثم تاب وأصلح لا يصح أن يطلق عليه أنه كافر ، أو ظالم في لغة وعرف وشرع ، إذ قد تقرر في الأصول أن المشتق فيما قام به المبدأ في الحال حقيقة وفى غيره مجاز ، ولا يكون المجاز أيضاً مطرداً بل حيث يكون متعارفاً وإلا لجاز صبى لشيخ ونائم لمستيقظ وغنى لفقير وجائع لشبعان وحى لميت وبالعكس ، وأيضاً لو اطرد ذلك يلزم من حاف لا يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إلا أنه كان كافراً قبل سنين متطاولة أن يحنث ، ولا قائل به " ([8][117]) .
  2. ليس من المقطوع به أن الإمام عليا لم يسجد لصنم قط ، ولم أجد أثراً صحيحاً يؤيد هذا ، ولكن يرجحه أن الإسلام أدركه وهو صبى ، وأنه تربى في بيت النبوة ، واقتدى بابن عمه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وتخلق بخلقه ، ولهذا كان أول من أسلم بعد خديجة رضي الله تعالى عنهما .

      والذين لم يسجدوا للأصنام كثيرون كالصحابة الذين عاشوا في بيئة إسلامية في صغرهم فنشئوا على الإسلام ، ثم الذين ولدوا في هذه البيئة ، فلا اختصاص لأمير المؤمنين هنا .

  1. العصمة من الخطأ كبيره وصغيره ، عمداً وسهواً ونسياناً من المولد إلى الممات أمر يتنافى مع الطبيعة البشرية ، فلا يقبله العقل إلا بالدليل قطعى من النقل . وهذه الآية الكريمة لا تثبته للأئمة عموماً فضلاً عن أئمة الجعفرية على وجه الخصوص ، على أن دلالة القرآن الكريم تتنافى مع مثل هذه العصمة حتى بالنسبة لخير البشر جميعاً الذين اصطفاهم الله تعالى للنبوة والرسالة . وقد أثبتُّ هذا من قبل في بحثى الذي نلت به درجة الماجستير ([9][118]) ، وسيأتي الحديث عن العصمة في الفصل الخامس من هذا الجزء .
  2. الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه ، والذين مدحهم القرآن الكريم في أكثر من موضع ، ويبين أنهم .

" كُنتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " ([10][119])

       كيف يستبيح مسلم لنفسه أن يصفهم بأنهم ظالمون ؟ وكيف يصدر هذا ممن يقول : الظلم اسم ذم ، ولا يجوز أن يطلق إلا على مستحق اللعن لقوله تعالى:

"أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" ([11][120])

        وكيف يبين القرآن الكريم أنهم خير أمة أخرجت للناس ثم تؤول آية من آياته بأنهم ملعونون ؟

       فعلى الجعفرية إذا أن يعيدوا النظر في تأويلهم ، وما بنوه على هذا التأويل.

       والآية الكريمة على كل حال لا تدل على أن إمام المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون على بن أبى طالب و لا على إمامة أحد بعينه .

 

  (113)  انظر التبيان 1/449 ، ومجمع البيان 1/202 ، ومصباح الهداية 60-63 .

  ([2][111])  نظر تفسير الماتريدى : ص 279 ، والطبرى تحقيق شاكر 3/18- 24 ، وابن كثير1/167 ، والآلوسى 1/306 -308 ، والبحر المحيط 1/374 -379 ، والقرطبى 2/107-109 .

  ([3][112]سورة الصافات – الآية 113.

  (116)  اللص المتغلب والخليفة الذي ذكره الزمخشري هو هشام بن عبدالملك ، وأما الدوانيقى فهو المنصور أخو السفاح ، سمى بذلك قيل لبخله ، وقد ذكر يعض المصنفين أنه لم يكن بخيلاً   ( البحر المحيط 1/378) .

   ([5][114])  الكشاف 1/309 وقال القرطبى (2/109) قال بن خويزمنداد : وكل من كان ظالماً لم يكن نبياً ولا خليفة ، ولا حاكماً ، ولا مفتياً ولا إمام صلاة  ، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة ، ولا تقبل شهادته في الأحكام .

   ([6][115])   رواه ابن ماجة وابن أبى عاصم ،ورجاله ثقات ، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وقال النووى في الروضة وفى الأربعين أنه حسن . ووقع في كتب كثيرين من الفقهاء والأصوليين بلفظ " رفع "  بدل " وضع " ، وحول الحديث كلام يطول ذكره ، انظر المقاصد الحسنة ص 228 – 230 وكشف الخفاء 1/433-434 . 

   ([7][116])  روى الامام مسلم وغيره ما يفيد استجابة ربنا عز وجل لهذا الدعاء ، وروى كذلك عند الجعفرية : انظر مجمع البيان 2/404 ، وانظر كذلك تفسير بن كثير 1/342-343 ، والقرطبى 3/431-432 والكشاف 1/408.

  ([8][117])   انظر تفسير الآلوسى 1/307 -  308 .

  ([9][118])   انظر فقه الشيعة الإمامية ومواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة ج1 ص 37:18.

  ([10][119])   سورة آل عمران – الآية رقم 110 . 

  ([11][120])  انظر التبيان 1/158 ، والآية المذكورة هي رقم 18 من سورة هود .  

  • الثلاثاء PM 07:04
    2021-04-27
  • 1129
Powered by: GateGold