المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412331
يتصفح الموقع حاليا : 263

البحث

البحث

عرض المادة

أزمــة الهويــة اليهوديـة

أزمــة الهويــة اليهوديـة
Crisis of Jewish Identity


1 ـ من هو اليهودي؟:
لعل أولى الخطوات التي تتخذها أية حركة بعث قومي أو حركة تحرُّر وطني هي تحديد الـ «نحن» ومنْ «هم»، ومنْ يقع داخل نطاق الهوية ومنْ يقع خارجها. وهذه الخطوة ليست أكاديمية أو حماسية أو مجرد ديباجة تبريرية وإنما هي من صميم الفعل السياسي، إذ أنها خطوة ضرورية لصياغة المشروع، بجميع جوانبه الحضارية والسياسية والاقتصادية، وللتعريف بمن سيتم تجنيده ومن سيتم استبعاده، وتحديد الصديق والعدو، وحدود الدولة، وهويتها، وسكانها، ومن يحق له الهجرة إليها وهكذا. وقد طرحت الصهيونية نفسها باعتبارها حركة تحرير الشعب اليهودي ومرادفة للقومية اليهودية وبدأت من القول بأن اليهود شعب واحد يندرج داخله كل أعضاء الجماعات اليهودية وأن ثمة تاريخاً يهودياً واحداً يدورون جميعهم في إطاره. وانطلاقاً من هذا تقرَّر أن تؤسَّس الدولة اليهودية.


وقد نشب الصراع حول هذه الهوية اليهودية القومية الوهمية منذ البداية بين دعاة الإثنية الدينية (الصهيونية الدينية) ودعاة الإثنية العلمانية (الصهيونية الثقافية) وكان مركز الصراع مصدر يهودية اليهودي (الخالص المقدَّس) هل هو التطور التاريخي والتراث اليهودي والانتماء العرْقي، أم الاختيار الإلهي والتاريخ اليهودي المقدَّس؟ كما نشب صراع بين يهود الشرق والغرب وطُرح سؤال: هل اليهودي هو اليهودي الإشكنازي الأبيض وحده، أم أن مقولة اليهودي تشمل يهود العالم كافة متضمنة بذلك السفارد والفلاشاه؟ وأرجئ حسم الخلاف، واتفق الجميع على الإشارة مؤقتاً لكل الجماعات اليهودية بكل تنوُّعها الحضاري وانعدام تجانسها العرْقي على أنهم "اليهود" أو "الشعب اليهودي" بشكل عام مطلق مع التزام الصمت تجاه رقعة الخلاف. وقد ظلت حالة اللاحرب واللاسلم الهلامية سائدة حتى إقامة الدولة حين أُصدر قانون العودة الذي يعطي لأيِّ يهودي الحق في الاستيطان في فلسطين استناداً إلى "يهوديته" التي لم يتم تعريفها! وبذا تم وضع قضية الهوية (بل قضايا أخرى مثل "الشخصية اليهودية" و"وحدة الشعب اليهودي") على المحك.

وقد يقول قائل إن هذه الإشكالية هي من "مخلفات الماضي"، وأنها من الأمور الشكلية غير العملية التي لا تمس الجوهر، ولن تؤثر في سلوك المستوطن الصهيوني من قريب أو بعيد. ولكن مثل هذا القول سيكون من قبيل تطبيع النسق السياسي الصهيوني، أي النظر إليه كما لو كان نسقاً سياسياً طبيعياً وليس كياناً استيطانياً إحلالياً له ظروفه الخاصة التي تحدد طبيعته الخاصة. فتعريف اليهودي مسألة أساسية للعقد الاجتماعي الصهيوني للأسباب التالية:

أ) إذا كان تعريف المسيحي في الولايات المتحدة مسألة شكلية، فإن هذا يعود إلى أن حكومة الولايات المتحدة لا تبحث عن شرعية مسيحية. ذلك أن مصادر شرعيتها تقع خارج نطاق الديانة المسيحية، بل ربما خارج التراث المسيحي ككل. أما الدولة الصهيونية فهي تدَّعي أنها يهودية وأنها تجسد قيماً (إثنية دينية أو علمانية) يهودية، وأنها استمرار للدولة اليهودية القديمة (ولذا يطلق الصهاينة على إسرائيل اصطلاح «الهيكل الثالث»). وانطلاقاً من هذا، تطلب الصهيونية من اليهود الالتفاف حولها ودعمها، وباسم هذه الهوية اليهودية المزعومة تقوم أيضاً بضم الأراضي. لكن الفشل في تعريف اليهودي يضعف مقدراتها التعبوية ويضرب أسطورة الشرعية في الصميم.

ب) تدَّعي الدولة الصهيونية أنها دولة كل اليهود في أنحاء العالم. ومن المعروف أن المؤسسة الدينية في إسرائيل تصر على أن التهويد يجب أن يتم على يد حاخام أرثوذكسي، وهذا يعني في واقع الأمر استبعاد أكثر من 80% من يهود العالم الذين يعرِّفون اليهودي على أسس لادينية أو لا يقبلون اليهودية الأرثوذكسية. فأغلبية يهود الاتحاد السوفيتي قد تحولوا إلى يهود إثنيين، أو يهود غير يهود، والمهاجرون منهم حينما يصلون إلى إسرائيل يواجهون الكثير من المتاعب بسبب إصرار المؤسسة الأرثوذكسية على تعريفها. كما أن كثيراً منهم طرف في زيجات مُختلَطة (أي من غير اليهود)، وبالتالي لا تعترف المؤسسة الأرثوذكسية بأولادهم يهوداً. أما يهود الولايات المتحدة، فإن أعداداً كبيرة منهم من الإصلاحيين والمحافظين الذين لا يعترف الأرثوذكس بيهوديتهم.

جـ) في أيامها الأولى، عرَّفت الصهيونية اليهودي على أنه اليهودي الأبيض (أي الإشكناز). وهي في هذا كانت متسقة تماماً مع نفسها، فقد كانت تقدِّم نفسها على أنها تجربة تتم داخل إطار التشكيل الاستعماري الغربي. ولكن، نظراً لملابسات الاستيطان نفسها ونظراً لطبيعة التكوين الإثني للمهاجرين، تم إخفاء هذا التعريف، الذي يعادل بين اليهودي والإشكنازي، عن الأنظار. ولكن إخفاءه عن الأنظار (أي اللجوء إلى الحل المراوغ) لا يحل المشكلة إذ أن القضية تثار بدرجات متفاوتة في الحدة. فالرؤية الكامنة التي توجِّه الدولة الصهيونية لا تزال أولاً وأخيراً رؤية إشكنازية تحاول القضاء على الأشكال الحضارية الشرقية التي أحضرها اليهود الشرقيون معهم (من السفارد واليهود العرب ويهود البلاد الإسلامية). وقد أدَّى وصول الفلاشاه إلى طرح القضية مرة أخرى، إذ لم تعترف دار الحاخامية بيهوديتهم وطلبت منهم أن يتهودوا، كما أن لونهم الأسود قد أثار العنصرية البيضاء القديمة بين الإشكناز.

د) ومما يزيد مسألة الهوية تعقيداً، ظهور هوية إسرائيلية جديدة بين جيل الصابرا من الإشكناز تتسم بسمات عديدة من بينها احتقار عميق ليهود العالم (وعقلية المنفى) وعدم الاكتراث بالقيم التي يُقال لها «يهودية» في القول الصهيوني. ومن هنا، كان وصف عالم الاجتماع الفرنسي جورج فريدمان للصابرا بأنهم "أغيار يتحدثون العبرية"، ويجد البعض صعوبة بالغة في تصنيف هوية هؤلاء على أنها "يهودية". هذا وتشهد الدولة الصهيونية تصاعداً حاداً في مستويات التهويد والعلمنة الأمر الذي يعمق من حدة التناقضات.

كل هذه العناصر والتوترات والتناقضات، تجعل من العسير على اليهود أنفسهم تصديق مقولة الشعب اليهودي الذي يتجاوز الأزمنة والأمكنة ويتسم بجوهر عضوي يهودي أزلي، تلك المقولة التي تنطلق منها الأيديولوجيا الصهيونية. فالفعل أثبت أنه لا يوجد جوهر واحد أو وحدة عضوية وإنما سمات عديدة متنوعة بتنوع التشكيلات الحضارية والتاريخية التي عاش فيها اليهود.

إن قضية تعريف اليهودي، إذن، ليست قضية دينية أو سياسية، وإنما هي قضية مصيرية تنصرف إلى رؤية العالم والذات والأساس الذي يستند إليه تضامُن المجتمع ومصدر الشرعية فيه.

2 ـ اليهود الشرقيون:
أسس الإشكناز الجيب الصهيوني من خلال خلايا زراعية عسكرية متناثرة على أرض فلسطين، ثم قامت بالاستيلاء عليها وطَرْد سكانها حينما سنحت الفرصة وأعلنت قيام الدولة الصهيونية ـ ولكن الدولة شيء والمجتمع شيء آخر. وحتى يتم تأسيس مجتمع متكامل، كان لابد أن يضم مادة بشرية جديدة لشغل قاعدة الهرم الإنتاجي، ليصبحوا عمالاً وفلاحين يقومون بالأعمال الإنتاجية ـ ومن هنا كان تهجير اليهود العرب بالوعد أحياناً (اليمن) وبالوعيد أحياناً أخرى (العراق). وقد نجح الصهاينة في إنجاز هذا الجزء من مخططهم، إلى حدٍّ بعيد، بسبب عمالة بعض الحكومات العربية وجهل بعضها الآخر.


وقد كانت الأمور مستقرة وهادئة داخل الكيان الصهيوني حتى عام 1967. وكان الهرم المقلوب قد وقف على قاعدته من خلال يهود البلاد العربية، وتربَّع على قمته يهود البلاد الغربية الذين كانوا يديرون الأمور ويستخدمون اليهود السفارد والشرقيين كعمالة رخيصة وأداة لضمان دوران دولاب العمل، وجعل هؤلاء يهللون بأن الهرم اليهودي تم تطبيعه مع أن قاعدته كانت سفاردية وشرقية وقمته إشكنازية غربية. ولكن، مع دخول العمالة العربية بعد عام 1967، ومع تزايد الثروات التي صبت في التجمع الصهيوني، حقق اليهــود الشرقيـون شـيئاً من الحراك الاجتماعي، وتركوا قاعدة الهرم الإنتاجي والأعمال الوضيعة للعمال العرب، بل تحولوا إلى مقاولي أنفار (فهم يجيدون التعامل مع المادة البشرية العربية بسبب خلفيتهم الثقافية المشتركة، وبالتالي فقد تحولوا إلى جماعة وظيفية وسيطة). وقد زادت بسبب هذا طفيلية وهامشية القطاع اليهودي في الاقتصاد الإسرائيلي. وقد بدأ الشرقيون يطالبون بالمساواة مع الإشكناز. ولكن المفارقة الكبرى تكمن في أنه كلما ازدادت مساواة الشرقيين بالغربيين ازدادت أزمة المجتمع الصهيوني تفاقماً، إذ أن العنصر اليهودي (بشقيه الغربي والشرقي) سيزداد صعوداً إلى قمة الهرم وانعزالاً عن قاعدته الإنتاجية الأمر الذي يزيد تواجد العرب فيها.

ويحاول الإشكناز تحاشي هذا الموقف عن طريق استيعاب الشرقيين دون دمجهم في المجتمع. فالاستيعاب لا ينطوي على صهر الجماعات المختلفة بل يعني إمكانية السيطرة والتحكم لدرجة قد تصل إلى الهيمنة. وهذا يعني أن الشرقيين سيصبحون يهوداً بالمعنى العام للكلمة دون أن يصبحوا إشكنازاً، أي أنهم سيحلون الأزمة السكانية للتجمع الصهيوني (كيهود) دون أن يهددوا مواقع الإشكناز المتميِّزة. ويتم إنجاز ذلك عن طريق طرح إطار مرجعي ثقافي غربي يشعرالشرقيون داخله بدونيتهم بشكل دائم، فالشرقي حينما يحكم على نفسه بمقاييس حضارية إشكنازية سيجد نفسه ناقصاً (وهذا تكتيك استعماري معروف يشكل جوهر التبعية). كما أن الإحساس بالدونية تجاه الإشكناز يترجم نفسه إلى إحساس بالفوقية تجاه العرب وإلى كره عميق نحوهم يجعل الشرقيين حريصين على خلق مسافة واسعة بينهم وبين العرب (وهذه إحدى السمات الأساسية لسلوك الطبقات التي توجد في الوسط). وقد أدَّى ذلك إلى تهميش الشرقيين سياسياً وقطع جسورهم مع العرب. فالشرقيون ليؤكدوا ولاءهم للدولة، وحتى لا تنصرف إليهم شبهة الخيانة، يأخذون موقفاً متشدداً من العرب (وهم بذلك حـمائم تحـاول أن تكون صقوراً). ولكن، بسبب موقفهم المتشدد هذا، يؤكد أعضاء المؤسسة الإشكنازية أن الشرقيين غير صالحين للتفاوض مع العرب (أي أنهم صقور لا تَصلُح أن تكون حمائماً).

إن عملية التهميش السياسي والثقافي للشرقيين تشبه من بعض الوجوه عملية تغييب العربي وتهميشه في علاقته بالأرض. وفي الواقع فإن هذه العملية ساندتها بنية القوة المتحيزة للإشكناز الذين احتفظوا بكل مؤسسات صنع القرار في أيديهم (الوزارة والكنيست والوظائف الإدارية والسياسية العليا. وبالدرجة الأولى المناصب القيادية في الجيش). ويُلاحَظ أثر هذا الوضع في حدود الحراك الاجتماعي الذي يحققه الشرقيون، فقد زادت نسبتهم في جميع مراحل التعليم ما عدا مرحلة التعليم العالي، ونجدهم في الجيش في جميع مستوياته. ولكن نسبتهم تقل عند قمة الهرم العسكري، فلا يوجد سوى 3% من الشرقيين بين القيادات. وقد يشغل أحدهم منصب رئيس الدولة، أما منصب رئيس الوزراء صاحب القوة الفعلية فهو من نصيب الإشكناز. وهم قد يوجدون في الموشافيم ولكن لا يُسمَح لهم بدخول الكيبوتسات، أي المؤسسة التي تفرخ القيادات السياسية والعسكرية، إلا بنسبة صغيرة. والفجوة بين الإشكناز والشرقيين ليست فجوة طبقية اجتماعية بالمعنى المألوف، وإنما هي أيضاً تعبير عن الطبيعة الإحلالية للمجتمع الصهيوني الاستيطاني باعتباره مجتمعاً مبنياً على اغتصاب الأرض وطرد سكانها واستيراد عنصر بشري يهودي شرقي فقير، عليه أن يبقى كذلك حتى يظل عند قاعدة الهرم الإنتاجي.

ولذا، يمكن القول بأن أزمة اليهود الشرقيين هي، عن حق، بؤرة أزمات المجتمع الصهيوني، فهي تعبِّر عن أزمة الهوية والأزمة السكانية الاستيطانية وأزمة الإنتاجية والتطبيع، أي أزمة الأيديولوجيا الصهيونية (الاستيطانية). فإن قنع الشرقيون بموقعهم عند قاعدة الهرم، وتقبلوا الصيغة المراوغة التي تجعلهم يهوداً وطليعة قتالية للشعب اليهودي دون أن يكونوا إشكنازاً ودون أن يشاركوا في صنع القرار بما يتناسب مع عددهـم، وزادوا معـدلات استهلاكهم دون أن يتحركوا إلى قمة الهرم، فإن أزمة الصهيونية كانت قابلة للحل، وكان من الممكن أن يُقال حينذاك إن هذا شعب يهودي واحد، منتج بطبيعته، له مؤسساته الديموقراطية مثل كل الأمم، ولأمكن الاستمرار في القتل والقتال والاستيطان بالمادة البشرية اليهودية الشرقية تُوجِّهها المادة البشرية اليهودية الغربية، وبذا تستمر الإمبريالية في الدعم والتمويل. ولكن إذا صاح الشرقيون، وبددوا الصمت وملأوا الفراغات، وطالبوا بأن يتحول القول إلى فعل وقالوا: إن كنا شعباً واحداً حقاً، فلمَ لا نشارك في صنع القرار بما يتفق مع نسبتنا العددية، ولمَ لا نصعد نحن أيضاً إلى قمة الهرم، إن صاحوا بذلك فيكون في صياحهم هذا تهديد حقيقي للأوهام الصهيونية.

3 ـ هوية الدولة اليهودية:
تفجرت قضية الهوية اليهودية على مستوى الدولة التي يُقال لها يهودية. فنشبت معركة بين الدينيين واللادينيين، فاللادينيون يودون أن يروا إسرائيل دولة علمانية بمعنى الكلمة لا تلتزم بأية قيم دينية أو أخلاقية، يمارس فيها كل فرد حريته كاملة بحيث تتحوَّل شعائر الدين اليهودي إلى مجرد شكل لطيف من أشكال الفلكلور والموروث القومي وبالتالي فهي ليست ملزمة. أما الصهاينة الدينيون فيذهبون إلى أن الدولة اليهودية لابد أن تتبع القيم الإثنية الدينية فتقيم شعائر الدين اليهودي وتمنع الإباحية وتغلغل الممارسات العلمانية (مثل البغاء والصور الفاضحة وأكل لحم الخنزير الذي يستهلكه الإسرائيليون بشراهة). ولهذا السبب احتدم الصراع. ويتساءل اليهود المتدينون داخل وخارج إسرائيل كيف يمكن أن تُسمَّى الدولة الصهيونية، التي تُعَد من أكثر الدول إباحية في العالم، دولة يهودية؟ وقام العلمانيون من جانبهم بمحاولة تأكيد أن الدولة الصهيونية دولة علمانية ويهودية في آن واحد، وقاموا بحرق أحد المعابد اليهودية وإلقاء رأس خنزير في معبد آخر (وهذه وقائع مرتبطة في وجدان أعضاء الجماعات اليهودية بالنازية ومعاداة اليهود).


ولكن إلى جانب هذا الانقسام الأساسي حول الدولة اليهودية هناك انقسامات أخرى فرعية. فاليهود الإثنيون المتمسكون بإثنيتهم، وبخاصة المقيمون في الخارج، يقولون كيف يمكن أن نسمِّي الدولة الصهيونية، التي تتزايد فيها معدلات الأمركة والعولمة، دولة يهودية. أما اليهود ذوي الاتجاهات الثورية واليسارية فيقولون: هل يمكن أن نسمي دولة تقوم بالتجسس لحساب الولايات المتحدة وتزويد النظم الفاشية في أمريكا اللاتينية بالأسلحة، وكانت تتعاون مع نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، دولة يهودية؟

قد شهدت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة عودة السياسة الإثنية (التى تعبر عن نفس الأزمنة) إذ ظهرت عدة أحزاب ذات أساس إثني وليس عقائدياً (شاس ـ جيشر) ـ إسرائيل بعالياه وهي ظاهرة اتسمت بها الحياة السياسية في إسرائيل في السنين الأولى بعد إعلان الدولة. وعودتها بهذه الحدة مرة أخرى بعد حوالي نصف قرن يدل على عمق التناقضات وبنيويتها وعلى الفشل في تعريف اليهودي.

4 ـ الشعب اليهودي في الخارج:
كانت الصهيونية ترى أنها ستؤسس دولة يهودية تكون بمنزلة المركز ليهود العالم وكان من المفروض أن تهاجر أغلبيتهم إليها، أما من تبقَّى منهم فواجبه دعم الدولة الصهيونية مادياً وسياسياً نظير أن تحافظ له على هويته اليهودية وتحفظها من الانصهار والذوبان. ولكن ما حدث كان أبعد ما يكون عما هو مُتوقع، إذ لم يهرع الشعب اليهودي إلى وطنه الجديد، وآثر البقاء خارج حدود أرضه ووطنه المزعوم دون أن يحرك ساكناً، منفياً بإرادته متمتعاً بمنفاه. أو لعل أعضاء هذا الشعب، إذا ما نفضنا غبار القول الصهيوني، ليسوا أعضاء فيه وإنما هم بشر عاديون يعيشون في أوطانهم الفعلية ينتمون إليها ولا يفكرون في الهجرة لأنه ليس هناك ما يدعو إلى ذلك. وحـتى حينما يفكرون في ترك أوطانهم، فإنهم (كبشر) يدرسون البدائل والفرص، وتتجه أغلبيتهم نحو الولايات المتحدة، وهو ما يدل على أنهم أبناء عصرهم وأن حساباتهم دقيقة وسليمة، فمن ذا الذي يطيب له أن يترك الأمن والمستوى المعيشي المرتفع في الولايات المتحدة ليستوطن حيث الحرب والهجمات الانتحارية وشظف العيش؟


بل لقد ثبت أن الدولة الصهيونية ساعدت على تسارُع معدلات الاندماج بينهم، إذ أن يهودية هؤلاء "الإثنية" عبَّرت عن نفسها لا من خلال أسلوب حياة يهودية متكامل وإنما من خلال دعم إسرائيل وحسب. كما ظهر أن الدولة الصهيونية تسبب لهم الكثير من الحرج حينما تتصرف في إطار المقولات الصهيونية الجامدة وتفصح عن وجهها الإرهابي، وبخاصة على شاشات التليفزيون وأمام جيرانهم الليبراليين العلمانيين. هذا فضلاً عن أن الدولة اليهودية لم تنجح في أن تنتج فكراً دينياً يهـودياً، فمعظم المفكرين الدينيين اليهـود لا يزالوا نتاج الدياسبورا. لكل هذا يحاول أعضاء الجماعات اليهودية في العالم حل مشاكلهم (ومن ذلك مشكلة المعنى) داخل إطار مجتمعــاتهم (انظر: «موقـف الجمــاعـات اليهودية من الصهيونية»).

إن مقولة "اليهودي" التي تشكل حجر الأساس في المشروع الصهيوني تفككت أثناء الممارسة الصهيونية في أرض فلسطين المحتلة.

  • الثلاثاء AM 11:53
    2021-05-18
  • 1428
Powered by: GateGold