المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412383
يتصفح الموقع حاليا : 375

البحث

البحث

عرض المادة

الحـــدود التاريخية والأمنـية والاقتصادية

الحـــدود التاريخية والأمنـية والاقتصادية
Historic, Economic and Security Borders
تتسـم الصهـيونية بأنها أيديولوجية تنفي كلاً من التاريخ والجغرافيا. فهي تحاول إلغاء تواريخ الجماعات اليهودية في العالم وتاريخ الفلسطينيين في فلسطين حتى تحقق الترانسفير المطلوب: نقل اليهود من المنفى إلى فلسطين، ونقل الفلسطينيين من فلسطين إلى المنفى. ولكن الترانسفير لا يتم في الزمان وحسب، وإنما يتم في المكان (الجغرافيا). وإذا كانت الصهيونية قد ألغت الحدود التاريخية فهي قد ألغت أيضاً الحدود الجغرافية حتى يمكن القول بأن إسرائيل دولة "بلا حدود" فحدودها تقف مؤقتاً عند آخر موقع عسكري تحتله بانتظار أن تتقدم إلى موقع جديد. وقد استخدمت إسرائيل نظرية الأمن كوسيلة للتوسع من أجل الوصول إلى "الحدود الآمنة"، ولذلك لا يوجد دستور للدولة ينص على حدود سـياسية معيـنة. وبصفـة عامة لم يكن الإسرائيليون، إجمالاً، راضين عن حدود الكيان الصهيوني، كما حددتها اتفاقات الهدنة لسنة 1949، وهي الاتفاقات التي جاءت أصلاً لتكرس الأمر الواقع الذي فرضته القوة الصهيونية. ويميِّز موشيه ديان بين "الحدود الدائمة" و"الحدود التي تضمن السلامة" أو "الحدود الآمنة"، فالسلام يعتمد على "نوع الحدود وطبيعتها"، وهو ما يتفق في التمييز الصهيوني بين "خطوط الهدنة وخطوط وقف إطلاق النار من جهة" والحدود "الطبيعية" و"الآمنة" و"التاريخية" من جهة أخرى. فالصهيونية نظرت إلى الأراضي العربية التي تطمع في السيطرة عليها باعتبارها "الأجزاء المحتلة من الوطن القومي اليهودي" أو "الأقسام المتممة لأرض إسرائيل التاريخية"، وما أن استتب الأمر للعدوان وتوطدت أقدام الاحتلال حتى تم الترويج للحديث عن "المناطـق المحررة"، والمطالبة بتأمين حدود طبيعية تضمن الســلام وتسـد الحاجـات الاقتصادية.


وقد نظر القادة الصهاينة إلى حدود الهدنة التي كانت قائمة عام 1949 (احتلال النقب الأوسط والجنوبي والجليل الأعلى وإيلات [قرية أم الرشراش المصرية]) على أنها تفتقر إلى العمق الإستراتيجي حيث لا يتجاوز عرض إحدى النقط الدقيقة بين الضفة الغربية حيث كان يتواجد الجيش الأردني وساحل البحر المتوسط 12 ميل.

وبعد حرب 1967 اعتبرت إسـرائيل أنها وصلت إلى "الحـدود الآمنة"، وهو المصطلح الذي نشأ من حرص القادة الصهاينة على إيجاد مسوغ لتبرير السيطرة على الأراضي العربية المحتلة إبان حرب 1967، ويُعرِّفها إيجال آلون بأنها: "الحدود السياسية التي تعتمد على عُمق جغرافي وحواجز طبيعية كالحواجز المائية والجبلية والصحراوية والممرات الضيقة التي تحول دون تقدُّم القوات البرية الآلية". وهو لا شك يقصد بالحواجز المائية قناة السويس ونهر الأردن ونهر الليطاني، ويقصد بالحواجز الجبلية هضبة الجولان، وبالحواجز الصحراوية والممرات الضيقة سيناء وممراتها، فهذه الحواجز الطبوغرافية توفر لإسرائيل عمقاً إستراتيجياً يمكِّنها من الرد المناسب على أي هجوم عربي.

وللدلالة على أهمية هذه الأراضي بالنسبة لإسرائيل صرَّح إسحق رابين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعد حرب 1967 بأن "إسرائيل سوف ترتكب غلطة تاريخية، فيما لو تخلت عن المكاسب الإقليمية التي حققتها". ويؤكد "أننا وصلنا في حرب يونيه إلى خطوط عسكرية مثالية تعتبر في الوقت الحاضر أهم ما حققنا". والشرط الأساسي الذي وضعه رابين لتخلِّي إسرائيل عن بعض مكاسبها أو "انسحابها إلى خطوط أكثر تقلصاً من حدود يونيه 1967" ليس إلا اعتراف العرب بوجود إسرائيل". ومن الواضح أن الانسحاب الكامل مسألة غير واردة في مخططات إسرائيل، ويعتبره رابين غلطة تاريخية. والسلام الذي تحدَّث عنه رابين لا يختلف كثيراً عن التسليم بالأمر الواقع والاستسلام لشروط إسرائيل ومطالبها التوسعية تحت ستار "الحدود الآمنة" وإغراء تقليص "الحدود الحالية" بعض الشيء.

ويمكن القول بأن نظرية الحدود الآمنة لم تكن مُدرَجة في المفهوم الإسرائيلي قبل حرب 1967 حيث كانت إستراتيجيتها تعتمد على "الضربة الأولى الهجومية" أو "الحرب الاستباقية" و"نقل الحرب إلى أرض العدو"، ولكن انتصار 1967 وتبنِّي نظرية "الحدود الآمنة" دفعها إلى اعتماد إستراتيجية "الدفاع الثابت المرن أو الإيجابي" مع "إستراتيجية الردع". ولكن حرب 1973 نسفت كل آمال إسرائيل وأحلامها بحدود آمنة، وثبت بشكل قاطع أن كل الخطوط الدفاعية التي اعتمدت فيها إسرائيل على هذه الحدود واعتبرتها آمنة فشلت عند أول تجربة لها في حرب 1973، وهو ما جعلها تعود إلى إستراتيجيتها القديمة والأصيلة القائمة على الحرب الإجهاضية أو الاستباقية ونظرية "الردع" و"ذرائع الحرب".

إلا أن نظرية "الحدود الآمنة" ظلت رغم فشلها تحتل في الإستراتيجية الإسرائيلية مركزاً مهماً باعتبارها التبرير الوحيد لاحتفاظ إسرائيل بالأراضي المحتلة. ويبدو بشكل واضح أن هذه النظرية أصبحت جزءاً من الإستراتيجية السياسية الإسرائيلية أكثر من كونها جزءاً من العقيدة العسكرية، فقد تحوَّلت "الحدود الجغرافية" الآمنة إلى "حدود سياسية" آمنة، فأصبح من المهم لأمن إسرائيل أن تتدخل في شأن كل بلد عربي سواء كان مجاوراً لها أو غير مجاور ومن المحيط إلى الخليج، باعتباره بؤرة معادية لهـا. وهكذا يصبح مفهـوم الأمن الإسرائيلي مزدوجاً، فهو مفهوم سياسي بمعنى أن لإسرائيل الحق في إبداء رأيها في أية مشكلة تخص العالم العربي كله باعتبار أن هذه تؤثر في أمن إسرائيل، ومفهوم جغرافي بمعنى أن لإسرائيل الحق في الوصول إلى "حدود آمنة ومُعترَف بها" وأنها وحدها تحتفظ بحق تحديد هذه الحدود ورَسْمها.

وقد لحقت تطورات مهمة بمفهوم الحدود في الفكر الصهيوني وتتمثل أهم هذه التطورات في ازدياد أهمية الصواريخ الباليستية باعتبار أنها تُضعف أهمية الحدود الطبيعية والعمق الإستراتيجي. ولكن أهمية هذا المتغير ليست حاسمة لدى جميع التيارات الصهيونية، كما برزت مفاهيم مثل "المنطقة الأمنية" في جنوب لبنان، و"المنطقة منزوعة السلاح" في سيناء، والمفاوضات على جعل الجولان منطقة منزوعة السلاح، وذلك مقابل تخفيض حجم ونوع الجيوش العربية، وفي الواقع فليس هناك ما يمنع الجيش الإسرائيلي من اجتياز تلك المناطق إذا اقتضت الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.

وتكشف هذه التطوُّرات عن وجود اقتناع إسرائيلي بأن إسرائيل لن تكون آمنة سواء احتفظت بالأراضي أو تخلت عنها، وأن أية حدود لن تكون آمنة إن لم تكن نابعة من اعتراف وتسليم عربيين بوجود إسرائيل في المنطقة. وهذا ما لم يتم حتى الآن لأن إسرائيل قائمة على الأُسس والمبادئ الصهيونية.

وقد حاولت إسرائيل قدر استطاعتها أن تحتفظ بحدودها الأمنية الجغرافية والديموجرافية عبر بنود اتفاق أوسلو. ولذا يُقسِّم هذا الاتفاق الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة قطاعات: أ، ب، جـ.

ـ القطاع (أ) يشمل المدن الفلسطينية الست الكبيرة في الضفة، وهي جنين ونابلس وطولكرم وقلقليلة ورام الله وبيت لحم والخليل، وتصل مسـاحتها إلى نحو 3% من مسـاحة الضفة الغربية وتضم 20% من السكان، وقد تم الانسحاب الإسرائيلي منها بعد تأخير وتأجيل، وبعد الاحتفاظ بـ 20% من أرض الخليل لتقيم فيها 400 مستوطن صهيوني. وفي هذه المناطق ستكون للمجلس الفلسطيني المسئولية الكاملة عن الأمن الداخلي والنظام العام والمسئوليات المدنية.

ـ القطاع (ب) ويُشكِّل 27% من الأراضي الفلسطينية ويضم 450 بلدة وقرية تتولَّى إسرائيل بموجبه سلطة الأمن العليا لحماية مواطنيها ومكافحة الإرهاب، وتكون لهذه السلطة الأسبقية على المسئولية الفلسطينية المدنية ومسئولية النظام العام، وإقامة 25 نقطة شرطة فلسطينية في مدن وقرى محددة.

ـ القطاع (جـ) وهو تحت إدارة إسرائيلية منفردة ويضم 70% من الأراضي الفلسطينية وفيه حوالي 136 ألف مستوطن، فيشمل المناطق غير المأهـولة والمسـتوطنات والمناطق ذات الأهمـية الإسـتراتيجية لإسرائيل.

وكان من المفترض أن يكتمل الانسحاب من القطاعين ب، جـ حسب الاتفاق بعد 18 شهراً من انتخاب المجلس التشريعي (يناير 1996) أي ينتهي في يوليه 1997، وهو ما لم يتم على أرض الواقع.

ويعتبر التطور الأكثر أهمية بروز فكرة الحدود الاقتصادية لتمتد حدود الدولة الصهيونية فتشمل أية منطقـة تمثل لها مصلحة اقتصادية.

  • الثلاثاء AM 10:46
    2021-05-18
  • 1166
Powered by: GateGold