المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415338
يتصفح الموقع حاليا : 264

البحث

البحث

عرض المادة

الصهـيونيتان: التوطينيـة والاسـتيطانيـة

الصهـيونيتان: التوطينيـة والاسـتيطانيـة
Two Zionisms: Settlement and Settler Colonial Zionism
تُستخدَم كلمة «صهيونية» للإشارة إلى عدة مدلولات مختلفة يمكن أن تضمها جميعاً الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة، وهي الصيغة التي تم تهويدها بحيث أصبحت صالحة كإطار لكلٍّ من الصهاينة اليهود والصهاينة غير اليهود. وتوجد داخل هذه الوحدة العامة عدة انقسامات لعل أهمها ما نسميه «الصهيونيتين». فنحن نذهب إلى أنه يوجد ضربان أساسيان من الصهيونية: صهيونية توطينية وأخرى استيطانية، لكلٍّ اتجاهه وتاريخه وجماهيره:


1 ـ صهيونية توطينية. وقد ظهرت في بداية الأمر بين الصهاينة غير اليهود (من المسيحيين والعلمانيين) وبين يهود الغرب المندمجين، وعلى وجه الخصوص أثرياؤهم. ثم عبَّرت الصهيونية التوطينية عن نفسها في الصهيونية الدبلوماسية وصهيونية الدياسبورا. وجمهور هذه الصهيونية هم مؤيدو المشروع الصهيوني في العالم الغربي ويهود الغرب الذين يؤيدون المشروع الصهيوني ولكنهم لا ينوون الهجرة، وهم يشكلون غالبية يهود وصهاينة العالم، وكذلك كل يهود غرب أوربا والولايات المتحدة تقريباً.

2 ـ صهيونية استيطانية: وقد ظهرت في بداية الأمر على هيئة صهيونية تسللية ثم تحوَّلت إلى صهيونية استيطانية بعد مرحلة هرتزل وبلفور. وأهم التيارات الاستيطانية التيار العمالي، ويأتي معظم الصهاينة الاستيطانيين من يهود شرق أوربا.

وتقسيم «توطيني/استيطاني» ينصرف إلى المجال الذي يختاره كل صهيوني ليمارس نشاطه. ولنا أن نلاحظ وجود انقسامات فرعية داخل كل تيار بشأن التوجه السياسي (اشتراكي/رأسمالي) والموقف من التراث والهوية (ديني/علماني). ويجب ألا نتصور أن هناك فصلاً قاطعاً بين الفريقين، فثمة تشابك وتداخُل بين الصهيونيتين (التوطينية والاستيطانية) قد يتبدَّى في الشخص الواحد نفسه، كما هو الحال مع وايزمان الذي قضى معظم حياته يقوم بنشاط في الخارج نيابة عن الداخل، ولكنه عاد بعد إعلان الدولة ليترأسها ويصبح من المستوطنين (وإن كان قد عاش في عزلة نظراً لأن زعيم الصهاينة الاستيطانيين ـ بن جوريون ـ لم يكن يرغب في أن يشاركه وايزمان السلطة). ويظهر هذا التداخل في شخصية آحاد هعام، فيلسوف الصهيونية الإثنية العلمانية، الذي قام بجهود دبلوماسية ثم استوطن فلسطين نهائياً، ولكنه مع هذا ظل يشعر بالغربة فيها وبالحنين إلى المنفى والشتات!

ويظهر التداخل في الوقت الحاضر حين يقرر يهودي من دول الكومنولث المستقلة (الاتحاد السوفيتي سابقاً) الهجرة إلى إسرائيل فيبدأ بالحديث عن هويته اليهودية ورغبته العارمة في الهجرة إلى وطنه القومي المزعوم، ثم يحصل على تأشيرة على أساس نيته الصهيونية الاستيطانية. ولكنه يغيِّر رأيه في النمسا ويقطع مسار هجرته ويتجه إلى الولايات المتحدة بدلاً من إسرائيل لينخرط في صفوف صهاينة الخارج التوطينيين. وهناك بطبيعة الحال الصهاينة الاستيطانيون الذين يتركون إسرائيل ليستوطنوا الولايات المتحدة ويستمروا في تأييد المشروع الصهيوني (ولكن من منظور توطيني هذه المرة).

والجدير بالذكر أن للاتجاهات الصهيونية المختلفة فروعاً في الداخل والخارج. فهناك فروع للأحزاب العمالية مثل الماباي والمابام في الولايات المتحدة، ولكن الأساس التصنيفي يظل هو الأساس الذي نقترحه. فمثلاً، رغم أن التنظيم الذي يُقال له الماباي في الخارج مرتبط بتنظيم الماباي في الدولة الصهيونية من الناحية التنظيمية، فإن التنظيمين يؤديان وظيفتين مختلفتين تماماً، ولا يشتركان بالتالي إلا في الاسم والديباجات السياسية والعقائدية التي تتسم بالعمومية الشديدة (مثل الإيمان بأزلية الشعب اليهودي وعدم التفريط في شـبر من أرض إسرائيل الكبرى والإيمان بالاقتـصاد الاشـتراكي، وهكذا). ويكتفي أعضاء عمال صهيون في الولايات المتحدة أو إنجلترا بإرسال الأموال والتوقيعات وبرقيات التأييد، كما يحضرون كل المهرجانات الصهيونية ويرسلون الرسائل إلى الصحف المحلية وإلى أعضاء الكونجرس دفاعاً عن الدولة الصهيونية. وأما أعضاء الحزب المماثل في إسرائيل فهم الذين يقومون بالنشاط الاستيطاني من استيلاء على الأرض وقتال ضد السكان الأصليين وغزو أراضي الدول المجاورة.

ولا يعني هذا أن الصهيونية أصبحت وحدة متكاملة، بين التوطينيين والاستيطانيين، بل العكس. فقد ظلت التوترات تعبِّر عن نفسها بحدة، وكل ما حدث أنه تم امتصاصها (وليس استيعابها) من خلال الخطاب الصهيوني المراوغ. وأهم هذه التوترات الصراع الذي نشب على قيادة المنظمة الصهيونية بين الصهاينة التوطينيين والصهاينة الاستيطانيين بعد إنشاء الدولة. وقد حُسم الخلاف باستيلاء الاستيطانيين على المنظمة تماماً. وحتى بعد إنشاء الدولة تظهر صراعات، فبعض الصهاينة التوطينيين لا يقنع بالعمل في مجاله في الخارج ويحاول أن يفرض توجهات بعينها على الداخل كما حدث في حالة برانديز. ويحدث أحياناً أن الصهاينة الاستيطانيين لا يقنعون بالدعم المالي والسياسي ويطلبون من الصهاينة التوطينيين أن يتخذوا مواقف أكثر راديكالية كما حدث في المؤتمر الثامن والعشرين (1972حينما تقدَّم بعض الصهاينة الاستيطانيين بمشروع قرار ينص على أن القادة الصهاينة الذين لا يستوطنون في إسرائيل بعد فترتين من الخدمة يفقدون الحق في ترشيح أنفسهم مرة أخرى، فانسحب كل مندوبي الهاداساه (أكبر تنظيم صهيوني في العالم والذي يمثل أكثر من نصف الوفد الأمريكي) احتجاجاً على الاقتراح. وحدث الشيء نفسه تقريباً حينما وقعت الأزمة بين الدينيين والعلمانيين في إسرائيل مؤخراً إذ قامت جماعة من العلمانيين بحرق معبد يهودي، وقامت جماعة من الدينيين برش الإعلانات الإباحـية في محـطات الأتوبيس، فألقى المفكر الإسرائيلي العلماني شلومو أفنيري بالتبعة على يهود الولايات المتحدة، الإصلاحيين والمحافظين المندمجين التوطينيين (والذين لا يكفون عن الشكوى من التزمت الديني في إسرائيل) قائلاً لهم إنه لو هاجر منهم 100 ألف وحسب، فإن هذا سيرجِّح كفة العلمانيين وسيتم تكوين الحكومة دون الحاجة إلى أصوات الأحزاب الدينية.

والعكس يحدث أحياناً، إذ يجد الصهاينة التوطينيون أن سلوك حكومة المستوطنين تسبب لهم كثيراً من الحرج في مجتمعاتهم الديموقراطية، كما يحدث عادةً بعد ارتكاب المذابح الواضحة (مثل مذبحة صبرا وشتيلا) وبعد الغزوات الفاضحة (غزو لبنان)، إذ يصبح من الصعب الحفاظ على أساطير كثيرة مثل «إسرائيل المُحاصَرة» أو «إسرائيل الباحثة عن السلام» وكما يحدث بعد حادثة مثل حادثة بولارد (المواطن الأمريكي اليهودي الذي قام بالتجسُّس على حكومة بلده لصالح الدولة اليهودية(.

ولكن معظم هذه الخلافات خلافات سطحية إذ تظل الصهيونية بشقيها التوطيني والاستيطاني متسمة بالوفاق. وقد عاد وفد الهاداساه المنسحب إلى قاعة المؤتمر بعد أن قرر منظمو المؤتمر أن مشروع القرار المقدم لم يكن دستورياً، ولا يزال معظم الصهاينة التوطينيين يؤيدون الدولة الصهيونية علناً ويقفون وراءها رغم كل توسعاتها. وتتولى المؤسسة الصهيونية القضاء على معظم الجماعات اليهودية والصهيونية المنشقة، وقد فعلت ذلك مع بريرا، وتحاول الشيء نفسه الآن مع التنظيمات اليهودية التي لا تقبل الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة، أو توجِّه لها بعض النقد.

  • الجمعة AM 05:57
    2021-04-30
  • 1108
Powered by: GateGold