المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 436062
يتصفح الموقع حاليا : 255

البحث

البحث

عرض المادة

الهزيمة النفسية

الهزيمة النفسية

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 أما بعد:

 فقد ينكسر القوي أمام الضعيف بسبب التخييل  ويحدث نوع من الشعور بالإحباط والدونية بسبب سياسات التهويل والتهوين  مما يساعد شياطين الإنس والجن - على ضعفهم - من التسلط على بعض المسلمين  ومع ضعف البصيرة أو غيابها قد يستحكم الأمر في حياة الأفراد  والدول  والجماعات  وننتقل من هزيمة نفسية إلى هزيمة في ساحة الحرب  بحيث يستولي العدو على البلاد والعباد  وتضيع معالم الحق والحقيقة. وإليك صور الهزيمة النفسية  حدث أن ركب مسلم السفينة مع بعض الأجانب  وبعد أن فرغ من تناول الطعام  استحيا أن يلعق أصابعه والطبق  خشية أن يُتهم بقلة الذوق أو عدم مراعاة معاني الإتيكيت  ولكن ما أن فرغ الأجانب من تناول الطعام  حتى قاموا بلعق الأطباق والأصابع  مما أسقط في يده  فيا ليته كان سباقًا في تطبيق السُّنّة  وبدلاً من أن يكون متبوعًا في العمل بها صار تابعًا للأجانب. ومن ذلك أن البعض كان يكذب بأحاديث الذبابة رغم وروده في صحيح البخاري  فلم تطاوعه نفسه  ونحن نعيش في عصر العلم والتطور والتحضر - كما يقولون - أن يذكر الحديث  وفيه أن الذبابة إذا وقعت في إناء به طعام  فلنلقيها على شقها الآخر  فإن بإحدى جناحيها الداء بالآخر الدواء  ثم حدث أن ذكر علماء الطبيعة والمادة أن الذبـابة عنـدما تقـع في الإناء تتقيه بشقها وجناحها الذي فيه الداء. وبالتالي فمعادلة الأمر تكون على النحو الوارد في الحديث  وخصوصًا أن الطعام أنفس أموال العرب  وإذا كان يسهل الاستهانة بالطعام اليسير أو عند بعض الأغنياء  فماذا يصنع الفقراء  أو إذا كان الطعام كثيرًا  ووقعت فيه ذبابة؟! لقد سارع هذا الفريق المكذب بالحديث في بادئ الأمر يُشيد به بعد سماعه كلام علماء الطبيعة  وأن الإسلام قد سبق العلم المادي التجريبي  وصار يتكلم بشغف عن الإعجاز العلمي للقرآن والسُّنَّة  وما هي إلاَّ صورة من صور الهزيمة النفسية. فهلاّ نطق بنصوص الوحي وافقت الدنيا أو خالفت (  واللَّهٍ يّعًلّمٍ  وأّنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ <216> ) [البقرة: 216].

 وقد وصف سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (  ومّا يّنطٌقٍ عّنٌ الهّوّى  (3) إنً هٍوّ إلاَّ  وحًيِ يٍوحّى  (4) ) [النجم:3  4].

إن الإشارات العلمية قد سيقت مساق الهداية في نصوص الوحي  وما من حقيقة علمية راسخة ثابتة إلاَّ وستجدها في الكتاب والسُّنَّة  أو على الأقل لن تجد ما يخالفها  ودوائر العلم والمادة الغربية هذه ( يّعًلّمٍونّ ظّاهٌرْا مٌَنّ الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا  وهٍمً عّنٌ الآخٌرّةٌ هٍمً غّافٌلٍونّ (7) ) [الروم:7]

 فلا يجوز الانبهار بهم أو تقديم كلامهم إن خالفوا الكتاب والسُّنَّة  أو متابعتهم على حساب الحق. ومن صور الهزيمة ما نراه من مصافحة المرأة الأجنبية والاختلاط والتبرج وإدخال المرأة الرجل المنزل في غياب زوجها.. يحدث ذلك بسبب وطأة العرف والواقع وادعاءات المعقولية  وفعل الأغلبية والكثرة. والخطورة أن هذه المخالفات تحدث عن علم بالآثار والسنن  ولا سبب لذلك إلاَّ ضعف الإيمان واليقين  وإلاَّ فمع قوة العزائم يثبت الإنسان على الحق  ولو كان وحده  ويقول لنفسه اسلك طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين  وإياك وطرق الضلالة  ولا تغتر بكثرة الهالكين. وفي نفس الإطار تم التسويق لمسابقات ملكات الجمال  وصارت الحياة متابعة للموضات والتسريحات  وانخدعت شعوب بمشاهير الفن من الراقصين والمغنيين والممثلين  ومشاهير الرياضة  بريق يكاد يخطف الأبصار وينسينا الحقيقة التي خُلقنا لأجلها (  ومّا خّلّقًتٍ الجٌنَّ  والإنسّ إلاَّ لٌيّعًبٍدٍونٌ <56> ) [الذاريات:56].

 وتراجعت بسبب ذلك معاني الإيمان ومكانة علماء الدين  بسبب هذه الهجمة الشرسة عند الكثيرين  وإذا كان البعض يخجل من إظهار شعائر الإسلام كاللحية والنقاب.. فالبعض الآخر هزيمته النفسية تتعلق بأصل الدين  فلا يمكن أن يتكلم بكلمة الإسلام الواضحة  وإذا اضطر استخدم كلمة الأديان السماوية  وهكذا تُشوّه الحقائق  فدين الحق واحد ( إنَّ الدٌَينّ عٌندّ اللَّهٌ الإسًلامٍ ) [آل عمران: 19]

 أما الأديان الباطلة المحرفة والمغيرة والمبدلة  فهي كثيرة وحينئذ لا يجوز نسبتها للسماء  وبدلاً من النطق بالأخلاق الإيمانية  يستخدم هذا الفريق المهزوم كلمة القيم الروحية  وهي كلمات من شأنها أن ترضي اليهودي والنصراني والبوذي.. وكان البعض يرفع شعار «الإسلام هو الحل»  ثم حدثت الانتكاسة  وكانت الهزيمة النفسية  فصارتْ «الديمقراطية هي الحل»   مواكبةً لواقع منحرف  كان الواجب تجاهه أن نثبت على دعوتنا ( قٍلً مّا يّكٍونٍ لٌي أّنً أٍبّدٌَلّهٍ مٌن تٌلًقّاءٌ نّفسٌي إنً أّتَّبٌعٍ إلاَّ مّا يٍوحّى  إلّيَّ ) [يونس: 15].

 لقد استطاع الأعداء أن يُخيّلوا على ضعاف البصر والبصيرة من هذه الأمة  ويوهموهم أنهم القوة التي لا تقهر  وأنهم أصحاب النظام العالمي والشرعية الدولية  بيدهم تدمير العالم  وكأنهم يقولون للشيء كن فيكون  أو كأنهم يعلمون دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء  وصدَّق التعساء ذلك ممن تناسوا شريعة ربهم والواقع من حولهم. وأجاد اليهود هذه الصنعة وهذه الحرفة  فصوروا استخباراتهم على أنها أولى استخبارات العالم  وأنهم يمتلكون 200 قنبلة نووية  كما يمتلكون سياسة الذراع الطويلة  وحبكًا للقصة يصورون هذه المعلومات وكأنه تم تسريبها رغم أنوفهم  واليهود كما وصفهم خالقهم أجبن الخلق  وأحرص الناس على حياة ( لا يٍقّاتٌلٍونّكٍمً جّمٌيعْا إلاَّ فٌي قٍرْى مٍَحّصَّنّةُ أّوً مٌن  ورّاءٌ جٍدٍرُ بّأًسٍهٍم بّيًنّهٍمً شّدٌيدِ تّحًسّبٍهٍمً جّمٌيعْا  وقٍلٍوبٍهٍمً شّتَّى  ذّلٌكّ بٌأّنَّهٍمً قّوًمِ لاَّ يّعًقٌلٍونّ <14> ) [الحشر:14].

 ثم الكفرة ليسوا بأقوياء  حتى يهولون حالهم  ويُهوّنون من شأننا  فمثلهم كمن يُصدّر لنا ضعفه «رمتني بدائها وانسلت» يقول العليم الخبير: ( مّثّلٍ الذٌينّ اتَّخّذٍوا مٌن دٍونٌ اللَّهٌ أّوًلٌيّاءّ كّمّثّلٌ العّنكّبٍوتٌ اتَّخّذّتً بّيًتْا  وإنَّ أّوًهّنّ البٍيٍوتٌ لّبّيًتٍ العّنكّبٍوتٌ لّوً كّانٍوا يّعًلّمٍونّ <41> ) [العنكبوت: 41].

 لا حيلة لهم على مواجهة الزلازل والأعاصير والفيضانات التي تجتاحهم  كما أنهم لا يثبتون في مواجهة المؤمنين الذين يتسلحون بسلاح الإيمان  فقد كان الروم يفرون من المعركة إذا سمعوا بمجيئ خالد بن الوليد   . وامتلاك الأقمار الصناعية والأسلحة الفتّاكة العصرية لم يغير شيئًا من الواقع والحقيقة  وشأن أواخرهم في الضعف كشأن أوائلهم  انظر لفعل ربك بقوم عاد الذين قالوا: ( مّنً أّشّدٍَ مٌنَّا قٍوَّةْ ) [فصلت: 15]

 لقد سخر عليهم ربنا ريحًا صرصرًا عاتية ( فّأٍهًلٌكٍوا بٌرٌيحُ صّرًصّرُ عّاتٌيّةُ (6) سّخَّرّهّا عّلّيًهٌمً سّبًعّ لّيّالُ  وثّمّانٌيّةّ أّيَّامُ حٍسٍومْا فّتّرّى القّوًمّ فٌيهّا صّرًعّى  كّأّنَّهٍمً أّعًجّازٍ نّخًلُ خّاوٌيّةُ (7) فّهّلً تّرّى  لّهٍم مٌَنً بّاقٌيةُ (8) )

[الحاقة:6 - 8]

  ولما قال فرعون: (  أّنّا رّبٍَكٍمٍ الأّعًلّى  <24> ) [النازعات:24] 

( مّا عّلٌمًتٍ لّكٍم مٌَنً إلّهُ غّيًرٌي ) [القصص: 38]

  ( أّلّيًسّ لٌي مٍلًكٍ مٌصًرّ  وهّذٌهٌ الأّنًهّارٍ تّجًرٌي مٌن تّحًتٌي ) [الزخرف:51]

 أجراها سبحانه من فوق رأسه - جزاءً وفاقًا - ومات وهو يقول: ( آمّنتٍ أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ الذٌي آمّنّتً بٌهٌ بّنٍو إسًرّائٌيلّ  وأّنّا مٌنّ المٍسًلٌمٌينّ <90> آلآنّ  وقّدً عّصّيًتّ قّبًلٍ  وكٍنتّ مٌنّ المٍفسٌدٌينّ <91> فّالًيّوًمّ نٍنّجٌَيكّ بٌبّدّنٌكّ لٌتّكٍونّ لٌمّنً خّلًفّكّ آيّةْ ) [يونس: 91].

 فالكافر مهما تبجّح بجبروته وعنفوانه لا يستطيع أن يخفي قصوره وعجزه ونقصه ( يّا أّيٍَهّا النَّاسٍ أّنتٍمٍ الفٍقّرّاءٍ إلّى اللَّهٌ  واللَّهٍ هٍوّ الغّنٌيٍَ الحّمٌيدٍ <15> ) [فاطر: 15]

  (  وخٍلٌقّ الإنسّانٍ ضّعٌيفْا <28> ) [النساء: 28].

 وشأن الكفرة في محاولة قهر النفوس رغم الضعف كشأن إبليس  قال تعالى: ( إنَّ كّيًدّ الشَّيًطّانٌ كّانّ ضّعٌيفْا<76> ) [النساء: 76]

  وقال: ( إنَّ عٌبّادٌي لّيًسّ لّكّ عّلّيًهٌمً سٍلًطّانِ ) [الحجر: 42]

  أي لا حجة له في إغواء العباد  وكان الناس إذا نزلوا واديًا  استعاذوا بسيد الوالدي من سفهاء قومه  فوجدت الجن بالإنس ضعفا  فزادوهم رهقًا  وإلاَّ فقد كانوا يخافون من الإنس قبل ذلك. ورغم ضعف إبليس لما خُلق آدم جعل يطيف به  فوجده خُلِقَ خلقًا أجوف  فقال: لئن سُلِطتَ عليَّ لأعصينّك  ولئن سُلِطتُ عليك لأُهلكنّك  وهو يحاول دومًا أن يُنفذ من مواطن الضعف في الإنسان  ويُزين له الأباطيل  ويُسمى له الأشياء بغير اسمها  كما فعل مع نبيّ الله آدم ا  قال: ( هّلً أّدٍلٍَكّ عّلّى  شّجّرّةٌ الخٍلًدٌ  ومٍلًكُ لاَّ يّبًلّى  <120> )

 [طه: 120] 

فسمّى له الشجرة التي نُهِيَ عن الأكل منها بشجرة الخلد  وكان قد آنس منه الميل للمكث في الجنة  ولا ينجو الإنسان من كيد شياطين الإنس والجن إلاَّ بالاعتصام بجناب الله (  ومّن يّعًتّصٌم بٌاللَّهٌ فّقّدً هٍدٌيّ إلّى  صٌرّاطُ مٍَسًتّقٌيمُ <101> ) [آل عمران: 101]

  وبإخلاص العبودية  و جلّ وعلا ( إلاَّ عٌبّادّكّ مٌنًهٍمٍ المٍخًلّصٌينّ <40> ) [الحجر:40].

 ولذلك كان البعض يقول: يا نفس أخلصي تتخلصي  لقد انتبهت الدول لخطورة الغزو الفكر  ولذلك فهي تُنفق الملايين وتُنشئ الوزارات للإعلام تحصينًا لأبنائها من هذا الغزو  ولمحاولة استلحاق الخصوم بالهزيمة النفسية  وكانت ألمانيا النازية رائدة في هذا المجال وقت الحرب العالمية. ونحن بدورنا بحاجة للتعرف على أساليب هذا الغزو وتحصين المسلمين من الطابور الخامس  وتخذيل الأعداء  كما صنع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحُد  والحرب خدعة  فالأعداء يشيعون شائعة الأمن  لكي نسترخي ونُلقي سلاحنا  ويشيعون شائعة الخوف  لكي نرتعد ونجبن ( إنَّمّا ذّلٌكٍمٍ الشَّيًطّانٍ يٍخّوٌَفٍ أّوًلٌيّاءّهٍ فّلا تّخّافٍوهٍمً  وخّافٍونٌ إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ<175> ) [آل عمران: 175] 

(  ولّوً رّدٍَوهٍ إلّى الرَّسٍولٌ  وإلّى  أٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنًهٍمً لّعّلٌمّهٍ الذٌينّ يّسًتّنبٌطٍونّهٍ مٌنًهٍمً )  [النساء: 83].

 لقد استسلمت بلاد الشام للتتار بسبب الهزيمة النفسية  وكانت مذابح التتار تسبق قدومهم  ثم استطاع قطز وبيبرس - بفضل الله - الانتصار عليهم  ودحرهم وكسر شوكتهم في عين جالوت  واليوم قد نمتنع عن تطبيق الشريعة و نوالي أعداء الإسلام  ونُعادي المسلمين  بسبب الهزيمة النفسية  ولا سبيل للخروج من ذلك إلاَّ بالعودة الصادقة لمنهج الأنبياء والمرسلين (  ولٌلَّهٌ العٌزَّةٍ  ولٌرّسٍولٌهٌ  ولٌلًمٍؤًمٌنٌينّ  ولّكٌنَّ المٍنّافٌقٌينّ لا يّعًلّمٍونّ (8) ) [المنافقون:8].

 لقد واجه الأنبياء أممهم بدعوة الحق غير هيابين ولا وجلين  وما انكسرت نفوسهم في مواجهة الأباطيل  وكان لسان حال نبيكم ينطق : «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه». عرضت عليه قريش الملك والمال والجاه والطب  فما لانت له قناة في مواجهة الشرك وأهله. وما ضعفت نفس نبيّ الله إبراهيم ا من قبل وهو يدعو أباه  وقومه والنمروذ  يُقذف في النار  فيقول: حسبي الله ونعم الوكيل.  تتزلزل الجبال ولا تتزحزح معاني الإيمان في نفوس الأنبياء  لما أدرك فرعون نبيّ الله موسى ا ومن آمن معه  فكانت الهلكة محققة  فرعون وجنوده خلفهم  والبحر أمامهم  فقالت بنو إسرائيل إنَّا لمدركون  قال نبيّ الله موسى: ( كّلاَّ إنَّ مّعٌيّ رّبٌَي سّيّهًدٌينٌ <62> ) [الشعراء: 62].

 والأتباع لهم حظهم ونصيبهم من صلابة النفس وانتصارها في جميع الميادين ( إنَّا لّنّنصٍرٍ رٍسٍلّنّا  والَّذٌينّ آمّنٍوا فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا  ويّوًمّ يّقٍومٍ الأّشًهّادٍ <51> ) [غافر: 51]

  (  وكّانّ حّقَْا عّلّيًنّا نّصًرٍ المٍؤًمٌنٌينّ <47> ) [الروم: 47]

 لقد أدرك الأفاضل الغاية التي لأجلها خُلقوا  ولذلك كانت رباطة الجأش في أحرج اللحظات. طالعوا قصة حذافة السهمي وخبيب بن عدي  وزيد ابن الدثنة  وأنس بن النضر  وعاصم بن ثابت  وكان خالد ابن الوليد يقول للروم: جئتكم بقوم هم أحرص على الموت منكم على الحياة  وكان صلى الله عليه وسلم يقول: والله لليلة شديدة البرد أخرج فيها في سرية من المهاجرين أصبح بهم الأعداء أحبّ إليَّ من ليلة تُزفّ فيها إليَّ عروس أو أُرزق بغلام أنا له مُحب. ويبكي وهو على فراش الموت  ويقول: لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها  وما في جسدي إلاَّ ضربة سيف أو طعنة رمح  وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير  فلا نامت أعين الجبناء. وكان ابن تيمية في محبسه بالقلعة بدمشق يقول: ماذا يفعل أعدائي بي  أنا سجني خلوة  وقتلي شهادة  وإخراجي من بلدي سياحة. ولما أُغلق عليه الباب قال: وضرب بينهم بسور له باب  باطنه فيه الرحمة - وهو الذي يليه - وظاهره من قبله العذاب - وهو الذي يليهم - . إن هذه الأمة عندما تستمسك بشرع ربها  لا ترهبها صولة الباطل  ولا يؤثر فيها الغزو الفكري  فلها طبيعتها الخاصة  التي تفترق بها عن شعوب يفرون من المعارك  لأنهم أحرص الناس على حياة  وتمتلأ بهم المصحات النفسية  لأن الدنيا هي كل همهم ومبلغ علمهم. إن المؤمن الذي يصل الأرض بالسماء  والدنيا بالآخرة  يستعصي على الهزيمة النفسية (  ومّن يّتَّقٌ اللَّهّ يّجًعّل لَّهٍ مّخًرّجْا (2)  ويّرًزٍقًهٍ مٌنً حّيًثٍ لا يّحًتّسٌبٍ ) [الطلاق:2  3] 

(  ومّن يّتَّقٌ اللَّهّ يّجًعّل لَّهٍ مٌنً أّمًرٌهٌ يٍسًرْا (4) ) [الطلاق:4]

(  وإن تّصًبٌرٍوا  وتّتَّقٍوا لا يّضٍرٍَكٍمً كّيًدٍهٍمً شّيًئْا ) [آل عمران: 120]

  قد يعاني المصائب والمحن  ويقول: ( سّيّجًعّلٍ اللَّهٍ بّعًدّ عٍسًرُ يٍسًرْا (7) ) [الطلاق:7]

 وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب  و أن مع العسر يسرًا  يستبشر الخير وقت الشدة  فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله (  وهٍوّ الذٌي يٍنّزٌَلٍ الغّيًثّ مٌنً بّعًدٌ مّا قّنّطٍوا  ويّنشٍرٍ رّحًمّتّهٍ ) [الشورى: 28]

 (  ولّقّدً نّصّرّكٍمٍ اللَّهٍ بٌبّدًرُ  وأّنتٍمً أّذٌلَّةِ فّاتَّقٍوا اللَّهّ لّعّلَّكٍمً تّشًكٍرٍونّ<123> ) [آل عمران: 123]. واستضعافه اليوم ليس سُبّة ولا تهمة  فسرعان ما يزول بإذن الله ويتمخض عن إمامة في الدين (  ونٍرٌيدٍ أّن نَّمٍنَّ عّلّى الذٌينّ اسًتٍضًعٌفٍوا فٌي الأّرًضٌ  ونّجًعّلّهٍمً أّئٌمَّةْ  ونّجًعّلّهٍمٍ الوّارٌثٌينّ (5)  ونٍمّكٌَنّ لّهٍمً فٌي الأّرًضٌ ) [القصص:5].

 تحتوشه الشياطين فيجأر إلى الله ويكثر من ذكره سبحانه  ويستشعر أن لا حول ولا قوة إلاَّ بالله فتتضاءل شياطين الإنس والجن بعد انتفاشها وتعود مدحورة حقيرة وذليلة. وهكذا فالمؤمن له شأن وللناس شأن  لا يجزع من ذلها  ولا ينافس في عزها  ويوقن أنه ما قام عبد  و مقام ذل إلاَّ وأقامه الله مقام عز  والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون  والحمد  و الذي بنعمته تتم الصالحات .

وآخر دعوانا أن الحمد  و رب العالمين.

  • الاثنين PM 04:16
    2021-03-29
  • 2056
Powered by: GateGold