المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412596
يتصفح الموقع حاليا : 298

البحث

البحث

عرض المادة

العلمانية ومحاربة التدين

يلجأ العلمانيون إلى تأسيس خطاب خداعي تمويهي مخاتل ومراوغ لموقفه من الدين، فيخفى ذئبيته تحت ستار الحمل الوديع، وقد يتمسح بعضهم بالدين، وربما يعلن أنه مسلم (1) يسره ما يسرنا ويحزنه ما يحزننا، ويتظاهر بالحرص على إبعاد الدين عن مجال السياسة، لكي لا يتلوث -وهو الطاهر النقي- بحممها الملتهبة وتقلباتها المتناقضة، محاولا تجميل صورته وتلميعها، ويناور لعله يرضى قارئه المسلم.

فهذا سعيد لكحل تأسف لاعتبار الإفطار في رمضان جنحة وعدم فتح حانة قرب مسجد، ثم في رمشة عين أخذ يتمسح بالدين ويثرثر، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشرح الآيات والأحاديث (2).

ورغم محاولة بعض العلمانيين إظهار أنفسهم أنهم ليسوا ضد الدين وأنهم يقفون منه موقفا محايدا، إلا أنه بالتأمل في تصرفاتهم وأطروحاتهم يتبين أنهم يقفون منه موقف المعاند والمحارب له، ولا يعدو الأمر أن يكون مرحلة من مراحل التحذير والمواجهة.

بل لا يعدو الأمر أن يكون شراكا خداعيا يتمترس به الخطاب العلماني بقصد التمويه والمخاتلة من باب ذر الرماد في العيون.

وسنثبت بحمد الله في هذا الكتاب بما لا يدع مجالا للشك أن العلمانية مناقضة للدين باعتراف العلمانيين أنفسهم، وسنبين أن العلمانية كنظرية وتصرفات العلمانيين في كتبهم ومؤلفاتهم تناقض أصول الدين وفروعه.

وقد يتستر بعض العلمانيين خلف مناهضة الدولة الدينية، ومرادهم الدين نفسه.

ومع أن الإسلاميين كرروا آلاف المرات أنهم ضد الدولة الدينية التي تحكم بالحق الإلهي إلا أن العلمانيين أصروا على اتهامهم بها.

والعقل يقتضي أن سبب هذا الإصرار العلماني:

- إما أن الإسلاميين يدعون لدولة دينية.

- وإما أن دولة الخلافة الإسلامية كانت دولة دينية تحكم بالحق الإلهي.

ولكن لا هذا كان ولا ذاك.

والذي حصل هو أنه كان في أوربا دولة دينية يسيطر عليها رجال الدين ويحكمون فيها بالحق الإلهي، فعارضت فلسفة الأنوار هذه الدولة الدينية، فردد العلمانيون عندنا كالببغاوات ما قالوا، وحاولوا إسقاط التاريخ الغربي برمته وتفاصيله وأبعاده، فوقعوا في مغالطة مفضوحة ومهزلة مضحكة.

وقد بينت في الكتاب الأول وسأبين إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب أن العلمانية ليس فقط ضد الدين، ولكنها أسوأ من ذلك، إنها تسعى إلى أن تحل محله وتعمل على إقصائه عن واقع الحياة، وتحويله إلى نوع من الفولكلور.

 


(1) وقد يطلق بعضهم كونه مسلما وهو لا يقصد إلا أنه يعيش في مجتمع مسلم نشأ فيه وترعرع، كما صرح أركون نفسه. الأنسنة والإسلام (146).
أي: مسلم باعتبار النشأة لا باعتبار العقيدة، أي: أو بعبارة أخرى: الإسلام الجغرافي لا الإسلام العقا
(2) العلمانية مفاهيم ملتبسة (275).

وسيأتي معنا قريبا تصريح العلمانيين بأن هدفهم الحقيقي هو إقصاء الدين والإجهاز عليه، أو لنقل بعبارة مهذبة حسب أركون: تهدف إلى التخلص من البعد الديني عن طريق امتصاصه داخل النموذج العلماني المهيمن (1).

وقال عن مشروعه النقدي ومشروع المستشرقين: فإنه يمكننا أن نعتقد بأن الطفرات الذهنية العميقة الجارية حاليا سوف تتكفل بجعل كل تلك الصراعات الدائرة حول المسألة الدينية بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، شيئا باليا ولا معنى له. إن كل هذا سوف يتبخر ويذهب مع الريح، ولن يبقى إلا الدين من أجل الذاكرة (2).

إلى أن قال: هذا هو المشروع الذي أريد أن أقوم به بشكل استباقي انطلاقا من المثال الإسلامي (61).

بهذه الصراحة يتحدث أركون.

وهكذا فعل كثيرون كالقمني والمؤدب وآخرون.

بينما يكتب آخرون وخاصة الجابري بحذر شديد ولف ودوران.

وعند التحقيق فمشروعهم واحد، أو كما قال أركون عن الجابري نفسه: لأن العقل العربي نفسه هو عقل ديني. قضايا في نقد العقل الديني (331).

يتفقان في ضرورة نقد التراث لتجاوزه، ويختلفان في الأسلوب، يقول أركون حاثا صديقه الجابري على توجيه لكمات قوية للتراث: باختصار ينبغي الدخول في صلب المشاكل الحقيقية وعدم تحاشيها بحجة مراعاة الشعب أو الجماهير أو العامة ... الخ ينبغي أن يصل النقد إلى جذور الأشياء لا أن يكتفي بدغدغتها أو مسها مسا خفيفا (3).


(1) قضايا في نقد العقل الديني (209).
(2) قضايا في نقد العقل الديني (60).
(3) قضايا في نقد العقل الديني (331).

وإمعانا في ذر الرماد في العيون كتب العلماني المغربي أحمد عصيد: لأنه لم يوجد قط مثقف علماني واحد كتب ليمس بالدين الإسلامي في جوهره أو بالحق في الإيمان والتدين، وإنما التوجه العام هو نقد أشكال القراءة والفهم المنحرفة للدين وأنواع توظيفه السياسية المغرضة (1).

وكل جملة في هذه الفقرة تمارس تزييفا ومغالطة مكشوفين.

وسنبين له في هذا الكتاب أن أكثر العلمانيين كتبوا يطعنون في الدين الإسلامي عشرات النصوص التي سوف نريحك من تتبعها في مظانها، وهي كافية لإقناع حمار جدك إن شاء الله.

بل عصيد نفسه نقض كلامه كله، بل ومن الأصل، فصرح قبل هذا بقليل (338) تقليدا لعلماء الاجتماع الغربيين أن الدين مرحلة من مراحل التطور العقلي للبشرية، بدأت بالأسطورة ثم بتعدد الآلهة، ثم التوحيد، ثم العقل العلماني المعاصر (2).

فالدين تشكل عبر التطور البشري للعقل البشري، وليس إلا مرحلة خرافية من مراحل التطور، وتسمح العلمانية لمن شاء أن يؤمن بمثل هذه الخرافات، لأن له الحق في أن يؤمن بما شاء.

وسيأتي معنا مزيد بسط لهذه القضية.

وأما أن العلمانية تنتقد أشكال القراءة لا الدين نفسه، فهذا ما سنخصص له فصلا خاصا لنبين فيه تهافته وتفاهته.

ويكفينا الآن قول رفيقي دربه هشام جعيط وعلي حرب، وأولياء نعمته الفرنسيين.


(1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (3
(2) وكرر نحوه في قدر العلمانية في العالم العربي (149).

قال هشام جعيط: إن كل أصناف النخب في العالم العربي بعيدة كل البعد ليس فقط عن التيارات الإسلامية، بل عن الإسلام ذاته (1).

وقال علي حرب في الممنوع والممتنع (222): فالنقد ينبغي أن يتجه إلى تفكيك تلك الترسانة التراثية التي فقدت فاعليتها في الفكر والعمل، ولهذا ينبغي للنقد أن يشمل كل شيء الأصول والفروع، أنظمة المعارف ومنظومات العقائد، الشروحات والتفاسير. انتهى.

وورد في توجيهات وزارة التعليم الفرنسية في إطار قانون تعميم التعليم الصادر يوم 28 مارس سنة 1882 ما يلي: يجب ألا نذكر للطفل البالغ من العمر سبع سنوات شيئا عن الله، ليشعر هذا الطفل من تلقاء نفسه على امتداد ساعات الست التي يتلقاها يوميا أن الله غير موجود أصلا، أو أننا في أحسن الأحوال لم نعد بحاجة إليه (2).

فهذا ثلاثة نقول نزفها لعصيد، فلعلها تكفيه.

وأما أنها تعطي اعتبارا للدين بسماحها بالتدين، فلا، لأن الدين واللادين والكفر والشرك والانحلال الخلقي كلها تصير مسائل شخصية لا دخل للمجتمع ولا الأديان فيها، وعليه فلم تعط العلمانية للدين أيّ امتياز، بل خنقته وألغته من المجتمع ومنعته من ممارسة نشاطه ومهامه داخل المجتمع، وسوته بالكفر والضلال وعبادة الأوثان والانحلال الخلقي والدعارة واللواط، وجعلتهم مسائل شخصية ترجع للضمير.

ولنأخذ نموذجا علمانيا آخر يمارس تزييف الوعي والمغالطة.

حاول العلماني السوداني عبد الله أحمد النعيم أن يستغفل عقولنا فألف كتابا ضخما ليبين لنا أنه يدعو إلى علمانية الدولة فقط لا علمانية الإنسان والمجتمع (19)، أي: يدعو إلى العلمانية في شقها السياسي والقانوني. محاولا الاستدلال بأن الأنظمة العلمانية الغربية لا تزال تحتفظ للدين بمجموعة من المواقع وتُؤَمن له دورا ما في المجتمع.

مع أن كل ما أورده بنفسه هناك ليس إلا فتاتا بسيطا جدا جدا حول المائدة التي تتفضل العلمانية بالإبقاء عليها للدين، بل العجيب أن كل النصوص التي أوردها شاهدة عليه لا له.

فذكر مثلا (13) أن الديانة البروتستانية واليهودية تتمتع في فرنسا بحق تنظيم علاقتها بالدولة في حين لا يتمتع المسلمون بأي شيء باعترافه. بل يقابلون بالتهميش والتمييز والإقصاء ومحاربة الشعائر (لا الرموز) الدينية كالحجاب ونحوه.

أليست علمانيته هي السبب في هذا التمييز والعنصرية؟

وذكر كذلك (14) نفس التمييز العنصري ضد المسلمين ونحوهم في إيطاليا، وذكر أن الجماعات الدينية في إيطاليا لها نظام هرمي طبقي، يتكون من ثلاث طبقات، أعلى الهرم تقف الكنيسة الكاثوليكية تعامل البروتستانتية واليهود، وتتمتع بامتيازات مالية وتعليمية.

ثم قال: وهذه الامتيازات غير متوفرة للجماعات الدينية في الطابق الأدنى من الهرم. وذكر منها المسلمين.

والعجيب كذلك أنه ذكر أن القانون الإيطالي يحظر على رجال الدين تولي مناصب عامة مثل القضاء والمحاماة والخدمة المدنية في جباية الضرائب وغيرها (15).

وأين حقوق الإنسان؟ وأين المساواة؟ أليست العلمانية هي السبب في كل ذلك؟.

ثم زاد العلماني السوداني فأكد أن الدولة ملزمة بتدريس الديانة الكاثوليكية، وأما البروتستانت واليهود فيمكنهم توفير معلمين لدينهم في المدارس، وأما المسلمون فاسمع إلى عبارة النعيم: فلا يحق لهم توفير أساتذة لدينهم في المدارس إطلاقا (15). وزاد (16) أن المسلمين محرومون خلافا لغيرهم من تمويل منظماتهم من خلال الضريبة.

وذكر أن في أمريكا (18) يمنع طلاب المدارس التي تمولها الدولة من الصلاة الجماعية.

فأين كفل العلمانية للحرية الشخصية وحرية التدين؟.

وقد كان أركون أكثر صراحة، فاعتبر في كتابه تاريخية الفكر العربي (292) مفهوم الدين متضادا مع مفهوم العلمانية.

وقد كرر هذا أركون في كافة كتبه، حيث ميز بين النظرة الدينية القائمة على الأساطير والتعالي والتقديس، والنظرة العلمانية القائمة على العقلانية والنقد وإبعاد كل مفاهيم غيبية ماورائية.

وهذا تمييز واضح بين المذهبين، لكن بعض العلمانيين لأهداف إيديولوجية وخاصة بعض المغاربة يتمسحون بالدين نزولا عند رغبة الجماهير.

وهذا الموقف الانتهازي الرجعي يهدف إلى التراجع خطوة إلى الخلف من أجل خطوتين إلى الأمام.

 


(1) مجلة اليوم السابع، باريس عدد 11 يناير 1988. نقلا عن المفترون (18).
(2) في العلمانية والدين والديمقراطية (186).

وفضل علمانيون آخرون الوضوح والصراحة، ولهذا يتحاشى أركون مجرد التمظهر ومجرد الانتساب للدين أو الاعتراف بوجود الله، كما يفعل بعض المنافقين عندنا (1).

وهذا شبلي شميل -أحد كبار الرواد العلمانيين العرب الأوائل- ذكر أنه نفى الأديان لا لغرض في النفس ولا غيره، بل لأنه التزم جانب العلم. آراء الدكتور شبلي شميل (19).

وقال عن الأديان: وهي في اعتقادي نفعت كثيرا وأضرت كذلك (19).

ثم ذكر أنها لم تعد تصلح الآن (19).

وأنها أضرت كثيرا بجمودها وجمود أتباعها بها (20).

فما رأي عصيد في هذه العصيدة.

وعلى كل حال فلنشرع الآن في سرد مواقف العلمانيين العرب من الإسلام حسب الفقرات التالية:

يجب نقد الإسلام في حد ذاته، وهو واجب مقدس.

لأن الإسلام كما قال خليل عبد الكريم في الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية (8 - 9) بدأت تظهر على وجهه علامات الشيخوخة كتجاعيد وتشققات وجفاف.

والسبيل الوحيد عنده لتجاوز هذه الشيخوخة هو الانعتاق من قيود المسلمات والمقدسات الزائفة.

وحقيقة نقد الفكر الديني عند العلمانيين هو نقض له وإدانة، وهذا خلاف ما يوجبه البحث العلمي النزيه والمحايد.

وجل تلك الكتابات تنطلق من مواقف أيديولوجية مسبقة. أغلبها ماركسي مشبع بموقف ماركس العدائي ضد الدين.


(1) وأركون حسب معرفتي به من خلال كتبه المنشورة أجزم بأنه لم يكن يؤمن بإله ولا دين ولا نبي ولا إسلام ولا أي شيء إلا العقل الغربي المحض.

ويوضح لنا سيد القمني في هذه الفقرة أنه لا دليل على صدق الإسلام، وبالتالي فلا يجوز استثناء شيء من النقد، قال: إن شرط العلمانية هو السماح بالنقد الموضوعي دون حدود ولا سقوف حمراء، لذلك أفهم أن تكون مسلما أو مسيحيا وأن تكون أيضا علمانيا، أي أنك لا تفرض دينك على غيرك، وتقبل نقد دينك لأنه لا دليل على صدقه. لذلك لا نصدقه إنما نؤمن به، والفرق عظيم في آليات الموقفين. فكل دين يزعم المؤمنون به أنه الصدق المطلق، وهو ما يعني عدم الصدق بالمرة، لتناقض الأديان تناقضا تاما والمصدر واحد إذا سلمنا بالإيمان. انتكاسة القمني، عفوا انتكاسة المسلمين (315).

وزاد في انتكاسته (315): إن من يزعم العلمانية وينزعج من نقد دينه هو منافق يرتد عند أول ناصية ويبيعنا جميعا عند أول موقف.

وكل العقائد والمسلمات هي تحت مطرقة نقد العلمانيين، فأركون مثلا يهدف إلى إعادة التفكير الجذري بالرؤيا الأخلاقية والسياسة في الإسلام عن طريق وضع القيم العقائدية والإيمانية التكرارية على محك التاريخ وجعلها إشكالية ( Problematique) لا مطلقة أو نهائية تتجاوز التاريخ. ويتأسف على عدم ظهور هذا المشروع الكبير الواسع في العالم الإسلامي (1).

وأكد على مشروعه حول ما سماه تحرير الفكر الإسلامي من سياجاته العقائدية الخاصة به (2).


(1) الإسلام الأخلاق والسياسة (17).
(2) الأنسنة والإسلام (34).

وكيف سيتم ذلك؟ أجاب أركون على الفور: لا يمكن أن ينجح ما دامت الأطر والأسس التاريخية القصصية للإيمان غير مهدمة، كما هدمت أسس الإيمان المسيحي منذ القرن الثامن عشر (1).

وبعبارة أكثر صراحة حسب أركون: تهدف العلمانية إلى بناء مجتمع بدون إله، كما عبر «جيل فيري» (2).

وفي كتاب آخر له يقول أركون: وهكذا نلمح تلك الاستمرارية المحزنة إن لم تكن المحبطة للآمال والتي ارتكبتها الأديان عن طريق تشكيل امبراطوريات مرتكزة على الكيل بمكيالين (3).

واتهم الأديان بالتعصب وأنها أقوى من المحبة والتسامح والإخاء. وأنها تتميز بالنظرة الاحتقارية للآخر وأنها فعلت مجازر في حق الأقليات (4). إلى آخر كلامه.

وفي كتاب آخر له اسمه «العلمنة والدين» (72) بين أركون أن العلمانية تحذف كليا الموقف الديني وتعتبره شيئا قديما باليا.

لكن عند أركون فالعلمانية لا تهمل الدين كعامل مؤثر في الدراسة لا لصدقه في نفسه، يقول عن العلمانية: وهي تحاول أن تعيد دمج العامل الديني في الدراسة وليس استبعاده وإهماله. قلت العامل الديني وليس الأديان أو العقائد بحد ذاتها أو بمضامينها التفصيلية (81).

بمعنى أن العامل الديني مُعطى أثر في الظاهرة الإنسانية فلا يهمل كعامل مؤثر في الدراسات التاريخية والسوسيولوجية، وليس لأن له قيمة في حد ذاته، أي: هو مادة للدراسة العلمية كما قال مترجمه وظله هاشم صالح (109).

فالدين مادة للدراسة لا شرع يُتبع ويتدين به وليست له أية قيمة معيارية.

وفي كتاب ثالث «الإسلام الأخلاق والسياسة» تحدث أركون عن الحاجة والضرورة الملحة لإعادة التفكير بتراث الإسلام بدءا من أسسه وجذوره (171).

وفي كتاب رابع يرى أركون أنه لا بد من النقد التاريخي الصارم الذي لا هوادة فيه لكل المنظومة الإسلامية، وأنه لا بد من الحل الجذري الراديكالي أي: المتطرف، كما بين مترجمه وتلميذه هاشم صالح. نحو نقد العقل الإسلامي (12 - 19).

وزاد مجنون أركون: وذلك لأن الفلسفة العقلانية التنويرية الحديثة (أي: العلمانية) تخترق كل الأديان والمذاهب وتتعالى عليها (14).

فالعلمانية فوق الأديان وتتعالى عليها كما قال هاشم صالح. الذي تساءل في كتابه الإسلام والانغلاق اللاهوتي (30): لماذا لا يحق لنا أن ننقد الدين ونصول ونجول في كل القضايا الدينية من دون أن يزعجك أحد.

ويطمئننا هاشم صالح أن علمانيته لا تريد بتفكيك الدين عملا سلبيا ولا تخريبيا، بل هو عمل إبداعي خلاق لا يمكن لأي ثقافة أن تنهض بدونه (43).

هكذا بهذه الكلمات الثعلبية المعسولة يخاطب عواطفنا لعل تمائمنا تستسلم لسحره، ويزيد مضغضغا تلك العواطف مبينا أنه لا يريد تدمير الإسلام، وإنما من أجل التوصل إلى فهم عقلاني حر لدين الإسلام (44).

 


(1) نفس المرجع
(2) نفس المرجع (61).
(3) نحو نقد العقل الإسلامي (178).
(4) نفس المرجع.

يقصد فهما عقلانيا يتم فيه تجاوز وإقصاء كل المفاهيم الدينية ذات البنية الغيبية: الله، الملائكة، الجن، إبليس، الجنة، والنار ... إلخ، وتجاوز كل التشريعات الإسلامية المختلفة تحريم الربا والميسر والخنزير وإيجاب الحجاب والحدود وغير ذلك. لأن كل هذه العقائد والتشريعات كانت استجابة لظروف تجاوز التطور الطبيعي للعقل البشري لها.

وفي مقابل طعن أركون في القرآن والسنة وعلوم الإسلام دافع أركون عن عقائد منحرفة عديدة عن الدين، بل عدها العلماء خارج إطار الإسلام، فقال عن البهائية والإسماعيلية: إنها حققت مكانة عالمية محترمة بفضل جهود الآغاخان وانفتاحه الإنساني المعروف (1).

وقال عن رجال الكنيسة: وهكذا تغير وجهها من رجعي ظلامي ومحاكم تفتيش إلى تقدمي عقلاني مستنير نسبيا (2).

بعد أن سردنا ما يكفي من النصوص العلمانية المؤكدة على ضرورة نقد الإسلام نقدا لا هوداة فيه كما قال هاشم صالح نخصص الفقرات التالية لذكر نماذج موثقة لهذا النقد، بل النقض والطعن والسخرية والاستهزاء بالدين وأحكامه، عسى أن نبين لعصيد أن (عصيدته) طعمها مُر حنظل لا يستساغ إلا من أمثاله.


(1) نحو نقد العقل الاسلامي (323).
(2) نفس المرجع (324).
ودافع كذلك من العلمانيين عن التبشير المسيحي: العفيف الأخضر اعتبر أن صدور قانون يمنع التبشير في الجزائر وفي المغرب يمثل انتهاكا مرفوضا لحرية التدين المقدسة. الحوار المتمدن العدد: - 2006/ 3

  • الجمعة AM 01:20
    2022-08-05
  • 1471
Powered by: GateGold