المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413610
يتصفح الموقع حاليا : 257

البحث

البحث

عرض المادة

توهم اشتمال القرآن الكريم على كلمات زائدة لا فائدة منها

                     توهم اشتمال القرآن الكريم على كلمات زائدة لا فائدة منها(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن القرآن الكريم به بعض الكلمات التي ليس لها فائدة؛ مثل قوله عز وجل: )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا (25)( (الكهف)، ويتساءلون: ألم يكن مناسبا للعبارة أن يقال: "ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة وتسع سنين"؟ ولماذا لم يوضح التقويم الذي قاس به: هل هو التقويم الميلادي الشمسي (300) أم العربي القمري (309) سنة**؟

وجها إبطال الشبهة:

إن الأصل أن يكون لكل مفردة في الكلام دورها في المعنى، ولا قيمة لكلمة تأتي حشوا زائدا، ومن الأولى أن يحذف الحشو؛ لأنه لا قيمة له في التعبير.

ومن هنا زعم بعض المتوهمين أن قوله عز وجل: )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا( حشو يمكن الاستغناء عنه؛ لأنه قول لا يزيد المعنى شيئا. وهذا الزعم مردود من وجهين:

1)  أن هذه الآية الكريمة نزلت على مرحلتين: حيث نزل قوله عز وجل: )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة( فقالوا: سنين أم شهورا أم جمعا أم أياما؟! فأنزل الله تعالى: )سنين(؛ لتحدد نوعية المدة التي قضاها أصحاب الكهف في كهفهم.

2)  أنه مـن المعلـوم أن القـرآن الكريـم نـزل علـى سيـدنـا محمد - العربي - صلى الله عليه وسلم، فلما كان الإخبار عن أهل الكهف ذكرت الآية التقويم القمري الذي يعرفه العرب، والذي يختلف عن التقويم الشمسي الميلادي الذي يعرفه الأقباط؛ إذ إن التقويم الشمسـي تبلـغ السنـة فيـه (365) يومـا، وتبلـغ في التقويــم القمــري (354) يوما، فالاختلاف بينهما في أحد عشر يوما تقريبا، وهذا التفاوت على مدار المدة المذكورة في الآية ينتج تسع سنوات.

التفصيل:

أولا. إن هذه الآية نزلت على مرحلتين؛ حيث نزل أولا قوله عز وجل: )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين( وكانت على هذا مبهمة، لم تحدد للناس: أهى ساعات، أم أيام، أم شهور أم سنون، فأنزل الله عز وجل: )سنين(.

جاء في تفسير القرطبي: لما نزلت )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة(، قالوا: سنين، أم شهورا، أم جمعا، أم أياما، فنزلت )سنين(، ولما نزل قوله تعالى: )وازدادوا تسعا( لم يدر الناس أهي ساعات، أم أيام، أم جمع، أم شهور، أم أعوام، واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك، فأمر الله تعالى برد العلم إليه في الـ "تسع"، فهي على هذا مبهمة، وظاهر كلام العرب المفهوم منه أنها "سنين"؛ ذلك لأن الـ "تسع" مسبوقة بـ "السنين"؛ كما تقول: عندي مائة درهم وخمسة، والمفهوم منه خمسة دراهم، قال بذلك القشيري. وقال أبو علي: )وازدادوا تسعا(، أي: ازدادوا لبث "تسع"، فحذف "سنين"[1].

ثانيا. قال عز وجل: )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا( (الكهف:٢٥) هذه الآية - كما يقول الشيخ الشعراوي في تفسيره - تحدد عدد السنين التي قضاها الفتية في كهفهم بأنها "ثلاثمائة سنة"، وهذا هو عددها الفعلي بالتقويم الشمسي؛ لذلك لم يقل الحق عز وجل: "ثلاثمائة وتسعا"؛ بل قال: )وازدادوا تسعا(، ولما سمع أهل الكتاب هذا القول اعترضوا وقالوا: نعرف "ثلاثمائة سنة"، ولكن لا نعرف الـ "تسع"؛ ذلك لأن حسابهم لهذه المدة كان حسابا شمسيا.

فلو حسبت الثلاثمائة سنة الشمسية بالحساب القمري لوجدتها ثلاثمائة سنة وتسعا؛ إذن هي في الحساب الشمسي ثلاثمائة سنة، وفي الحساب القمري ثلاثمائة وتسعا، ومعلوم أن السنة الميلادية تزيد عن الهجرية بأحد عشر يوما تقريبا في كل عام[2].

ومما يؤكد ذلك ما جاء في "التحرير والتنوير"؛ حيث عبر عن هذا العدد بأنه ثلاثمائة سنة وزيادة تسع؛ ليعلم أن التقدير بالسنين القمرية المناسبة لتاريخ العرب والإسلام، مع الإشارة إلى موافقة ذلك المقدار بالسنين الشمسية التي بها تاريخ القوم الذين منهم أهل الكهف، وهم أهل بلاد الروم[3].

وهذا من إعجاز القرآن العلمي الذي لم يكن لعموم العرب علم به.

وخلاصة القول: أن التفاوت بين أيام السنة القمرية وأيام السنة الشمسية يحصل منه سنة قمرية كاملة كل ثلاث وثلاثين سنة شمسية؛ ولهذا قال الله عز وجل: )وازدادوا تسعا(، ومن هنا نعلم أن الخطاب القرآني جاء باللغة التي تناسب العربي وغير العربي، ولهذا لو قال: "ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنوات" لسكت بذلك عن إيراد التقويم الشمسي، ولو قال: " ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة ميلادية" لأغفل بذلك التقويم القمري.. ومن ثم كان القرآن في منتهى البلاغة المتمثلة في دقة التعبير والإيجاز في اللفظ؛ إذ عبر عن التقويمين بما يناسبهما معا.

الإعجاز العلمي في الآية:

هذه الآية الكريمة وردت في ختام قصة أصحاب الكهف الواردة في سورة سميت بسورة الكهف لذكر قصة هؤلاء الفتية بها، فمن أعلم النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - قصة هؤلاء الفتية؟! وهو الأمى الذي لم يقرأ كتابا ولم يطلع على التاريخ؟! وقد سأله المشركون عن قصة هؤلاء الفتية بإيعاز من اليهود؛ ليختبروا صدقه - صلى الله عليه وسلم - فكان ورود هذه القصة في القرآن دليلا على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن وحي من الله تعالى لا من عند محمد صلى الله عليه وسلم.

والأقوى برهانا على ذلك تحديد هذه المدة التي لبثها أصحاب الكهف في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا، فبأي تاريخ هذا العدد من السنين؟ وهل كان أحد على وجه الأرض يومها من العرب أو غيرهم من روم وفرس، أو حتى أصحاب الديانات السماوية: اليهودية و النصرانية وغيرها... هل كان أحد يومها يعرف الفرق بين التاريخ القمري والتاريخ الشمسي؟! وأنه كل مائة سنة شمسية تزيد ثلاث سنوات قمرية؟! ولهذا استكمل الثلاثمائة بتسع زيادة، وهذا ما يؤكده العلم، ومن هنا يتبين لنا أن ما ورد في القرآن هو "علم"، وهذا الرقم توقيف من الله تعالى، فتبارك علام الغيوب الذي وسع علمه كل شيء: )ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)( (الملك).

  

 

(*) كيف نرد على المنصرين؟! www.saaid.net

[1]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ص387.

[2]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج14، ص8870 بتصرف يسير.

[3]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج7، ج15، ص300.

  • الاثنين PM 03:30
    2020-09-07
  • 1151
Powered by: GateGold