المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413807
يتصفح الموقع حاليا : 255

البحث

البحث

عرض المادة

أصل تسمية المعتزلة

لقد اختلف الباحثون في أصل هذه التسمية، وسنعرض أهم الآراء في ذلك، وما ورد على كل رأي من اعتراض، ثم نبين الرأي الأقرب للصواب. 
الرأي الأول: 
التفسير الشائع الذي أورده كتَّاب الفرق، كالبغدادي  (1) والشهرستاني  (2) ، ومن على شاكلتهما، والذي يفيد بأن كلمة "المعتزلة" لفظ أطلقه أعداؤهم من أهل السنة عليهم للتدليل على أنهم انفصلوا عنهم، وتركوا مشايخهم القدامى، واعتزلوا قول الأمة بأسرها في مرتكب الكبيرة، فهو بهذا الاعتبار اسم يتضمن نوعا من الذم، واتهاما واضحا بالخروج على السنة والجماعة، فالمعتزلي هو المخالف والمنفصل  (3) .
يقول الشهرستاني: ودخل رجل على الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين: لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة، وهم وعيدية الخوارج، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان؛ بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان، فلا يضر مع مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟ ففكر الحسن في ذلك, وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق، ولا كافر مطلقا؛ بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن. فقال الحسن: اعتزلنا واصل، فسمي هو وأصحابه المعتزلة  (4) .
ويقول البغدادي: إن واصل بن عطاء زعم أن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر، وجعل الفسق في منزلتي الكفر والإيمان، وأن الحسن البصري لما سمع ذلك منه طرده من مجلسه، وانضم إليه صديقه عمرو بن عبيد  (5) ، فقال الناس فيهما: إنهما قد اعتزلا قول الأمة، وسمي أتباعهما من يومئذ معتزلة  (6) . انتهى كلام البغدادي بتصرف.
وهناك رواية تنسب الاعتزال إلى عمرو بن عبيد أوردها المقريزي  (7) في خططه حيث قال: "وقال ابن منبه: اعتزل عمرو بن عبيد وأصحاب له الحسن، فسموا المعتزلة  (8) .
وقد اعترض بعض الباحثين المعاصرين على أصل هذه التسمية، بأمور منها: 
1- أن انتقال واصل بن عطاء أو عمرو بن عبيد من أسطوانة في المسجد إلى أخرى ليس بالأمر الهام الذي يصح أن تلقب به فرقة. 
2- اختلاف الرواة في سرد الرواية، فبعضهم ينسب حادثة الانفصال إلى عمرو بن عبيد، وبعضهم ينسبها إلى قتادة بن دعامة السدوسي  (9) وهذا مما يضعف الرواية ويجعلها عرضة للنقد؛ فالذي فهم من رواية الشهرستاني مثلا: هو أن الحسن البصري هو الذي قال لواصل بن عطاء حين اختلفا في مسألة الحكم على مرتكب الكبيرة، (اعتزلنا واصل، فسمي هو وأصحابه معتزلة).
أما ابن خلكان  (10) وجماعة معه، فيذكرون: أن الذي سماهم بهذا الاسم هو المحدث المشهور قتادة بن دعامة السدوسي، المتوفى سنة (117)هـ، وكان قتادة من علماء البصرة، وأعلام التابعين، ومن أصحاب الحسن البصري، دخل يوما مسجد البصرة وكان ضريرا فإذا بعمرو بن عبيد ونفر معه قد اعتزلوا حلقة الحسن البصري وكونوا لهم حلقة خاصة وارتفعت أصواتهم، فأمهم وهو يظن أنهم من حلقة الحسن، فلما صار معهم وعرف حقيقتهم قال: إنما هؤلاء المعتزلة، فسموا معتزلة من وقتها  (11) .
فاختلاف الرواة في المنفصل عن الحسن البصري، هل هو عمرو بن عبيد أو واصل بن عطاء؟ واختلاف المسمي هل هو الحسن البصري أم قتادة؟ مما يضعف الرواية ويشكك فيها  (12) .
هذه أهم الاعتراضات التي وردت على هذا الرأي. 
الرأي الثاني: تفسير جولد تسيهر  (13) :
يرى جولد تسيهر أن هذه الفرقة الكلامية ولدت من نزعة ورعة، وأنه كان من هؤلاء الجماعة الورعين المعتزلة، أي: الزهاد الذين يعتزلون الناس، ويؤيد رأيه بشبهات، منها ما يلي: 
1- أن بعض المصادر الأدبية استعملت فيها كلمة (معتزلي) كمرادف لكلمة (عابد) أو (زاهد)؛ فالاعتزال صفة يوصف بها الزاهد. 
2- ما عرف به أوائل المعتزلة من ميل للزهد والعبادة، وأنهم كانوا يعتزلون العالم، ويحيون حياة التقشف والزهد، فيروى عن واصل بن عطاء أنه كان إذا جنه الليل صف قدميه ليصلي ولوح ودواة موضوعان فإذا مرت به آية فيها حجة على مخالف جلس فكتبها ثم عاد في صلاته. وروي عن عمرو بن عبيد أنه كثيرا ما كان يصلي الفجر بوضوء المغرب، وأنه حج حججا كثيرة ماشيا ,وبعيره موقوف على من أحصر  (14) .
وقد رد مرغليوث ونيللو هذا التفسير، فيقول مرغليوث: المعتزلة من انفصلوا. وهم الذين اعتزلوا إخوانهم في مجلس الحسن البصري، وكانوا يؤمنون بحرية الإرادة. أما نيللو: فيقول: إن ما افترضه جولد تسيهر وهمي لا يقوم على سند ما من المصادر، بل هو فوق هذا يصطدم بمشكلة خطيرة، كيف يمكن أن يكون اسم المعتزلة قد قصر على طائفة من الناس لم يكن الزهد فيهم العنصر المميز لهم حقا عن غيرهم، سواء كأفراد، أو كجماعة؟ أفلم يكن الزهد منتشرا بنفس الدرجة في الوسط الديني الذي اعتزله المعتزلة؟ أفلم يكن الحسن البصري مشهورا بالزهد، وهو أستاذ واصل  (15) .
وإذا فهذا الرأي مردود. 
الرأي الثالث: التفسير السياسي.      
من أشهر القائلين بهذا الرأي نيللو والمستشرق السويدي نيبرج، وملخص رأيهم: أن منشأ الاعتزال من أصل سياسي، وأن المعتزلة الدينية أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد كانوا في الأصل استمرارا في ميدان الفكر والنظر لفئة سياسية سبقتها في الظهور، هي فئة المعتزلة السياسيين الذين ظهروا في حرب صفين، وقبلها في معركة الجمل، وقد أبدوا رأيهم بأدلة، منها ما يلي: 
1- أن لفظ الاعتزال كثيرا ما يرد في كتب التاريخ، وفي لغة السياسة في القرن الأول والنصف الأول من القرن الثاني للهجرة للدلالة على الامتناع عن مناصرة أحد الفريقين المتنازعين، وعلى الوقوف موقف الحياد، كأن يرى الرجل فئتين متقاتلتين، ثم هو لا يقتنع برأي أحدهما أو رأي أن كلا الفريقين غير محق. 
من ذلك ما نراه من إطلاق المؤرخين هذه الكلمة (المعتزلة) كثيرا على الطائفة التي لم تشارك في القتال بين علي وعائشة في حرب الجمل، وعلى الذين لم يدخلوا في النزاع بين علي ومعاوية  (16) ، فقد ذكر الطبري  (17) في حوادث سنة (36)هـ, أن قيس بن سعد – عامل مصر من قبل علي – كتب إليه يقول: "إن قبلي رجالا معتزلين قد سألوني أن أكف عنهم، وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس، فنرى ويرى رأيهم"  (18) .
وفي موضع آخر يقول: "ولم يلبث محمد بن أبي بكر شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم، فقال: يا هؤلاء إما أن تدخلوا في طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، دعنا حتى ننظر إلى ما تصير إليه أمورنا، ولا تعجل بحربنا"  (19) .
2- هناك نصوص وشواهد مهمة تفيد أن مثل هذه الفئة المعتزلة التي وقفت على الحياد في الحروب المشار إليها أطلقت على نفسها اسم المعتزلة أو أطلق عليها اسم المعتزلة من ذلك ما يذكره الملطي  (20) إذ يقول: "وهم سموا أنفسهم معتزلة؛ وذلك عندما بايع الحسن بن علي – رضي الله عنه – معاوية وجميع الناس، وكانوا من أصحاب علي – رضي الله عنه – لزموا  منازلهم ومساجدهم وقالوا: نشتغل بالعلم والعبادة، فسموا بذلك معتزلة"  (21) .
وما يقوله النوبختي  (22) : "لما قتل عثمان بايع الناس عليا، فسموا الجماعة ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقة أقامت على ولاية علي – رضي الله عنه –، وفرقة اعتزلت مع سعد بن مالك وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد بن حارثة؛ فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي وامتنعوا عن محاربته، والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته والرضا به، فسموا المعتزلة، وصاروا أسلاف المعتزلة إلى آخر الأبد، وقالوا: لا يحل قتال علي ولا القتال معه  (23) 
وقد رد بعض الباحثين هذا الرأي محتجين بأمور، منها: 
1- أن أقوال المعتزلة الكلامية ليس فيها ما يثبت الأصل السياسي لنشأتهم. يقول الأستاذ كوريان: "إذا فكرنا مليا في مذهب الاعتزال، وفي حرية الاختيار؛ رأينا أن السياسية لا تشكل سببا كافيا لنشوئهما"  (24) .
2- لو صح أن هؤلاء الصحابة المعتزلين للفتنة كانوا أسلافا للمعتزلة لوجب اتفاقهم معهم في أصول مذهبهم، فلما لم يتفقوا دل على بطلان هذا الرأي، فمثلا: مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة واجب بالسيف فما دونه، كيف قدروا على ذلك؟ فلو كان الصحابة المعتزلون للفتنة أسلافا للمعتزلة الفرقة لأوجب عليهم هذا الأصل قتال معاوية، ونحن نراهم قد توقفوا عن القتال وابتعدوا عن الفتنة؛ مما يدل على بطلان القول بأنهم أسلاف للمعتزلة، وعليه فيبطل هذا الرأي. 
الرأي الرابع: 
وهو رأي انفرد به الدكتور أحمد أمين، فقد قال في كتابه (فجر الإسلام): ولنا فرض آخر في تسميتهم المعتزلة لفتنا إليه ما قرأناه في خطط المقريزي من أن من بين الفرق اليهودية التي كانت منتشرة في ذلك العصر وما قبله طائفة يقال لها "الفروشيم" وقال: إن معناها المعتزلة. 
وذكر بعضهم عن هذه الفرقة: أنها كانت تتكلم في القدر، وتقول: ليس كل الأفعال خلقها الله، فلا يبعد أن يكون هذا اللفظ قد أطلقه على المعتزلة قوم ممن أسلموا من اليهود لما رأوا بين الفرقتين من الشبه. وإن التشابه بين معتزلة اليهود ومعتزلة الإسلام موجود. فمعتزلة اليهود: يفسرون التوراة على مقتضى منطق الفلاسفة؛ ومعتزلة الإسلام : يتأولون كل ما في القرآن من أوصاف على مقتضى منطق الفلاسفة أيضا، فقد قال المقريزي في هؤلاء الفروشيم الذين ساهم المعتزلة قال: إنهم يأخذون بما في التوراة على معنى ما فسره الحكماء من أسلافهم  (25) .
وهذا الرأي مردود لأمور منها: 
1- أنه لم يرد له ذكر في كتب أهل الفرق المتقدمين الذين تعرضوا للمعتزلة بالبيان والتفصيل، فلو كان صحيحا لأشير إليه على الأقل، كما أشير إلى الآراء الأخرى في بيان سبب تسميتهم بالمعتزلة. 
2- أن ما استدل به الدكتور أحمد أمين ضعيف واه لا يستند على دليل، بل إنه مجرد افتراض، والرأي الذي لا يبنى على دليل صحيح لا يعتد به. 
3- إن الشبه بين فئتين: المعتزلة والطائفة اليهودية التي يذكرها أحمد أمين لا يستلزم أن يكون سبب تسميتهم بالمعتزلة، وعلى هذا: فهذا الرأي مردود. 
والرأي الأقرب للصواب في أصل تسمية المعتزلة - والله أعلم - أن اسم الاعتزال ظهر أثناء الحروب التي حصلت في عهد علي - رضي الله عنه - لكنه لم يطلق على فئة بعينها؛ بل من اعتزل عن السياسة أطلقت عليه، ومن اعتزل للعبادة أطلقت عليه، ثم إن وجود هذه الحروب مما أورث الخلاف بين المسلمين وتفرقهم فرقا, كل فرقة ترى أنها على الصواب ومن سواها على الخطأ؛ ومن ثم أخذوا يبحثون في حكمها، وأصبحت كل فرقة تضع حكما مخالفا للأخرى؛ مما ساقهم إلى البحث في حكم مرتكب الكبيرة، ووضعت بعض الفرق أحكاما متناقضة على إثرها حصلت قصة السائل الذي أتى إلى الحسن البصري في حلقته، وحكى له ما سمع من آراء متناقضة في حكم مرتكب الكبيرة، وطلب منه رأيه ثم إن أحد تلاميذ الحسن وهو واصل بن عطاء سبقه وأخرج حكما يخالف شيخه في مرتكب الكبيرة، وهو أنه في  منزلة بين المنزلتين؛ وبسبب ذلك قال الحسن: اعتزلنا واصل ثم طرده من حلقته، فاعتزل في سارية من سواري مسجد البصرة يقرر ما أجاب به على جماعة استحسنوا رأيه وتابعوه، فسموا من ذلك الحين المعتزلة؛ لاعتزالهم الحسن وقول الأمة بأسرها وحكمهم على صاحب الكبيرة باعتزاله المؤمنين والكافرين  (26) .
وعلى ذلك؛ فظهور هذه التسمية على فرقة بعينها مستقلة، إنما حصل في حلقة الحسن البصري – رحمه الله – والله أعلم. 
أما قول من اعترض على هذا الرأي باختلاف الرواة في سرد الرواية، وأن بعضهم ينسب حادثة الانفصال إلى عمرو بن عبيد، وبعضهم ينسبها إلى واصل بن عطاء، وبعضهم ينسب التسمية إلى الحسن البصري، وبعضهم ينسبها إلى قتادة بن دعامة السدوسي، وأن هذا مما يضعف الرواية. فنقول: إن المنفصل هو واصل بن عطاء، وقد انفصل معه عمرو بن عبيد، فلا يمتنع أن يكون من قال بانفصال عمرو عن الحسن، وأنه سبب التسمية أن يكون قاصدا عمرا وواصلا ومن معهما، لأنه قال: عمرو وجماعة معه، فيكون النقاش دار بين الحسن وواصل، والانفصال من واصل وعمرو ومن معهما. 
أما اختلاف المسمي هل هو الحسن أم قتادة؟؛ فهذا أيضا: لا يقدح في صحة الرواية؛ لأن المسمي الأول هو الحسن، أما قتادة فإنما قال شيئا قد حصل ومضى، ويدل عليه ألفاظ الرواية "فأمهم وهو يظن أنهم حلقة الحسن" ثم قال لقتادة: "إنما هؤلاء المعتزلة" ففي هاتين الجملتين دلالة على أن قتادة من مرتادي مجلس الحسن، وأنه كان يعرف سبب انفصالهم، وأن إطلاقه الاسم إنما كان بعد تكون الفرقة، وعلى هذا، فلا تعارض بين الروايتين. 
ومما يؤكد ما ذكرناه ما يقوله المسعودي حيث قال: "وأما القول بالمنزلة بين المنزلتين، وهو الأصل الرابع، فهو أن الفاسق المرتكب للكبائر ليس بمؤمن ولا كافر، بل يسمى فاسقا . . إلى أن قال: وبهذا الباب سميت المعتزلة؛ وهو الاعتزال 

  • الثلاثاء PM 06:36
    2015-06-02
  • 5958
Powered by: GateGold