المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413500
يتصفح الموقع حاليا : 269

البحث

البحث

عرض المادة

الرد على المعتزلة

الرد على المعتزلة
أخذ عليهم علماء السنة أنهم يردون الأحاديث غير الموافقة لأغراضهم ومذاهبهم ويدعون أنها مخالفة للعقول (وغير جارية على مقتضى الدليل فيجب ردها، كالمنكرين لعذاب القبر، والصراط، والميزان، ورؤية الله - عز وجل - في الآخرة)[1]. فضلًا عن اختلافهم في الاعتقاد بشفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة وإنكار بعضهم لمعجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم -[2]. وكل ذلك بزعم اعتمادهم على الأدلة التي تجيزها عقولهم. وما زال الاتجاه الاعتزالي يجذب البعض بتأثير سحر (العقل) وأحكامه، وأصبح الاعتزال الآن (موقفًا) و(اتجاهًا) بعد أن كان معبرًا عن فرقة لها أصولها ومذهبها كما رأينا. لذلك نرى إيضاح رأي علماء السلف في حججهم العقلية وفتنتهم بالعقل وكأن أدلة الشرع لم تستند إلى العقل. نحن هنا مضطرون إلى الشرح بشيء من الإفاضة لإجلاء هذه النقطة الدقيقة التي ربما كانت مثار التباس عند البعض. ونرى أن الآفة الحقيقية في الفكر الاعتزالي بوجه عام تشمل نقطتين:أولًا: الظن بأن (عقولهم) أولى بالتقديم من النصوص الشرعية.ثانيًا: رد بعض الأحاديث النبوية وإنكارها أو الطعن في السنة عمومًا. أولًا: أحكام العقل:وفي هذه النقطة نرى إصابة ابن تيمية في رده المفحم حيث فند الصلة بين الأدلة وصحح كثيرًا من المفاهيم الخاطئة حول الأدلة عند الكلام عن أصول الدين، قال في قول جامع: (أن يقال كون عقليًا أو سمعيًا ليس هو صفة تقتضي مدحًا ولا ذمًا ولا صحة ولا فسادًا، بل ذلك يبين الطريق الذي به علم وهو السمع أو العقل، وإن كان السمع لابد معه من العقل، وكذلك كونه عقليًا ونقليًا. وأما كونه شرعيًا فلا يقابل بكونه عقليًا وإنما يقابل بكونه بدعيًا إذ البدعة تقابل الشرعة، وكونه شرعيًا صفة مدح، وكونه بدعيًا صفة ذم. وما خالف الشريعة فهو باطل، ثم الشرعي قد يكون سمعيًا، وقد يكون عقليًا. فإن كون الدليل شرعيًا يراد به كون الشرع أثبته ودل عليه، ويراد به كون الشرع أباحه وأذن فيه، فإذا أريد بالشرعي ما أثبته الشرع، فإما أن يكون معلومًا بالعقل أيضًا. ولكن الشرع نبه عليه ودل عليه، فيكون شرعيًا عقليًا، وهذا كالأدلة التي نبه الله تعالى عليها في كتابه العزيز من الأمثال المضروبة وغيرها الدالة على توحيده وصدق رسله وإثبات صفاته وعلى المعاد. فتلك أدلة عقلية تعلم صحتها بالعقل. وهي براهن ومقاييس عقلية، وهي مع ذلك شرعية. وأما أن يكون الدليل الشرعي لا يعلم إلا بمجرد إخبار الصادق - صلى الله عليه وسلم - فإنه إذا أخبر بما لا يعلم إلا بخبره كان ذلك شرعيًا سمعيًا. وكثير من أهل الكلام يظن أن الأدلة الشرعية منحصرة في خبر الصادق - صلى الله عليه وسلم - فقط وأن الكتاب والسنة لا يدلان إلا من هذا الوجه، ولهذا يجعلون أصول الدين نوعين: العقليات والسمعيات ويجعلون القسم الأول مما لا يعلم بالكتاب والسنة، وهذا غلط منهم، بل القران دل على الأدلة العقلية وبينها ونبه عليها، وإن كان من الأدلة العقلية ما يعلم بالعيان ولوازمه، كما قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]. وأما إذا أريد بالشرعي ما أباحه الشرع وأذن فيه، فيدخل في ذلك، ما أخبر به الصادق وما دل عليه ونبه عليه القرآن. وما دلت عليه وشهدت به الموجودات. والشارع يحرم الدليل لكونه كذبا في نفسه، مثل:(أ) أن تكون إحدى مقدماته باطلة، فإنه كذب، والله تعالى يحرم الكذب لاسيما عليه، كقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ﴾ [الأعراف: 169]. (ب) ويحرمه لكون التكلم يتكلم بلا علم، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36] وقوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]. (ج) ويحرمه لكونه جدالًا في الحق بعد ما تبين كقوله تعالى: ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ ﴾ [الأنفال: 6] وقوله تعالى: ﴿ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾ [غافر: 5][3]. وبناء على ما تقدم يقرر شيخ الإسلام أن الدليل الشرعي لا يجوز أن يعارضه دليل شرعي ويكون مقدمًا عليه. وإلا فهل يعقل أن تقدم البدعة التي لم يشرعها الله تعالى على الشرعية التي أمر الله؟ أو تقديم الكذب على الصدق؟ أو تقديم خبر غير النبي على خبر النبي؟ أو اعتبار ما نهى الله تعالى عنه خيرًا مما أمر الله به؟ ولا شك أن كل هذا ممتنع[4] وستزداد الأمور وضوحًا لو بحثنا علاقة العقل بعالم الغيب الذي يعجز العقل عن الإحاطة به:العقل وعالم الغيب:إن مناقشة أصحاب الاتجاه الاعتزالي تحتاج منا إلى مخاطبتهم بحجج العقل وبيان أن ما ينكرونه من حقائق وردت بالشرح لا تتنافى بتاتًا مع أحكام العقل الإنساني وموازينه:1- أمدنا الشرع بإيضاحات كاملة عن عالم الغيب بتفاصيله الدقيقة حتى أصبح واضحًا كالشمس. إن الإنسان يحتاج إلى معرفته أشد من حاجته إلى معرفة عالم الشهادة. فهذا موقف مؤقت وذلك أبدي خالد. ونحن نعلم من تجاربنا أننا نحرص على تعلم علوم الدنيا للسعي فيها وتذليل الصعوبات التي أمامنا باكتساب علوم الصناعات والطب والزراعة والاقتصاد والهندسة وغيرها. فإن العلم بحقائق الغيب - ومنها عالم الآخرة- أولى لأنها الأدوم والأخلد. 2- إن معرفة ماهية الحياة بعد الموت - ولا مصدر لنا إلا الشرع - سواء في البرزخ أو في الآخرة تمنع الإنسان وتردعه عن ارتكاب كثير من الخطايا والزلات، وقد تصده أيضًا عن الصغائر والهفوات، كمعرفة عذاب القبر وسؤال الملكين واجتيازالصراط وهول المطلع وشدة الموقف يوم القيامة والحساب والعقاب. 3- إننا نعجب كيف يذهل العقل ويحتار أمام عالم المشاهدة - لا سيما في العصر الذي نعيشه - ثم يجرؤ على استبعاد أو الشك بما أخبرنا به الرسول المعصوم - صلى الله عليه وسلم - عن عالم الغيب؟ إننا إذا فتحنا عيوننا على عالمنا فستأخذنا الدهشة والحيرة، فحقائق العلم تذهب العقول والألباب وتفتح الباب أمام عالم أوسع آفاقًا بكثير مما يقع عليه تذهل العقول والألباب وتفتح الباب أمام عالم أوسع آفاقًا بكثير مما يقع عليه الحس أو يحيط به العقل، مع أن اكتشافات العلماء تمثل النذر اليسير من مخلوقات الله تعالى التي لا يحيط بها إلا هو سبحانه وتعالى!!. خذ مثلًا الحقائق التي يكتشفها علماء الفلك كيف عرفوا أن هناك مليارات الكواكب المحيطة بنا. أنه عالم لا نهائي بالنسبة للإنسان وقدراته على الإحاطة بعالم المخلوقات، فما بالنا بعالم الغيب؟ 4- إن ما ظنه البعض أحكامًا عقلية هو في الحقيقة خضوعًا للمألوف المعتاد ولو تحررنا منه وفتحنا أعيننا على ما يحدث في العالم حولنا من أعاجيب، لذهلنا وتحيرنا واستبعدنا حدوثها. يعدد العلامة الأستاذ المودودي - رحمه الله تعالى - تلك الأعاجيب فيما نراه ونلمسه من أمور تحدث وهي غاية في الغرابة. فإن البذرة تنشق في بطن الأرض وتظهر بصورة شجرة ضخمة، وتدخل قطرة من ماء الرحم وتخرج بصورة إنسان، ويتولد الماء باجتماع غازين ويتحول إلى بخار ويتحول البخار إليه بترتيب خاص مرة بعد أخرى، وتجري مئات الملايين من النجوم السيارة كالكرات في فضاء العالم الواسع ويرتبط بعضها ببعض بدون ما علاقة مرئية. وينبهنا أخيرًا بقوله: (إنكم معتادون لرؤية كل هذه الأمور ولذا لا ترون فيها ما يدعو إلى العجب والحيرة، وإنما ترونها أمورًا عادية، ولكن لو كنتم لا تشاهدونها، وكنتم مستأنسين بنظام آخر غير نظامها، لرأيتم أنها أبعد ما تكون عن العقل والقياس، وأنكرتم إمكانها بكل شدة)[5]. ثانيًا: رد بعض الأحاديث النبوية وإنكارها:نعتقد كما بينا آنفًا امتداد حركة التأويل الكلامية لدى المعتزلة إذا ما زالت تعيش في عقول البعض الذي يحاول إنكار الحديث النبوي أو الطعن فيه، وإن اختلف بواعثهم عن بواعث أسلافهم من أئمة الاعتزال. ولا نجد من الحجج العقلية ما نواجه به هؤلاء إلا كلمات يسيرة، خطها مفكر غربي، نشأ في بيئة ثقافية وحضارية غربية ولكنه عثر في الإسلام على ضالته المنشودة فاعتنق الإسلام بعد دراسة طويلة متأنية، وفي تقويمه للسنة النبوية قال: (إن سنة الرسول - صلوات الله عليه - تالية للقرآن، وهي الصدر الشافي للشرع الإسلامي والسلوك الشخصي والاجتماعي، ومن ثم يجب على المسلمين جميعًا اعتبار أن السنة هي التفسير الوحيد لتعاليم القرآن الكريم والوسيلة الوحيدة لاجتناب الخلاف في تأويل تلك التعاليم وتطبيقها في الحياة العملية، ولكن مع الأسف نسمع التعبير الذي يتردد على مسامعنا اليوم من البعض (لنرجع إلى القرآن الكريم، ولكن يجب ألا نجعل من أنفسنا أتباعًا مستعبدين للسنة) وهو يدل على جهل للإسلام، مثلهم في ذلك مثل الذي يريد دخول قصر، ولكنه لا يريد أن يستعمل المفتاح الأصلي الذي يستطيع به وحده أن يفتح الباب). أما عن المشكلة المفتعلة في صحة المصادر فإن الطاعنين فيها لا يملكون أي مبرر لموقفهم، ولا يمكن أن يأتوا بأدلة مقنعة تثبت مرة واحدة عدم الثقة بالأحاديث المنسوبة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذ من الصعب عليهم تدعيم انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي، لأن الجامعين لكتب الحديث الأولى وخصوصًا الإمامين البخاري ومسلم، وقد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض صحة كل حديث على قواعد التحديث عرضًا أشد كثيرًا من ذلك الذي يلجأ إليه المؤرخون الأوربيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم. ومن الثابت لكل دارس لعلم مصطلح الحديث أن هذا العلم استطاع من الناحية التاريخية أن يوجد سلسلة متماسكة لتراجم مفصلة لجميع الأشخاص الذين ذكروا على أنهم رواة أو محدثون، فقد خضت تراجم هؤلاء الرجال والنساء لبحث دقيق من كل ناحية، ولم يعد منهم في الثقات إلا أولئك الذين كانت حياتهم وطريقة روايتهم للحديث تتفق تمامًا مع القواعد التي وضعها المحدثون، تلك القواعد التي تعتبر على أشد ما يمكن أن يكون من الدقة، فإذا اعترض أحد اليوم من أجل ذلك على صحة حديث بعينه أو على الحديت جملة، فإن عليه هو وحده أن يثبت ذلك، وإذا لم تقم حجة معقولة أي علمية تبرهن على أن المصدر مقوص، كان حتمًا حينذاك أن تقبل الحديث على أنه صحيح. ودون الاستطراد في الكلام عن كافة الاحتمالات الطاعنة في الحديث، إلا أنها تتهافت جميعًا أمام الأسلوب العلمي للنقد، وقد بدأ علم الحديث لما مست الضرورة إلى تمييز الحديث الصحيح من الحديث الموضوع، وأن صحيحي الإمامين البخاري ومسلم ليسا سوى نتيجة مباشرة لهذا التمييز. وبقي السبب الوحيد الذي يحمل البعض على معارضة الحديث، ويرجع إلى استحالة الجمع بين طريقة حياتنا وتفكيرنا الحاضر المتقهقرة وبين روح الإسلام الصحيح بسبب نفوذ المدنية الغربية في البلاد الإسلامية، فقد أصبح الجيل المسلم الحاضر مستعدًا لأن يكبر كل شيء غربي وأن يتعبد لكل مدنية أجنبية ولأنها قوية وبراقة من الناحية المادية). ثم يحذرنا محمد أسد بقوله: ((ولكي يستطيع نقدة الحديث المزيفون أن يبرزوا قصورهم وقصور بيانهم فإنهم يحاولون أن يزيلوا ضرورة إتباع السنة، لأنهم إذا فعلوا ذلك كان بإمكانهم حينئذ أن يتأولوا تعاليم القرآن الكريم كما يشاؤون في أوجه من التفكير السطحي، أي حسب ميول كل واحد منهم وحسب طريقة تفكيره هو. ولكن تلك المنزلة الممتازة التي للإسلام على أنه نظام خلقي وعملي ونظام شخصي واجتماعي- ننتهي بهذه الطريقة إلى التهافت والاندثار"[6]. هذا هو موجز رأي هذا المفكر المسلم ربيب الحضارة الغربية، وقد استهدفت بإيراد رأيه الدعم بالأدلة، تدعيم وجهة النظر التي نراها صحيحة، وتتلخص في أن الاتجاه السلفي سيظل هو الموقف الصحيح بالنسبة للإسلام، مهما تقدمت العصور، فليست السلفية إذن قاصرة على تفسير تاريخي مضى واندثر، ولكنها ستظل علمًا على النظر إلى الإسلام من واقع الأصلين العظيمين: كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم. ونستخلص أيضًا سبب معارضة ابن تيمية لعلم الكلام الأشعري، لأنه يبدأ من قواعد ليست مستنبطة من القرآن والحديث فيؤدي إلى نتائج مخالفة لعقائد الأوائل، مهما ادعى أصحابه أنهم يسيرون على نهج السلف.
[1] الشاطبي: الاعتصام ج 1 ص145.[2] ينظر كتاب (موقف المعتزلة من السنة النبوية ومواطن انحرافهم عنها) تأليف: أبو لبابة حسن ص 113- 149 دار اللواء- الرياض 1399هـ- 1979م.[3] بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول ج 1 ص116.[4] نفسه ص 115.[5] المودودي: الحضارة الإسلامية ص 248- 249.[6] الإسلام على مفترق الطرق- ترجمة د. عمر فروخ ط. دار العلم للملايين- بيروت.

  • الثلاثاء PM 06:27
    2015-06-02
  • 3472
Powered by: GateGold