ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
تنوع التكامل بين الرجال والنساء
تنوع التكامل بين الرجال والنساء
الإسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها (( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثرالناس لا يعلمون )) ( الروم:30 )
ولقد تبدت الفطرة الإنسانية التي فطر الله الانسان عليها ضمن ما تبدت- عبر الزمان والمكان ، وفي سائر الحضارات والديانات والفلسفات والانساق الفكرية- في مدينة الإنسان واجتماعيته ، فمن المحال أن يسعد الإنسان إذا عاش فرداً وحيداً منعزلا، ومن المحال أن يحصًل ضرورات حياته ،فضلاً عن حاجياته وتحسيناتها ، بعيدا عن المجتمع والاجتماع والاشتراك والارتفاق .. ولذلك ، كانت الرهبة- رغم أن لها مجتمعها الذي لا يعزل الراهب عزلا تاما عن الاغيار- شذوذا عـــن الفطرة الإلهيه في الاجتمـــاع الإنساني (( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها )) ( الحديد :27 ) .
وكانت رهبانية الإسلام هي الجهاد في سبيل الله - وهي فريضة اجتماعية ، لا تتأتي إلا في أمة وجماعة ومجتمع واشتراك .. وكانت الشوري – التي لا تتحقق إلا بالاجتماع – صفه من صفات المؤمنين (( وأمرهم شوري بينهم )) ( الشوري 38 ) .. وكانت العصمه – في الرؤية الإسلامية – للأمة ، أي للجماعة والاجتماع .. كما قال المعصوم ﷺ،فيما يروية ابن ماجة:(إن أمتي لا تجتمع علي ضلالة) .
فالأمة،أي الجماعة والإجتماع والأشتراك ، هي السبيل إلي الرشد واليقين الذي يحقق الطمأنينة والأمن والسعادة للإنسان .. والمجتمع- أي مجتمع – إنما تتكون أمتة وجماعته من الذكور والإناث.. وهذا التنوع في الذكورة والأنوثة ، قد أخبرنا الحق، - سبحانه وتعالي – أنه نابع من أصل واحد (( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً )) (النساء :1 ).. ((وهو الذي انشائكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون )) ( الأنعام : 98 ) ثم نبأنا الله - سبحانه وتعالي – أن العلاقة بين النوعيينهي المساواة في أصل الخلق ، وفي التكريم .. ((ولقد كرمنا بني آدم في وحملناهم في البر والبحرورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفصيلا )) (الإسراء :70 ) .. وفي التكليف (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ( الذاريات : 56 ) وفي المشاركة والارتفاق في العمل العام .. وفي الحساب .. وفي الجزاء .. ولقد تحدث الهدي القرآني عن دائرتين من دوائر المشاركة والاشتراك والارتفاق بين الذكور والإناث :
الآولي : هي دائرة الآسرة ، التي هي اللبنة الآولي في بناء الأمة ، والخلية التي يبدأ بها الاجتماع الإنساني ، وعن علاقة المشاركة والاشتراك والارتفاق في هذه الدائرة تحدث القرآن الكريم عن الميثاق الغليظ والفطري الذي يربط بين الزوجين(( وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ))(النساء :21) .. وكيف أن الزوجة هي السكن والسكينة لزوجها ، القائمة علاقتها به علي المودة والرحمة((ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم ازوجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ))
( الروم :21 ) وعن أن كل واحد منهما هو لباس للأخر((هن لباس لكم وانتم لباس لهن ))( البقرة : 187) .. وعن قيام الأسرة علي الاجتماع الشوري ، الذي يرتفق فيه أعضاؤها كل واحد علي الأخر ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا يكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلي الوارث مثل ذلك فإن أراد فصالاعن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعلمون بصير )) (البقرة :233) .. كما تحدث القرآن الكريم عن التماثل بين الزوج والزوجة في الحقوق والوجبات (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم )) ( البقرة 228) ..
ويشهد علي أن هذه الأية إنما تتحدث عن الاشتراك والمشاركة والارتفاق في دائرة الأسرة سياقها القرآني ، فلقد جاءت ضمن سبع عشرة آية تتحدث كلها عن شئون الأسرة وأحكامها من الأية 221 – تتحدث عن الخطوبة .. والطهر والرضاع .. والفطام .. والإيلاء ( هجران الزوج لزوجته ) .. والطلاق.. والعدة .. والمتعة .. ألخ .. ألخ .
والمماثلة التي تتحدث عنها الأية ، ليست بين الذكر والأنثي ، ذلك أن الفطرة الإلهية قد مايزت بينهما (( وليس الذكر كالأنثي )) ( آل عمران :36) .. وإنما هي المماثلة في الحقوق والواجبات بين الزوجين في دائرة الاجتماع الأسري ، علي النحو الذي يجعل هذه الحقوق والواجبات – بالاشتراك – كلا واحد .. ومن هنا كان قول عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، في تفسير هذه المماثلة – إني احب أن اتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي - ، لهذه الآية ..
فالاشتراك والمشاركة ، والاسهام والمساهمة ، والتفاعل والمفاعلة عامة وشاملة في كل ميادين الحياة الأسرية ، التي تجعل الرجل لباسا لزوجته والزوجه لباسا لزوجها .. ولذلك ، كان الأولي والأوجه في التفسير ( الدرجة ) التي للرجال علي النساء – في المشاركات الأسرية – هي درجة الإتفاق ، التي هي – مع الطبيعة المميزة للرجولة – جماع المؤهل الفطري للقوامة لسفينه الأسرة ومجتمعها ، وعندما تكون المماثلة في المشاركة بالحقوق والواجبات ، وليست بين الأنوثة والذكورة ، فإنها تتحقق مساواة التكامل بين الذكر والأنثي ، علي النحو الذي لا يطمس التمايز الفطري بين الذكورة والأنوثة ،والذي هو سر شوق كل شق إلي الشق الأخر ، والسبب الأول في سعادة كل نوع مما يتميز به ويمتاز النوع الثاني .. فهي مماثلة الشقين المتكاملين ، لا الندين المتطابقين..
وأيضا ، فإنها ليست المماثلة المادية ولا العددية في الحقوق والواجبات ، وإنما مماثلة الاشتراك في النهوض برسالة الاجتماع الأسري ، وفق المؤهلات الفطرية ، التي تمايز ما بين الإسهامات لكن في ذات الإطار.. وتراعي التنوع في إطارات ذات التكاليف ، وفي درجات ذات الصفات والملكات .. وهو تنوع قائم بين النوعين –الذكور والإناث – وليس بين كل فرد وآخر من أفراد النوعين..
وإذا كان القرآن الكريم قد حدد أن لنوع الرجال علي نوع النساء –درجة- ((وللرجال عليهن درجة )) .. فإن هذه – الدرجة – التي هي المسئولية الأكثر ، والتكليف الأزيد- أي القوامة – بمعني دوام القيام بالمزيد والأثقل من الأعباء – (( الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) ( النساء:34 ) .. إن هذه الدرجة – القوامة – ليست لكل رجل علي كل امرأة ، ولا لكل زوج علي زوجة .. وإنما هي للغالب من مجموع الرجال علي الغالب من مجموع النساء بحكم طبيعة التميز في الخلقة والقوة والمهارة في التكاليف بميادين بعينها .. فهي قوامة مبعثها توزيع العمل بين النوعين ، وليس احتكار العمل ولا إغلاق ميادين منه إغلاقا تاما علي نوع دون الأخر .. فقد يبرع بعض الرجال في بعض الميادين التي تبرع فيها المرأة ، عادة ، أكثر من الرجال .. وقد تبرع المرأة في بعض الميادين التي خلقت ليبرع فيها الرجال .. لكن يظل ذلك في إطار الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ، قاعدة التنوع في الفطرة بين الذكور والإناث ، ليتكامل النوعان ، فتتحقق السعادة الخاصة بين الذكر والأنثي، ويتحقق توزيع العمل وفق هذا التنوع الفطري بين الذكور والإناث ..
ولأن هذه هي حقيقة (القوامة ) – المسئولية المتخصصة ، والتكليف الأزيد ، بحكم التأهل الفطري ، والقيادة والريادة في ميادين بعينها – كانت للمرآة ( قوامة ) في الميادين التي هي مؤهلة للبراعة فيها أكثر من الرجال .. فهي ليست محرومة من هذه ( القوامة ) – أي الريادة والقيادة والرعاية – أي إن هذا التمايز بين الرجال والنساء ، إنما هو تمايز بين جملة ومجموع النوعين ،وليس بين كل فرد وآخر من النوعين .. وهو تمايز في الدرجات داخل إطار ذات التكاليف المكلف بها الرجال والنساء .. فإذا كانت الأسرة – زواجا وإنجابا وتربية وتأسيسا للبنة الأمة الأولي – هي تكليف للرجل والمرآة علي السواء ، فإن أسهم كل منهما تتفاوت وتختلف باختلاف ميادين البناء الأسري،علي النحو الذي يتكامل فيه هذا التفاوت والاختلاف .. فمن هذه الميادين ما تزداد فيه إسهامات الرجل ،بحكم فطرته وإمكاناته .. ومنها ما تزداد فيه إسهامات المرأة ، بحكم فطرتها وإمكاناتها ، مع بقاء هذا التنوع : تنوع درجة ، في إطار التكليف العام لهما معا ببناء الأسرة علي النحو الذي يريده الأسلام .
وعن هذه الحقيقة من حقائق (( تنوع التكامل )) و (( تكامل التنوع )) بين المرأة والرجل ، جاء حديث رسول الله(صل الله عليه وسلم)، الذي تحدث عن ( الرعاية ) – القيادة .. والقوامة – باعتبارها حقا وتكليفا لكل الرجال ولكل النساء ، تتفاوت فيها الميادين ، وتتنوع المسئوليات ، وفق الفطرة والكفاءة التي وهبها الله لكل منهما (( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذي علي الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم ، والرجل راع علي أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية علي بيت بعلها وولده وهو مسئولة عنهم ، وعبد الرجل راع علي بيت سيده وهو مسئول عنه . ألا ((فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) – رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد . هذا عن دائرة الاشتراك والمشاركة والارتفاق بين الرجل والمرأة في دائرة الأسرة .
أما الدائرة الثانية : من دوائر الاشتراك والمشاركة بين الرجال والنساء ، فهي دائرة الأمة والمجتمع .. أي دائرة المشاركة في العمل الاجتماعي العام .. ولما كان جماع العمل العام ، في الرؤية الإسلامية ، مندرجا تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي تشمل كل تكاليف وأحكام السياسة والاجتماع والاقتصاد والآدب العامة ومنظومة القيم والأخلاق والعادات والأعراف ، فلقد شرع القرأن الكريم لمبدأ الاشتراك والمشاركة بينالرجال والنساء في كل هذه الميادين الاجتماعية عندما قال : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ))
( التوبة :71 ) .
إن صورة الأمة الإسلامية والاجتماع الإسلامي – هي الصورة الأكبر للأسرة المسلمة – قد عبر عنها الحديث النبوي الشريف – الذي رواه البخاري ومسلم (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ))
ففي هذه الصورة تتفاوت المكونات – الأعضاء والطاقات والملكات – في الحجم والكفاءة والاحتياجات – لكنها تتشارك وتتساند وترتفق جميعا في النهوض بجميع التكاليف(( الاجتماعية – الكفائية )) ، التي يتوجه فيها الخطاب الإسلامي إلي الأمة – أي إلي الرجال والنساء علي السوء – هي مشاركة عامة ، مع تنوع درجات الإسهام في كل ميادين من ميادين هذا العمل العام ، وفق المؤهلات والإمكانات الفطرية والمكتسبة للذكور والإناث . إنها فرائض إلهية ،على النساء و الرجال يؤدونها متناصرين (بعضهم اولياء بعض) كما هو الحال في الأمة الإسلامية
فكل التكاليف العامة ،المؤسسة للفرائض(( الاجتماعية ~الكفائية))،إنما هى – فى القران الكريم –موجهة إلى الامة ، وإلى الجماعة المؤمنة ، أى إلى النساء و الرجال .. وإذا كان الإيمان بالإسلام هو باب الولوج إلى أمته وجماعته ، فلقد ساوت الدعوة الإسلامية الأولى بين النساء و الرجال عندما جعلت للمرأة بيعة مستقلة عن بيعة الرجل – زوجها أو أبيها أو أخيها أوعمها(وليها)- تدخل ،بهذه البيعة المستقلة ،إلى الإسلام و امته ، مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء ((يأيها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترنيه بين أيديهن و أرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن وأستغفرلهن الله إن الله غفور رحيم )) (الممتحنة : 12 ).
بل لقد نصت بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، للنساء على أفتح ابواب و أفاق إسهامات المرأة فى العمل العام بقدر ما يضيف العلم و التعليم والتربية للمرأة من طاقات و إمكانات وملكات تكتسبها من هذه المكونات .. فتح الرسول صلى الله عليه وسلم ،أمام النساء أبواب وأفاق المشاركة فى العمل العام عندما جعل بيعتهن فيم استطعن و اطقن.. فعن أميمة بنت رقيقة قــالت – فيما يرويه ابن ماجة -: جئت النبى صلى الله عليه و سلم ، فى نسوة نبايعه، فقال : (( فيم استطعتن وأطقتن )) .. فكل ماتستطيعه المرأة و تطيقه فطرتها وأنوثتها من العمل العام ، بابه مفتوح أمامها ، مادام لم يؤد ذلك إلى طمس للفطرة أومخالفة لثابت الدين .. وهى فى هذه الضوابط الموضوعة على المشاركة فى العمل العام ،تستوى مع الرجال الذين لايجوز أن تطمس مشاركتهم فى العمل العام فطرة الذكورة و الرجولة ،ولا أن تخالف ثوابت الدين .
مجتمع المشاركة في العمل العام
وإذا كانت هذه هي الأطر العامة لموقع النساء والرجال من مبدأ (( المساواة )) .. ومن ميادين المشاركة والاشتراك في العمل العام .. فإن إشارات إلي ((تطبيقات)) السنة النبوية – في المجتمع النبوي – لهذه ((المبادئ)) ، ضرورية لتبيان أن السنة النبوية قد مثلت – في هذا الميدان .. كما في كل الميادين – البيان النبوي والطريقة النبوية لتجسيد البلاغ الإلهي ، الذي نزل به الروح الأمين علي الصادق الأمين ، عليه الصلاة والسلام ..
- لقد بدأ الاسلام – في طور شريعته الخاتمة والخالدة – بالوحي في غار حراء .. ومنذ اللحظة الأولي – التي كان فيها هذا الوحي في مرحلة (( الصوت )) .. و((الضوء)) – بدأت مشاركة المرأة في الإيمان بالدين الجديد ، وفي الدعوة إليه، والدفاع عنه ، والتضحية في سبيله .
لقد بدأت الأمة والجماعة المؤمنة بأمرأة .. بخديجة بنت خويلد ( 68-3ق هـ/556-620م ) رضي الله عنها .. وظلت الأمة الإسلامية الجديدة متجسدة في هذه المرأة ، حتي بدأت دائرة الإيمان بالدين الجديد تضم السابقين والسابقات إلي الاسلام ، فآمنت رقية بنت رسول الله صل الله عليه وسلم (2هـ/624) مع أمها خديجة .. وكان أبو بكر الصديق (51ق هـ - 13هـ/573-634م ) أول المؤمنين من الرجال .. وعلي بن أبي طالب (23ق هـ - 40 هـ /600-661م ) أول المؤمنين من الفتيان .
- ولقد ظلت حياة السيدة خديجة سلسلة من المشاركات الخاصة و العامة فى الدعوة الأسلامية إلى ان جاءها اليقين حتى سمى الرسول e، عام موتها عام الحزن – الحزن العام ، وليس فقط الحزن الخاص – .
- وإذا كانت منزلة الشهادة و الشهداء فى الإسلام هى التى تعرف ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف الله عليهم و لاهم يحزنون (170) يستبشرون بنعمة من الله وفضل و ان الله لايضيع أجر المؤمنين ﴾ (أل عمران : 169-171) فلقد كانت المرأة ـ سمية بنت خباط (7ق هـ / 615م ) .. ام عمار بن ياسر (57 ق هـ - 37هـ/ 567-657 م ) – طليعة الشهادة و الشهداء فى الإسلام و امة الإسلام .. بها بدأت المشاركة الدامية بالروح و الحياة فى سبيل نصرة الدين الجديد ..
وإذا كان الشرك قد فرض الوانا من الحصار و العنت على الجماعة المؤمنة – فى المرحلة الملكية – فإن المراة المؤمنة قد شاركت فى العمل العام ، الذى قاومت به الدعوة الإسلامية هذا الحصار و العنت ، على قدم المساواة مع الرجال .
شاركت فى الهجرة إلى الحبشة سنة 5 ق هـ - وهى هجرتان – كان فيها ثمانى عشرة أمرأة ،
مع ثلاثة و وثمانين رجلا .. وشاركت فى العزل و الحصار الاقتصادى و الاجتماعى الذين فرضهما الشرك على المؤمنين ومن ناصرهم – فى شعب بنى هاشم – ثلاث سنوات – تحملت المرأة فيها ماتحمله الرجال .. بل ربما أكثر ، بحكم مسئوليتها عن المعاش وعن الصغار .
وإذا كان تاسيس الدولة الأسلامية الأولى هو قمة المشاركة فى العمل السياسى و الدستورى العام ، فلقد شاركت المرأة فى بيعة العقبة .. التى كانت بمثابة ((الجمعية العمومية لعقد تأسيس الدولة الإسلامية )) – فمن بين الخمسة و السبعين الذين عقدو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عقد تأسيس هذه الدولة ، كانت هناك امرأتان ،هما. أم عمارة ، نسيبة بنت كعب الانصارية (13هـ - 634 م ) و أم منيع ، أسماء بنت عمرو عدى الأنصارية (2) .
وإذا كان حدث الهجرة النبوية – من مكة إلى المدينة (1هـ - 622م)- قد مثل بداية التحول العظيم للدعوة الإسلامية ، عندما أمتلكت فيه و به ((الدعوة)) ((الدولة)) ، و أصبحت فيه القلة المستضعفة ((أمة)) و ((مجتمعا)) .. فلقد شاركت المرأة فى هذا العمل العام ، عندما أئتمنت أسماء بنت أبى بكر (27 ق هـ -73 هـ / 597-692م) وأختها عائشة (9ق هـ- 58هـ /613 - 678م ) علي هذا السر الذي حفظه علي وصيانته مستقبل الإسلام وأمتة.. وعندما شاركت أسماء في التخطيط والتنفيذ لهذا الحدث المحوري العظيم ..
وإذا كان الله قد أذن للمظلومين الذين يقاتلون ، والذين أخرجوا من ديارهم ، وفتنوا في دينهم ، لأنهم يقولون ربنا الله .. أذن لهم بالقتال .. فلقد كان الإذن بالقتال – ثم كتابته .. وفرضه .. والتحريض عليه – موجها لكل من الرجال والنساء علي السواء .. لقد فتنت المرأة في دينها كما فتن الرجال .. وأخرجت المرأة من دياها كما أخرج الرجال ، ولذلك ، أذن الله للجميع بالقتال ، وكتبه علي الجميع .. مع تميز إسهامات كل من النوعين في هذا الميدان من ميادين العمل العام ..
إن الإسلام هو دين الجماعة .. والحامل لرسالة الإسلام هي الأمة ، وليس الفرد ،أو الطبقة ، أو الذكور دون الإناث .. وإذا كان الإنسان – ذكراً وأنثي – هو مدني واجتماعي بالجبلة والفطرة والضرورة .. فإن المجتمع المشترك ، الذي يتشارك فيه النساء مع الرجال في العمل العام ، هو القاعدة المتبعة والسنة القائمة منذ فجر الإنسانية وحتي مجتمع الرسالة الخاتمة لرسالات السماء ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ابن عبد البر (الدرر فى اختصار المغازى والــســـير) ص 50 ، تحقيق د . شوقى ضيف .. طبعة القاهرة (1386هــ - 1966م ) .
- ابن حجر العسقلانى (فتح البارى فى شرح صحيح البخارى ) جــ8 ص 220
ففي نبأ موسي ، عليه السلام ، نجد مشاركة إمرأة فرعون لفرعون وملئه وجنوده في الشأن العام : ] وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين (7) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا حاطئين (8) وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون [ (القصص : 7-9 ) .
ونجد هذه المشاركة كذلك كذلك في مجتمع نبي الله شعيب ، عليه السلام – بمدين- بين الرعاة والراعيات ، بمن فيهم بنات شعيب النبي .. ] ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير (23) فسقي لهما ثم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير (24) فجاءته إحداهما تمشي علي استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين (25) قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين [(القصص : 23-26)
ونجد ملكه سبأ تشارك الملأ من قومها في الشوري ، ويمدحها القرآن- لأنها تحكم بواسطة المشاركة في المؤسسة الشورية – علي
حين يذم فرعون – لاستبداده بالرأي -] قالت يا أيها الملأ إني ألقى إلى كتاب كريم }29 {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } 30{ ألا تعلوا على و أتونى مسلمين } 31{ قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون } 32{ قالو نحن أولوا قوة و أولوا بأس شديد و الأمر إليك فأنظرى ماذا تأمرين } 33 { قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون }34 { وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون [ (النمل :29-35 ) هكذا كانت مشاركة المرأة للرجل ، فى العمل العام ، سنة متبعة ، عبر المجتمعات و الرسالات ، كما أشار إلى ذلك القرأن الكريم .
وإذا كان المقام لايسمح بأكثر من إشارات إلى نماذج من هذه المشاركات ، التى تفصح عن أن المجتمع الإسلامى هو مجتمع مختلط ، وفق ضوابط الأداب الإسلامية – يحرم خلوة المرأة بالرجل غير محرم ، خلوة منفردة ، لانها ذريعة إلى الحرام – ويفتح كل ميادين العمل العام للمشاركة بين الرجال و النساء ، مراعيا الحفاظ على فطرة الأنوثة و الذكورة فى درجات الإسهام بالعمل العام .
إذا كان المقام لايسمح بالاستفاضة فى ذكر الوقائع الشاهدة على قيام هذه الحقيقة بالمجتمع النبوى-
أما في سنة الرسالة الخاتمة ،ومجتمع النبوة، الذي جسد الموالاة و النصرة بين الرجال و النساء في إقامة فريضة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر – وهى جماع المشاركة في العمل العام – فلقد أحصى صاحب كتاب (تحرير المرأة فى عصر الرسالة ) – المرحوم الأستاذ عبد الحليم أبو شقة – يرحمه الله - حوالي ثلاثمائة حديث نبوي صحيح – من البخاري ومسلم وحدهما – فى مشاركة المرأة للرجال فى مختلف ميادين العمل العام – عبادات .. و معاملات .. و احتفالات ... وحتى القتال جهادا في سبيل الله (1)
وهو القدوة و الأسوة للأمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها – فإن إشارات إلى بعض وقائع هذه المشاركات – فى ميادين متنوعة – تكفى فى مثل هذا المقام ..
- فأسماء بنت أبى بكر الصديق – ائتمنت على سر حدث الهجرة النبوية .. ونهضت بالمشاركات العملية – ليلاً ونهاراً – فى إنجاح هذا الإنجاز العظيم – هى التى تباشر العمل بمنزل زوجها – الزبير بن العوام (28 ق هـ - 36 هـ /596 – 656 م ) – وترعى فرس جهاده .. وتقوم بزراعة أرضه .. بل وتسهم فى الغزوات و القتال .. ولقد جاء فى الصحيحين – رواية عنها-: (( تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شئ ، غير ناضح – (جمل يسقي عليه الماء ) – وغير فرسه . فكنت أغلف فرسه ، وأسقي الماء ، وأخرز غربه- (دلو الجلد ) - ، وأعجن ، ولم أكن أحسن أخبز ، فكانت تخبز جارات لي من الأنصار ، وكن نسوه صدق . وكنت أنقل النوي من أرض الزبير – التي أقطعة رسول الله e علي رأسي ، وهي مني علي ثلثي فرسخ .. فلقيت رسول الله e - يوما- ومعه نفر من الأنصار ، فدعاني ليحملني خلفه ، فاستحييت أن اسير مع الرجال ، وذكرت الزبير وغيرته ، وكان أغير الناس فعرف رسول الله e ، أني استحييت ، فمضي فجئت الزبير ، فقلت : لقيني رسول الله e ، وعلي رأسي النوي ، ومعه نفر من أصحابه ، فأناخ لأركب ، فاستحييت منه ، وعرفت غيرتك . فقال : والله لحملك النوي كان أشد علي من ركوبك معه))
- وأم سلمة رضي الله عنها ، تنقذ ، بحكمتها ومشورتها ، الأمة المؤمنة من أزمة سياسة ، يوم الحديبية .. فعن المسور بن مخرمة ومروان – فيما يرويه البخاري - .. قالا رسول الله e لأصحابه- بعد عقده لصلح الحديبيه – (( قوموا فانحروا ثم احلقوا )) قال : فوالله ما قام منهم رجل . حتي قال - الرسول – ذلك ثلاثة مرات ، فلما لم يقم منهم أحد ، دخل علي أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة : يا نبي الله ، أتحبب ذلك ؟ أخرج ، ثم لا تكلم أحداً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- عبد الحليم أبو شفة (تحرير المرأة فى عصر الرسالة ) جـ2 طبعة دار القلم – الكويت (1410 هـ - 1990م)
منهم حتي تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك . فخرج صلي الله عليه وسلم ، فلم يكلم أحداً منهم حتي فعل ذلك ، فقاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا))
فشوري المرأة الحكيمة ، في الأزمة السياسية ، أنقذت الجماعة المؤمنة خطيرة ، عندما وهم كثير من قادة هذه الجماعة أن صلح الحديبية مجحف بالأسلام ، وأنهم قد قدموا فيه من التنازلات ما أعطاهم الدنية في دينهم ! ..
ولقد كانت هذه الحكمة من أم سلمة – زوج رسول الله ، صلي الله عليه وسلم – مؤهلا لمشاركتها في الشوري العامة ، وأيضا ثمرة من ثمرات هذه المشاركات .. في الاجتماعات العامة .. ولقد روت فقالت – كما في صحيح مسلم - : كان يوما ، والجارية تمشطني ، فسمعت رسول الله، صلي الله عليه وسلم ، يقول علي المنبر « أيها الناس » فقلت للجارية : استأخري عني . فقالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء ! فقلت : « إني من الناس » .. فهي عضو فاعل ومتفاعل في الجماعة ، تسرع إلي المشاركة في اجتماعاتها ، حتي لتؤجل استكمال زينتها كي لا يفوتها تلبية النداء ! .
- ولقد كان ذلك ديدن نساء المسلميين.. فها هي فاطمة بنت قيس تقول – فيما يروية مسلم - :
« نودي في الناس أن الصلاة جامعة ، فانطلقت فيمن انطلق من الناس ، فكنت في الصف المقدم من النساء ، وهو يلي المؤخر من الرجال ».
وإذا كان الله قد سمع قول المرأة التي تجادل رسول الله e في زوجها .. فها هي أسماء بنت عميس – بعد عودتها من هجرتها إلي الحبشة – تجادل عمر بن الخطاب ، وتحتلف معه ، وتذهب إلي رسول الله e لتحتكم في هذا الخلاف .. فعن أبي موسي الأشعري- فيما رواه البخاري ومسلم – قال : « دخل عمر علي حفصة ، وعندها أسماء بنت عميس – بعد قدومها من هجرتها إلي الحبشة ، عام فتح خيبر – فقال عمر لحفصة :
- من هذه ؟
- قالت : أسماء بنت عميس
- قال عمر : الحبشية هذه ؟.. البحرية هذه ؟.. سبقناكم بالهجرة – ( أي إلي المدينة ) – فنحن أحق برسول الله e منكم .
فغضبت أسماء ، وقالت : كلا والله ، كنتم مع رسول الله e ، يطعم جائعكم ، ويعظ جاهلكم ، وكنا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة ، وذلك في الله وفي رسول الله e، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شراباً حتي نؤذي ونخاف وسأذكر ذلك للنبي e ، وأسأله ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه .
فلما جاء النبي e ، قالت :
- يا نبي الله ، إن عمر قال كذا وكذا .
- فقال صلي الله عليه وسلم : فما قلت له ؟
- قالت : قلت كذا وكذا .
- قال e : ليس بأحق بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أهل السفينة هجرتان .
- قالت : فلقد رأيت أصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألونني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شئ هم أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي e ».
- وإذا كان المسلمون يسعي بذمتهم أدناهم ، فإن ذلك ليس وفقا علي الرجال .. فهذه أم هانئ ، بنت أبي طالب تجير وتؤمن رجلاً من بني هبيرة – كان دمه مهدراً جزاء ما اقترف ضد الإسلام ودعوته – وتصدي لأخيها علي بن أبي طالب ، عندما طارده.. وتذهب إلي رسول الله e ، فيحترم إجارتها ويمضي عهدها وذمتها .. وهي تروي فتقول – فيما أخرجه البخاري ومسلم - : ذهبت إلي رسول الله e عام الفتح .. فسلمت عليه .. فقال « مرحبا أم هانئ » فقلت : يا رسول الله ، زعم ابن أمي – ( علي بن أبي طالب ) – أنه قاتل رجلا قد أجرته – فلان بن هبيرة – فقال رسول الله e : « قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ » .
- وهند بنت عتبة – زوج أبي سفيان بن حرب – تعلن علي الملأ – عقب إسلامها .. عام الفتح – ما كان من عدائها السابق لرسول الله ، صلي الله عليه وسلم ، ومن معه .. وما أصابها – بالأسلام – من تحولات وضعت المحبة مكان البغضاء .. لقد جاءت إلي الرسول e ، فقالت – فيما رواه البخاري ومسلم - : يا رسول الله ، ما كان علي ظهر الأرض من أهل خباء – ( أي خيمه .. وبيت ) – أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ، ثم ما أصبح اليوم علي ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي إن يعزوا من أهل خبائك .
فيقول لها رسول الله e : « وأيضا والذي نفسي بيده ».
- وزينب بنت المهاجر – وهي امرأة من أحمس – تحمل هموم مستقبل الأمة الأسلامية ، وتريد أن تطمئن علي هذا المستقبل للأمة .. فتسأل أبا بكر الصديق عن شروط بقاء الخير الذي جاء به الإسلام ، فتقول – فيما رواه البخاري - : ما بقاؤنا علي الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟
- فيقول لها الصديق : « بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم » .
- وبعد طعن عمر بن الخطاب .. تحمل الجماعة المؤمنة – رجالا ونساء – هموم « انتقال السلطة ».. ويروي عبد الله بن عمر- فيما أخرجه مسلم – فيقول : دخلت علي حفصة فقالت : أعلمت أن أباك غير مستخلف ؟ قلت : ما كان ليفعل . قالت : إنه فاعل . قال : فحلفت أني أكلمه في ذلك ، فسكت حتي غدوت ولم أكلمه . قال : فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا ، حتي رجعت فدخلت عليه ، فسألني عن حال الناس ، وأنا أخبره.. ثم قلت له : إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك ، زعموا أنك غير مستخلف ، وأنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ، ثم جاءك وتركها ، رأيت أن ضيع – ( أي فرط ) – فوضع – (عمر ) – رأسه ساعة ثم رفعه إلي فقال : إن الله ، عز وجل ، يحفظ دينه ، وإني لئن لا أستخلف فإن رسول الله e لم يستخلف ، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف . قال – ( عبد الله ) - : فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله e ، وأبا بكر ، فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله e ، أحدا ،وأنه غير مستخلف ».
ويتكرر الموقف – الذي تحمل فيه المرأة هم الأمة – زمن الفتنة الكبري ، وإبان التحكيم في النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان .. فيشتكو عبد الله بن عمر من عدم إشراكه في التحكيم ، قائلا لأخته حفصة – أم المؤمنين – فيما يرويه البخاري - :
- كان من أمر الناس ماترين ، فلم يجعل لي من الأمر شئ !
- فقالت له حفصة : « إلحق ، فإنهم ينتظرونك ، وأخشي أن يكون في احتباسك عنهم فرقة . فلم تدعه حتي ذهب ».
- ولم تكن هذه المشاركات النسائية في العمل العام ، نهوضا بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واقفة عند الرأي والمشورة والكلمة .. بل لقد مارست القيام بهذه الفريضة ، وتلك المشاركات ، باليد أيضا .. مثلها في ذلك مثل الرجال سواء بسواء .. ففي الطبراني ، عن يحي ابن أبي سليم ، قال : رأيت سمراء بنت نهيك – وكانت قد أدركت النبي ، صلي الله عليه وسلم – عليها دروع غليظة – ( الدرع : قميص المرأة ) – وخمار غليظ –( أي سميك ) - ، بيدها سوط تؤدب الناس ، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر».
فهذه الصحابية تعيد ( درة ) عمر ، عندما تمارس – باليد – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !
- تصنع المرأة ذلك ، وتنهض بنصيبها في إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مشاركة في ذلك الرجال، حتي ولو كان الأمر في مواجهة الخلفاء .
حدث ذلك في مواجهة عمر بن الخطاب ، عندما أراد أن يجتهد فيمنع زيادة الصداق علي أربعمائة درهم .. فعارضته امرأة – بالمسجد ، وعلي رءوس الأشهاد – قائلة له : أما سمعت الله يقول : ) وآتيهم إحداهن قنطاراً [ ( النساء : 20 ) .. فما كان من عمر إلا أن قال : اللهم عفوا ، كل الناس أفقه من عمر ! .. ثم عاد فصعد المنبر ، وقال للناس : كنت قد نهيتكم أن تزيدوا في صدقاتهن علي أربعمائة درهم،فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب(1)
وحدث مثل ذلك بين أم الدرداء وعبد المالك بن مروان ( 26 – 86 هـ / 646- 705م ) عندما قالت له – فيما رواه مسلم - :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ( فتاوي وأقضية عمر بن الخطاب ) ص 123 ، جمعها وحققها محمد عبد العزيز الهلاوي . طبعة القاهرة ( 1985م) .
سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته. لقد سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله e : « لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ».
وحدث أكثر من ذلك في المواجهة بين أسماء بنت أبي بكر وبين الحجاج بن يوسف (40-95هـ/660-714م) – الذي طغي وتجبر - .. فلقد واجهته أسماء ، بعد أن قتل ابنها عبد الله بن الزبير ( 1-73هـ / 622-692 م) .. فلقد أرسل إليها الحجاج لتأتيه ، فأبت أن تذهب إليه .. فأعاد عليها الرسول مهددا .
- لتأتيني ، أولا بعثن إليك من يسحبك بقرونك – ( ضفائرك ) - ! فأبت ، وقالت :
- والله لاآتيك حتي تبعث إلي من يسحبني بقروني !
فذهب إليها الحجاج – وهو يتبختر – حتي دخل عليها ، فقال
- كيف رأيتني صنعت بعدو الله ؟
- فقالت : رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسدت عليك آخرتك .. أما إن رسول الله e ، حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا – ( مهلك .. كثير القتل ) – فأما الكذاب فرأيناه – ( المختار بن أبي عبيد الثقفي )| - وأما المبير فلا أخالك إلا إياه !
فقام عنها الحجاج ولم يراجعها ! – رواه مسلم .
- وإذا كانت مشاركات النساء مع الرجال في أداء كل مناسك الحج والعمرة قد ظلت سنة مرعية منذ فجر الإسلام وحتي اليوم .. فإن سنة الإسلام في مشاركات المرأة للرجال بالأنشطة والعبادات التي تؤدي بالمساجد قد كانت مرعية ومتبعه في صدر الأسلام .. كانت سنة عملية، مارستها المرأة ، وطبقت فيها وبها أحاديث رسول الله ، صلي الله عليه وسلم ، في صحيح مسلم : « لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد » ولقد استوت في ذلك الصلوات النهارية وصلوات الليل – العشاء ، في العتمة .. والفجر ، في الغلس – وذلك امتثالا لحديث رسول الله e - الذي رواه البخاري ومسلم : « إذا استاذنكم نسائكم بالليل إلي المسجد فأذنوا لهن ».. وعن عائشة , رضي الله عنها , قالت – كما في الصحيحين -: «كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله e ، صلاة الفجر متلفعات بمروطهن –( أي بالثياب غير المخيطة )- ثم ينقلبن إلي بيتوهن حين يقضين الصلاة لا يعرفون أحد من الغلس – ( ظلمة الليل ) » .
ولم يكن المسجد ، في ذلك التاريخ ، مجرد مكان لأداء الصلوات .. وإنما كان ديوانا لكثير من الأنشطة التي تشارك فيها النساء والرجال .. ولقد مارست النساء في مسجد النبوة – غير الصلاة - : الاعتكاف .. وروت عائشة ، رضي الله عنها – فيما رواة البخاري ومسلم -: «أن النبي e ، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتي توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده ».
وغير الصلاة .. والاعتكاف .. كانت المرأة تزور المعتكف بالمسجد من أهلها .. وتحضر مجالس العلم .. وتلبي الدعوة للاجتماعات العامة .. وتحضر الاحتفالات التي تقام بالمسجد .. ومجالس القضاء .. وتمريض المرضي والجرحي .. وتخدم المسجد .. بل وكان المسجد « ناديا » يري فيه راغب الزواج من يخطبها ! .. الخ .. الخ .. (1)
- وفي الاحتفالات بالأعياد ، كانت النساء – حتي الصبايا اللائي بلغن الحلم – يشاركن
الرجال في هذه الاحتفالات .. بل وحتي الحيض ، كن يشاركن في الاحتفال ، دون أن
يشاركن في صلاة العيد.. وكذلك ربات الخدور .. وفي هذه المشاركات التي أمر بيها الرسول ،e ، تروي أم عطية – فيما رواه البخاري – فيقول : أمرنا نبينا e أن نخرج العواتق – ( من بلغت الحلم واستحقت التزويج ) – وذوات الخدور والحيض ، وليشهدن الخير وجماعة المسلمين ودعوة المؤمنين ، ويعتزل الحيض المصلي .. وعنها – كذلك – فيما رواه البخاري - : كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد ، حتي نخرج البكر من خدرها .. بل وكان رسول الله e يدعو من لديها فضل ثياب أن تعيره لمن لا ثياب لديها ، كي تشارك في الاحتفال العام بالعيد .. ولقد سألت أم عطية رسول الله e
- فيما جاء بالصحيحين - :
- يا رسول الله ، أعلي إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج ؟ فقال :
- « لتلبسها صاحبتها من جلبابها ».
- وفي الاحتفالات بالانتصارات والفتوحات ، كانت النساء يخرجن – حتي الصبايا منهن – للمشاركة في الاحتفالات ..
حدث ذلك – كما يروي ابن عباس – في صحيح مسلم – يوم فتح مكة « عندما كثر الناس علي رسول الله e ، وهم يقولون : هذا محمد ، هذا محمد..حتي خرج العواتق من البيوت ».
- بل وشاهدت المرأة المباريات والألعاب الفنية وإنشاء الأهازيج – وأين؟.. في مسجد النبوة !.. فعن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت – فيما رواه البخاري ومسلم - : « كان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق – ( جمع درقة : الترس المصنوع من الجلد ) .. فإما سألت النبي e ، وإما قال :
- تشتهين تنظرين؟
- قلت : نعم فأقامني وراءه ، خدي علي خده ، وهو يقول :
- دونكم بني أرفدة – ( إغراء وتشجيعا للأحباش اللاعبين ) - .. حتي إذا مللت ، قال : حسبك؟ قلت : نعم .. ».
وفي منازل الصحابة ، كانت نساؤهم يخدمن الرجال في الولائم والأعراس .. وفي البخاري ومسلم : لما عرس أبو أسيد الساعدي ، دعا النبي e ، وأصحابه ، فما صنع لهم طعاما ولا قرب إليهم إلا امرأته أم أسيد . فكانت خادمتهم يومئذ، وهي العروس . بلت تمرات في تور – ( إناء ) – من حجارة ، من الليل ، فلما فرغ النبي e ، من الطعام أماثته – ( أذابته ) له فسقته ، تتحفه – ( تخصه ) – بذلك ».. فالعرس تولم للمدعوين إلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ( تحرير المرأة في عصر الرسالة ) جـ2 ص181 – 194 .
عرسها.. وتقوم علي خدمتهم ، وفيهم رسول الله e .هكذا كانت مشاركات النساء للرجال في مختلف ميادين العمل العام .
لقد فتح الأسلام أبواب الحرية والتحرير أمام المرأة .. وضبط هذه الحرية بضوابط الفطرة وقيم الإسلام .. ودخلت المرأة المسلمة من أبواب الحرية والتحرير الإسلامي ، فأحيت ملكاتها وطاقاتها ، التي كانت قد ذبلت في ظل الجاهلية الوثنية .. ومن ثم رأيناها تشارك الرجال في مختلف ميادين العمل العام .. من العبادات .. إلي المعاملات .. وفي ميادين الشوري والسياسة والاجتماع .. فضلا عن الأسرة .. وكذلك في الترفيه الحلال .. بل وأكثر من ذلك ، ومعه ، رأينا المرأة المسلمة ، التي تربت في مدرسة النبوة ، تشارك الرجال في القتال! ..
لقد بايعت المرأة علي الدخول في الإسلام ، كما بايع الرجال .. ثم اشتركت مع الرجال – يوم الحديبية – في البيعة تحت الشجرة علي « الحرب والقتال ».. وأنزل الله ، سبحانه وتعالي في تلك البيعة – التي كانت لله ولرسوله e ، قرآنا يقول فيه : ] لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماَ [ ( الفتح : 10 )
- وفي صحيح البخاري ، عن الربيع بنت معوذ ، قالت : « كنا نغزو مع النبي e ، فنسقي القوم ، ونخدمهم ، ونداوي الجرحي ، ونرد القتلي والجرحي إلي المدينة ».
- وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : « كان رسول الله e ، يغزو بهن ، ويحذين – ( أي يعطين الحذية ، أي العطية ) – من الغنيمة »..
وهذه أم عمارة ، نسبية بنت كعب الأنصارية ، التي بايعت علي الدخول في الإسلام ، قبل الهجرة .. وبايعت علي تأسيس الدولة الإسلامية – مع الرجال – في « العقبة ».. وبايعت – مع الرجال – بيعه الرضوان تحت الشجرة – عام الحديبية سنة 6 هـ - تقاتل الأبطال ، في غزوة أحد ، عندما انهزم المسلمون ، ولم يبق مع رسول الله ، صلي الله عليه وسلم ، إلا العدد القليل الذي يعد علي الأصابع .. لقد صمدت أم عمارة ، وشمرت – ومعها ضمن من صمد – زوجها وولداها .. وكانت رسالتها القتالية يومئذ حماية رسول الله e .. ولقد افتدته عندما هجم ابن قميئة يريد طعنه ، فتلقت الطعنة في كتفها فداءً للرسول e ، .. ولقد كان الرسول ، من فرط شجاعتها وصمودها ، يطلب من الفارين أن يتركوا لها دروعهم وأسلحتهم ، ويطلب من ابنها أن يربط جراحها ، كي لا تنزف دماؤها ! .. ويقول – إعجابا وتعجبا من شجاعتها - « من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة .. ما التفت يمينا ولا شمالا، يوم أحد ، إلا وأنا أراها تقاتل دوني .. لمقام نسيبه بنت كعب ، يوم أحد ، خير من مقام فلان وفلان » - من الرجال - ! (1)
ولم تكن أم عمارة ، نسيبة بنت كعب الأنصارية ، بالحالة الاستثنائية ، أو النادرة .. ففي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ابن سعد ( الطبقات الكبري ) جـ8 ص 301-302 . طبعة القاهرة – دار التحرير.
الصحيحين ، عن أنس بن مالك قال :« لما كان يوم أحد ، انهزم الناس عن النبي ، صلي الله عليه وسلم ، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر ، وأم سليم ( الغميصاء بنت ملحان ) – وإنهما لمشمرتان ، أري خدم سوقهما – (أي الخلاخيل) – تنقزان القرب ( تنقلان القرب في السرعة ووثب) – علي متونهما- (ظهورهما) – تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم .. ».
وأم سليم هذه – وهي زوج أبي طالحة الأنصاري – هي التي كانت توالي – مع طائفة من النساء المسلمين – الغزو مع رسول الله e ، ففي صحيح مسلم ، عن أنس بن مالك ، قال : « كان رسول الله e ، يغزو بأم سليم ونسوه من الأنصار معه إذا غزا ، فيسقين الماء ، ويداوينا لجرحي ».
ويوم حنين ، رآها زوجها أبو طالحة متسلحة بخنجر ، فقال – فيما رواه مسلم - : يا رسول الله ، هذه أم سليم معها خنجر ، فقال لها رسول الله e :
- ما هذا الخنجر ؟
- قالت : اتخذته ، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه !
فجعل رسول الله e ، يضحك .. مسرورا .
ولقد كان خروج النساء المسلمات للغزو بمبادرات منهن ، وتوالت وتكررت هذه المبادرات ، حتي غدت سنة متبعة في جميع الغزوات .. ولقد روت أم سنان الأسلمية فقالت : لما أراد رسول الله e ، الخروج إلي خيبر ، جئته فقلت :
- يا رسول الله ، أخرج معك في وجهك هذا – ( أي الوجهة التي أنت متوجه إليها ) – أخرز السقاء ، وأداوي المريض والجريح – إن كان جرح .. ولا تكون – وأبصر الرحل – ( أحرس الخيام والأمتعة ) - : فقال صلي الله عليه وسلم :
- اخرجي علي بركة الله ، فإن لك صواحب كلمنني وأذنت لهن ، من قومك ومن غيرهم ، فإن شئت فمع قومك ، وإن شئت فمعنا .. فقلت : فكوني مع أم سلمة زوجتي . قالت : فكنت معها»(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- المصدر السابق . جـ8 ص292.
- ولقد بلغت مبادرات النساء المسلمات في الخروج للغزو الحد الذي كان يفاجأء الرسول القائد ، صلي الله عليه وسلم بالجماعات منهن في أرض المعركة ، قد خرجن دون استئذان .. يروي ذلك أبو داود ، عن حشرج بن زياد ، عن جدته أم أبيه ، أنها خرجت مع رسول الله e ، في غزوة خيبر ، سادسة ست نسوة ، فبلغ رسول الله ، فبعث إلينا ، فجئنا ، فرأينا فيه الغضب ، فقال :
- « مع من خرجتن؟ ..وبإذن من خرجتن»؟
- فقلنا : يا رسول الله ، خرجنا نغزل الشعر ، ونعين به في سبيل الله ، ومعنا دواء للجرحي، ونناول السهام ، ونسقي السويق – ( شراب الحنطة والشعير ) - .. فقال صلي الله عليه وسلم : «قمن» . حتي إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال »
فهذه الجماعة من نساء المؤمنين ، كن يعاون في القتال - « وتناول السهام » . ولذلك أسهم لهن رسول الله e كما أسهم للرجال
- من الغنائم بعد الأنتصار - ..
وهذه أم عطية الأنصارية ، يشهد زوجها اثنتي عشرة غزوة.. وتشاركه هي في ست غزوات منها ، ثم تغزو وحدها – دون زوجها – غزوة .. وتروي ذلك – في الصحيحين – فتقول : « غزوت مع رسول الله e ، سبع غزوات ، أخلفهم في رحالهم ، فأصنع لهم الطعام ، وأداوي الجرحي ، وأقوم علي المرضي».
ولقد كانت رفيدة الإسلامية أول من أقامت مكانا عاما و ثابتا للتطبيب فى دولة الإسلام . وأقامت لذلك خيمة فى مسجد رسول الله e - يوم الخندق – أن يطيب فيها سعد بن معاذ وقال – كما فى صحيح البخارى – (( اجعلوه فى خيمتها لأعوده من قريب)) . تلك إشارات – مجرد إشارات – إلى نماذج – مجرد نماذج – من مشاركات النساء للرجال فى مختلف ميادين العمل العام .. ويكفى ان يتصفح المتصفح بعد العناوين لأبواب من كتب صحيح البخارى ، ليرى حقائق هذه المشاركات تشهد عليها عناوين من مثل : - باب الدعاء بالجهاد و الشهادة للرجال و النساء .
- باب جهاد النساء .
- باب غزو المرأة فى البحر .
- باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال .
- باب حمل النساء القرب إلى الناس فى الغزو .
- باب مداواة النساء الجرحى و القتلى .
- باب رد النساء الجرحى و القتلى .
- باب أمان النساء و جوارهن .
- باب ذهاب النساء و الصبيان إلى العرس .
- باب قيام المرأة على الرجال فى العرس وخدمتهم بالنفس .
- باب عيادة النساء الرجال .
- باب المرأة ترقى الرجل .
- باب هل يداوى الرجل المرأة و المرأة الرجل ؟
- باب تسليم الرجال على النساء و النساء على الرجال ..
- باب بيعة النساء ...إلخ ...إلخ ....إلخ ...إلخ .
إنها بعض من أبواب بعض من كتب صحيح البخارى .. تمثل فى الحقيقة – أبواب كتاب التحرير الإسلامى للمرأة ، قبل أربعة عشر قرنا من الزمان .
فى الجهاد النســائى
ولا يحسبن أحد أن هذه النهضة النسائية ، التى شهدها صدر الإسلام ، والتى وضعت الإصر و الأغلال – إصر وأغلال الجاهلية – عن المرأة ، وأحيت ملكاتها ، وفجرت طاقتها الإبداعية ..لا يحسبن أحد أن هذه النهضة قد تحققت دون ((جهاد نسائى ))، ((وحركة نسائية)) ، بل و ((احتجاج نسائى )) و ((تنظيم نسائى )) لهذا الجهاد و الحركة و الأحتجاج – فى سبيل الحرية و التحرير ،ونيل الحقوق . فلقد كانت هناك العادات الموروثة و المتكلسة ، فى إهمال المرأة وتحقيرها , و التى يستحيل أن تختفى فى بضع سنوات .. وكانت هناك تكاليف الإسلام بتغير الواقع الجاهلى و المثل الجاهلية ، وهى التكاليف التى تحتاج إلى ((جهاد نسائى )) يغالب تلك الموروثات الجاهلية .
وهاهو عمر بن الخطاب ، يعبر- فى بعض المواقف – عما يشعر به من تناقض بين الموروثات التى تربى عليها – فى النظر إلى وضع المرأة – وبين هذه الحرية وهذه المكانة التى أعطاها إياهما الإسلام .. بل ويعبر عن التغيير الذى أحس به بين الوضع المتدن ى الذى كان للمرأة فى مكة وبين الوضع الأفضل الذى كانت عليه نساء الانصار – فى المدينة – فيقول رضى الله عنه – فيما يرويه البخارى ومسلم - : ((ولله إن كنا فى الجاهلية ما تعد للنساء أمرا، حتى أنزل الله فيهن مأنزل وقسم لهن ماقسم . كنا فى الجاهلية لانعد النساء شيئا ، فلماجاء الإسلام ، وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا )) .. ويقول – فيما يرويه الطبرانى فى الأوسط : (( كنا بمكة لايكلم أحدا امرأته ، وإنما هى خادم للبيت .. فلما قدمنا المدينة على الأنصار ،إذا قوم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار)) ... ورغم أن عمر كان يحدث بأحاديث رسول الله e . التى تأمر الرجال ألا يمنعن نساءهم من الصلاة – جماعة – فى بيوت الله .. إلا أن الطباع الموروثة كانت تراوده – وتزكيها الغيرة – فتجعله يتمنى على زوجته – عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل – وهى ابنة عمه .. أن تصلى بالمنزل ، لا فى المسجد – رغم التصاق المنزل بالمسجد ! .. لكن عمر ، فى النهاية ، يخضع لحاكمية شرع الله وسنة رسول الله e ففى صحيح البخارى ، عن عبد الله بن عمر : ((كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح و العشاء فى الجماعة فى المسجد ،فقيل لها : لم تخرجين ،وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟ .. قالت : وما يمنعه ينهانى؟
قال : يمنعه قول رسول الله e : ((ولاتمنعوا إماء الله مساجد الله )) .
وعندما رغب عمر إلى زوجته الانتهاء من الذهاب إلى المسجد ، قالت له :
- و الله لا أنتهى حتى تنهانى .
فقال لها : والله لا أنهاكي .. فاستمرت تذهب إلي المسجد ، فتحضر الجماعة حتي في الفجر والعشاء!.. ولقد طعن عمر – في صلاة الفجر بالمسجد – وزوجته تصلي في صفوف النساء(1)
هكذا كانت – وظلت – تعاليم الإسلام ، في تحرير المرأة وإنصافها ، تغالب الموروث الجاهلي ، حتي عند الذين تجسدت في ممارساتهم عدالة الإسلام !
- ولقد كان النساء يحضرون مجالس العلم في المسجد النبوي ، ويسألن رسول الله e ، عن شئون الدين والدنيا في كل الأوقات .. لكنهن جاهدن ليخصص لهن أياما محددة وأوقاتا معينة يخصهن فيها بالعلم والتعليم ..بل وأخذ جهادهن هذا شيئا من صور الاحتياج علي استئثار الرجال برسول الله ، الذي بعثه الله للجميع ، الرجال والنساء علي السواء .. وفيما يرويه البخاري ومسلم ، عن أبي سعيد الخدري : «قال النساء للنبي e :
- غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله.
- فقال e : « اجتمعن في يوم كذا وكذا ، في مكان كذا وكذا ».
فاجتمعن ، فأتاهن رسول الله فعلمهن مما علمه الله».
- بل لقد اتخذ هذا «الجهاد النسائي» - في بعض الأحيان – الشكل المنظم ، الذي نلمح فيه جنين «جمعية نسائية» علي عهد النبوة .. وفي السنة النبوية «باب وافدة النساء» أي مندوبة هذه «الجمعية النسائية» التي حملت «المطالب» التي اتفقت عليها النسوة المجتمعات إلي الرسول – عليه الصلاة والسلام – وهذه «المندوبة»- «وافدة النساء»- هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية (30هـ - 650 م) – وكانت واحدة من أبرز خطيبات النساء في عصر النبوة - .. لقد ذهبت إلي رسول الله e حاملة مطالب «جماعة النساء» ، وقالت للرسول e فيما يرويه الإمام أحمد :
- «إني رسول الله من ورائي من جماعة نساء المسلمين ، يقلن. بقولي ، وعلي مثل رأيي .. إن الله بعثك إلي الرجال والنساء ، فأمنا بك واتبعناك .. ونحن – معاشر النساء – مقصورات مخدرات ، قواعد بيوت ، وموضع شهوات الرجال ، وحاملات أولادكم . وإن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم أفنشاركم في الأجر»؟
فتلقاها الرسول e لقاء حسنا ، وأخبرها أن عمل المرأة هذا «يعدل كل ما ذكرت» لقد جاهدت المرأة المسلمة ، حتي وضعت مبادئ الإسلام في الحرية والتحرير في الممارسة والتطبيق .. فخرجت من أسر الجاهلية الوثنية ، وشاركت الرجال في الكثير من ميادين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- المصدر السابق جـ3- القسم الاول – ترجمة عمر بن الخطاب ص190-274 وترجمة عاتكة بنت زيد جـ8 ص193 - 195
العمل العام ، قبل أن تعرف الدنيا شيئا عن هذه الحرية وذلك التحرير.
@@@
وإذا كانت مدرسة النبوة قد مثلت المؤسسة التربوية الأولي للعمل الدعوي والاجتماعي العام ، و«الصناعة الثقيلة» التي حول بها الإسلام أهل البداوة والغلظة والجفاء إلي أعظم الصناع لأعظم الحضارات .. رهبان الليل وفرسان النهار .. فلقد شاركت المرأة في هذه المدرسة ، وتربتفيها وتخرجت فيها.. وشهد مجتمع النبوة صفحة فريدة في تاريخ الرسالات والدعوات ، عندما أفرز هذا المجتمع من بين تعداد الأمة – الذي بلغ يوم وفاة الرسول e:142.000 – أفرز هذا المجتمع أعلي نسبة من «الصفوة والنخبة»عرفها مجتمع من المجتمعات في أية نهضة من النهضات .. فبلغ تعداد هذه النخبة – في كتب أعلام الصحابة – قرابة الثمانية آلاف .. وكان من بين هؤلاء الأعلام والصفوة أكثر من ألف من النساء المبرزات المتميزات .. حدث كل ذلك في سنوات معدودات(1) عندما فتح الإسلام أوسع أبواب التحرير أمام المرأة ، التي كانت توءد .. وتورث .. وتعد من سقط المتاع !..
وكان من بين هذه «الصفوة والنخبة» المقدمات في العلم الديني
- الذي هو أشرف العلوم – والمقدمات في تبليغ الشريعة عن رسول الله e .. والمقدمات في الاجتهاد الفقهي .. بل واللاتي زاحمن الرجال في الخطابة والبلاغة .. وفي الكثير من ميادين العمل العام ، مع التحلي بأداب الإسلام ، والحفاظ علي الفطرة التي فطر الله عليها شقائق الرجال .
إن هذه الوقائع والحقائق إنما تمثل «شهادة واقعية متجسدة» علي أن المجتمع الإسلامي – ونموذجه مجتمع القدوة والأسوة النبوية – هو مجتمع الاشتراك بين النساء والرجال في العمل العام – من الصلاة في المسجد..إلي الجهاد في سبيل الله - وليس مجتمع الانفصال ،
الذي يعزل النساء عن المشاركة في العمل العام ، ولا الذي يفصل بين الرجال والنساء بسور ليس له باب !..
إن المحرم ، والمنهي عنه في المجتمع الإسلامي هو «الخلوة».. خلوة المرأة بغير المحرم .. وليس الاختلاط والاشتراك في العمل العام ، الذي تضبط فيه المشاركات بآداب الإسلام ، المطلوبة من المرأة والرجل علي السواء ، ويقيم الحلال والحرام الإسلامية الواجبة علي الجميع ، نساء ورجالا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ابن الأثير ( أسد الغابة في معرفة الصحابة ) طبعة دار الشعب . القاهرة .
فالخلوة بغير المحرم منهي عنها بالنص الإسلامي – الذي يرويه البخاري – عن عبد الله بن عباس ، والذي قال فيه رسول الله e :«لا يخلون رجل بمرأة إلا مع ذي محرم»..
ولقد ظل المجتمع الإسلامي ، في غالبيته العظمي وعلي مر تاريخه علي هذه السنة التي سنها الإسلام – الاختلاط والمشاركة في العمل العام ، وفق ضوابط الإسلام وقيمه.. وتحريم الخلوة بين المرأة وغير المحرم – ظل ذلك قائما حتي يومنا هذا ، في ريف المجتمعات الإسلامية وبواديها والأحياء الشعبية من مدنها وحواضرها – أي فيما يزيد علي 85% من جمهور الشعوب الإسلامية .. ولم تفرض العزلة علي النساء إلا فيما سمي «بالأحياء الراقية» من المدن ، ولدي شرائح اجتماعية بعينها من الأسر والعائلات .. تلك التي أعادت نساءها إلي ما يشبه الجاهلية ، التي عبر عنها الشاعر بهذه الصورة المضادة لصورة المرأة في مجتمع النبوة ، عندما قال :
ومن غاية المجد والمكرمات بقاء البنين وموت البنات!
والشاعر الآخر ، الذي رأي المرأة عورة لا يسترها إلا القبر :
ولم أر نعمة شملت كريما كنعمة عورة سترت بقبر!
أما المجتمعات الإسلامية ، في غالبيتها العظمي ، فلقد ظلت – إلي حد كبير .. ورغم ما أصابها من تراجع حضاري – أكثر احتراما للمرأة وتكريما لها من نظائرها في الحضارات الأخري بما لا يقاس.
@@@
الضبط الوسطى لقاعدة ســد الذرائع
ولما كانت القاعدة الفقهية «سد الذرائع » هى الباب الذى تعالج فى إطاره قضية الاختلاط و الاشتراك فى العمل العام بين النساء والرجال ، فجدير بالملاحظة أن قاعدة «سد الذرائع » هذه ، ككل قواعد الفقه الإسلامى ، لابد فى ضبط تطبيقاتها من الاعتصام بمنهاج الوسطية الإسلامية ، التى تحقق المقاصد الإسلامية ، مع الحذر من غلوى الإفراط و التفريط ..
إن الطعام الحلال مباح ..ولايجوز تحريمه سدا لذريعة ماينتج عن بعضه أو عن الإسراف فيه من أمراض ! .. و إن شرب الماء مباح وحلال .. ولايمكن تحريمه سدا لذريعة الشرق من شرب الماء!..
وإن اللسان نعمة من نعم الله على الإنسان .. و لايجوز تقييده – فضلا عن قطعه – سدا لذريعة الشرق من شرب الماء !. .
وإن اللسان نعمة من نعم الله على الإنسان .. ولا يجوز تقييده – فضلا عن قطعه – سدا لذريعة الكذب ، الذى أداته اللسان !..
وإن أعضاء التناسل هى سبيل التكاثر وحفظ النوع الإنسانى .. ولا يجوز جبها سدا لذريعة الزنا ، التى هى الاداة فيه !..
وقس على ذلك العيون .. و الأذان .. و اللمس ، من ملكات وطاقات الإنسان ..
فالمباحات تبقى على أصل الإباحة ، ولا تخرج عنه إلى الكراهة أو التحريم ، إلا إذا تحققت المفسدة أو كثرت ومن هنا فلابد من الحذر الشديد عن التعامل مع تطبيقات قاعدة سد الذرائع ، وذلك بالتدقيق فى الموازنة بين المصالح و المفاسد – التى هى معيار السياسة الشرعية فى التعامل مع كل الوان المباحات - .. ففى حظر المباح – ومنه الاختلاط فى المجتمع الإسلامى – لابد من مراعاة شروط سد الذريعة . . وهى :
1- أن يكون إفضاء الوسـيلة المباحة إلى المفسدة غالبا ، لا نادرا – و عند الشاطبى (790 هـ - 1388 م ) أن يكون كثيرا لا نادرا ولا غالبا .
2- أن تكون مفسدتها أرجح من مصلحتها ، وليس مجرد مفسدة مرجوحة ..
3- ألا يكون المنع – يعد توافر الشرطين السابقين – تحريما قاطعا بل هو بين الكراهة و التحريم حسب درجة المفسدة .
4- إذا كانت الوسيلة تفضى إلى مفسدة ، ولكن مصلحتها أرجح من مفسدتها ، فالشريعة لا تبيحها فحسب ، بل قد تستحبها أو توجبها , حسب درجة المصلحة (1) .
إن كثيرين ممن يتوسعون فى تطبيقات قاعدة سد الذرائع فى علاقة النساء بالرجال و الاختلاط و المشاركة فى العمل العام , إنما يقودهم إلى هذا التوسع النية الحسنة و الرغبة الصادقة فى تحقيق «المجتمع المثالى » فى الحياة الإسلامية .. وهم يغفلون عن حقيقة إسلامية مهمة تقول لنا : إن «المثال »هو الإسلام ، وإن تحقيق «المثال الإسلامى»فى «المجتمع الإنسانى»- حتى على عهد النبوة – هو محال من المحالات .. فالمثال الإسلامى .. عدل خالص ، وصلاح كامل و خير مصفى ، و كمال إلهى معصوم على حين أراد الله ، سبحانه و تعالى ، للإنسان – ومن ثم المجتمع الإنسانى – أن يكون مزيجا من ملكات الخير و غرائز الشر ، وخليطا من الصلاح و الفساد ، لتكون حياته – كل حياته – و ليكون اجتماعه – كل مجتمعاته – مساحات للفتنة و الابتلاء و الاختبار .. وصدق الله العظيم ] ونبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون [ ( الانبياء ..35) وصدق رسول الله e فيما يرويه أنس بن مالك «كل بنى ام خطاء ، فخير الخطائين التوابون»
- رواه الترمذى وابن ماجة والدارمى و الإمام احمد – وعن أبى ذر الغفارى أن رسول الله e قال – فيما يرويه عن ربه - : «كل بنى ادم يخطئ بالليل و النهار ، ثم يستغفر لى ، فأغفر له و لا أبالى » - رواه مسلم و الإمام أحمد - .
ونحن نقول للذين يدفعهم فرط الإخلاص إلى السعى لتحقيق «المثال الإسلامى» فى «المجتمع الإنسانى» .. إن الإنسان إذا حقق «المثال»فى أرض «الواقع» ، سيصاب ساعتئذ بالاغتراب و اليأس و القنوط و الإحباط ! .. ذلك أن تحقيق كل المثل وجميع الآمال إنما ينهى «جدول أعمال الحياة » .. ولقد شاءت إرادة الله لهذا الإنسان ، كى يواصل رسالته فى عمران هذه الارض حتى تأخذ زخرفها وزينتها ، أن يباعد بينه وبين تحقيق «المثال» كلما تقدم خطوات وخطوات عل طريق تحقيق هذا «المثال» وذلك حتي تنفسح دائما وأبدا مساحات الأمل أمام هذا الإنسان .. فالتقدم العلمي ، الذي يزيد مساحة المعلوم للإنسان من الكون والعالم ، هو الذي من مساحة المجهول أمام هذا الإنسان، كلما زادت مساحة المعلوم لديه ! .. وذلك حتي يظل «جدول أعمال البحث العلمي» زاخراً بالمهام أمام العلماء!
وأسلمة الحياة الاجتماعية في المجتمع المسلم ، وهي التي تزيد مساحة التطبيق»ت «للمثل الإسلامية» في هذا المجتمع ، ستفتح أمام هذا الإنسان المسلم المزيد من الآفاق والمهام التي تجعل الأسلمة الكاملة هي الأمل الذي يظل دائما وأبدا حافزا علي المزيد من السعي والمزيد من الاجتهاد أو المزيد من التدافع والاستباق علي طريق الخيرات .
تلك هي وظيفة «المثال الإسلامي».. والوعي بها يجعلنا نضبط تطبيقات قاعدة سد الذرائع بالموازنة بين المصالح والمفاسد ، وليس بمعيار المصالح الخالصة ، والخير الذي لا شر فيه!..
لعل في تطبيقات مجتمع النبوة «للمثال الإسلامي» ما يعين لفرط تعليقهم بتطبيق «كامل المثال»..
- ففي المجتمع المختلط ، الذي تخرج فيه النساء إلي الحقول والأسواق ، وإلي الصلاة في المسجد مع الرجال حتي في عتمة العشاء وغلس الفجر .. والذي يدخل فيه الرجال علي النساء البيوت ، حتي في غيبه الأزواج .. عندما ظهرت شوائب وشبهات بعض الانحرافات – خاصة في دخول رجل علي زوجة غاب زوجها في سفر أو تجارة أو غزو .. لم يحرم رسول الله e الاختلاط ولا دخول الرجال بيوت الغائبين.. وإنما أكد علي تحريم الخلوة بالمرأة غير المحرم التي غاب زوجها عن بيتها ، وظلت الإباحة للاختلاط .. فقال e -«فيما رواه مسلم – لا يدخلن رجل بعد يومي هذا علي مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان» - فأكد علي تحريم الخلوة ، وتوعد مقترفيها بالنكال ، وأبقي علي أصل الإباحة للاختلاط .
- وعندما أخذ بعض المنافقين في التحرش ببعض النساء أثناء خروجن ليلا لقضاء حوائجهن ، لم يمنع رسول الله e خروج النساء من بيوتهن ، وإنما نزل القرآن داعيا النساء إلي الحشمة الإسلامية التي تميز الحرة وتعلن عن جديتها والتزامها السلوك الإسلامي ، وذلك حتي يرتدع المنافقون العابثون الذين يتحرشون بالنساء ] يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن تعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً[
( الأحزاب :59 ) بل وختم الله سبحانه وتعالي آية هذا التشريع بأنه غفور رحيم ! .
- وعندما سمع عمر بن الخطاب – إبان خلافته – وهو يعس ليلا – أمرأة غاب عنها زوجها في سفر الغزو والجهاد ، تعبر عن أشواقها الحلال إلي أحضان زوجها ، ورغبتها الأنثوية في إشباع غريزتها الفطرية .. وتنشد شعرا تقول فيه :
تطاول هذا الليل واسود جانبه وطال علي الآخليل ألاعبه
والله لولا خشية الله وحده لحرك من هذا السرير جوانبه
ولكن ربي والحياء يكفني وأكرم يعلي أن توطي مراكبه
عندما سمع عمر ذلك ، لم يفرض القيود علي العواطف المشروعة ،ولا علي المتع الحلال ، ولا علي سفر الأزواج عن الزوجات.. وإنما نظم العلاقات ، بعد أن استشار أهل الخبرة في هذه الميادين.. فلقد ذهب إلي ابنته حفصة – أم المؤمنين – فسألها :
- يا بنية ، كم تصبر المرأة عن زوجها ؟.
- فقالت : سبحان الله ! مثلك يسأل مثلي عن هذا ؟!
- فقال : لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك ..
- قالت : خمسة أشهر .. ستة أشهر ..
فوقت عمر للناس في مغازيهم ستة أشهر ، يسافرون شهرا ويقيمون في الميدان أربعة أشهر ويعودون في شهر(1) .
هكذا تعامل المجتمع النبوي والراشدي مع الشوائب والأخطاء والخطايا ، بالموازنة بين المصالح والمفاسد ، ترشيدا «للواقع» كي يقترب دائما وأبدا من «المثال» وليس بتحريم المباح ، سدا للذرائع ، علي أمل التحقيق الكامل «لكامل المثال».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ( فتاوي وأقضية عمر بن الخطاب ) ص131.، 132 .
الجهـاد الإعـلامى للمرأة
وإذا كانت الكلمة الإسلامية هى ميدان كبير وعظيم وخطير من ميادين الجهاد الإسلامى – كان
ذلك موقعها منذ ظهور الإسلام - .. فإن مستجدات واقعنا المعاصر الذى يعيش الانفجارات
المتلاحقة و المتسارعة لثورات المعلومات و الأفكار ، قد زادت وتزيد من وزن الكلمة
الإسلامية فى الجهاد الإسلامى .. فانفتاح كل الحدود ، وانهيار كل السدود وتحطم جميع القيود
أمام كل أنواع «الكلمات» لكل الديانات و الفلسفات و المنظومات الفكرية و العقدية ، يستوجب
استدعاء كل إمكانات الجهاد بالكلمة الإسلامية تبليغا للدعوة ، وإقامة للحجة ، وإزالة للشبهة ،
وعرضا «للبديل الإسلامى» فى مواجهة «البدائل» الأخرى .. بالمواجهة الشرسة مع
التحديات التى تناوش ، بل وتنهش فى الإسلام وامته وعالمه ..
وإذا كان الإعلام بكلمة الإسلام هو ميدان كبير من ميادين هذا الجهاد ، فإن التكليف بهذه
الفريضة – ككل الفرائض الأمر بالعروف والنهى عن المنكر – موجه ومفروض على كل من
النساء والرجال على السواء . .
- فدور المرأة فى ميدان الدعوة الإسلامية المعاصرة : قضية تحتاج إلى تدارس و تشاور ،
يحددان كيفية أداء فريضة مشاركتها فى هذا الميدان .. و الضوابط التى تكفل فعالية هذه المشاركة ، فى إطار منظومة القيم الإسلامية ،و الموازنات بين المصالح المرجوة وبين المفاسد المحتملة فى الممارسات.
- و المرأة فى السينما و المسرح و التمثيلية : قضية من قضايا الإعلام الإسلامى المعاصر،تحتاج إلى تدارس وتشاور ، يحددان كيفية نهوضها بدورها المشارك فيه ، وفق الضوابط الإسلامية وصولا إلى تحقيق الفريضة التى تبتغى تحقيق مقاصد الإسلام .
و المرأة (1) فى الفضائيات .. و التلفاز .. و الإذعات : كل هذه قضايا تحتاج إلى تدارس
وتشاور ،يفصل قواعدها و ضوابط الأداء لرسالتها فى إطار المبادئ التى وقفت عندها هذه الصفحات .. مبادئ المساواة – مساواة التكامل – بين النساء و الرجال .. ومبادئ الإسلام ، التى ساوت بين النساء و الرجال فى المشاركة بالعمل العام ، عندما جعلت المؤمنين والمؤمنات أولياء ، متناصرين ومتشاركين في النهوض بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي هي جماع المشاركة في العمل العام .. والله من وراء القصد .. منه ، سبحانه ، نستمد العون والتوفيق .
@@@
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- هناك شبهات «تعشش»في العقل العلماني ..وفي عقول بعض الإسلاميين ، يتوهم أصحابها أنها تنتقص من آهلية المرأة للمشاركة مع الرجل في العمل العام ..
ومن أهم هذه الشبهات :
- شبهة : أن شهادة المرأة علي النصف من شهادة الرجل .
- وشبهة : أن ميراث الانثي علي النصف من ميراث الذكر
(جـ) وشبهة : نقصان المرأة في العقل والدين ، لحديث رسول الله e : «أنتن ناقصات عقل ودين»- رواه البخاري ومسلم .
(د) وشبهة : منع ولاية المرأة ، لحديث رسول الله e : « لن يفلح قوم و لوا أمرهم امرأة » - رواه الإمام أحمد - . وهذه الشبهات تحتاج إلى دراسة خاصة , تكشف عن الحقيقة ، و تزيح الأوهام عن أسرى هذه الشبهات – من العلمانيين و الإسلاميين - .. وفى إزالة هذه الشبهات ، انظر كتابنا « التحرير الإسلامى للمرأة » طبعة دار الشروق سنة 2002 م وكتابنا «هل الإسلام هو الحل .. لماذا و كيف ؟ » ص 136-159 طبعة دار الشروق ، القاهرة (1418 هـ -1498 م ) . و انظر – كذلك -. دكتور صلاح سلطان «ميراث المرأة وقضية المساواة » سلسلة «فى التنوير الإسلامى » طبعة القاهرة . دار نهضة مصر سنة 1999 م
-
الاثنين PM 10:02
2021-03-29 - 2481