المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408922
يتصفح الموقع حاليا : 331

البحث

البحث

عرض المادة

العلمانية اللادينية ومبدأ فصل الدين عن الدولة

 

العلمانية اللادينية ومبدأ فصل الدين عن الدولة

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد :

الفارق كبير بين الإسلام  والعلمانية   يظهر ذلك في المنشأ والطريق والغاية  ( أّفّمّن يّمًشٌي مٍكٌبَْا عّلّى  وّجًهٌهٌ أّهًدّى  أّمَّن يّمًشٌي سّوٌيَْا عّلّى  صٌرّاطُ مٍَسًتّقٌيمُ <22> ) [الملك: 22]

  والبصيرة تقتضي منا أن نستصحب هذه الموازين والضوابط الشرعية في حكمنا على الديمقراطية وما تنطوي عليه من مبادئ  وللإسلام حكمه فى كل شىء  وهو يعلو ولا يعلى عليه  بما فيه من سمات الربانية والعموم والشمول وغيرها  ومن لدن آدم حتى قيام الساعة لا يمكن أن تسعد البشرية بدونه   وبحسب إنحرافها عن منهج الإسلام بحسب الضنك والشقاء الذي تعانيه   ولو جاز لنا أن نلتمس عذراً للغرب أو الشرق في تباعده عن دين الله ومناداته بهذه المناهج والفلسفات  فإننا لا نجد عذراً لهذه الأمة في الإنسلاخ عن دينها ومتابعتها للكفرة والملاحدة في فصل الدين عن الدولة   وإسلامها يناديها من يوم بدر وأُحد ( وّمّا مٍحّمَّدِ إلاَّ رّسٍولِ قّدً خّلّتً مٌن قّبًلٌهٌ الرٍَسٍلٍ أّفّإن مَّاتّ أّوً قٍتٌلّ انقّلّبًتٍمً عّلّى  أّعًقّابٌكٍمً وّمّن يّنقّلٌبً عّلّى  عّقٌبّيًهٌ فّلّن يّضٍرَّ اللَّهّ شّيًئْا وّسّيّجًزٌي اللَّهٍ الشَّاكٌرٌينّ <144> ) [آل عمران: 144].

ومعلوم للقاصي وللداني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام دولة بالمدينة واتسعت رقعتها في عهده وعهد الخلفاء من بعده  وكان يحكم بالإسلام لا بشيء سواه في نواحي الحياة المختلفة .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون   ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها  ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شـاء الله أن تكـون  ثم يرفعها إذا شـاء أن يرفعها  ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت» [رواه أحمد والطبراني والبزار  انظر السلسلة الصحيحة للألباني].

وإذا كانت معاني الخيرية قد قلّت في الأمة جيلاً بعد جيل  إلا أن حكام المسلمين كانوا يحرصون على الحكم بكتاب الله وبسُّنة رسول الله صلى الله عليه وسلم   وإن وجدت أخطاء في التطبيق وظلم وجهل في بعض الأحيان   فالعيب فينا وليس في شرع الله عز وجل   وعلى العباد جميعاً أن يستقيموا على أمر ربهم إن أرادوا سعادة وفلاحاً في الدنيا والآخرة   وقد استخدم أعداء الإسلام عيوب المسلمين وأخطائهم في التشهير بالإسلام ذاته   والتنفير منه حتى يتيسر لهم إقصاءه عن الدنيا وحكمها   وكأن علاج المريض هو البتر والإهلاك   ولا سبيل لإصلاح العوج والخلل .

صنعوا ذلك مع الخلافة العثمانية والعباسية والأموية  بل وامتدت أيديهم إلى تزييف وتشويـه وتدليس صور صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الكرام الذين نقلوا لنا الإسلام   فدرسوا لنا قصة الخلاف بين عليّ ومعاوية وكذبوا على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم حين صوروهم على أنهم طالبوا ملك ورئاسة يتنازعون على ذلك  ويحتال بعضهم على البعض الآخر .

وانحصر تاريخ الأمة بعد ذلك في قصة هارون الرشيد والخلافة العباسية - خلافة الفسق والمجون كما ذكروا - والخلافة العثمانية التي هي خلافة الجهل والفقر والمرض !! وأصبح لزاماً على أبناء الأمة المسلمة أن يتطلعوا لتاريخ الشرق والغرب المجيد  وإلى عظمة الرجل الأبيض وحضارته  ولكي يتم لهم التقدم والتطـور فعليهم أن يقلـدوا الغرب  ولا سبيل لذلك إلا بفصل الدين عن الدولة  فيقبع الإسلام داخل المسجد بمن يسمون رجال الدين  وتحكم الدولة بعد ذلك بمن يسمون رجال الدولة «دع ما لقيصر لقيصر وما و و» أو الدين و والوطن للجميع .

ثم إذا طالب الناس بالعودة والرجوع لدين الله قالوا لهم: هل تريدون منا أن نعود لعهد هارون الرشيد أو عهود الديكتاتورية والرجعية والتخلف؟!  وأصبحت الديمقراطية هي الحل البديل  والعلمانية اللادينية هي سبيل الإصلاح عند قوم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.

العلمانية والعلمانيون في العالم العربي الإسلامي :

أصبحت الآن العلمانية هي اللافتة المرفوعة على أنظمة الحكم في معظم بلدان العالم الغربي والإسلامي   وأصبح يروج لها بكل وسائل الإعلام   ويدعو ويبشر بها كتاب وساسة ومفكرون  وتقوم على أساسها أحزاب تحمل مبادئها ومن دعاتها «أحمد لطفي السيد - إسماعيل مظهر - قاسم أمين - طه حسين - عبد العزيز فهمي - ميشيل عفلق - أنطون سعادة - سوكارنو - سوهارتو - نهرو - مصطفي كمال أتاتورك - جمال عبد الناصر» وغير هؤلاء كثير ممن لا يزالون أحياء ينفثون سمومهم في جسم هذه الأمة.

يقول لطفي الخولي (أحد دعاة العلمانية المعاصرين): في ندوة مناقشة ما يسمى بالتطرف الديني   وكان العلمانيون قد تجاذبوا أطراف الحديث وأدلى كل منهم بدلوه حتى وصل الكلام إليه يقول: «مناقشتنا وصلت إلى نوع من الإلتقاء على حل إيجابي هجومي يمكن أن نصوغه في أنه لابد أن تقام جبهة فكرية سياسية في العمل السياسي تتبنى مشروع التقدم والنهضة أي في إقامة الجبهة الوطنية التقدمية من خلال حركة ديمقراطية تعتمد الديمقراطية في التغيير » .

وقد بدأت العلمانية في أوروبا   وصار لها وجود سياسي مع ميلاد الثورة الفرنسية (سنة 1789 م)   وقد عمت أوروبا في القرن التاسع عشر   وانتقلت لتشمل معظم دول العالم في السياسة والحكم في القرن العشرين بتأثير الاستعمار والتنصير الذي يطلق عليه اسم التبيشر - وفي مصر أدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي (سنة 1883 م )  وكان هذا الخديوي مفتوناً بالغرب وكان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوروبا .

الجذور الفكرية والعقائدية لعلمانية اللادينية :

[1] العداء المطلق للكنيسة بصفة خاصة   وللدين بصفة عامة أياً كان سواء وقف إلى جانب العلم أو عاداه   ومعلوم أن العلمانية ولدت في أوربا إثر الصراع بين العلم المادي التجريبي والكنيسة بخرافاتها وخزعبلاتها وفسادها باسم الكهنوت وبيع صكوك الغفران وتحريقها لكثير من علماء المادة الذين خالفوها   ترتب على ذلك إنهزام الكنيسة في النهاية أمام العلم المادي التجريبي وظهرت المقولة بفصل الديـن عن الدولة ومقولة : «دع ما لقيصر لقيصر وما و و » .

[2] لليهود دور  بارز في ترسيخ العلمانية وإبراز العلمانية حتى يتيسر لهم السيطرة على أمم الأرض بعد تكسير حاجز الدين في نفوس العباد   ومعلوم أن اليهود يسعون من أجل إقامة دولة اليهود العالمية عاصمتها القدس   ولذلك ولدوا الثورات كثورة فرنسا بمبادئها التحررية   وصدروا هذه المبـادئ الخربة للعميـان   واستخدموا في ذلك أذناباً لهم   وما زالوا حتى هذه اللحظـة يعممون نظرية العداء بين العلم من جهة والدين من جهة أخري   على الرغم من أن الإسـلام لم يقف ضد العلم والأخذ بأسباب التحضر والتقدم كما وقفت الكنيسة   ويكفينا قول الله تعالي :  ( وّأّعٌدٍَوا لّهٍم مَّا اسًتّطّعًتٍم مٌَن قٍوَّةُ ) [الأنفال: 60]

 وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف   وفي كل خير » [رواه مسلم].

( إنَّ هّذّا الًقٍرًآنّ يّهًدٌي لٌلَّتٌي هٌيّ أّقًوّمٍ  ) [الإسراء: 9]

 وذلك في كل ناحية من نواحي الحياة   وقد أطلق بصر العباد   وحث على التدبر والتفكير في ملكوت السموات والأرض  ( إنَّ فٌي خّلًقٌ السَّمّوّاتٌ وّالأّرًضٌ وّاخًتٌلافٌ اللَّيًلٌ وّالنَّهّارٌ لآيّاتُ لأٍوًلٌي الأّلًبّابٌ <190> ) [آل عمران: 190]

  وختمت آيات كثيرة بقوله تعالي : ( إن فى ذلك لآيات لقوم يعلمون - لقوم يتفكرون ). والإعجاز العلمي في القرآن أظهر من أن يجحده أحد  وما من حقيقة ثبت في الكون ويتعرف عليها الخلق إلا وهي موافقة للسنن الشرعية   وإن كان القرآن ليس كتاباً للفلك أو الأحياء   إنما كتاب هداية ورشاد   والعلوم النافعة تؤخذ من كل من أفلح فيها كائناً من كان .

والواجب على الأمة أن تسعي لإقامة حضارة على منهج العبودية و جل وعلا   والتسليم لحكمه سبحانه لا لحضارات القلق هذه الزائفة التي قامت على أساس الكفر العلماني اللاديني   والتي أوشكت بل أعلنت إفلاسها  ( فّلّمَّا نّسٍوا مّا ذٍكٌَرٍوا بٌهٌ فّتّحًنّا عّلّيًهٌمً أّبًوّابّ كٍلٌَ شّيًءُ حّتَّى  إذّا فّرٌحٍوا بٌمّا أٍوتٍوا أّخّذنّاهٍم بّغًتّةْ فّإذّا هٍم مٍَبًلٌسٍونّ <44> فّقٍطٌعّ دّابٌرٍ الًقّوًمٌ الَّذٌينّ ظّلّمٍوا وّالًحّمًدٍ لٌلَّهٌ رّبٌَ الًعّالّمٌينّ <45> ) [الأنعام: 44  45].

الأفكار والمعتقدات العلمانية :

[1] بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلاً   وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين منهج الله وبين حياة الإنسان .

[2] الحياة تقوم عندهم على أساس العلم المطلق   وتحت سلطان العقل والتجريب .

[3] إقامة حاجز كثيف بين الروح والمادة والأخلاق أو القيم الروحية كما يسمونها هي قيم سلبية .

[4] فصل الدين عن السياسة  وإقامة الحياة على أساس مادي.

[5] إعتماد مبدأ المكيافلية في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق   فالغاية عندهم تبرر الوسيلة .

[6] نشر الإباحية والفوضي والأخلاقية   وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولي .

وفي بلدان العالم العربي والإسلام ركزوا في هجومهم وتزييفهم على عدة معان منها :

[1] الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة .

[2] الزعم بأن الإسلام قد استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية .

[3] الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة  ويدعوا إلى التخلف .

[4] الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي .

[5] تشويه الحضارة الإسلامية .

[6] تضخيم حجم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي  والزعم بأنها حركات إصلاح كالمعتزلة والخوارج.

[7] إحياء الحضارات القديمة كالفرعونية في مصر  والبابلية في العراق  والأشورية في الشام   والإهتمام بالحفريات القديمة .

[8] إقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية من الغرب   ومحاكاته فيها   وإرسال البعثات إلى الخارج دون أسس أو حصانة شرعية   ثم يعودون صرعي الفكر العلماني ليقودوا الأمة قيادة لادينية   في الوقت الذي حصلوا فيه على أعلى الشهادات العلمية .

[9] أجيال يقودون البلاد والعباد قيادة علمانية بعد ذلك  ولذلك أصبحت المدارس إما مدارس علمانية  وإما مدارس تبشيرية «أي تنصيرية»  وقد رفض الشيوعيون كل العلوم الغربية واستبعدوها بوصفها علوماً برجوازية كما يقولون  وشعروا بحاجاتهم إلى بناء كافة العلوم في ضوء المفاهيم الماركسية اللينينية بل كانوا ينقلون أبناء الأفغان المسلمين إلى روسيا ليتعلموا وفق هذه المفاهيم  وحتى يسهل عليهم قيادة البلاد قيادة إلحادية بأمثال هؤلاء الذين تربوا على موائدهم.

فنحن في أمسّ الحاجـة إلى إعادة صياغة المناهج التعليمية والتربوية وفق كتاب الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم   وفارق كبير بين الصياغـة الإلحاديـة التي تخرج أجيالاً من الملاحدة  وبين الصياغة الإيمانية التي تخرج علماء مؤمنين يتكلمون بلسـان المسلمين  ويفكرون بعقليتهـم  ويقـودون البلاد قيادة إيمانية يتأسون فيها بخير القرون  وبمثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .

فمن قال: أن الإسلام يعني التخلف ويحارب العلم   كان الرد أن يمتلك المسلمون القوة وأن يتعلموا   ومن قال : أن الإسلام لا يصلح لحياة الناس. كان الرد هو إقامة الإسلام العلمي الواقعـي   وهكـذا يصبح الحق حقاً والباطل باطلاً   وليس الدليل في كل وقت كلاماً  فالعالم الواقعي هو الميدان لجهادنا وإثبات حقنا وإقامة دليل للرد على كل شبهة أما إذا أصبحت الكتب والأوراق فقط هي الميـدان الذي نحارب من خلاله  فإننا ولا شك نخسر المعركة   فالرد يكون كلاماً في مقابلة الكلام   وعملاً في مقابلة الأعمال  فإذا أفرزت العلمانية والإلحـاد انحرافـاً ونجاسـة فيجـب على التوحيـد أن يوجد طهراً  واستقامة .

وإذا كانت هـذه النظم الوضعية تعني الظلم  فالتوحيد يعني العدل  فالعدل يجب أن يكون واقعـاً ومحسوسـاً   والإسلام يجب أن يكون واقعـاً مطبقاً وليس مجرد قضية كلامية نصرخ بها هنا وهناك   ويوم نملك لكل شبهـة جواباً يراه الناس أفعالاً لا كلاماً فقط   حينئـذ نستطيع بحول الله وقوته وتوفيقه أن نقضي على هـذه المناهـج والزبالات التي تفتقت عنها عقول البشر .

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك  ويُذل فيه أهل معصيتك  ويُؤمر فيه بالمعروف  ويُنهى فيه عن المنكر.

وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين .

  • الاثنين PM 04:09
    2021-03-29
  • 1692
Powered by: GateGold