المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412466
يتصفح الموقع حاليا : 367

البحث

البحث

عرض المادة

الإبداع والمبدعون

 

الإبداع والمبدعون

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد :

فالمجددون والحداثيون والتقدميون والإصلاحيون والمثقفون والتنويريون والمبدعون.. وسائر نعوت الإبهار صارت تُطلق في مواجهة ومقابلة الظلاميين والمتخلفين والرجعيين والمتطرفين والجامدين.. وغيرها من صفات التنفير والتنقص  وقد غلب على الطائفة الأولى الإلحاد وعدم التقيد بأي شرع أو دين  وعلا صوتها في وسائل الإعلام والتعليم وخصوصًا في الآونة الأخيرة  أما الطائفة الثانية فهي التي تطالب بالعودة للكتاب والسُّنة  والرجوع لمثل ما كان عليه رسول او  والصحابة الكرام  ونظرة سريعة على ما يحدث تدلك على تكرار السنن مما يزيدك إيمانًا على إيمانك ويقينًا على يقينك  فالتدافع بين الحق والباطل والإيمان والكفر سُنة ماضية

 ( وّلّوًلا دّفًعٍ اللَّهٌ النَّاسّ بّعًضّهٍم بٌبّعًضُ لَّفّسّدّتٌ الأّرًضٍ ) [البقرة: 251]

 ( وّلّوًلا دّفًعٍ اللَّهٌ النَّاسّ بّعًضّهٍم بٌبّعًضُ لَّهٍدٌَمّتً صّوّامٌعٍ وّبٌيّعِ وّصّلّوّاتِ وّمّسّاجٌدٍ يذًكّرٍ فٌيهّا اسًمٍ اللَّهٌ كّثٌيرْا وّلّيّنصٍرّنَّ اللَّهٍ مّن يّنصٍرٍهٍ ) [الحج: 40].

والتنفير لم يقتصر على أشخاص المسلمين الضعيفة في العصر الحالي بل تعداها إلى صفوة البشر من الأنبياء وأتباعهم  قال تعالى: ( مّا يقّالٍ لّكّ إلاَّ مّا قّدً قٌيلّ لٌلرٍَسٍلٌ مٌن قّبًلٌكّ ) [فصلت: 43]

 وما قيل للرسل هو الباطل  وقد وصفوا النبيّ  بأنه ساحر وكاهـن  يُفرق بين المرء وزوجـه... وقالوا عن نبيّ او هود: ( إن نَّقٍولٍ إلاَّ اعًتّرّاكّ بّعًضٍ آلٌهّتٌنّا بٌسٍوءُ ) [هود: 54]  وقالوا عن نبيّ او شعيب:

( وّإنَّا لّنّرّاكّ فٌينّا ضّعٌيفْا وّلّوًلا رّهًطٍكّ لّرّجّمًنّاكّ وّمّا أّنتّ عّلّيًنّا بٌعّزٌيزُ <91> ) [هود: 91] 

وقالوا عن نبيّ او نوح: ( مّا نّرّاكّ إلاَّ بّشّرْا مٌَثًلّنّا وّمّا نّرّاكّ اتَّبّعّكّ إلاَّ الَّذٌينّ هٍمً أّرّاذٌلٍنّا بّادٌيّ الرَّأًيٌ وّمّا نّرّى  لّكٍمً عّلّيًنّا مٌن فّضًلُ بّلً نّظٍنٍَكٍمً كّاذٌبٌينّ <27> ) [هود: 27] 

وقال فرعون عن نبيّ او موسى: ( إنٌَي أّخّافٍ أّن يبّدٌَلّ دٌينّكٍمً أّوً أّن يظًهٌرّ فٌي الأّرًضٌ الًفّسّادّ <26> ) [غافر: 26]  وردّ عليه الملأ: ( أّتّذّرٍ مٍوسّى  وّقّوًمّهٍ لٌيفًسٌدٍوا فٌي الأّرًضٌ وّيّذّرّكّ وّآلٌهّتّكّ ) [الأعراف: 127].

واستخفوا بيتيم عبد المطلب - صلوات او وسلامه عليه - فقالوا:

( لّوًلا نٍزٌَلّ هّذّا الًقٍرًآنٍ عّلّى  رّجٍلُ مٌَنّ الًقّرًيّتّيًنٌ عّظٌيمُ <31> ) [الزخرف: 31] 

وكان لسان حال ومقال المشركين ينطق: ( لّوً كّانّ خّيًرْا مَّا سّبّقٍونّا إلّيًهٌ ) [الأحقاف: 11] 

فهم قد نظروا لأنفسهم على أنهم الأشراف والسادة  وأصحاب العقول النيرة  في الوقت الذي نظروا فيه للمؤمنين على أنهم مجموعة من الموالي والعبيد والضعفاء وأصحاب الحرف الخسيسة فكيف يتقدم هؤلاء ركب الحياة!!.

ولم تسلم منهم المؤمنات  فسُميَّة أم عمار ما أسلمت عندهم إلاَّ لأجل الرجال  والفنانة المعتزلة اليوم لابد وأن تكون قد قبضت الملايين.. وكأنه لا سبيل عند المبدعين وغيرهم لموافقة العقول السليمة والفِطر المستقيمة التي تتابع منهج الأنبياء والمرسلين عبر العصور وكرّ الدهور  وقد مضت السنن بأن هؤلاء الضعفاء هم أتباع الرسل في بداية الأمر علم ذلك هرقل وغيره  ولا حجر على سعة رحمة الله ففضله سبحانه يؤتيه من يشاء

( لا يسًأّلٍ عّمَّا يّفًعّلٍ وّهٍمً يسًأّلٍونّ <23> ) [الأنبياء: 23].

والمبدعون ومن كان على شاكلتهم يُراد لهم في أزمنة الغربة أن يتقدموا على أتباع الرسل  والهالات الضخمة وعبارات التمجيد والتضخيم قد تطلق على الراقصة والمغنية والممثلة والأديب الملحد الزنديق الذي يجترئ بإظهار كفره وتطاوله على دين او.. فكل هؤلاء مبدعون!!.

والإبداع في مجالات الحياة عندهم لا يكون إلاَّ بالانحطاط والتعدي لحدود الله فإذا ازدادت جرعة السفول والتدني عند الشخص ازداد إبداعه وقيمته عند طائفة المبدعين!! والطيور على أشكالها تقع. يُقال للمبدعين: إنَّ او الذي أبدع السموات والأرض على غير مثال سابق  وهو الخالق البارئ المصور  صوركم فأحسن صوركم  وأمركم باتباع دينه لا بالابتداع فيه ( أّلا لّهٍ الًخّلًقٍ وّالأّمًرٍ ) [الأعراف: 54] 

( أّمً لّهٍمً شٍرّكّاءٍ شّرّعٍوا لّهٍم مٌَنّ الدٌَينٌ مّا لّمً يّأًذّنً بٌهٌ اللَّهٍ ) [الشورى:21] 

وقال:( إنٌ الًحٍكًمٍ إلاَّ لٌلَّهٌ أّمّرّ أّلاَّ تّعًبٍدٍوا إلاَّ إيَّاهٍ ذّلٌكّ الدٌَينٍ الًقّيٌَمٍ وّلّكٌنَّ أّكًثّرّ النَّاسٌ لا يّعًلّمٍونّ<40> ) [يوسف:40] 

قال: ( وّلا يشًرٌكٍ فٌي حٍكًمٌهٌ أّحّدْا<26> ) [الكهف: 26]

وقال: ( أّفّحٍكًمّ الًجّاهٌلٌيَّةٌ يّبًغٍونّ وّمّنً أّحًسّنٍ مٌنّ اللَّهٌ حٍكًمْا لٌَقّوًمُ يوقٌنٍونّ <50> ) [المائدة: 50]

وقال: ( فّلا وّرّبٌَكّ لا يؤًمٌنٍونّ حّتَّى  يحّكٌَمٍوكّ فٌيمّا شّجّرّ بّيًنّهٍمً ثٍمَّ لا يّجٌدٍوا فٌي أّنفٍسٌهٌمً حّرّجْا مٌَمَّا قّضّيًتّ وّيسّلٌَمٍوا تّسًلٌيمْا <65> ) [النساء: 69].

وصحت الأخبار عن المعصوم صلوات او وسلامه عليه بالنهي عن الابتداع «إن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»   «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»   «وكل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» فالمبتدع في الدين ومتابعة عمله غير مقبول  ومردود عليه   وكان عمر  يقول: «كل محدثة بدعة وإن رآها الناس حسنة» وقال ابن مسعود: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم عليكم بالأمر العتيق» ولما تولى أبو بكر أمر هذه الأمة قال: «إنما أنا متبع ولست بمبتدع» .

أتى رجل للإمام مالك يقول له: إني أريد أن أُحرم  فمن أين أُحرم  قال له: من حيث أحرم رسول او   من ذي الحليفة  قال الرجل: فإني أريد أن أحرم من أبعد منه. قال الإمام: لا تفعل  قال الرجل: ولما؟ قال الإمام: أخاف عليك الفتنة  قال الرجل وأي فتنة في ازدياد الخير؟ قال الإمام:

 ( فّلًيّحًذّرٌ الَّذٌينّ يخّالٌفٍونّ عّنً أّمًرٌهٌ أّن تٍصٌيبّهٍمً فٌتًنّةِ أّوً يصٌيبّهٍمً عّذّابِ أّلٌيم<63> ) [النور: 63].

وقد أكمل او لنا الدين وأتم علينا النعمة

 ( الًيّوًمّ أّكًمّلًتٍ لّكٍمً دٌينّكٍمً وّأّتًمّمًتٍ عّلّيًكٍمً نٌعًمّتٌي وّرّضٌيتٍ لّكٍمٍ الإسًلامّ دٌينْا ) [المائدة: 3]

وفي حجة الوداع وقف صلوات الله وسلامه عليه يقول: «تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا  كتاب او وسنّتي»  فالاتباع شأن من رضى بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد  رسولاً  وهؤلاء يحذرون الإفساد في الأرض بعد إصلاحها كما يحذرون دعاوى أهل الإبداع والتجديد والتنوير والتقدم التي تخالف ما جاء في الكتاب والسُّنة فهؤلاء الذين يتركون الدين وراء ظهورهم مستخدمين الكلمات البراقة المعسولة مثلهم كما قال تعالى: ( وّإذّا قٌيلّ لّهٍمً لا تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّّرًضٌ قّالٍوا إنَّمّا نّحًنٍ مٍصًلٌحٍونّ <11> أّّلا إنَّهٍمً هٍمٍ الًمٍفًسٌدٍونّ وّلّكٌن لاَّ يّشًعٍرٍونّ <12> وّإذّا قٌيلّ لّهٍمً آمٌنٍوا كّمّا آمّنّ النَّاسٍ قّالٍوا أّّنٍؤًمٌنٍ كّمّا آمّنّ السٍَفّهّاءٍ أّّلا إنَّهٍمً هٍمٍ السٍَفّهّاءٍ وّلّكٌن لاَّ يّعًلّمٍونّ <13> وّإذّا لّقٍوا الَّذٌينّ آمّنٍوا قّالٍوا آمّنَّا وّإذّا خّلّوًا إلّى  شّيّاطٌينٌهٌمً قّالٍوا إنَّا مّعّكٍمً إنَّمّا نّحًنٍ مٍسًتّهًزٌئٍونّ <14> اللَّهٍ يّسًتّهًزٌئٍ بٌهٌمً وّيّمٍدٍَهٍمً فٌي طٍغًيّانٌهٌمً يّعًمّهٍونّ <15> أٍولّئٌكّ الَّذٌينّ اشًتّرّوٍا الضَّلالّةّ بٌالًهٍدّى  فّمّا رّبٌحّت تٌَجّارّتٍهٍمً وّمّا كّانٍوا مٍهًتّدٌينّ <16> ) [البقرة: 11 - 16].

والأمور كلها على ما عند ربك  وأي إصلاح أو إبداع يُتصور في الانسلاخ من دين الله واو يعلم وأنتم لا تعلمون  فالكفر والمعاصي والذنوب شؤم على البلاد والعباد

 ( وّكّأّيٌَن مٌَن قّرًيّةُ عّتّتً عّنً أّمًرٌ رّبٌَهّا وّرٍسٍلٌهٌ فّحّاسّبًنّاهّا حٌسّابْا شّدٌيدْا وّعّذَّبًنّاهّا عّذّابْا نٍَكًرْا (8) فّذّاقّتً وّبّالّ أّمًرٌهّا وّكّانّ عّاقٌبّةٍ أّمًرٌهّا خٍسًرْا (9) ) [الطلاق: 8  9] 

وقال جلَّ وعلا: ( وّإذّا أّرّدًنّا أّن نٍَهًلٌكّ قّرًيّةْ أّمّرًنّا مٍتًرّفٌيهّا فّفّسّقٍوا فٌيهّا فّحّقَّ عّلّيًهّا الًقّوًلٍ فّدّمَّرًنّاهّا تّدًمٌيرْا <16> ) [الإسراء: 16].

وقد يقولون ليس مقصودنا بالإبداع والتجديد والحداثة والتنوير.. ترك الدين ولا تغييره.. ولكن فقط نُطالب بتطوير الخطاب الديني وعدم الجمود والتطرف  وأن نعيش روح العصر  فلا نتخلف عن ركب الحضارة  ولا نتقوقع وننعزل عن الحياة  ويستدلون على ذلك بالمطالبة بالنظر لواقع المسلمين المتخلف  ولتحقيق ما يهدفون إليه  ذكروا وسائل منها إلغاء السُّنة والاكتفاء بالقرآن  واستعمال الفهم العقلاني للنصوص وترك كتب التراث الصفراء.. وللإجابة على ذلك باختصار شديد نقول: ضابطنا في فهم الدين والعمل به هو أن نكون على مثل ما كان عليه رسول او  والصحابة علمًا وعملاً واعتقادًا  فهذا هو الذي يكفل لنا التطور لا الرجوع للوراء  وإصلاح البلاد والعباد بما يُرضي الله وإقامة حضارة على منهاج النبوة والأخذ بأسباب القوة

 ( إنَّ هّذّا الًقٍرًآنّ يّهًدٌي لٌلَّتٌي هٌيّ أّقًوّمٍ ) [الإسراء:9] 

( وّأّعٌدٍَوا لّهٍم مَّا اسًتّطّعًتٍم مٌَن قٍوَّةُ ) [الأنفال:60] 

والمؤمن القوي خير وأحب إلى او من المؤمن الضعيف  والقرآن يأمرنا بمتابعة السنة ( وّمّا آتّاكٍمٍ الرَّسٍولٍ فّخٍذٍوهٍ وّمّا نّهّاكٍمً عّنًهٍ فّانتّهٍوا ) [الحشر: 7]  ( قٍلً أّطٌيعٍوا اللَّهّ وّأّطٌيعٍوا الرَّسٍولّ ) [النور: 54].

فمن زعم الاستمساك بالقرآن وترك السنن فهو في الواقع لم يستمسك بشيء  وهو المدخل لإضاعة الدين جملة وتفصيلا  ولذلك كفر العلماء طائفة القرآنيين  وليخبرونا كيف سيصلون ويحجون ويصومون .. إذا تركوا هدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم  ثم إحالة الأمور إلى العقل ضلال مبين  فالعقل دابة توصلك لقصر السلطان ولا تدخل بها عليه  وهو متولٍ ولي الرسول ثم عزل نفسه  وعقول الناس متفاوتة فمن الذي سنحمل عليه شرع الله والكل يزعم المعقولية مع التهافت والتناقض  ولذلك كان لابد من رد الأمور للكتاب والسنة

 ( فّإن تّنّازّعًتٍمً فٌي شّيًءُ فّرٍدٍَوهٍ إلّى اللَّهٌ وّالرَّسٍولٌ إن كٍنتٍمً تٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ وّالًيّوًمٌ الآخٌرٌ ذّلٌكّ خّيًرِ وّأّحًسّنٍ تّأًوٌيلاْ <59> ) [النساء: 59] 

ولا يتصور وجود تناقض بين نص صحيح وعقل صريح ( وّلّوً كّانّ مٌنً عٌندٌ غّيًرٌ اللَّهٌ لّوّجّدٍوا فٌيهٌ اخًتٌلافْا كّثٌيرْا <82> ) [النساء: 82].

 لابد من الرجوع للعلماء المعتبرين في فهم شرع او

 ( وّلّوً رّدٍَوهٍ إلّى الرَّسٍولٌ وّإلّى  أٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنًهٍمً لّعّلٌمّهٍ الَّذٌينّ يّسًتّنبٌطٍونّهٍ مٌنًهٍمً ) [النساء: 81].

وكل خير في اتباع من سلف     وكل شر في اتباع من خلف

وما لم يكن يومئذ دينًا فليس باليوم دينًا  ولن يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها  كما قال الإمام مالك  فكيف نهدم كتب التراث الصفراء  في الوقت الذي يحتفظ فيه الناس بالتراث الشعبي الفلكلوري  وآثار الفراعنة والأفلام والأغاني القديمة!!.. ويعتبرون ذلك إبداعًا.

وإذا كنَّا نرفض أن يكشف المهندس على الناس  ويُصمم الطبيب العمارة ونقول باحترام التخصص  فكيف نقبل أن تتكلم الراقصة والمغنية والممثلة والأديب الملحد والمثقف الزنديق.. في دين الله فيحلون الحرام ويحرمون الحلال  ويشيعون الفسق والرذيلة في البلاد والعباد تحت مسمى حرية الإبداع!! وحرية الرأي والفكر!! والحرية الشخصية  وهل هذا هو التجديد والحداثة والتنوير.. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.

لقد أُمرنا أن نسمي الأشياء باسمها فما يدعوننا إليه من الحداثة والإبداع والتنوير.. ما هو إلاَّ الانسلاخ من الدين والعودة للبهيمية والجاهلية والظلامية  ما هو إلاَّ دمار البلاد والعباد بإشاعة الكفر والفسق والرذيلة  قال تعالى: ( وّكّذّلٌكّ أّوًحّيًنّا إلّيًكّ رٍوحْا مٌَنً أّمًرٌنّا مّا كٍنتّ تّدًرٌي مّا الًكٌتّابٍ وّلا الإيمّانٍ وّلّكٌن جّعّلًنّاهٍ نٍورْا نَّهًدٌي بٌهٌ مّن نَّشـّـاءٍ مٌنً عٌبّادٌنّا وّإنَّكّ لّتّهًدٌي إلّى  صٌرّاطُ مٍَسًتّقٌيمُ<52> ) [الشورى: 52]

وقال: ( أّوّ مّن كّانّ مّيًتْا فّأّحًيّيًنّاهٍ وّجّعّلًنّا لّهٍ نٍورْا يّمًشٌي بٌهٌ فٌي النَّاسٌ كّمّن مَّثّلٍهٍ فٌي الظٍَلٍمّاتٌ لّيًسّ بٌخّارٌجُ مٌَنًهّا) [الأنعام: 122].

إن أصحاب حرية الإبداع يصدق عليهم المثل السائر: رمتني بدائها وانسلت  وما تخلف المسلمون عن قيادة الدنيا وعن ركب التقدم إلاَّ يوم أن تركوا دينهم حتّى صار وكأنه يناديهم من مكان بعيد من يوم بدر وأحد ( وّمّا مٍحّمَّدِ إلاَّ رّسٍولِ قّدً خّلّتً مٌن قّبًلٌهٌ الرٍَسٍلٍ أّفّإن مَّاتّ أّوً قٍتٌلّ انقّلّبًتٍمً عّلّى  أّعًقّابٌكٍمً وّمّن يّنقّلٌبً عّلّى  عّقٌبّيًهٌ فّلّن يّضٍرَّ اللَّهّ شّيًئْا وّسّيّجًزٌي اللَّهٍ الشَّاكٌرٌينّ <144> ) [آل عمران: 144].

تخلف واقع المسلمين بأمثال الحداثيين والمبدعين والتنويريين.. من المتفلتين من شرع الله وهؤلاء أحرى أن يوصفوا بوصف التطرف  إذْ العدل والاعتدال لا يُعرف إلاَّ من خلال الرجوع للكتاب والسُّنَّة  والمبدعون رائدهم وقائدهم الهوى  ولذلك كان لابد من أخذ كلماتهم بحذر عندما يطالبون بتطوير الخطاب الديني  فلو قصدوا بذلك تبسيط المعاني ومخاطبة الناس على قدر عقولهم وتقديم الأهم على المهم وتأخير البيان إلى وقت الحاجة وإيجاد الحلول الشرعية للمشاكل العصرية.. لقلنا لهم أحسنتم والحق مقبول من كل من جاء به  أما أن يصير الحبل على الغارب ويتم تمييع القضايا وإهدار معاني العقيدة والولاء والبراء.. فهيهات ثم هيهات ( فّإن يّكًفٍرً بٌهّا هّؤٍلاءٌ فّقّدً وّكَّلًنّا بٌهّا قّوًمْا لَّيًسٍوا بٌهّا بٌكّافٌرٌينّ <89> ) [الأنعام: 89].

لقد علا الصراخ بإطلاق حرية الإبداع في كافة المجالات في الفنون والعلوم والآداب .. بحيث يكون الرقيب على المبدع هو ضميره فحسب!! وهم بذلك يهدمون سلطة الدولة المدنية التي يطالبون بها  كما أنهم يتناقضون مع دعوى الحرية  إذ الحرية عندهم تقف عندما يتعارض الأمر مع حرية الآخرين  وهذا الشعب الذين يريدون تغيير هويته  هو شعب مسلم  دستوره الإسلام  والخلافة موضوعة لإقامة الدين وسياسة الدنيا به  بل الحكومات المدنية تعلق المشانق لمن خرج على دستورها الوضعي  ولا أظنها تقبل الخروج على القيم الروحية التي تنادي بها تحت مسمى حرية الإبداع.

لقد شاع في الآونة الأخيرة كتابات تهاجم الدين وأفلام بلغت الغاية في العُرى والخلاعة  وقصص أطلق عليه اسم الأدب الجنسي والأدب الغريزي  وظهرت الراقصات شبه عاريات... وكل ذلك يبررونه ويجيزونه باسم حرية الإبداع  وأصحاب هذا العفن يسمونهم بالمبدعين !!.

لو اقتصر الإبداع على العلوم النافعة كالطب والهندسة والزراعة والصناعة  ولو أمكن إتقان الأعمال  وأخذنا بأسباب التقدم العصرية  ودخلنا مضمار الإكتشافات والإختراعات.. لكان حسنًا  وهذا لا يتنافى مع أخذنا الدين بقوة  والتقدم المادي العصري لم يحدث بالراقصة العارية ولا بالفيلم الخليع .. ولا بغير ذلك من صور الإبداع التي يطالب بها البعض ممن ورثوا الإسلام وجهلوا معانيه  فليصطلح كل فريق على حقه ولا بورك في دنيا تأتي على حساب الدين  فركعتا الفجر (أي سنّة الفجر) خير من الدنيا وما فيها ( يّا قّوًمٌ إنَّمّا هّذٌهٌ الًحّيّاةٍ الدٍَنًيّا مّتّاعِ وّإنَّ الآخٌرّةّ هٌيّ دّارٍ الًقّرّارٌ <39> ) [غافر: 39].

وتبقى مسألة مهمة ودقيقة  وهي من الذي يتقدم ركب الحياة  الأنبياء والمرسلون وأتباعهم أم المبدعون والمكتشفون والمخترعون؟ فعلى التسليم بأنّ الإبداع لن يتصادم مع الكتاب والسنّة  فإن التقديم والتأخير لا يخضع للهوى ولا للوثة المادية المعاصرة  بل لابد من إخضاعه لشرع الله وتقديم ما قدمته الشريعة وتأخير ما أخرته الشريعة  ومن المعلوم أن او قد اصطفى الأنبياء والمرسلين لأعظم مهمة في الوجود وهي مهمة تعبيد الناس و رب العالمين ( اللَّهٍ يّصًطّفٌي مٌنّ الًمّلائٌكّةٌ رٍسٍلاْ وّمٌنّ النَّاسٌ ) [الحج: 75]

  ( وّلّقّدً بّعّثًنّا فٌي كٍلٌَ أٍمَّةُ رَّسٍولاْ أّنٌ اعًبٍدٍوا اللَّهّ وّاجًتّنٌبٍوا الطَّاغٍوتّ ) [النحل: 36] فالأنبياء وأتباعهم هم السادة والقادة الحقيقيون للأمم  وكل إنسان يؤخذ من قوله ويُترك إلاَّ رسول  صلى الله عليه وسلم.

والشهرة والواقع والعرف والعادة والكثرة والقلة  ضبطه بالكتاب والسنة  فلا يهولنك انتفاش الباطل وذيوعه وشيوعه في وسائل الإعلام وغيرها ( فّأّمَّا الزَّبّدٍ فّيّذًهّبٍ جٍفّاءْ وّأّمَّا مّا يّنفّعٍ النَّاسّ فّيّمًكٍثٍ فٌي الأّرًضٌ ) [الرعد: 17] والأنبياء وأتباعهم هم أنفع الخلق للخلق في العاجل والآجل  فمنهجهم هو الذي تتحقق به سعادة الدارين  أما أساليب ومناهج البدعيين المنحرفين فهي أشبه بلذة ساعة وألم دهر  وذلك في أحسن أحوالها.

لقد انبهر البعض بكتاب «العظماء مئة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم» ولكون مؤلفه قدم النَّبيّ  على سائر العظماء من المبدعين في الاكتشافات والفن والأدب.. فقد دفع البعض إلى الإعجاب والإشادة بالكتاب  وأن الحق ما شهدت به الأعداء  ومع تسليمنا بأن النّبيّ  هو سيد الأولين والآخرين  فلا نقبل مسلك مؤلف الكتاب في تقديمه لشكسبير وبيتهوفن وإينشتاين ونيوتن.. على كثير من الأنبياء  بل ظفر المسلم أفضل عند او من ملء الأرض من الرسامين والموسيقيين والمغنيين.. من الكفرة والملحدين حتّى وإن كانوا من مشاهير الدنيا ومن المبدعين؛ فضوابطنا شرعية

 ( أّفّنّجًعّلٍ الًمٍسًلٌمٌينّ كّالًمٍجًرٌمٌينّ <35> مّا لّكٍمً كّيًفّ تّحًكٍمٍونّ <36> ) [القلم: 35  36] 

وقال تعالى عن الكفرة والمبتدعة ( وّقّدٌمًنّا إلّى  مّا عّمٌلٍوا مٌنً عّمّلُ فّجّعّلًنّاهٍ هّبّاءْ مَّنثٍورْا ) [الفرقان: 23] وقال:( وّالَّذٌينّ كّفّرٍوا أّعًمّالٍهٍمً كّسّرّابُ بٌقٌيعّةُ يّحًسّبٍهٍ الظَّمًآنٍ مّاءْ حّتَّى  إذّا جّاءّهٍ لّمً يّجٌدًهٍ شّيًئْا وّوّجّدّ اللَّهّ عٌندّهٍ فّوّفَّاهٍ حٌسّابّهٍ وّاللَّهٍ سّرٌيعٍ الًحٌسّابٌ <39> ) [النور: 39].

والناس على هذا الترتيب  فأفضل البشر النَّبي صلى الله عليه وسلم  ثم بقية أولي العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام  ثم بقية المرسلين  ثم النبيين  ثم أبي بكر فعمر فعثمان  فعلي  فسائر العشرة المبشرة بالجنة  ثم من شهد بدر وأُحُد وبيعة العقبة وبيعة الرضوان  ثم بقية الصحابة الكرام  وكل صحابي أفضل من كل من جاء بعده  ثم التابعين وتابعي التابعين  ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين  والناس على ما سماهم الله مؤمن تقيّ  وفاجر شقي  فأين يكون المُبدع إذن  كان حاتم الأصم  يقول: رأيت الناس يعودون إلى الحرف والصنائع والتجارات والأنساب  ونظرتُ في قوله تعالى: ( إنَّ أّكًرّمّكٍمً عٌندّ اللَّهٌ أّتًقّاكٍمً ) [الحجرات: 13]  قال: فعملت بالتقوى حتى أكون كريمًا عنده.

فيا قوم لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم باو الغرور  واحذروا التزييف والخداع عند أهل الإبداع.

وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين.

 

 

  • الاثنين PM 03:59
    2021-03-29
  • 1721
Powered by: GateGold