المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412336
يتصفح الموقع حاليا : 315

البحث

البحث

عرض المادة

إدارة الأزمات

 

إدارة الأزمات

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد  

فالكوارث والمصائب والمحن والمشكلات  يُعبر عنها بالأزمات  وهذه الأزمات متنوعة  فقد تكون اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية أو نفسية  قد تكون على مستوى الفرد أو الدولة  محلية أو عالمية  وهم يقولون  أزم الزمان بالقحط. والأزمة اسم منه  فهو تعبير عن الشدة والعسر والضيق  تود النفوس الخلاص منه  ويسعى المسلم والكافر للتعامل مع الأزمات  كلٌ بطريقته الخاصة.

فالسلوك مرآة الفكر  ( إنَّ سّعًيّكٍمً لّشّتَّى )  الليل  4   ( قٍلً كٍلَِ يّعًمّلٍ عّلّى  شّاكٌلّتٌه ٌ)  الإسراء  84 .

وكثرة الأزمات والمشكلات من سمات الغربة التي نعيشها  وقد يتولد بعضها من بعض  ويؤثر بعضها في البعض الآخر  يقولون مثلاً في مصر ) مليون يزيد سنهم عن الخامسة والثلاثين  لم يتزوجوا بعد  وهذه المشكلة قد تكون بسبب أزمة المساكن  أو ضعف الأجور وانتشار البطالة  وقد تكون بسبب التحلل والاختلاط في التعليم والعمل مما أضعف الثقة  بالإضافة إلى يسر الحرام الذي صار في متناول اليد  فلماذا يلجأ الشاب إلى الزواج بما فيه من واجبات وتكاليف والتزامات أسرية  ينضاف إلى ذلك قلة الوازع الديني...

وأزمة العنوسة هذه يترتب عليها إشاعة الفحش والرذيلة ومحق البركات وتقطيع ما أمر الله به أن يوصل  حيث يشيع الحسد والحقد والغل في هذه الأجواء..

أيضًا تذكر الإحصائيات أنَّ )13 مليون في مصر يتعاطون الدخان ونصف هذا العدد يقل عمره عن عشرين سنة  والدخان ضار جدًا بالصحة  وفيه إضاعة للأموال  وهو من جملة المحرمات والخبائث  والمدخن قد يمنع أسرته حاجتها في سبيل توفير ثمن الدخان  والصغير قد يسرق ويعق والديه  لأجل ذلك  فإذا أضيفت المخدرات إلى الدخان والشيشة التي يتعاطاها الرجال والنساء والكبار والصغار  علمت حجم الكارثة  وكيف يُستمطر البلاء على البلاد والعباد.

وهكذا تخرج من أزمة إلى أخرى على مستوى الفرد والدولة  وقد تتراكم المشكلات بحيث تصبح أزمة مزمنة  شأنها كشأن الأمراض الفتاكة المستعصية تحتاج لطول نفس  وصبر كبير  والعمل الدءوب على تخفيف الأعراض  هذا إن لم نستطع إزالة المرض بالكلية  من باب «ما لا يدرك كله  لا يُترك جله» ونستنقذ ما نستطيع استنقاذه  فما لم نستطع تتميمه )100رضى الله عنه لا نتركه صفرًا ( فّاتَّقٍوا اللَّهّ مّا اسًتّطّعًتٍمً )   التغابن  16 .

وأحيانًا قد يلجأ البعض إلى الهروب من المشكلات والأزمات  وقد يُرجئ حلها  وفريق يتعاطى الخمر والمخدرات لنسيانها  مما يُعقد الأزمة  وتستفحل به المشكلة  ويكون الشأن كمن يعالج الداء بداء آخر  ومن أمثلة ذلك علاج التردي والضعف الاقتصادي بالربويات  ( يّمًحّقٍ اللَّهٍ الرٌَبّا وّيرًبٌي الصَّدّقّاتٌ )  البقرة  276   ( الَّذٌينّ يّأًكٍلٍونّ الرٌَبّا لا يّقٍومٍونّ إلاَّ كّمّا يّقٍومٍ الَّذٌي يّتّخّبَّطٍهٍ الشَّيًطّانٍ مٌنّ الًمّسٌَ )  البقرة  275

   وقد توعَّد سبحانه أهل الطائف بالحرب - رغم صلاتهم وصيامهم - وذلك لتعاملهم بالربا  فقال  ( يّا أّيهّا الَّذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا اللَّهّ وّذّرٍوا مّا بّقٌيّ مٌنّ الرٌَبّا إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ  فّإن لَّمً تّفًعّلٍوا فّأًذّنٍوا بٌحّرًبُ مٌَنّ اللَّهٌ وّرّسٍولٌهٌ)  البقرة  278  279 .

ومن أمثلة ذلك الدخول في حرب أو مجاعة أو كرب فتسمع الاستغاثة ودعاء المقبورين ( أّمَّن يجٌيبٍ الًمٍضًطّرَّ إذّا دّعّاهٍ وّيّكًشٌفٍ السٍَوءّ وّيّجًعّلٍكٍمً خٍلّفّاءّ الأّرًضٌ أّإلّهِ مَّعّ اللَّهٌ)  النمل  62

  والبعض يذهب للمنجمين والعرافين والكهان  ليتعرف منهم أيدخل الحرب مع أعدائه أم يحجم ومن المعلوم أنَّ هؤلاء ليسوا بشيء  و «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول  فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»   وكان الواجب أن نأخذ بالأسباب الشرعية  وأن نتوكّل على خالق الأرض والسموات  وأحيانًا يحدث الانفصال بين البلدين وتنتهي الوحدة وتثور الشتائم  بل وتدور رحى الحرب بينهما  وكم من صورة من صور الوحدة قامت لتنتهي  لأنها لم تقم على كلمة التوحيد  ولا على أساس من دين الله وافتقدت عناصر البصيرة  والحرص على طاعة الله قال تعالى  ( وّمٌنّ الَّذٌينّ قّالٍوا إنَّا نّصّارّى  أّخّذًنّا مٌيثّاقّهٍمً فّنّسٍوا حّظَْا مٌَمَّا ذٍكٌَرٍوا بٌهٌ فّأّغًرّيًنّا بّيًنّهٍمٍ الًعّدّاوّةّ وّالًبّغًضّاءّ إلّى  يّوًمٌ الًقٌيّامّة ٌ)  المائدة  14 .

وقد يثور النزاع والخلاف بين المسلمين  فتجد التحالفات مع الكفار وطمس معالم الولاء والبراء  ومن المعلوم أنَّ الكفار لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة  وهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله وهم لا يحبوننا ولا يألوننا خبالاً  وبعضهم أولياء بعض  وينطبق علينا قول القائل  عندما ترعى الذئاب الغنم  ويكون مثلنا كالمستجير من الرمضاء بالنار.

إنَّ إدارة الأزمات لابد فيها من معرفة بالداء والدواء  فما أنزل الله داءً  إلاَّ أنزل له دواءً  علمه من علمه  وجهله من جهله  إلاَّ الهرم  وقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم  «تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام»  وقال أيضًا  «وما جعل الله شفاء أمتي فيما حرَّم عليها» .

ولابد من الاهتمام بالبدايات  فمعظم النار من مستصغر الشرر  وفساد الانتهاء من فساد الابتداء  والعبد إذا فسدت بدايته فسدت نهايته  وإذا فسدت نهايته  فلربما هلك  إلاَّ أن يتداركه الله برحمته  وعلى الكل أن يتحمل مسئوليته في إدراة الأزمة  فالكل راع وهو مسئول عن رعيته ( فّلّنّسًئّلّنَّ الَّذٌينّ أٍرًسٌلّ إلّيًهٌمً وّلّنّسًئّلّنَّ الًمٍرًسّلٌينّ )  الأعراف  6   ( لٌيّسًأّلّ الصَّادٌقٌينّ عّن صٌدًقٌهٌمً )  الأحزاب  8

  فلا يجوز أن نتنصل من المسئولية ونُحمل الحكام التبعة  ولا يحل للحكام أن يعودوا باللائمة في كل أزمة على شعوبهم  فالكل موقوف به ومسئول بين يدي الله وبعض التبعات والمسئوليات أعظم من بعض  وكما قال عثمان    «إنَّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» والخلافة موضوعة لإقامة الدين وسياسة الدنيا به.

وهذا المسلك الذي يعبر عنه البعض بالإيجابية في حل الأزمة والبعد عن السلبية أجدى من الوقوف في مقاعد المتفرجين  والتعويل على الأعداء والقوى الخارجية  وأنَّ هؤلاء هم السبب في جميع مشكلاتنا  فبدلاً من اتهام النفس  والأخذ بزمام المبادرة طلبًا لعلاج الأزمة  نُعلق المسائل على شماعة الأعداء  ونعيش بنظرية المؤامرة  والبعض يحلو له أن يدور في حلقة مفرغة كالتائه يتساءل هل الاستعمار هو سبب التخلف أم أنَّ التخلف هو سبب الاستعمار  فحظه ونصيبه من علاج الأزمة عبارة عن جدل بيزنطي عقيم  كمن تُحيط به النيران من كل ناحية  وهو جالس مكانه يتسائل لماذا اشتعل المكان  ومثل هذا تلتهمه النيران  وكان حريّ به أن يطلب النجاة والسلامة  وأن يخرج من الواقع السيّئ ما وسعه الأمر  فالصحابة ^ هاجروا إلى الحبشة وإلى المدينة  وبعضهم دخل في الجوار  ولم يدخل عمر الشام عام الطاعون  ولما قال له أبو عبيدة  أفرار من قدر الله؟ فقال له عمر  نعم  نفر من قدر الله إلى قدر الله.

وعدم الأخذ بالأسباب قدح في التشريع  والاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد  وهذا فيه الرد على تحميل الأزمات والتبعات على القدر  حتَّى تغنَّى البعض بقوله  قدر أحمق الخطى  سحقت هامتي خطاه... وهذا نوع من السفه والفجور  فالاحتجاج بالقدر إنما يكون في المصائب لا في المعائب  والتسليم للقدر يكون بعد بذل الوسع في تعاطي ما أمر الله به من الأسباب  والإيمان بالقدر هو نظام التوحيد  وهو سر الله تعالى في خلقه  لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ( لا يسًأّلٍ عّمَّا يّفًعّلٍ وّهٍمً يسًأّلٍونّ )  الأنبياء  23 .

وعلى من أراد علاج الأزمات فعليه بدراستها  والفهم لطبيعتها دون تهويل أو تهوين  ودون إفراط أو تفريط  فإذا توافق الدواء مع الداء تم البرء والشفاء بإذن الله ولا يليق بنا هنا أن نشخص السرطان على أنه شيء من الصداع  ونكتفي ببعض المسكنات  أو أن ننخدع بصداع المريض عن بقية أعراض السرطان.

وكذلك الأمر بالنسبة للأعداء يلقون شائعة الأمن  حتَّى نسترخي ونُلقي سلاحنا  وأحيانًا أُخر يلقون شائعة الخوف  وأن اليهود يملكون السلاح النووي وسيستخدمون سياسة الذراع الطويلة  وذلك حتَّى نجبن ونستسلم ونخاف ونُكرس للمزيد من الواقع السيّئ   قال تعالى  ( إنَّمّا ذّلٌكٍمٍ الشَّيًطّانٍ يخّوٌَفٍ أّوًلٌيّاءّهٍ فّلا تّخّافٍوهٍمً وّخّافٍونٌ إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ  )  آل عمران  175  .

في مواجهتنا وإدارتنا للأزمات نحتاج لوضع النقاط على الحروف  ومعرفة الواقع جيدًا ثم ضبطه بالضوابط الشرعية  بحيث ينطبق الحكم مع الواقع  والفتوى تُقدر زمانًا ومكانًا وشخصًا  ولابد من رد العلم لعالمه ( وّلّوً رّدٍَوهٍ إلّى الرَّسٍولٌ وّإلّى  أٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنًهٍمً لّعّلٌمّهٍ الَّذٌينّ يّسًتّنبٌطٍونّهٍ مٌنًهٍمً )  النساء  83

  وقال تعالى  ( فّاسًأّلٍوا أّهًلّ الذٌَكًرٌ إن كٍنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ )  الأنبياء  7   فلا بأس بإقامة المراكز البحثية وعمل الدراسات والمؤتمرات لإدارة الأزمات  ولا حرج في الرجوع للمتخصصين لعلاج مشكلات التعليم والإعلام والصحة والبيئة وتربية الأولاد... والعلوم النافعة تُؤخذ من كل من أفلح فيها  أما علوم الهداية فلا تؤخذ إلاَّ من الكتاب والسنة.

والحذر كل الحذر من اللوثة المادية  حتَّى صار البعض في علاجه للأزمات  يُفسر الماء بعد العسر بالماء  ويزيد الطين بلة بنظرياته المادية البعيدة والمنحرفة عن شرع الله لقد تسلَّط اليهود على فلسطين  وحرص البعض من جلدتنا وممن يتكلم بلساننا على إبعاد معاني العقيدة والإيمان عن الصراع  واكتفى بهذا الشعار المريب «إدارة الصراع العربي الإسرائيلي» مع العلم أنَّ إسرائيل دولة عقائدية في الإسم والرسم  والعَلَم المرفوع عليها  بل ساستها ما يتكلمون إلاَّ بلسان عقائدي  والعرب بلا إسلام ودين يساوون حالة من حالات الجاهلية  وأشخاصهم لا تزيد على صورة أبي جهل وأبي لهب  فما قامت للعرب قيمة إلاَّ بالتمسك بالإسلام.

يتكلم الماديون عن الانفجار السكاني الذي يبتلع التنمية  ولا تقف أمامه موارد الدولة  وبطريقة «بما أنّ إذن»  و«واحد زائد واحد يساوي اثنين»  يقولون علاج هذه الأزمة في تحديد النسل  وهذا فشل في توصيف الأزمة وفي علاجها  كما أنه فشل في العدّ والحساب  فالعنصر البشري من أعظم مصادر الثروة  وهذا تجده في الصين وإنجلترا...

والدعوة العامة لتحديد النسل تتصادم مع الهدي النبوي «تناكحوا   تناسلوا  فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة» وهذه الأمة أمة دعوة  نحتاج فيها لتكثير سواد المطيعين  وفي الحديث  «وهل تنصرون وترزقون إلاَّ بضعفائكم».

وأسباب سعة الرزق كثيرة وعديدة  كالاستغفار والدعاء والتوكل على الله وتقوى الله والسعي على الضعفاء  والزواج  ومتابعة الحج والعمرة....وبكل ذلك وردت النصوص الشرعية  فأولى بنا أن نترك الحرام وأن نعمل بطاعة الله  حتَّى نأكل من فوق رءوسنا  ومن تحت أرجلنا  بدلاً من السعي في تحديد نسل الأمة  قال تعالى( وّإنً خٌفًتٍمً عّيًلّةْ فّسّوًفّ يغًنٌيكٍمٍ اللَّهٍ مٌن فّضًلٌهٌ إن شّاءّ إنَّ اللَّهّ عّلٌيمِ حّكٌيمِ ) التوبة  28 .

إنَّ المؤمن يقول  آمنت بالله وكذبت عيني  ويقدم الموازين الشرعية على الحسابات المادية العقلانية عند المصادمة  وإلاَّ فلا معارضة بين نص صحيح وعقل صريح  قال تعالى( فّلا وّرّبٌَكّ لا يؤًمٌنٍونّ حّتَّى  يحّكٌَمٍوكّ فٌيمّا شّجّرّ بّيًنّهٍمً ثٍمَّ لا يّجٌدٍوا فٌي أّنفٍسٌهٌمً حّرّجْا مٌَمَّا قّضّيًتّ وّيسّلٌَمٍوا تّسًلٌيمْا ( النساء  65 

 الشرع الذي يتّسم بصفة الربانية والشمول لكل قضايا الحياة والعموم لجميع البشر في كل زمان ومكان  والجزاء الرادع العادل في العاجل والآجل  والذي يراعي مصالح العباد الحقيقية ... هو القادر على حل جميع الأزمات.

كما أنَّ المسلم الذي ينصبغ بصبغة الإسلام  ويكون على بصيرة من أمره وأمر الناس  ويعيش حياة العزة والكرامة ويتمسك بالحق  ويثبت عليه  ويجاهد في سبيله  هذا المسلم الأوّاب المنيب المحب لربه ولدينه  لا ينكسر أمام الفتن والمحن  ولا ييأس من روح الله لعلمه أنَّ الله سيجعل من بعد عسر يسرًا  وأنَّ النصر مع الصبر  وأنَّ الفرج مع الكرب  لا يقول  هلك الناس  ومن قال ذلك فهو أهلكهم  لا يختزل الدنيا في الأزمة التي يعانيها  فالحياة مستمرة  ومشكلته ليست هي نهاية التاريخ  ولها حل بإذن الله حتَّى وإن تأذّى وتضرر بطلاق وغيره  فشأنه كشأن النخلة قد تميل مع العواصف  ثم تعود إلى شموخها واستقامتها وثباتها  وكيف لا وهو يحرص على تقوى الله في عسره ويسره  ومنشطه ومكرهه.

قال تعالى(وّمّن يّتَّقٌ اللَّهّ يّجًعّل لَّهٍ مّخًرّجْا  وّيّرًزٍقًهٍ مٌنً حّيًثٍ لا يّحًتّسٌبٍ)  الطلاق  2  3

  ( ّمّن يّتَّقٌ اللَّهّ يّجًعّل لَّهٍ مٌنً أّمًرٌهٌ يسًرْا ) الطلاق  4 

 بل قد يفرح بالأزمة التي تذكره بربه وبقوله سبحانه  ( وّعّسّى  أّن تّكًرّهٍوا شّيًئْا وّهٍوّ خّيًرِ لَّكٍمً وّعّسّى  أّن تٍحٌبٍَوا شّيًئْا وّهٍوّ شّرَِ لَّكٍمً وّاللَّهٍ يّعًلّمٍ وّأّنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ )  البقرة  216

 ( فّعّسّى  أّن تّكًرّهٍوا شّيًئْا وّيّجًعّلّ اللَّهٍ فٌيهٌ خّيًرْا كّثٌيرْا (  النساء  19 

 وقال سبحانه عن قصة الإفك  ( لا تّحًسّبٍوهٍ شّرَْا لَّكٍم بّلً هٍوّ خّيًرِ لَّكٍمً )  النور  11 .

وكان عمر   يقول  «إذا أصيب العبد بمصيبة كان له فيها ثلاث نعم  أنها لم تكن أكبر مما كانت  وأنها لابد كائنة وقد كانت  وأنها لم تكن في دينه» .

إنَّ المؤمن الذي يقدر أسوأ الحالين  ويستحضر مصابه في موت رسول الله صلى الله عليه وسلم  ويتذكر الموت والقبور والآخرة  ويجتهد في الدواء   يستغفر ويسترجع  لا يمكن بإذن الله أن تعصف به الأزمات  ولا أن تستعصي أمامه المشكلات  فله شأنٌ وللناس شأن  وقد جعل الهموم همًا واحدًا  همّ الآخرة فتأتيه الدنيا وهي راغمة بعكس من كانت الدنيا هي همه  ومبلغ علمه  فمثل هذا لا يبالي ربنا في أي أودية الدنيا هلك.

إنَّ المؤمن ينطلق بعلو همته مستعينًا بالله من علاج أزمات نفسه  والمحيط الذي يسكنه  إلى علاج المشاكل العالمية  وذلك لأنَّ الدين الذي يتشرف بالانتساب إليه دين عالمي ( تّبّارّكّ الَّذٌي نّزَّلّ الًفٍرًقّانّ عّلّى  عّبًدٌهٌ لٌيّكٍونّ لٌلًعّالّمٌينّ نّذٌيرْا )  الفرقان  1  

 يصف العلاج لمشكلة ضعف المسلمين  وأنَّ القوة لا تقتصر على الإعداد المادي والعسكري  وأعظم صور القوة  قوة الإيمان وعمق اليقين  وأننا متى رجعنا إلى ربنا وديننا وأخلصنا العمل لله تحقق لنا وعده سبحانه بالنصر والعز والتمكن ( إن تّنصٍرٍوا اللَّهّ يّنصٍرًكٍمً وّيثّبٌَتً أّقًدّامّكٍمً ) محمد  7 

( كّم مٌَن فٌئّةُ قّلٌيلّةُ غّلّبّتً فٌئّةْ كّثٌيرّةْ بٌإذًنٌ اللَّهٌ وّاللَّهٍ مّعّ الصَّابٌرٌينّ )  البقرة  249 .

وأن تسلط الكافرين علينا بالقتل والجراح لا بسبب قوتهم  وإنما هو بسبب فشلنا وذنوبنا  قال تعالى عن يوم أُحُد ( أّوّ لّمَّا أّصّابّتًكٍم مٍَصٌيبّةِ قّدً أّصّبًتٍم مٌَثًلّيًهّا قٍلًتٍمً أّنَّى  هّذّا قٍلً هٍوّ مٌنً عٌندٌ أّنفٍسٌكٍمً )  آل عمران  165  وشرعت الآيات توضح الأسباب  ( حّتَّى  إذّّا فّشٌلًتٍمً وّتّنّازّعًتٍمً فٌي الأّمًرٌ وّعّصّيًتٍم مٌَنً بّعًدٌ مّا أّرّاكٍم مَّا تٍحٌبٍَونّ مٌنكٍم مَّن يرٌيدٍ الدٍَنًيّا وّمٌنكٍم مَّن يرٌيدٍ الآخٌرّةّ )  آل عمران  152 .

ثم اختلاف القلوب والتفرق الحاصل في صفوفنا لا سبب له إلاَّ ضعف العقل  قال تعالى ( وّلا ينّبٌَئٍكّ مٌثًلٍ خّبٌيرُ ) فاطر  14

  ( تّحًسّبٍهٍمً جّمٌيعْا وّقٍلٍوبٍهٍمً شّتَّى  ذّلٌكّ بٌأّنَّهٍمً قّوًمِ لاَّ يّعًقٌلٍونّ ) الحشر  14

  فإذا أردنا أن نكون يدًا واحدة على عدو الله وعدونا  فلا سبيل إلاَّ إنارة العقول المظلمة بنور الله.

لقد أكمل لنا سبحانه الدين  وأتمّ علينا النعمة فلا يجوز التعويل على الأفراد والهيئات والمؤسسات والنظريات والدراسات التي تصطدم بشرع الله و إذا كان السلوك مرآة الفكر  فعلى قدر معرفتنا بطبيعة الدنيا  وأنها دار ابتلاء وامتحان  وأنها لا تصلح عوضًا عن معنى من معاني الآخرة  فلنطلب السلامة  ولنعلم أنَّ أمرًا هذا الموت آخره لحقيق أن يُزهد في أوله  وإن أمرًا هذا الموت أوله لحقيق أن يُخاف من آخره  تفكّر في الصراط والميزان وتطاير الصحف  وعقبة كئود  المهبط منها إلى جنة أو إلى نار...

أمور كثيرة تستحق الانشغال والاهتمام  والإيمان بها يضع الأزمات في حجمها وإطارها  وتعلم منها قصر نظر الماديين عندما يتكلمون عن الأزمة الحضارية الكبرى  والأزمة المصيرية  والرؤى المستقبلية لعلاج الأزمات  والله يهدي من يشاء إلى طراط مستقيم.

وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين.

  • الاثنين PM 03:52
    2021-03-29
  • 1538
Powered by: GateGold