المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412254
يتصفح الموقع حاليا : 335

البحث

البحث

عرض المادة

الإلحـــــاد

 

الإلحـــــاد

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالإلحاد سمة من سمات العصر  وقد غزت موجاته ديار المسلمين  وتنادى البعض بالشيوعية كما تنادت طوائف الدهرية قديمًا: إن هي إلاّ أرحام تدفع وأرض تبلع.

( وّقّالٍوا مّا هٌيّ إلاَّ حّيّاتٍنّا الدٍَنًيّا نّمٍوتٍ وّنّحًيّا وّمّا يهًلٌكٍنّا إلاَّ الدَّهًرٍ ) [الجاثية: 24].

وصارت العلمانية هي اللافتة المرفوعة على معظم الدول التي كانت تنتسب للإسلام  وقد دانت دول كثيرة بالشيوعية كالإتحاد السوفيتي والصين وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا...

وتسربت نظريات الإلحاد في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام المختلفة وتم التمكين لكثير من الملاحدة في ديار المسلمين يوجهون دفة الأمور ويديرون مقاليد البلاد والعباد  بلا وازع من خلق أو دين  حتى كانت الدكتوراة لا يتحصل عليها الإنسان إلاّ من الإتحاد السوفيتي  وقبل أن يدرس الهندسة أو الأدب ... كانوا يلقنونه بذور الإلحاد  وقد عاد بعض هؤلاء ينفث سمّه في أبناء المسلمين  وكل إناء بما فيه ينضح.

ومع تفكك الإتحاد السوفيتي انكسرت شوكة الشيوعية نسبيًا وقويت بوادر العودة لمعاني الإيمان  ولابد من سعي حثيث لاجتثاث جذوره واقتلاع أسبابه  وهذا يتطلب معرفة الداء والدواء والإستعانة بخالق الأرض والسماء حتى نجنب البلاد والعباد شرور الإلحاد - دقها وجلها - وإلا كان الدمار في الدنيا  ولَعَذاب الآخرة أشد.

أنواع الإلحاد:

الإلحاد: هو الميل عن الحق والعدول عنه فيما يتعلق بأسماء الله تعالى أو بيته الحرام أو بآياته الكرام في دلالتها أو فيمن تنزلت عليه  وبعض صوره أخطر وأشد من بعض فمنه ما ينافي الإيمان ويبطله ومنه ما ينافي كماله ويوهن عراه.

وقد وردت الآيات بذم الإلحاد في الحرم  قال تعالى:

 ( وّمّن يرٌدً فٌيهٌ بٌإلًحّادُ بٌظٍلًمُ نٍَذٌقًهٍ مٌنً عّذّابُ أّلٌيمُ <25> ) [الحج: 25]

 والإلحاد هنا أن تستحل من الحرام ما حرم الله عليك من قتل من لم يقتل وظلم من لم يظلم  وقيل هو احتكار الطعام بمكة  وقيل: معناه الشرك  أو هو صيد حمامة وقطع شجرة ودخوله في غير إحرام.

وذم سبحانه الإلحاد في أسمائه فقال: ( وّذّرٍوا الَّذٌينّ يلًحٌدٍونّ فٌي أّسًمّائٌهٌ ) [الأعراف: 180]

 قال ابن القيم - رحمه الله - : «الإلحاد في أسمائه تعالى أنواع:

أحدها - أن تسمي الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية والعزى من العزيز  وتسميتهم الصنم إلهًا. وهذا إلحاد حقيقة  فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.

الثاني - تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أبًا وتسمية الفلاسفة له موجبًا بذاته  أو علة فاعلة بالطبع  ونحو ذلك.

والثالث - وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص كقول أخباث اليهود: إنه فقير. وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه. وقولهم: يد الله مغلولة. وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.

ورابعها - تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول الجهمية ومن تبعهم: إن أسماءه تعالى ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع البصير والحيّ والرحيم والمتكلم والمريد  ويقولون: لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به. هذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً ولغة وشرعًا وفطرة  وهو مقابل لإلحاد المشركين.

خامسها - تشبيه صفاته تعالى بصفات خلقه فهو إلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة - تعالى الله عن إلحادهم علوًا كبيرًا -» .

أما الإلحاد في آيات الله فهو المذكور في قوله تعالى: ( إنَّ الَّذٌينّ يلًحٌدٍونّ فٌي آيّاتٌنّا لا يّخًفّوًنّ عّلّيًنّا أّفّمّن يلًقّى  فٌي النَّارٌ خّيًرِ أّم مَّن يّأًتٌي آمٌنْا يّوًمّ الًقٌيّامّةٌ اعًمّلٍوا مّا شٌئًتٍمً إنَّهٍ بٌمّا تّعًمّلٍونّ بّصٌيرِ <40> ) [فصلت: 40].

ومن صوره: قول المشركين: ليس القرآن من عند الله. أو هو سحر أو شعر.

وقال مجاهد: يلحدون في آياتنا أي عن تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية واللغوا والغناء.

وقال ابن عباس: هو تبديل الكلام ووضعه في غير موضعه.

وقال السدي: يعاندون ويشاقون.

وقال ابن زيد: يشركون ويكذبون  وهذه المعاني متقاربة.

النصوص والآثار تذم الإلحاد:

عن ابن عباس   أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أبْغَضُ الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية  ومطّلبٌْ دم امرئ بغير حقٍّ ليُهريق دمه»

[رواه البخاري].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص  : «أنه أتى عبد الله بن الزبير وهو جالس في الحِجْرِ فقال: يا ابن الزبير  إيَّاك والإلحاد في حرم الله فإني أشهدُ لسمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُحِلُّها ويحُلُّ به رجُلٌ من قريش لو وُزِنَتْ ذُنُوبُهُ بذنوب الثَّقَلين لوزنتْها».

قال: فانظر ألاَّ تكون هو يا ابن عمرو  فإنك قد قرأت الكتب وصحِبْتَ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: فإني أُشهدك أنّ هذا وجهي إلى الشام مجاهدًا» [رواه أحمد وصحح أحمد شاكر إسناده].

وقال ابن عباس  : «إلحاد الملحدين أن دعَوا اللات في أسماء الله» .

وعن عبد الله بن مسعود   قال في معنى قول الله تعالى: ( وّمّن يرٌدً فٌيهٌ بٌإلًحّادُ بٌظٍلًمُ نٍَذٌقًهٍ مٌنً عّذّابُ أّلٌيمُ ): «لو أنّ رجلاً همَّ فيه (أي في الحرم المكي) بإلحاد وهو بِعَدَنِ أبيَنَ لأذاقه الله عزّ وجل عذابًا أليمًا».

وقال مجاهد - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: ( وّذّرٍوا الَّذٌينّ يلًحٌدٍونّ فٌي أّسًمّائٌهٌ ) اشتقوا العُزَّى من العزيز واشتقوا اللات من الله».

وقال ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - : «كان إلحادهم (أي المشركين) في أسماء الله أنهم عدلوا بها عمّا هي عليه فسمَّوا بها آلهتهم وأوثانهم  وزادوا ونقصوا منها  فسمّوا بعضها اللات اشتقاقًا منهم لها من اسم الله الذي هو الله وسمّوا بعضها العُزّى اشتقاقًا لها من اسم الله العزيز».

وقال أيضًا في قوله تعالى: ( وّذّرٍوا الَّذٌينّ يلًحٌدٍونّ فٌي أّسًمّائٌهٌ ): «هو تهديد من الله للملحدين في أسمائه ووعيد منه لهم  ومعناه: أن أمهِلِ الذين يُلحدون يا محمد في أسماء الله إلى أجلي هم بالِغُوهُ  فسوف يُجْزَوْنَ إذا جاءهم أجل الله الذي أجّله إليهم جزاء أعمالهم التي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله».

قال ابن العربي - رحمه الله تعالى - : «إنّ الجُهال قد اخترعوا أدعية يُسمّون فيها الله تعالى بغير أسمائه  ويذكرونه بغير ما يُذْكرُ من أفعاله  إلى غير ذلك مما لا يليق به. فحذار منها  ولا يدعون أحدُكُم إلاّ بما ورد ممّا جاء في كتاب الله وما صحّ من حديث رسوله. وذروا ما سواها  ولا يقولنّ أحدكم: أختار دعاء دُعاء كذا وكذا  فإنّ الله قد اختار له ما يدعوه به وأرسل بذلك إلى الخلق رسوله صلى الله عليه وسلم».

وقال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: «أقوال الملاحدة كفر متناقض باطل في العقل والدين».

وقال أيضًا: «إنّ هؤلاء الملاحدة يُعظّمون فرعون وأمثاله ويدّعون أنهم خير من موسى وأمثاله».

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: «الإلحاد (في أسماء الله) إما بجحدها وإنكارها وإما بجحد معانيها وتعطيلها  وإمّا بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق بالتأويلات  وإما أن يجعلها أسماءً لهذه يالمخلوقات كإلحاد أهل الإلحاد فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون  محمودها ومذمومها».

وقال - رحمه الله تعالى - : «وحقيقة الإلحاد فيها الميل والإشراك والتعطيل والنكران» .

وقال الفيّوميُّ - رحمه الله تعالى - : «قال بعض الأئمة: «الملحدون في زماننا هم الباطنيّة الذين يدّعون أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا  وأنهم يعلمون الباطن فأحالوا بذلك الشريعة لأنهم تأوّلوا بما يُخالف العربية التي نزل بها القرآن».

قال الشنقيطيُّ - رحمه الله تعالى - : «المراد بالإلحاد في آية الحج: أن يميل ويحيد عن دين الله الذي شرعه  ويعم ذلك كلّ ميل وحَيْدَةٍ عن الدين  ويدخل في ذلك دخولاً أوَّليًا الكفر بالله والشرك به في الحرم  وفعل شيء ممّا حرّمه   ترك شيء مما أوجبه. ومن أعظم ذلك: انتهاكُ حُرُمات الحرم. وقال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك قول الرجل: لا والله وبلى والله وعن ابن عمر   أنه كان له فسطاطان: أحدهما - في طرف الحرم. والآخر - في طرف الحل  فإذا أراد أن يعاتب أهله أو غلامه فعل ذلك في الفسطاط الذي ليس في الحرم يرى أن مثل ذلك يدخل في الإلحاد فيه بظلم».

وخلاصة القول:

أن الإلحاد طريق مؤدٍ إلى غضب الله ورسوله  وهو ينافي الإيمان ويبطله ويؤدي إلى سوء العاقبة في الدنيا والآخرة  وقد رأينا كيف تَهَدَّدَ سبحانه الملحدين في أسمائه وآياته وحرمه بالخسران والنكال  فاعتبروا يا أولي الألباب  فالسعيد من وعظ بغيره.

وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين.

  • الاثنين PM 03:23
    2021-03-29
  • 1833
Powered by: GateGold