المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408920
يتصفح الموقع حاليا : 301

البحث

البحث

عرض المادة

وصم الحكمين بالسذاجة والغدر

وصم الحكمين بالسذاجة والغدر (*)

مضمون الشبهة:

يطعن بعض المغرضين في عدالة الحكمين: عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري، مستدلين على ذلك بمواقف وتصرفات في قصة التحكيم المشهورة (بين علي ومعاوية رضي الله عنهما)، واصمين أبا موسى بالبله والسذاجة وعمرا بالغدر. زاعمين أن عمرو بن العاص قد مكر مكرا كبيرا عندما خلع أبو موسى الأشعري - بسذاجة - عليا على أن يخلع عمرو معاوية أيضا ليختار المسلمون من يرضونه، ولكن عمرا بدلا من أن يخلع معاوية - خدع الجميع، فقال: ثبت معاوية. هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في عدالتهما رضي الله عنهما، ومن ثم الطعن في عدالة الصحابة أجمعين.

وجها إبطال الشبهة:

1) إن الرواية المشهورة في التحكيم، والتي تطعن في عدالة أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهما تلك الرواية لا تثبت ولا تقوى أمام النظرة العلمية المتأنية والتمحيص الدقيق؛ فقد ثبت ضعفها سندا وكذبها متنا.

2) إن سيرة كلا الرجلين تثبت عكس ما يدعيه المغرضون؛ إذ ثبت أن أبا موسى - رضي الله عنه - كان رجلا ذكيا نبيها حكيما، كما أن إيمان سيدنا عمرو يمنعه من خداع المسلمين، فبطلت الشبهة عقلا بعد بطلانها نقلا.

التفصيل:

أولا. نقد الرواية المشهورة في حادثة التحكيم وإثبات الرواية الصحيحة:

تعد قضية التحكيم من أخطر الموضوعات في تاريخ الخلافة الراشدة، وقد ضل فيها كثير من الكتاب، وتخبط فيها آخرون؛ لأنهم اعتمدوا على الروايات الضعيفة والموضوعة التي شوهت صورة الصحابة الكرام، وخصوصا أبا موسى الأشعري، الذي وصفوه بأنه كان أبله، ضعيف الرأي، مخدوعا في القول، وبأنه كان على جانب كبير من الغفلة؛ ولذلك خدعه عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في قضية التحكيم، ووصفوا عمرو بن العاص بأنه كان صاحب مكر وخداع. فكل هذه الصفات الذميمة حاول المغرضون والحاقدون على الإسلام إلصاقها بهذين الرجلين العظيمين، اللذين اختارهما المسلمون ليفصلا في خلاف كبير أدى إلى قتل كثير من المسلمين، وقد تعامل الكثير من المؤرخين والأدباء والباحثين مع الروايات التي وضعها خصوم الصحابة الكرام على أنها حقائق تاريخية، وقد تلقاها الناس منهم بالقبول دون تمحيص لها، وكأنها صحيحة لا مرية فيها، وقد يكون لصياغتها القصصية المثيرة، وما زعم فيها من خداع ومكر أثر في اهتمام الناس بها وعناية المؤرخين بتدوينها، وليعلم أن كلامنا هذا ينصب على التفصيلات لا على أصل التحكيم؛ حيث إن أصله حق لا شك فيه ([1]).

وقد أورد د. محمد أمحزون الرواية المشهورة في قضية التحكيم والتي تقدح في أبي موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في كتابه "تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة"، ثم رد عليها ونقدها نقدا علميا مبينا، يحسن بنا أن نرجع إليه، حيث كتب يقول([2]).

ويروي الإمام الطبري عن أبي مخنف حديث المناظرة بين الحكمين، فيقول: قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب الكلبي أن عمرا وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل، أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام، ويقول: إنك صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت أسن مني، فتكلم وأتكلم، فكان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في كل شيء، ابتغى بذلك كله أن يقدمه، فيبدأ بخلع علي رضي الله عنه. قال: فنظر في أمرهما وما اجتمعا عليه، فأراده عمرو على معاوية فأبى، وأراده على ابنه فأبى، وأراد أبو موسى عمرا على عبد الله بن عمر فأبى عليه، فقال له عمرو: خبرني ما رأيك؟ قال: رأيي أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل الأمر شورى بين المسلمين، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا، فقال له عمرو: فإن الرأي ما رأيت، فأقبلا على الناس وهم مجتمعون، فقال: يا أبا موسى، أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع واتفق، فتكلم أبو موسى فقال: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله - عز وجل - به أمر هذه الأمة، فقال عمرو: صدق وبر، يا أبا موسى، تقدم فتكلم، فتقدم أبو موسى ليتكلم، فقال له ابن عباس: ويحك! والله إني لأظنه قد خدعك، إن كنتما قد اتفقتما على الأمر، فقدمه فليتكلم بذلك الأمر قبلك، ثم تكلم أنت بعده، فإن عمرا رجل غادر، ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه، فإذا قمت في الناس خالفك، وكان أبو موسى مغفلا، فقال له: إنا قد اتفقنا، فتقدم أبو موسى فحمد الله - عز وجل - وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر أصلح لأمرها ولا ألـم لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه، وهو أن نخلع عليا ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيولوا منهم من أحبوا عليهم، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم، وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلا، ثم تنحى، وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان بن عفان والطالب دمه، وأحق الناس بمقامه، فقال أبو موسى: مالك لا وفقك الله، غدرت وفجرت، إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، قال عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا، وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط وحمل على شريح (ابن عمرو) فضربه بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهم، وكان شريح بعد ذلك يقول: ما ندمت على شيء ندامتي على ضرب عمرو بالسوط، ألا أكون ضربته بالسيف آتيا به الدهر ما آتي، والتمس أهل الشام أبا موسى فركب راحلته ولحق بمكة.

قال ابن عباس: قبح الله رأي أبي موسى، حذرته وأمرته بالرأي فما عقل، فكان أبو موسى يقول: حذرني ابن عباس غدرة الفاسق، ولكني اطمأننت إليه، وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة، ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية وسلموا عليه بالخلافة، ورجع ابن عباس وشريح ابن هانئ إلى علي - رضي الله عنه - وكان إذا صلى الغداة يقنت فيقول: «اللهم العن معاوية، وعمرا، وأبا الأعور السلمي، وحبيبا - ابن مسلمة - وعبد الرحمن بن خالد، والضحاك بن قيس، والوليد - ابن عقبة - فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن عليا، وابن عباس، والأشتر، وحسنا وحسينا ابنا علي»([3]).

نقد هذه الرواية في قصة التحكيم:

لما كان حادث التحكيم على قدر كبير من الأهمية في فهم التاريخ السياسي للدولة الإسلامية في تلك المرحلة الباكرة، فإنه من الضروري إجلاء حقيقة وقائعه، حيث أسيء تصوير هذا الحادث بقدر ما أسيء تفسيره، فنتج عن الأمرين خلط كثير وإساءة إلى مكانة الصحابة وقدرهم، حيث باتت القصة الشائعة بين الناس عن حادث التحكيم تتهم بعضهم بالخداع والغفلة، وتتهم آخرين بالطمع في السلطة.

وبإخضاع هذه الرواية للدراسة والتحليل يلاحظ عليها أمران: ضعف سندها واضطراب متنها.

أما سندها ففيه راويان متهمان في عدالتهما وهما: أبو مخنف لوط بن يحيى، وأبو جناب الكلبي. الأول: ضعيف ليس بثقة، والثاني: قال فيه ابن سعد: كان ضعيفا، وقال البخاري وأبو حاتم: كان يحيى القطان يضعفه، وقال عثمان الدارمي: ضعيف وقال النسائي: ضعيف.

أما المتن فيلاحظ عليه ثلاثة أمور هي:

  1. ما يتعلق بالخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، والذي أدى إلى الحرب بينهما.
  2. ما يتعلق بمنصب كل من علي ومعاوية.
  3. ما يخص شخصية أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص.

وإليك التفصيل:

  1. موضوع الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

من المعروف والمتفق عليه بين جميع المؤرخين أن الخلاف بين علي ومعاوية كان سببه أخذ القصاص من قتلة عثمان، فقد ظن معاوية أن عليا قد قصر فيما يجب عليه من القصاص لعثمان بقتل قاتليه، ومن ثم رفض بيعته وطاعته، إذ رأى القصاص قبل البيعة لعلي، وهو ولي الدم لقرابته من عثمان.

وبموقف معاوية هذا في الامتناع عن بيعة علي انتظارا للقصاص من قتلة عثمان، ولعدم إنفاذ أوامره في الشام - أصبح معاوية ومن تبعه من أهل الشام في نظر علي في موقف الخارجين على الخلافة؛ إذ كان رأيه أن بيعته قد انعقدت برضاء من حضرها من المهاجرين والأنصار بالمدينة، ولزمت بذلك بقية المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية، ولذلك رأى أن معاوية ومن معه من أهل الشام بغاة خارجون عليه، وهو الإمام منذ بويع بالخلافة، فقرر أن يخضعهم ويردهم إلى حظيرة الجماعة ولو بالقوة.

ويقول ابن حزم في هذا الصدد: إن عليا قاتل معاوية لامتناعه من تنفيذ أوامره في جميع أرض الشام، وهو الإمام الواجبة طاعته، ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة، لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه من أولاد عثمان وأولاد الحكم بن أبي العاص لسنه وقوته على الطلب بذلك وأصاب في هذا، وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط.

وفهم الخلاف على هذه الصورة - وهي صورته الحقيقية - يبين إلى أي مدى تخطئ الرواية السابقة عن التحكيم في تصوير قرار الحكمين. إن الحكمين كانا مفوضين للحكم في الخلاف بين علي ومعاوية، ولم يكن الخلاف بينهما حول الخلافة ومن أحق بها منهما، وإنما كان حول توقيع القصاص على قتلة عثمان، وليس هذا من أمر الخلافة في شيء، فإذا ترك الحكمان هذه القضية الأساسية، وهي ما طلب منهما الحكم فيه، واتخذا قرارا في شأن الخلافة كما تزعم الرواية الشائعة، فمعنى ذلك أنهما لم يفقها موضوع النزاع، ولم يحيطا بموضوع الدعوى، وهو أمر مستبعد جدا.

  1. منصب كل من علي ومعاوية رضي الله عنهما، ومكانتهما:

كان معاوية - رضي الله عنه - قد تولى حكم الشام نائبا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وبقي في ولايته إلى أن مات عمر - رضي الله عنه - وتولى عثمان - رضي الله عنه - أمر الخلافة فأقره في منصبه، ثم قتل عثمان، وتولى علي - رضي الله عنه - الخلافة فلم يقر معاوية - رضي الله عنه - في عمله، حيث أصبح معزولا بعد انتهاء ولايته بمقتل الخليفة الذي ولاه.

وبذلك فقد معاوية - رضي الله عنه - مركزه ومنصبه كوال لبلاد الشام، وإن لم يفقد مركزه الفعلي أو الواقعي كحاكم غير مولى للشام بحكم اتباع الناس إياه، واقتناعهم بالسبب الذي جعله يرفض بيعة علي - رضي الله عنه - وهو المطالبة باقتضاء حقه في القصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه - باعتباره وليا للدم.

وإذا كان الأمر كذلك - وهو الثابت تاريخيا - فإن قرار الحكمين إذا تضمن فيما تزعم الرواية المذكورة - عزل كل من علي ومعاوية رضي الله عنهما، فقد ورد العزل في حق معاوية على غير محله؛ لأنه إذا تصورنا أن يعزل الحكمان عليا من منصب الخلافة - إذا فرضنا جدلا أنهما كانا يحكمان فيها، فعم يعزلان معاوية؟! هل كانا يملكان عزله عن قرابته أو منعه من المطالبة بحقه فيها؟! وهل عهد التاريخ في حقبة أن يعزل ثائر عن زعامة الثائرين معه بقرار يصدره قاضيان؟! لا شك أن هذا عامل آخر يؤيد بطلان القصة الشائعة عن قضية التحكيم والقرار الصادر فيها.

  1. شخصية كل من أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهما:

إن القول بأن أبا موسى الأشعري كان في قضية التحكيم ضحية خديعة عمروبن العاص ينافي الحقائق التاريخية الثابتة عن فضله وفطنته وفقهه ودينه، والتي تثبت له توليه بعض أعمال الحكم والقضاء في الدولة الإسلامية منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على زبيد وعدن، واستعمله عمر - رضي الله عنه - على البصرة وبقي واليا عليها إلى أن قتل عمر - رضي الله عنه - وكذلك استعمله عثمان بن عفان - رضي الله عنه - على البصرة، ثم على الكوفة، وبقي واليا عليها إلى أن قتل عثمان - رضي الله عنه - فأقره علي - رضي الله عنه - فهل يتصور أن يثق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خلفاؤه من بعده برجل يمكن أن تجوز عليه مثل هذه الخدعة التي ترويها قصة التحكيم؟!

هذا وقد شهد الصحابة وكثير من علماء التابعين لأبي موسى - رضي الله عنه - بالرسوخ في العلم، والكفاءة في الحكم، والفطنة والكياسة في القضاء، فهذه شهادة عمر عن أنس قال: "بعثني الأشعري إلى عمر، فقال لي: كيف تركت الأشعري؟ قلت: تركته يعلم الناس القرآن، فقال: أما إنه كيس ولا تسمعها إياه"([4]) ([5]).

وقال الشعبي: كتب عمر في وصيته: "ألا لا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين"([6]).

وروى الفسوي عن أبي البختري، قال: "أتينا عليا فسألناه عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: "عن أيهم تسألوني؟.. قلنا: أبو موسى؟ قال: صبغ في العلم صبغة..."([7]).

وقال مسروق: "كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد، وأبي موسى رضي الله عنهم" ([8]).

وقال الأسود بن يزيد: "لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى"([9]) رضي الله عنهما، وقال صفوان بن سليم: "لم يكن يفتي في المسجد في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير هؤلاء: عمر وعلي، ومعاذ، وأبي موسى رضي الله عنهم ([10]).

وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه مع معاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، وقد استدل ابن حجر بذلك على أنه كان عالمـا فطنا، حيث قال: "كان بعث أبي موسى إلى اليمن بعد الرجوع من غزوة تبوك، واستدل به على أنه كان عالما فطنا حاذقا، ولولا ذلك لم يوله النبي - صلى الله عليه وسلم - الإمارة، ولو كان فوض الحكم لغيره لم يحتج إلى توصيته بما وصاه به؛ ولذلك اعتمد عليه عمر ثم عثمان ثم علي - رضي الله عنهم - أما الخوارج والروافض فطعنوا فيه ونسبوه إلى الغفلة وعدم الفطنة لما صدر منه في التحكيم بصفين، قال ابن العربي وغيره: والحق أنه لم يصدر منه ما يقتضي وصفه بذلك، وغاية ما وقع منه أن اجتهاده أداه إلى أن يجعل الأمر شورى بين من بقي من أكابر الصحابة من أهل بدر ونحوهم لما شاهد من الاختلاف الشديد بين الطائفتين بصفين([11]).

وروى الزبير بن الخريت عن أبي عبيد قال: ما كنا نشبه كلام أبي موسى إلا الجزار الذي ما يخطئ المفصل([12]).

وقد ثبت عن أبي موسى - رضي الله عنه - أيضا أنه كان ممن حفظ القرآن كله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من المشهورين بتعليمه للناس، فإذا علم أن مدار حياة الناس في ذلك العهد - في سلمهم وحربهم - كان على فقه القرآن والسنة، وعلمت مكانة أبي موسى من ذلك حتى خصه عمر بن الخطاب بكتابه المشهور في القضاء وسياسة الحكم، فكيف يمكن تصور غفلته إلى هذا الحد فلا يفقه حقيقة النزاع الذي كلف بالحكم فيه، ويصدر فيه قرار عزل الخليفة الشرعي بدون مبرر يسوغ هذا الفعل، وقرار عزل معاوية المزعوم، ثم يقع منه ومن عمرو بن العاص ما نسب إليهما من السب والشتم، وهو أمر يتعارض مع ما عرف وتواتر عن الصحابة - رضي الله عنهم - من حسن الخلق وأدب الحديث.

وإذا كان علم أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وخبرته في القضاء يحولان بينه وبين أن يخطئ الحكم في القضية التي أوكل إليه النظر في أمرها، فإن ذلك أيضا هو شأن عمرو بن العاص الذي يعتبر من أذكياء العرب وحكمائهم، وقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقضي بين خصمين في حضرته، وبشره حين سأله: يا رسول الله، أقضي وأنت حاضر؟ بأن له إن أصاب أجرين وإن أخطأ أجرا واحدا حين قال له: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»([13]).

وقبول تلك الرواية يعني الحكم على عمرو بن العاص - رضي الله عنه - بأنه كان في أداء مهمته رجلا تسيره الأهواء، فتطغى لا على فطنته وخبرته فحسب، بل على ورعه وتقواه أيضا.

على أنه - رضي الله عنه - كان من أجلاء الصحابة وأفاضلهم، ومناقبه كثيرة، فقد أخرج الترمذي من حديث طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:«عمرو بن العاص من صالحي قريش»([14])، وروى كذلك بسنده إلى عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص»([15]).

وقال قبيصة بن جابر: "قد صحبت عمرو بن العاص، فما رأيت رجلا أبين - أو أنصع - رأيا، ولا أكرم جليسا منه، ولا أشبه سريرة بعلانية منه"([16]).

ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه أن أحدا من السلف لم يتهم عمرو بن العاص ومعاوية رضي الله عنهما بنفاق أو خداع، فيقول: فعمرو بن العاص وأمثاله ممن قدم مهاجرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الحديبية، هاجروا إليه من بلادهم طوعا لا كرها، والمهاجرون لم يكن فيهم منافق، وإنما كان النفاق في بعض أهل المدينة؛ إذ لما دخل في الإسلام أشرافهم وجمهورهم احتاج الباقون أن يظهروا الإسلام نفاقا لعز الإسلام وظهوره في قومهم، وأما أهل مكة فكان أشرافهم وجمهورهم كفارا، فلم يكن يظهر الإيمان إلا من هو مؤمن ظاهرا وباطنا، فإنه كان من يظهر الإسلام يؤذى ويهجر، وإنما المنافق يظهر الإسلام لمصلحة دنياه، ولو كان عمرو بن العاص ومعاوية وأمثالهما ممن يتخوف منهما لم يولوهما على المسلمين، فعمرو بن العاص أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذات السلاسل، واستعمل أبا سفيان بن حرب - رضي الله عنه - على نجران، وقد اتفق المسلمون على أن إسلام معاوية خير من إسلام أبيه، فكيف يكون هؤلاء منافقين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يأتمنهم على أحوال المسلمين في العلم والعمل"([17]).

مما سبق يتبين كذب الرواية التي اشتهرت وتناقلها الناس في قضية التحكيم؛ فقد نقدها العلماء نقدا علميا موضوعيا، وأبانوا زيفها وبطلانها من حيث السند والمتن.

ويحسن بنا الآن أن نورد الرواية الصحيحة التي تبين حقيقة قرار الحكمين، وقد أوردها العلماء الأثبات في كتبهم، وإليك بيانا بذلك:

حقيقة قرار الحكمين:

أخرج ابن عساكر عن حصين بن المنذر أنه جاء فضرب فسطاطه قريبا من فسطاط معاوية، فبلغ نبؤه معاوية، فأرسل إليه فقال: " إنه بلغني عن هذا - عمرو بن العاص - الذي بلغني عنه فأتيته، فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟

قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راض عنهم، قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما" ([18]).

"وليس من شك في أن أمر الخلاف الذي رأى الحكمان رده إلى الأمة أو إلى أهل الشورى ليس إلا أمر الخلاف بين علي ومعاوية حول قتلة عثمان، وهو ما أطبقت على ذكره المصادر الإسلامية. أما الخلاف حول الخلافة فلم يكن قد نشأ عندئذ، ولم يكن معاوية مدعيا للخلافة، ولا منكرا حق علي فيها كما تقرر سابقا، وإنما كان ممتنعا عن بيعته وعن تنفيذ أوامره في الشام حيث كان متغلبا عليها بحكم الواقع لا بحكم القانون، مستفيدا من طاعة الناس له بعد أن بقي واليا فيها زهاء عشرين سنة"([19]).

هذا، وقد سبق العلماء المختصون بتصحيح الروايات التاريخية إلى نقد الرواية الشائعة عن التحكيم، وعلى رأسهم القاضي أبو بكر بن العربي، الذي قال عنها: "وقد تكلم الناس في التحكيم، فقالوا فيه ما لا يرضي الله، وإذا لاحظتموه بعين المروءة دون الديانة، رأيتم أنها سخافة، حمل على سطرها في الكتب - في الأكثر - عدم الدين، و - في الأقل - جهل مبين.

والذي صح من ذلك ما روى الأئمة كخليفة بن خياط، والدارقطني أنه لما خرجت الطائفة العراقية في مائة ألف، والشامية في سبعين أو تسعين ألفا، ونزلوا على الفرات بصفين، اقتتلوا في أول يوم - وهو الثلاثاء - على الماء، فغلب أهل العراق عليه، ثم التقوا يوم الأربعاء لسبع خلون من صفر، ويوم الخميس، ويوم الجمعة، وليلة السبت، ورفعت المصاحف من أهل الشام، ودعوا إلى الصلح، وتفرقوا على أن تجعل كل طائفة أمرها إلى رجل، حتى يكون الرجلان يحكمان بين الدعوتين بالحق، فكان من جهة علي أبو موسى الأشعري، ومن جهة معاوية عمرو بن العاص، وكان أبو موسى رجلا تقيا، ثقفا، فقيها، عالما، أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن مع معاذ، وقدمه عمر، وأثنى عليه بالفهم.

وزعمت الطائفة التاريخية الركيكة أنه كان أبله ضعيف الرأي، مخدوعا في القول، وأن ابن العاص كان ذا دهاء وأدب، حتى ضربت الأمثال بدهائه، تأكيدا لما أرادت من الفساد، وتبع في ذلك بعض الجهال بعضا، وصنعوا فيها حكايات. وغيره من الصحابة كان أحذق منه، وأدهى. وإنما بنوا ذلك على أن عمرا لما غدر بأبي موسى في قصة التحكيم، صار له بذلك الذكر في الدهاء والمكر، وقالوا: إنهما لما اجتمعا بأذرح من دومة الجندل، وتفاوضا اتفقا على أن يخلعا الرجلين، فقال عمرو لأبي موسى: اسبق بالقول، فتقدم فقال: إني نظرت فخلعت عليا عن الأمر، ولينظر المسلمون لأنفسهم، كما خلعت سيفي هذا عن عاتقي، وأخرجه من عنقه، فوضعه في الأرض، وقام عمرو فوضع سيفه بالأرض، وقال: إني نظرت فأثبت معاوية في الأمر، كما أثبت سيفي هذا في عاتقي، وتقلده، فأنكر أبو موسى. فقال عمرو: كذلك اتفقنا، وتفرق الجمع على ذلك من الاختلاف.

وهذا كله كذب صراح ما جرى منه قط حرف، وإنما هو شيء اخترعته المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع"([20]).

وقال ابن دحية الكلبي في كتابه: "أعلام النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين": قال أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري - الباقلاني - في "مناقب الأئمة": فما اتفق الحكمان قط على خلعه - علي بن أبي طالب -... وعلى أنهما لو اتفقا على خلعه لم ينخلع حتى يكون الكتاب والسنة المجتمع عليهما يوجبان خلعه أو أحد منهما على ما شرطا في الموافقة بينهما أو إلى أن يبينا ما يوجب خلعه من الكتاب والسنة، ونص كتاب علي - رضي الله عنه - اشترط على الحكمين أن يحكما بما في كتاب الله - عز وجل - من فاتحته إلى خاتمته لا يجاوزان ذلك ولا يحيدان عنه، ولا يميلان إلى هوى ولا إدهان، وأخذ عليهما أغلظ العهود والمواثيق، وإن هما جاوزا بالحكم كتاب الله فلا حكم لهما... والكتاب والسنة يثبتان إمامته، ويعظمانه ويثنيان عليه، ويشهدان بصدقه وعدالته، وإمامته وسابقته في الدين، وعظيم عنائه في جهاد المشركين، وقرابته من سيد المرسلين، وما خص به من القدم في العلم والمعرفة بالحكم، ووفور الحلم، وأنه حقيق بالإمامة، وأهل لحمل أعباء الخلافة... "([21]).

ثانيا. مناقب أبي موسى وعمرو بن العاص:

  1. أبو موسى الأشعري:

هو عبد الله بن قيس المكنى بـ "أبي موسى الأشعري"، وتبدأ قصته المباركة من أرض اليمن، حيث كان يعيش بين أهلها الذين وصفهم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - برقة القلوب،

فقال صلى الله عليه وسلم: «أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وألين قلوبا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية...»([22]). فكيف يوصف الحكيم اليماني - أبو موسى الأشعري - بالبله وضعف الرأي مع أنه كان أول من أسلم من قومه؟

وكان أبو موسى - رضي الله عنه - إذا قرأ القرآن بصوته تشعر وكأن الدنيا كلها تتمايل طربا بصوته العذب الرخيم([23])؛ حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في يوم: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود»([24])، وفي رواية أنه قال له: «لو رأيتني وأنا أستمع إلى قراءتك البارحة»([25]).

فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شغل في يومه هذا بالاستماع إلى قراءة أبي موسى فمال إليها وأصغى، وأعجب بها أيما إعجاب، فهل كان النبي سيترك أعباء الدولة ليستمع إلى قراءة رجل من صفاته السفه أوالبله؟

سئل علي بن أبي طالب عن أبي موسى الأشعري فقال: "صبغ في العلم صبغة، ثم خرج منه"([26]). فهذه شهادة من علي بن أبي طالب تشهد بعلمه وفضله، وليس للبله والسفه إلى العلماء من سبيل.

وكان أبو موسى فقيها ذكيا يتألق روعة وجمالا وبهاء وعدلا في الإفتاء والقضاء. قال مسروق: كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد، وأبي موسى رضي الله عنهم([27]). وعن الشعبي قال: قضاة الأمة: عمر، وعلي، وزيد، وأبو موسى([28]).

فهل من المعقول أن يوصف مثل هذا الرجل بالبله، وقد أقره عمر - رضي الله عنه - في ولايته، وأعطاه ما لم يعط غيره - كما ذكرنا آنفا؟

أصيب أبو عامر الأشعري بسهم في إحدى المعارك - كان سببا في استشهاده - وكان قد طلب من أبي موسى قبل أن يموت أن يذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويطلب منه أن يستغفر له، فأخبر أبو موسى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبره، «فتوضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رفع يديه فدعا: "اللهم اغفر لعبدك أبي عامر، اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك" وكان أبو موسى إلى جواره، فقال له - بفطنته وذكائه: ولي يا رسول الله - أي ادع لي - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما»([29]) ([30]).

فانظر إليه، لا يفوته أن يفوز بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو لأبي عامر، فهل بعد هذا فطنة وذكاء؟!

  1. عمرو بن العاص:

قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص»([31])، فهل يخدع إنسان شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإيمان - أخاه المسلم؟ وقد قال الله تعالى في حق المؤمنين: )إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم (9)( (يونس).

وقد أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - على جيش المسلمين في غزوة ذات السلاسل، فهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مخدوعا فيه عندما أمره على الجيش؟ وقال عنه فيما رواه الترمذي: «عمرو بن العاص من صالحي قريش»([32]).

روى الحاكم عن عمرو بن العاص قال: بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن خذ عليك ثيابك وسلاحك، ثم ائتني، فأخذت علي ثيابي وسلاحي ثم أتيته فوجدته قاعدا يتوضأ، فصعد في النظر ثم طأطأ، قال: ياعمرو إني أريد أن أبعثك على جيش، ويغنمك الله ويسلمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة، فقلت: يا رسول الله، لم أسلم لمال، إنما أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون معك. قال: يا عمرو، نعما بالمال الصالح للرجل الصالح»([33]) ([34]).

وإذا كان قد عرف عن عمرو بن العاص أنه كان مخادعا وذكيا وداهية، أو أنه داهية العرب، فهذا المكر والخداع لم يستخدمه مع المسلمين، ولم يكن ليفعل ذلك، وهو الرجل الصالح، بل كان يستخدمه في الحروب مع أعداء الإسلام، ومن ذلك أن الفاروق كان إذا ذكر أمامه حصار بيت المقدس، وما أبدى فيه عمرو بن العاص من براعة يقول: "لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب"([35]).

فهذا الخداع إنما كان يستخدمه مع أعداء الإسلام، وهذا أمر محمود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة»([36]).

ومن المواطن التي يباح فيها الكذب الحروب مع أعداء الإسلام. لكن أن يلجأ عمرو بن العاص إلى الخداع والكذب والوقيعة بين المسلمين في وقت اشتعلت فيه الفتنة بينهم، وقد اختير ليكون حاكما ومصلحا، فهذا لا يفعله رجل شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإيمان حيث قال: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص»([37]).

الخلاصة:

  • ثبتزيفالروايةالتياشتهرتفيالتحكيموالتيتطعنفيعدالةأبيموسىوعمروبنالعاص؛إذإنهاروايةمكذوبة،ففيسندهاراويانضعيفانوليسابثقةوهما: أبومخنف لوط بن يحيى، وأبو جناب الكلبي، هذا من ناحية السند، أما من ناحية المتن فإننا نلحظ كذبها بوضوح إذ إن الحكمين كانا مفوضين للحكم في الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كما هو معلوم - ولم يكن الخلاف بينهما حول الخلافة ومن منهما أحق بها.
  • إنعزلأوتثبيت كل من علي ومعاوية رضي الله عنهما من خلال الحكمين أمر مستبعد؛ إذ إن العزل في حق معاوية هنا وقع في غير محله؛ حيث لم يكن للحكمين أن يعزلا معاوية، وعما يعزلاه؟!
  • إنالقولبأنعمروبنالعاصخدعأباموسىالأشعريقوللايرقىإلىأدنىدرجاتالصحة،فضلاعنأعلاها؛ ذلك أن شخصية أبي موسى الأشعري كانت هذه الشخصية العالمة بل الراسخة في العلم الواعية العاقلة، ولم يكن كما يدعي المدعون بهذه السذاجة وذاك البله، فلقد أثنى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرا، وكان هو المعلم والمفتي والقاضي يقول الأسود بن يزيد: "لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى".
  • كانعمرو - رضياللهعنه - رجلاأمينامؤمنالايخدعمسلماولايخون،وكيفيخدعأويخون،وهومنأثنىعليهالنبي - صلىاللهعليهوسلم - بالإيمانفيقوله: «أسلمالناسوآمنعمروبنالعاص»؟! وبهتبطلهذهالقصةمتنابعدمابطلتسندا مما يرد الشبهة كلية.
  • إنوجودالروايةالصحيحةمنالأهميةبمكانونحننفندالروايةالمكذوبة؛إذإنماحدثكمايحكيهعمروبنالعاص،فيقول: "قدقالالناسفيذلكماقالوا،واللهماكانالأمرعلىماقالوا،ولكنقلتلأبيموسى: ماترىفيهذاالأمر؟قال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راض عنهم، قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: "إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما..." ولعل هذا ما يرتاح إليه القلب والعقل لأنه المؤمل في القوم الذين أثنى الله - سبحانه وتعالى - عليهم وأثنى عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم.
  • إنالمنقبفيحياةأبيموسىالأشعريوكذلكعمروبنالعاصليشهدبنفسهأنمايحاولأنيلصقهبهماالمغرضونمحالعليهما؛إذكلمنهمارضياللهعنهمايتميزبميزاتخاصةوفضائلجمةوأخلاقياتعظيمة؛وهاهوالنبي - صلىاللهعليهوسلم - يستمعإلىقراءةأبيموسىللقرآن ويثني عليها، وها هو عمر - الملهم - يثني على أبي موسى الأشعري وذلك حينما سأل عنه أنس فأخبره أنه يعلم الناس القرآن، فقال عمر: "أما إنه كيس" فهل من المعقول أن يوصف مثل هذا الرجل بالبله؟!
  • ثمإنعمروبنالعاص - رضياللهعنه - قدأثنىعليهالنبي - صلىالله عليه وسلم - وقال عنه: «عمرو بن العاص من صالحي قريش»، ولذا نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره على الجيش في غزوة ذات السلاسل وكان النصر من الله تعالى على يديه، ثم إننا نتساءل: كيف يخدع عمرو بن العاص المسلمين ولمصلحة من؟! وهو من عرض عليه المال في مظانه، فقال: «يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام»، ولا يعقل أن يخدع إنسان من أجل شيء آخر غير المال، وهو من أقوى الأدلة على بطلان هذه الشبهة؛ إذ كيف لا يشتري دنياه بآخرته، ويفضل الآخرة وحدها خالصة لله، ثم يدعي هؤلاء أنه يبيع آخرته بدنيا غيره؟!!

 

 

(*) إعلام الأجيال باعتقاد عدالة أصحاب النبي الأخيار، أبو عبد الله إبراهيم سعداي، مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 1414هـ/ 1993م. العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأررنؤط، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1429 هـ/ 2008 م.

[1]. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، مصر، 2003م، ص586.

[2]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، محمد أمحزون، دار السلام، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص514 وما بعدها بتصرف.

[3]. ضعيف لا يصح: رواه الطبري في تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1407هـ، (3/ 112، 113)، والرواية عن طريق أبي مخنف وإسنادها لا يصح، فأبو مخنف راوي الخبر هو لوط بن يحيى إخباري تالف لا يوثق به، قال الدار قطني: ضعيف.

[4]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى، (2/ 345).

[5]. أخبار الشيعة وأحوال رواتها، السيد محمود شكري، تحقيق: محمد مال الله، ص119، 120.

[6]. تهذيب الكمال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (15/ 452).

[7]. أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ، باب: صلى الله عليه وسلم، (2/ 313)، رقم (314).

[8]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 318).

[9]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 388).

[10]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م،(2/ 389).

[11]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (7/ 659، 660).

[12]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى، (4/ 111).

[13]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الاعتصام، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، (13/ 330)، رقم (7352).

[14]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب عن رسول الله، باب: مناقب عمرو بن العاص رضي الله عنه، (10/ 232)، رقم (4098). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (653).

[15]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب عن رسول الله، باب مناقب عمرو بن العاص رضي الله عنه، (10/ 231)، رقم (4097). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (155).

[16]. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (8/ 50).

[17]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: عامر الجزار وأنور الباز، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (1/ 445).

[18]. انظر: العواصم من القواصم، محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي، تحقيق: محب الدين الخطيب ومحمود مهدي الإستانبولي، دار الجيل، بيروت، ط2، 1407هـ/ 1987م، ص311. وانظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، د. ت، (46/ 175).

[19]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، محمد أمحزون، دار السلام، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص524.

[20]. العواصم من القواصم، محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي، تحقيق: محب الدين الخطيب ومحمود مهدي الإستانبولي، دار الجيل، بيروت، ط2، 1407هـ/ 1987م، ص308: 310.

[21]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، محمد أمحزون، دار السلام، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص524، 525.

[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: قدوم الأشعريين أهل اليمن، (7/ 701)، رقم (4388). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه، (1/ 324)، رقم (179).

[23]. أصحاب الرسول، محمود المصري، دار التقوى، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، (2/ 156: 159) بتصرف.

[24]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن، (4/ 1383)، رقم (1821).

[25]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن، (4/ 1383)، رقم (1821).

[26]. أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، (1/ 74)، رقم (73).

[27]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 318).

[28]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 389).

[29]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: غزاة أوطاس، (7/ 637)، رقم (4323). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما، (8/ 3636) رقم (6289).

[30]. أصحاب الرسول، محمود المصري، دار التقوى، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، (2/ 162) بتصرف.

[31]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: مناقب عمرو بن العاص، (10/ 231)، رقم (4097). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (155).

[32]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي )، كتاب: المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: مناقب عمرو بن العاص، (10/ 232)، رقم (4098). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (653).

[33]. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: التفسير، باب: قراءات النبي صلى الله عليه وسلم، (2/ 257)، رقم (2926). وصححه الحاكم في تعليقه ووافقه الذهبي.

[34]. أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، محمود المصري، دار التقوى، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، (2/ 239).

[35]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (4/ 178).

[36]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الحرب خدعة، (6/ 183)، رقم (3030). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجهاد والسير، باب: جواز الخداع في الحرب، (7/ 2711)، رقم (4458، 4459).

[37]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب، باب: مناقب عمرو بن العاص، (10/ 231)، رقم (4097). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (155).

  • الجمعة PM 01:28
    2020-10-23
  • 1604
Powered by: GateGold