المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412566
يتصفح الموقع حاليا : 314

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن السيدة عائشة - رضي الله عنه - كانت تعارض النبي صلى الله عليه وسلم

الزعم أن السيدة عائشة - رضي الله عنه - كانت تعارض النبي صلى الله عليه وسلم(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض منكري السنة أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت مثالا للمعارضة القوية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وغيره من أصحابه في كل مراحل حياتها. ويستدلون على ذلك بقول السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك» في زواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش رضي الله عنها وبقولها للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ولده إبراهيم: «ما أرى بينك وبينه شبها». ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عدالة السيدة عائشة رضي الله عنها.

وجها إبطال الشبهة:

1) إن قول أم المؤمنين عائشة: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك» لم تكن مناسبته زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب، بل غبطة منها للنبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب نزول آية الهبة، ومعناه: ما أرى ربك إلا يوسع عليك ويخفف عنك، ولهذا خيرك، وأما أفعال السيدة عائشة وأقوالها رضي الله عنها مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتي ظاهرها الاعتراض أو المعارضة، إنما هي في حقيقتها نابعة من الغيرة التي جبلت عليها المرأة.

2) رواية: «ما أرى بينك وبينه شبها» لا تصح نسبتها إلى السيدة عائشة؛ إذ إن مدار الرواية على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث.

التفصيل:

أولا. غيرة السيدة عائشة رضي الله عنها ليست معارضة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هي من الخصال التي جبلت عليها المرأة:

ليس من شك في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما أكثر من باقي نسائه، وهي كذلك كانت تحبه حبا عظيما يند عن الوصف، ومن فرط حبها للنبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تتصرف تصرفات ليس لها دافع إلا الغيرة، لكنها الغيرة الحسنة، وليست تلك الغيرة التي تعمي بصائر كثير من النساء فتقودهن إلى ارتكاب الكبائر في حق أزواجهن.

على أن غيرة السيدة عائشة رضي الله عنها على النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت غيرة مثالية إن صح القول؛ لهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلتمس لها العذر، فيقول: «غارت أمكم»[1].

وفي صحيح الحديث عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: ما لك يا عائشة أغرت؟ فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك...» الحديث[2]؟

إن الغيرة لم تكن لتتغلغل إلى أعماقها رضي الله عنها بل كانت تقف عند الحدود التي تقضي بها قواعد الدين والعدل، وإن الأمر لم يكن ليدخل في باب الخصومات الحزبية، كما يحلو للبعض أن يصفها.

لقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها أنثى سليمة الفطرة ينزع بها ميراثها العاطفي إلى حواء فتستجيب له دون أن تتكلف نفاقا أو مداراة، وما غيرتها الشديدة، بعد هذا كله، إلا مظهر حب عميق لرجلها الفريد، ودليل تعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ورغبة لا تقاوم في الاستئثار به، ونظلمها، ونظلم نبينا الكريم، إذا تكلفنا نفي هذه الغيرة عنها؛ فلقد غارت من السيدة خديجة رضي الله عنها وقد ماتت، ولم ترها عائشة قط[3].

روى البخاري في صحيحه عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه قال:«كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت: )ترجي من تشاء منهن( (الأحزاب: ٥1) قلت: يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك»[4]؛ أي: ما أرى الله إلا موجدا لما تريد بلا تأخير، منزلا لما تحب وتختار.

يقول ابن حجر: "في رواية محمد بن بشر "إني لأرى ربك يسارع لك في هواك"؛ أي: في رضاك، قال القرطبي: هذا قول أبرزه الدلال والغيرة، وهو من نوع قولها: ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله، وإلا فإضافة الهوى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تحمل على ظاهره؛ لأنه لاينطق عن الهوى، ولا يفعل بالهوى، ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق، ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك"[5].

إذن قول السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك" لم يكن مناسبته زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش كما يدعي هؤلاء، وإنما كان سببه نزول آية الهبة؛ قال الله سبحانه وتعالى: )يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما (50)( (الأحزاب).

عندها قالت السيدة عائشة رضي الله عنها لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أرى الله يسارع إلى هواك؟ بيد أن المرء ليعجب من فهم هؤلاء لقول السيدة عائشة رضي الله عنها لقد فهموه على أنه اعتراض أو معارضة من جانب السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الحقيقة ما هو إلا غبطة من السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي - صلى الله عليه وسلم - على ما رخص الله له «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك»، قال النووي: "ومعناه: يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور ولهذا خيرك"[6]، فالسيدة عائشة رضي الله عنها لم تعترض أو تعارض؛ لأنها تعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه، ولكنها الغيرة التي جبلت عليها المرأة.

ثانيا. رواية "ما أرى بينك وبينه شبها"لم تثبت عن السيدة عائشة رضي الله عنها:

أخرج الحاكم في مستدركه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أهديت مارية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابن عم لها، قالت: فوقع عليها وقعة فاستمرت حاملا، قالت: فعزلها عند ابن عمها، قالت: فقال أهل الإفك والزور: من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره، وكانت أمه قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة لبون، فكان يغذى بلبنها، فحسن عليه لحمه، قالت عائشة رضي الله عنها: فدخل به على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: كيف ترين؟ فقلت: من غذي بلحم الضأن يحسن لحمه، قال: ولا الشبه، قالت: فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت: ما أرى شبها، قالت: وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقول الناس فقال لعلي: خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته، قالت: فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطبا، قال: فلما نظر إلى علي - رضي الله عنه - ومعه السيف استقبلته رعدة، قال: فسقطت الخرقة، فإذا هو لم يخلق الله - عز وجل - له ما للرجال شيء ممسوح»[7].

وهذه الرواية أوردها الحاكم ولم يعلق عليها، فقد قال الشيخ الألباني: "سكت عنه الحاكم والذهبي، ولعله لظهور ضعفه؛ فإن سليمان بن الأرقم متفق بين الأئمة على ضعفه، بل هو ضعيف جدا، فقد قال البخاري: تركوه. وقال أبو داود وأبو أحمد الحاكم والدارقطني: متروك الحديث. وقال أبو داود: قلت لأحمد: روى عن الزهري عن أنس في التلبية؟ قال: لا نبالي روى أم لم يرو. وقال ابن عدي في آخر ترجمته - وقد ساق له نيفا وعشرين حديثا: وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد"[8].

على هذا فمدار الرواية على "أبي معاذ سليمان بن أرقم الأنصاري"، وهذا الراوي متروك، ذكره ابن حبان في كتابه المجروحين، وقال في ترجمته: "سليمان بن أرقم مولى قريظة، سكن اليمامة، كنيته أبو معاذ، يروي عن الزهري والحسن، مولده بالبصرة، كان ممن يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات الموضوعات.

وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: كنا ونحن شباب ننهى عن مجالسته، وذكر منه أمرا عظيما. وقال يحيى بن معين لما سئل عنه: ليس بشيء، وقال أحمد بن حنبل: أبو معاذ الذي روى عن سفيان عن الحسن اسمه سليمان بن أرقم، ليس بشيء"[9].

"وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: لا يسوى حديثه شيئا، ولا يروى عنه الحديث. وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ليس بشيء، ليس يسوى فلسا... وقال عمرو بن علي: ليس بثقة، روى أحاديث منكرة... وقال البخاري: تركوه... وقال أبو حاتم والترمذي والنسائي وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش، وغير واحد: متروك الحديث"[10].

فإذا كان مدار هذا الحديث على سليمان بن أرقم وهو كما علمنا؛ فلا يمكن أن نتهم السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «ما أرى بينك وبينه شبها»، فما كانت رضي الله عنها لتتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرضه وهي زوجه.

هي الصديقة بنت الصديق، ولها من الفضل الكثير؛ إذ لم ينزل بها أمر إلا جعل الله لها منه مخرجا وللمسلمين بركة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»[11].

وقد نزلت براءتها من السماء في ست عشرة آية متوالية، وأن جبريل - عليه السلام - نزل بصورتها من السماء في خرقة من حرير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: «هذه زوجتك، فكشف - صلى الله عليه وسلم - عن وجهها وهو يقول: إن يك هذا من عند الله يمضه»[12].

ولم يكن الوحي ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في لحاف امرأة من نسائه غيرها، وكان كبار الصحابة يستفتونها إذا أشكل عليهم الأمر من أمور الدين فيجدون علمه عندها. وهي أكثر النساء حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتفق على تكفير من طعن فيها؛ لأن القرآن أثبت براءتها وعدالتها[13]. وبعد هذا كله فليس من المقبول عقلا أن تعارض السيدة عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - في كبير أو صغير، وهي التي كانت تغضب فيترضاها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت هذا لغيرها.

الخلاصة:

  • إنالسيدةعائشةرضياللهعنهاكانتشديدةالحبللنبي - صلىاللهعليهوسلم - وكانتتغارعليهمنأيشيءبيدأنغيرتهاكانتغيرةمعتدلة.
  • قول السيدة عائشة رضي الله عنها: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك» ليس فيه اعتراض على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو معارضة له، بل هو قول ينم عن غبطة السيدة عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - على ما أعطاه الله ورخص له.
  • كماأنهذاالقوللمتقلهالسيدةعائشة رضي الله عنها في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش كما ادعى هؤلاء، وإنما كان بعد نزول آية الهبة وكان دافعها الغيرة.
  • لمتقلالسيدةعائشةفيإبراهيمولدالنبيصلىاللهعليهوسلم: «ماأرىبينكوبينهشبها»،بلهوقولمكذوبعليها،وعدالتها تربأ بها عن القول بمثل هذا، إذ إن هذه الرواية مدارها على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث.

 

 

(*) شبكة ابن مريم الإسلامية. www.ebnmaryam.com.

[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: الغيرة، (9/ 230)، رقم (5225).

 [2]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا، (9/ 3933)، رقم (6977).

[3]. تراجم سيدات بيت النبوة، د. عائشة عبد الرحمن، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص240، 241 بتصرف.

[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد، (9/ 68)، رقم (5113).

[5]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (9/ 69).

[6]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط2، 1422هـ/ 2001م، (5/ 22).

[7]. ضعيف جدا: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب: ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم، (4/ 41)، رقم (6821). وقال عنه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (4964): ضعيف جدا.

[8]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1422هـ/ 2002م، (10/ 701).

[9]. كتاب المجروحين، ابن حبان، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، ط2، 1402هـ، (1/ 324).

[10]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (11/ 352: 354).

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المناقب، باب: فضل عائشة رضي الله عنها، (7/ 133)، رقم (3770). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها، (8/ 3569)، رقم (6182).

[12] ـ صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التعبير، باب: ثياب الحرير في المنام، (12/ 417)، رقم (7011، 7012).

[13]. السيدة عائشة وتوثيقها للسنة، د. جيهان رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2001م، ص34، 35 بتصرف.

  • الجمعة AM 05:17
    2020-10-23
  • 1674
Powered by: GateGold