المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409172
يتصفح الموقع حاليا : 354

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن عليا - رضي الله عنه - كان قليل الحظ من الذكاء السياسي

                              الزعم أن عليا - رضي الله عنه - كان قليل الحظ من الذكاء السياسي (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المغرضين أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لم يكن رجل دولة وسياسة، ويستدلون على ذلك بإسراعه إلى الحرب والقتال، وخطئه في عزل الولاة - على رأسهم معاوية - مما ألبهم عليه، وقد يزيدون على هذا أنه كان مستضعفا في أصحابه، يمضون عليه كلمتهم. ويراد بذلك الطعن في إمامة خليفة راشد، يجمع المسلمون على جدارته بالإمامة وقدرته عليها.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  استفحلت الفتنة بمقتل عثمان - رضي الله عنه - ولم تتهيأ لعلي ظروف مناسبة لرد الأمور إلى نصابها.

2)  ملابسات خلافة علي - رضي الله عنه - لم تظهر كفاءته السياسية على وجه بين.

3)  لم يكن هناك نزاع حول أحقية علي بالخلافة؛ فإن ذلك لم يخالف فيه أحد حتى معاوية نفسه.

4)  كانت لعلي - رضي الله عنه - رؤية سياسية في عزله العمال والولاة.

5)  لم يكن علي - رضي الله عنه - مستضعفا في أصحابه، وإنما كان يشاورهم كغيره من الخلفاء قبله.

التفصيل:

أولا. فتنة قتل عثمان وصعوبة موقف علي رضي الله عنه:

إن حياة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - تحفل بالعظمة والإجلال والإعجاز، وتمتلئ بالأمجاد والمكرمات، فقد كان بعيد النظر، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، طويل الفكرة، عظيم الذكاء، شديد الورع، وكان في خلافته من أعدل الناس، وأرحمهم بالرعية، يقول على المنبر: " أيها الرعاء، إن لرعيتكم حقوقا؛ الحكم بالعدل، والقسم بالسوية، وما من حسنة أحب إلى الله من حكم إمام عادل".

ولقد كان علي - رضي الله عنه - ذا نظر ثاقب، وحنكة سياسية، ولكن قدره أن الخلافة لم تأته على طبق من ذهب بل دفع إليها، والفتنة مشتعلة وقد انفجرت نيرانها، وتشعبت أبعادها حتى صارت "فتنة تترك الحليم حيران" ([1]).

وماذا كان بوسع علي - رضي الله عنه - أن يفعله، وقد ادلهمت الخطوب، وتجمعت عليه الفتن من كل حدب وصوب، وتفرقت الكلمة، فهؤلاء الصحابة الذين كان يمكن أن يقضي بهم على كل فتنة اجتهدوا بمنأى عنه في كيفية علاج الأمر، فتباين رأيهم عن رأيه؛ فكانت أم المؤمنين ومعها طلحة والزبير، وكان معاوية ومعه أهل الشام، وكان المعتزلون للفتنة مثل ابن عمر، هذا كله في جانب الصحابة الذين كان ينبغي عليهم أن يجتمعوا ويتحدوا مع علي ضد المتمردين من السبئية والخوارج... ومع كون الصحابة كلهم عدولا وأهدافهم وغاياتهم واحدة، فإنهم اجتهدوا كل جماعة منهم بمفردها بمعزل عن الأخرى.

أليس هؤلاء هم الصحابة الذين بهم وبمجهودهم وتعاونهم قضى أبو بكر على فتنة المرتدين؟! غير أن الأمر يومها كان جليا جلاء الشمس في رابعة النهار... أليس هؤلاء هم الصحابة الذين قاموا مع عمر وعثمان فوطدوا أركان الدولة المسلمة، ونشروا الدين وعمموا الفتوحات؟! هل كان بوسع أبي بكر أو عمر أو عثمان أن يفعلوا ما فعلوا بدون تعاون الصحابة معهم؟! كذلك كان على لا يقل كفاءة عن الخلفاء الثلاثة السابقين عليه ولكن الأمور في عهده اختلفت وصار وحيدا، لا يجد معاونة من الصحابة.

ولسنا نحملهم ولا نحمله خطا، ولكن نقول: إن الصف لم يكن متحدا كما كان أمس، أيا كانت أسباب الشقاق ومن يتحمل مسئوليته، ونؤكد من وراء ذلك أن علاج الفتنة في ظل هذا التشرذم والتفرق لم يكن أمرا هينا، ولا سيما أنه في هذا الجو المليء بالصراعات، والمشحون بالاضطرابات استفحلت عصابات الخوارج والمتمردين وعملوا على استمرار الفتنة وتزويد نيرانها بالوقود، فكلما أراد المصلحون إطفاءها سارعوا إلى تزويد وقودها وهم مندسون بين صفوف الفريقين، وهؤلاء هم الجانب الآخر الذي ظهر على مسرح الأحداث، ونستطيع حصرهم في السبئيين المندسين في ثنايا الصفوف، وكذلك الخوارج المارقون، وأصحاب النفوس الضعيفة من ذوي الأهواء والأغراض، والغوغاء الذين انطلت عليهم الدعاوى البراقة التي كان يرددها السبئية...

يقول د. فهمي عبد الجليل موضحا عوامل انقسام المسلمين واشتعال الأزمة واضطراب الموقف في صفوف المسلمين: " والحقيقة التي يطمئن إليها الباحث المحايد في أمر هذا النزاع أن هناك حقا، تدبيرا خفيا وراء الأحداث، وأن هناك من خطط لاستغلال وقائع الفتنة لتأكيد الخلاف والخصومة بين المسلمين بعضهم وبعض، حتى تنقسم وحدتهم وتذهب ريحهم، لكن هذا التخطيط والاستغلال للظروف والأحداث لم يكن من جانب معاوية أو غيره من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - الأجلاء، بل من جانب جماعة السبئية الذين أغراهم ما حققوه من نجاح في الفتنة وقتل أمير المؤمنين عثمان، فخططوا لاستمرار هذا الدور الخطير من أجل تحطيم كيان الأمة الإسلامية وتفتيت وحدتها، وكانت أولى خطواتهم في هذا السبيل إشاعة الأخبار الكاذبة عن موقف علي بن أبي طالب وبعض الصحابة بالمدينة من أمير المؤمنين عثمان في أثناء حصار الثائرين له في داره... ومن يتأمل الإشاعات الكاذبة التي وضعها وروجها رجال السبئية ضد أمير المؤمنين عثمان، يلاحظ أن نصيب علي فيها هو النصيب الأكبر، والهدف من ذلك غير خاف، وهو إثارة بني أمية وشيعة عثمان - وهم كثرة في سائر الأمصار - ضد الرجل الذي تولى شئون المسلمين كي تستمر الفتنة وتتسع الخصومة بين المسلمين، وساعدهم على ذلك أن هذه الإشاعات التي اخترعوها وجدت تقبلا سريعا من نفوس الأمويين وذوي قرابتهم ومواليهم... ولقد هيج نفوس أهل الشام ذلك القميص الذي أرسل إليهم ملطخا بدم عثمان؛ فصاروا عندئذ وكأنهم أولياء المقتول وباتوا يحرضون معاوية على الطلب بدم عثمان... ولا شك أن بعض أبناء البيت الأموي تأثروا بنزعتهم العصبية نحو الأسرة الأموية، في موقفهم من المطالبة بالثأر لعثمان والقصاص ممن اتهموا بقتله، ولكن الآخرين من المسلمين - وعلى رأسهم بعض كبار الصحابة الذين سعوا إلى القصاص - لم تحركهم دوافع خاصة إلى اتخاذ هذا الموقف، ولم يدفعهم إلى ذلك سوى شعورهم بالواجب نحو إقامة حد من حدود الله، فيه إعزاز لشرع الله، وفيه استعادة لهيبة السلطان، واندساس المشبوهين والمتهمين من السبئية وزعماء الفتنة حول أمير المؤمنين على جعل طائفة كبيرة من المسلمين تمتنع من البيعة له بالخلافة، ومنهم غالبية أهل الشام وجماعة العثمانية بمصر والعثمانية بالبصرة، بل إن بعضهم تمادى به سوء الظن إلى اتهام أمير المؤمنين على بالاشتراك في قتل عثمان" ([2]).

وهكذا اشتعلت الفتنة بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين، أدت إلى حد الاحتكام للسيف والقتال بين أهل العراق تحت قيادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان، ولما كان القتال بين المؤمنين بعضهم لبعض امتنع أهل المدينة وكبار الصحابة من الخروج مع علي، فلم يخرج معه إلا ستة أو سبعة من أهل بدر، ومن الذين أبوا الخروج معه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن سلمة، وحجتهم في ذلك أنهم لا يقاتلون أهل القبلة من المسلمين، ودارت الحرب بين أهل الشام وأهل العراق، هؤلاء يدعون إلى علي بالبيعة وتأليف الكلمة على الإمام، وهؤلاء يدعون إلى التمكين من قتلة عثمان، ويقولون: لا نبايع من يؤوي القتلة، وعلى يقول: لا أمكن طالبا من مطلوب ينفذ فيه مراده بغير حكم ولا حاكم، ([3]) وهكذا تشعبت الأمور وعظم الخطب.

ثم إذا كان هؤلاء المدعون يأخذون على الإمام على دخوله في الصراع مع أهل الشام فكيف يفسرون إسراعه إلى الصلح عندما وجد فرصة للصلح والمفاوضات، مما يدل على أنه - رضي الله عنه - كان يود حل المشكلة بأي وسيلة سنحت له؛ ولأجل ذلك رضي بالتحكيم.

يقول د. فهمي عبد الجليل: "والحقيقة التي لا شك فيها أن أمير المؤمنين عليا بادر إلى قبول ما عرضه أهل الشام بل رحب باستجابتهم إلى حكم القرآن، وقال لما سمع برفعهم للمصاحف: "أنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله". ([4]) لكن ما ذنب الإمام علي في أن يفشل الحكمان؟!

ويعرض د. فهمي عبد الجليل خطورة القرار الذي توصل إليه الحكمان والنتائج الوخيمة التي ترتبت عليه قائلا: "وبعدما فشل الحكمان في الاتفاق على اختيار أحد للخلافة، لم يجدا بدا من إعلان الأمر الذي اتفقا عليه وهو عزل علي ومعاوية، وترك الأمر شورى للمسلمين يولون عليهم من أحبوا، لكنهما بهذا لم يفيا بالعهد الذي قطعاه على نفسيهما للمسلمين أن عليهما عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة ولا يرداها في حرب ولا فرقة، فهما لم يقدرا نتائج هذا القرار الذي أعلناه في دومة الجندل، ولم يقدرا أن هذا القرار سيؤدي إلى عودة الحرب بين أهل العراق وأهل الشام، بل إنه سوف يكسب موقف أهل الشام شرعية جديدة في خلافهم مع علي وأنصاره من أهل العراق حيث أعفاهم هذا القرار من وجوب البيعة لعلي، وأعطاهم حق اختيار من يرونه أهلا للخلافة؛ ولهذا حكم علي - رضي الله عنه - على قرار الحكمين بالفساد، ومجافاة حكم القرآن فقال:

 ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن، واتبع كل منهما هواه بغير هدي من الله، فحكما بغير حجة بينة، ولا سنة ماضية، واختلفا في حكمهما، وكلاهما لم يرشد ([5]).

ثانيا. نبوغ الإمام علي - رضي الله عنه - السياسي وخبرته الإدارية:

وبعد عرضنا لأحداث الفتنة وكيف تتطورت نود هنا أن نستعرض ما تحلى به الإمام علي من الكياسة والرأي والسياسة قبل خلافته وأثناءها، وهذا ما يوضحه لنا د. محمد أمحزون قائلا ([6]): ليس ثمة شك أن هناك من الدلائل ما لا يدع مجالا للريب في أن عليا كان ذكيا غاية الذكاء، بصيرا بالأمور، حصيف الرأي، وكان أبو بكر وعمر وعثمان يعرفون ذلك فاتخذوه مستشارا لهم، وكيف يكون الحصيف العاقل ضعيف السياسة، والسياسة الصحيحة تستند إلى الرأي، والرأي يستند إلى العقل والحكمة، وقد كان علي - رضي الله عنه - متصفا بهما!

  • حنكة علي - رضي الله عنه - السياسية:

فأما خبرته في السياسة، فلا أدل على ذلك من كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمره بتبليغ أوامر شرعه إلى جميع العرب في موسم الحج، وتلاوته عليهم أوائل سورة براءة، ولا أدل عليه أيضا من كونه - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن قائدا، فأسلمت همدان كلها وكثير من أهل اليمن على يديه بدون حرب، فالطاعن فيه بأنه جاهل بالسياسة طاعن في الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي ولاه تلك المهام الجسيمة.

وكان الشيخان - رضي الله عنهما - يستشيرانه كثيرا في الأمور السياسية؛ فقد ذكر الإمام الطبري أن فارسا لما تجمعوا بنهاوند في جمع عظيم لحرب المسلمين جمع عمر - رضي الله عنه - الناس واستشارهم في المسير إليهم بنفسه، فأشار عليه عامة الناس وبعض رجال الشورى بذلك، فأعاد - رضي الله عنه - استشارة الناس، فقام إليه علي - رضي الله عنه - فقال: " أما بعد، يا أمير المؤمنين! فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإنك إن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإنك إن أشخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات، أقر هؤلاء في أمصارهم، واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا ثلاث فرق؛ فرقة في حرمهم وذراريهم، وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا قالوا: هذا أمير العرب وأصلها، فكان ذلك أشد لتكالبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكن بالنصر. فقال عمر: هذا هو الرأي كنت أحب أن أتابع عليه".

  • خبرة علي - رضي الله عنه - في الإفتاء والمشورة:

وكان علي - رضي الله عنه - مفتيا يستفتيه عمر - رضي الله عنه - كثيرا في معضلات المسائل الشرعية ومستشارا نبيها في الأمور السياسية المدلهمة، وهذه شهادة عمر فيه؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «قال عمر: أقرؤنا أبي وأقضانا علي» ([7]).

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع عمر - رضي الله عنه - يقول لعلي وقد سأله عن شيء فأجابه: «أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن» ([8]).

وعن يحيى بن عقيل قال: كان عمر يقول لعلي إذا سأله ففرج عنه: "لا أبقاني الله بعدك يا علي" ([9]). وعن سعيد بن المسيب قال: "كان عمر بن الخطاب يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن، يعني عليا([10])، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "إذا حدثنا ثقة عن علي الفتيا لا نعدوها"، ([11]) ([12]) وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " أقضى أهل المدينة علي" ([13]).

  • خبرته - رضي الله عنه - الإدارية:

وتتجلى خبرة علي الإدارية حين عرض على أبي بكرة إمارة البصرة بعد وقعة الجمل، وأبو بكرة من الصحابة الذين نزلوا البصرة مبكرين عند تأسيسها، فهو إذن يعلم بها وبما يصلحها أكثر من غيره، فإذا تولى إمرتها أحسن إدراتها وساسها بما يصلحها ويصلح أهلها.

فلما اعتذر أبو بكرة أخذ على رأيه فيمن يوليها، وهو لا شك أحسن الاختيار ورشح لها من هو أقدر على تسيير الأمور فيها؛ إذ أشار بتولية ابن عباس، فأخذ على برأيه وولى ابن عباس إمارة البصرة، واختار معه زياد بن أبي سفيان لولاية الخراج وبيت المال، وهو ممن اعتزل القتال ولم يشترك فيه.

ولعل عليا - رضي الله عنه - قد اختار زيادا ليكون مساعدا لابن عباس وعينه على الخراج وبيت المال؛ ليعيد بذلك الطمأنينة لأهل البصرة، ويهدئ من روعة الحرب التي أخذتهم؛ فإن الغالب في مثل هذه الأحوال أن يولي المنتصر رجالا يقهرون من حاربوه ليذلهم ويذيقهم عاقبة تمردهم وعصيانهم.

فإذا اختار علي - رضي الله عنه - بعد انتصاره في الجمل رجلا محايدا لم يشترك من قريب ولا من بعيد في الحرب، ولم يناصر أحد الطرفين المتنازعين، فهو يريد بذلك الإنصاف والعدل، ويحرص على استقرار الأمور، ولا يقصد مطلقا الانتقام والتشفي مما يؤدي إلى إعادة الطمأنينة إلى النفوس والشعور بالأمن.

وبقدر ما في هذه المواقف من الحنكة والسياسة الشرعية البارعة، فإن فيها كذلك احتراما لحق الغير في الاجتهاد، والمحافظة على حرمات المسلمين؛ فبعد أن تم له النصر لم يجهز على جريح، ولم يقتل مدبرا، ولم يسلب مالا، ولم يهتك سترا، وهي إجراءات تدل على تقدير الموقف من جوانبه المختلفة.

ويذكر الإمام الباقلاني خبرة علي السياسية وحسن تدبيره وثاقب رأيه وفطنته وذكاءه فيقول: هذا مع ما ظهر من إعظام كافة الصحابة له واتفاقهم على علمه وفضله وثاقب فهمه ورأيه وفقهه، وقول مثل عمر فيه: "لولا علي لهلك عمر"، وكثرة مطابقتهم له في الأحكام، وسماع قوله في الحلال والحرام، ثم ما ظهر من فقهه وعلمه في قتال أهل القبلة من استدعائهم، ومناظرتهم، وترك مبادأتهم، والنبذ إليهم قبل نصب الحرب معهم، وندائه: لا تبدءوهم بالحرب حتى يبدءوكم، ولا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يكبس بيت، ورده رحالات القوم إليهم، وترك اغتنام أموالهم، وكثرة الأمر لابن عباس وغيره بقبول شهادة أهل البصرة وصفين إذا اختلطوا ووضعت الحرب أوزارها، والصلاة خلفهم، وقوله لمن سأل عن ذلك: ليس في الصلاة والعدالة اختلفنا، وإنما اختلفنا في إقامة حد من الحدود، فصلوا خلفهم واقبلوا شهادة العدول منهم، إلى غير ذلك مما سنه من حرب المسلمين حتى قال جلة أهل العلم: لولا حرب علي لمن خالفه لما عرفت السنة في قتال أهل القبلة.

هذا مع ما علم من شجاعته وغنائه وإحاطته علما بتدبير الجيوش وإقامة الحدود والحروب، وقوله - أي علي - ظاهرا من غير رد أحد حفظ عليه: إن قريشا تقول: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا رأي له في الحرب، لله درهم، ومن ذا يكون أبصر بها مني وأشد لها مراسا، والله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا اليوم قد ذرفت - أي: زدت على الستين - ولكن لا إمرة لمن لا يطاع ([14]).

ثالثا. تنازع الصحابة - رضي الله عنهم - إنما كان في أمر قتلة عثمان لا في أحقية علي بالخلافة:

إن الخلاف الذي نشأ بين أمير المؤمنين علي من جهة، وبين طلحة والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - من جهة ثانية، ثم بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - من جهة ثالثة لم يكن منشؤه أن هؤلاء كانوا يقدحون في خلافة أمير المؤمنين علي وإمامته، وأحقيته بالخلافة والولاية على المسلمين، فقد كان هذا محل إجماع بينهم، قال ابن حزم: "ولم ينكر معاوية قط فضل علي، واستحقاقه الخلافة، ولكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان - رضي الله عنه - على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان".

وقال ابن تيمية: "ومعاوية لم يدع الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل عليـا، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه، ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدئوا عليـا وأصحابه بالقتال، ولا فعلوا"، وقال أيضا: "وكل فرقة من المتشيعين مقرة مع ذلك بأنه ليس معاوية أكفأ للخلافة من علي، ولا يكون خليفة مع إمكان استخلاف علي، فإن فضل علي وسابقته وعلمه ودينه وشجاعته، وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معلومة، كفضل إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم".

إن منشأ الخلاف لم يكن قدحا في خلافة أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وإنما اختلافهم في قضية الاقتصاص من قتلة عثمان، ولم يكن خلافهم في أصل المسألة، وإنما في الطريقة التي تعالج بها هذه القضية، إذ كان أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - موافقا من حيث المبدأ على وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان رأيه أن يرجئ الاقتصاص من هؤلاء إلى حين استقرار الأوضاع وهدوء الأمور واجتماع الكلمة، وهذا هو الصواب.

قال النووي: واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام؛ قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ، فوجب عليهم نصرته، وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده، وقسم عكس هؤلاء: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدتهم وقتال الباغي عليه، وقسم ثالث: اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين.

وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين، وأن الحق معه، لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه ([15]).

رابعا. رؤية علي - رضي الله عنه - السياسية في عزل العمال والولاة:

إذا كان بعضهم يرى أن من أسباب تفاقم الفتنة عزل علي - رضي الله عنه - لجميع ولاة عثمان قبل أن تصل إليه بيعة أهل الأمصار، وقد حذره المغيرة بن شعبة عاقبة ذلك، فإن من الملاحظ أن هذا المأخذ غير وجيه لعدة أمور؛ وهي:

الأول: أن عليـا - رضي الله عنه - إمام مجتهد له أن يعزل جميع عمال عثمان إذا رأى المصلحة في ذلك، وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو المعصوم - خالد بن سعيد بن العاص على صنعاء، وعمرو بن العاص على عمان، فعزلهما الخليفة الصديق - رضي الله عنه - من بعده؛ عزل خالدا وولى مكانه المهاجر بن أبي أمية، وعزل عمرا وولى مكانه حذيفة بن محصن، وقد ولى أبو بكر - رضي الله عنه - القائدين العظيمين خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة - رضي الله عنها - مكانهما، وولى على الكوفة المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فعزلهما ذو النورين، وولى على مصر ابن أبي سرح، وعلى الكوفة سعد بن أبي وقاص.

فهل ينتقد عاقل الصديق والفاروق وذا النورين في عزلهم هؤلاء العمال الأكفاء؟! إن لكل وقت أحوالا وظروفا تطرأ، فيحمل اللاحق على ما لا يراه السابق من الاجتهاد، ويرى الشاهد ما لا يراه السابق من الاجتهاد، ويرى الشاهد ما لا يراه الغائب.

الثاني: أن قولهم: بأن عليا - رضي الله عنه - عزل جميع عمال عثمان ليس صحيحا؛ لأن العزل لم يتحقق إلا في معاوية بن أبي سفيان في الشام، وخالد بن أبي العاص بن هشام في مكة، وأبي موسى الأشعري في الكوفة، على أنه أقره بعد ذلك. أما البصرة فخرج منها عبد الله بن عامر ولم يول عثمان عليها أحدا، وفي اليمن أخذ أميرها يعلى بن منية - رضي الله عنه - مال جباية اليمن وقدم مكة بعد مقتل عثمان وانضم إلى طلحة والزبير وحضر معهم موقعة الجمل، ووفد ابن أبي سرح عامل مصر، واستناب ابن عمه عليها، فلما رجع إليها وجد ابن أبي حذيفة تغلب عليها فطرده عنها، فذهب إلى الرملة بفلسطين ومكث بها حتى مات.

وهكذا فإن أميري اليمن والبصرة عزلا أنفسهما، وأمير مصر عزله المتغلب عليها ابن أبي حذيفة، وأمير الكوفة أقره علي - رضي الله عنه - في منصبه، فلم يرد العزل حقيقة إلا في حق معاوية والي الشام وخالد بن أبي العاص والي مكة.

ومن المؤكد أن عليـا - رضي الله عنه - لم يول أحدا ممن كان له ضلع في مقتل عثمانـ رضي الله عنه -، بل ولى أخيار الناس على المسلمين، فمن الولاة الذين ولاهم على الأقاليم: سهل بن حنيف على الشام، وهو صحابي جليل شهد بدرا وأحدا، وثبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد أيضا الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولى عثمان بن حنيف على البصرة، وهو صحابي من الأنصار كان عاملا لعمر على العراق. كما ولى قيس بن سعد بن عبادة على مصر، وكان صاحب شرطة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان جوادا من ذوي الرأي والذكاء، وولى عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب على اليمن، وهو أصغر من أخيه عبد الله بسنة، وكان كريما ممدحا نبيلا.

الثالث: وأما قولهم: إنه عزل العمال قبل أن تصل إليه بيعة أهل الأمصار، فإن تولية الإمام العمال على الأمصار غير مشروطة بوصول بيعة أهلها له عند جميع المسلمين، فمتى بايع أهل الحل والعقد - أي خليفة - لزمت بيعته جميع البلدان النائية عن مركز خلافته شرعا وعقلا.

ولو كانت تولية الخليفة العمال على الأمصار متوقفة على وصول بيعة أهلها له ما تمت بيعة الصديق - رضي الله عنه - لأنه تصرف بإرسال بعث أسامة ومحاربة المرتدين ومانعي الزكاة قبل وصول بيعة أهل مكة والطائف وجواثى في البحرين. وكذلك الفاروق - رضي الله عنه - فإنه استهل خلافته بعزل خالد بن الوليد وتولية أبي عبيدة بن الجراح قائدا عاما على جيوش المسلمين بالشام قبل وصول بيعة أهل اليمن وجيوش المسلمين بالشام والعراق إليه. وتصرف ذو النورين - رضي الله عنه - في أمور المسلمين أيضا قبل وصول بيعة الأمصار إليه.

الرابع: بالنسبة لما نقله هؤلاء الباحثون من كتب التاريخ من تحذير المغيرة بن شعبة عليـا عاقبة عزله العمال في وقت مبكر ثم راجعه ونصحه بعزلهم، وقول ابن عباس لعلي: لقد نصحك في الأولى وغشك في الثانية، فهو باطل من عدة أوجه:

الجمع بين نصيحة علي أولا وغشه ثانيا لا يصدر من أي صحابي كان، فكيف بالمغيرة وهو من أفاضلهم؛ إذ ليس الغش من أخلاق المسلمين، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من غشنا فليس منا» ([16]).

ذكر الإمام الطبري في رواية أن المغيرة بن شعبة من الذين لم يبايعوا عليـا، وإذا صح هذا، فكيف نتصور نصيحته إياه وهو الذي لم يبايعه بعد؟!

على تقدير صحة هذه الرواية، لما امتاز المغيرة بن شعبة وحده بنصيحته من دون الصحابة؟! ثم هل كان المغيرة بن شعبة مستشارا خاصا للخلفاء من قبله حتى يلام على عدم قبول نصيحته؟!

وأما ما قيل عن استعمال علي - رضي الله عنه - القوة في غير موطنها بإيثاره الحرب على السلم والرفق في الأمور، فإن ذلك لم يعهد في سياسة علي - رضي الله عنه - إلا عند الضرورة، وعندما تفرض عليه الحرب فرضا.

ويمكن القول أن عليـا وإن كان شجاعا بطلا مغوارا في الحروب؛ فإن ذلك ليس بداع ليلجأ إلى الحرب كل مرة، فلم يكن يلجأ إلى الحروب إلا حين لا يمكنه إخماد الفتنة إلا بها، ولم يكن هذا المسلك من عمله وحده، بل له شاهد في السيرة الراشدة؛ فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - حين امتنع بعض العرب عن دفع الزكاة حاربهم؛ لأنه رأى أنه لا يجوز له التساهل في ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها، وحسابه على الله». ([17]) وبين للصحابة وجه الاستدلال بهذا الحديث في قوله في الحديث السابق: "فإن الزكاة حق المال".

والمعهود من أسلوب علي - رضي الله عنه - في مواقفه استعمال الحكمة وعلاج الأمر بالرفق ما أمكن علاجه، فإذا لم يتمكن من ذلك؛ لجأ إلى الحرب، فعندما التقى بوفد أهل الكوفة بذي قار قال لهم: "... وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة، فإن يرجعوا فذاك ما نريد، وإن يلجوا داويناهم بالرفق، وبايناهم حتى يبدءونا بظلم".

وحين نزل الكوفة قام خطيبا في الناس، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "يا أيها الناس املكوا أنفسكم، كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم، فإنهم إخوانكم، واصبروا على ما يأتيكم، وإياكم أن تسبقونا، فإن المخصوم غدا من خصم اليوم".

وعندما وصل إليه الخبر بعدم سماح جند معاوية لواليه على بلاد الشام أن يدخلها دعا طلحة والزبير فقال لهما: "سأمسك الأمر ما استمسك، فإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي".

وفي صفين كان - رضي الله عنه - يقول لأصحابه: "لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم، فأنتم بحمد الله - عز وجل - على حجة، وترككم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم" ([18]).

وليس أدل على ذلك من موقفه من قتلة عثمان - رضي الله عنه - فقد كانت سياسته تجاههم هي أخذهم بالحكمة وتحين الفرصة المناسبة لإقامة حد القصاص عليهم؛ فحين فرغ من أمر البيعة خطب في الناس، وكان من بين الأشياء التي أفصح عنها حرمات الله التي حرمها ولا سيما حرمة المسلم، وأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق، وأن أذى المسلم لا يحل إلا بما يجب.

وكأنه - رضي الله عنه - في هذا الخطاب يشير من بعيد إلى قتل عثمان - رضي الله عنه - وأن قتلته استحلوا دمه وآذوه بما لا ينبغي. على أن قتلة عثمان فهموا بعضا من سياسة على من خلال هذه الخطبة، فأرادوا أن ينبهوه إلى شوكتهم فيحتاط في أمرهم، ولذلك قال قائلهم بعد فراغه من خطبته:

خذها إليك واحذرن أبا الحسن

إنا نمر الأمر إمرار الرسن

صولة أقوام كأسداد السفن

بمشرفيات كغدران اللبن

ونطعن الملك بلين كالشطن

حتى يمرن على غير عنن

ورد عليهم علي - رضي الله عنه - قائلا:

إني عجزت عجزة لا أعتذر

سوف أكيس بعدها وأستمر

أرفع من ذيلي ما كنت أجر

وأجمع الأمر الشتيت المنتشر

إن لم يباغتني العجول المنتصر

أو تتركوني والسلاح يبتدر

ويبدو من أول وهلة أن الموقف الذي بنى عليه علي - رضي الله عنه - سياسته تجاه قتلة عثمان هو الأناة والتريث والكياسة؛ إذ كان يفهم أبعاد الموقف تماما، ويعرف ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك في مثل هذه الظروف.

وقد دلت إجابته للمطالبين بتقديم قتلة عثمان لإقامة الحد عليهم على فطنة وسياسة لا تقل روعة عن عبقريته القضائية والفقهية. والخبرة في السياسة من لوازم الحاكم الناجح؛ إذ بها يستطيع تقدير الأمور ووضع كل شيء في موضعه الصحيح، خصوصا في مثل الأحوال التي تولى فيها علي - رضي الله عنه - إمرة المسلمين، حيث الفتنة مشتعلة، والأمور مضطربة، والآراء متباينة، والناس يمتلكهم الخوف، وأبعاد هذه الفتنة لازالت مجهولة؛ لأن الخوارج المتربصين لم يغادروا المدينة بعد قتل عثمان ولا بعد تولية علي، فماذا يريد هؤلاء بعد ذلك؟

من أجل هذا كله كان على أمير المؤمنين أن يتحفظ في معاملة هؤلاء المتمردين، وأن يستعمل معهم أقصى ما يمكن استعماله من الرفق واللين حتى يحين الوقت المناسب لتنفيذ حكم الله فيهم. لكن الذين لم يوفقوا لفهم أبعاد هذه السياسة، والذين حكموا عواطفهم في قتلة عثمان أصروا على الانتقام منهم بسرعة.

إن الإصرار على المطالبة بدم عثمان منذ اليوم الأول لتولية علي - رضي الله عنه - لا يمت إلى السياسة الحكيمة بصلة، وإن الإلحاح على الخليفة الجديد لتقديم قتلة الخليفة السابق للقصاص على الفور ليس من الحكمة في شيء؛ لما فيه من إحراج للخليفة الجديد حيث تبقى الفتنة مشتعلة أكثر، ويظل الهرج والقتل قائما على أشده وما يتبع ذلك من عواقب وخيمة لا يعلم مداها إلا الله عز وجل.

ولكن عليـا - رضي الله عنه - قد احتاط لكل ما يمكن أن يكون وراء المطالبة بدم عثمان، وحاول أن يشرح للمطالبين وعلى رأسهم طلحة والزبير - رضي الله عنهما - وجهة نظره في تأجيل ذلك الأمر، فقال لهم في حوار هادئ: " يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم؟ هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما يشاءون، فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون"؟

وعندئذ ثابت إليهم عقولهم وعادت إليهم أحلامهم فقالوا جميعا: لا.

وحين رأى علي - رضي الله عنه - تفهمهم للأمر، وتأكد من وقوفهم على حقيقة ذلك أفصح مبدئيا عن موافقته لرأيهم، وأنه لا يختلف معهم في شناعة ما اقترفت تلك الأيدي الآثمة، فتابع كلامه قائلا: " فلا والله لاأرى إلا رأيا ترونه - إن شاء الله - إن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة، وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدا".

وزاد في التوضيح فأخبرهم أن الناس مختلفون وليسوا على رأي واحد فيما يقال، فمنهم من يخالف رأيهم، ومنهم من يوافقهم على ما يريدون ومنهم المحايدون، قال: "إن الناس من هذا الأمر إذا حرك على أمور؛ فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك". ثم كشف عن موقفه النهائي بقوله: " حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق، فاهدءوا عني، وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا".

لكن هذه السياسة الحكيمة لم يتفهمها بعضهم ولم تكن مقنعة لهم، فالناس في حال غضبهم وسيرهم وراء عواطفهم لا يدركون الأمور إدراكا واقعيا يمكنهم من التقدير الصحيح، فتنعكس في تقديرهم الأوضاع ويظنون المستحيل ممكنا، ولذلك قالوا: "نقضي الذي علينا ولانؤخره، والله إن عليـا مستغن برأيه عنا".

ثم يخبر علي - رضي الله عنه - بمقالتهم، فيرغب أن يريهم أنه لا يستطيع وإياهم أن يفعلوا شيئا في مثل تلك الظروف فينادي: "برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه، فتذامرت السبئية والأعراب وقالوا: لنا غدا مثلها ولا نستطيع أن نحتج فيهم بشيء".

وكأن رواد الفتنة من السبئية تبادر إلى أذهانهم أن الخليفة يريد أن يجردهم من أعوانهم الذين يشدون أزرهم ويقفون إلى جوارهم، فعصوا ذلك الأمر وحرضوا الأعراب على البقاء، فأطاعوهم وبقوا في أماكنهم، ففي اليوم الثالث بعد البيعة خرج علي إلى الناس وقال لهم: أخرجوا عنكم الأعراب، وقال: يا معشر الأعراب، الحقوا بمياهكم، فأبت السبئية وأطاعهم الأعراب، ثم دخل بيته ودخل عليه طلحة والزبير في عدة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دونكم ثأركم، فقالوا: عشوا عن ذلك، فقال لهم علي: هم والله بعد اليوم أعشى وآبى، ثم أنشد:

ولو أن قومي طاوعتني سراتهم

أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا

وعلى الرغم من بوادر الاقتناع التي بدت من طلحة والزبير - رضي الله عنهما - على أثر تحليل علي للموقف وبيانه لما اختاره من سياسة على ضوء ظروف الواقع، فإنهما كانا يريان خلاف ذلك باعتقادهما أن أنجح وسيلة لضرب أولئك الخوارج هو الذهاب إلى البصرة والكوفة ومفاجأتهم بخيل من هناك، قال الزبير: "دعني آت الكوفة فلا يفجأوا إلا وأنا في خيل". وقال طلحة: "دعني، فلآت البصرة فلا يفجأوك إلا وأنا في خيل". ولكن عليـا - رضي الله عنه - نراه يتريث ويقول لهما: "حتى أنظر في ذلك". ولعل عليـا كان يخشى الفتنة، وتحول الأمر إلى حرب أهلية داخل المدينة لا تحمد عقباها، ولذلك لم يجب طلحة والزبير إلى مطلبهما ([19]).

ومن هنا ندرك أن سياسة الإمام علي - رضي الله عنه - تقوم على أن الحفاظ على المبدأ هو معيار المصداقية في لجة السياسة، وإن لم يؤد إلى النجاح بمقاييس النجاح الدنيوي الظاهري، وعكسه التلون والتغير والتكيف حسب الظروف، ودون مراعاة للمبادئ، وإن أصاب سالكه النجاح وواتاه الفوز في الظاهر.

وعلي - رضي الله عنه - رجل مبدأ، وافقته الظروف وساعدته الأحوال أم عاكسته، ومن ثم فهو لا ينتهج في سياسته وتصرفاته مبدأ: الغاية تبرر الوسيلة أو ما هو قريب منه، وإنما منهجه أن الغاية الشريفة يجب أن تؤدي إليها وسيلة شريفة. ومن ثم فأمثاله يحكم عليهم بمدى إخلاصهم لمبادئهم السامية، لا بمقدار ما أحرزوه من نجاح دنيوي، سواء أسعفتهم الظروف أو لم تسعفهم، وحينها ليس من الإنصاف وصفهم بعدم الدهاء وقلة الخبرة وافتقاد الكياسة. فهل تخلي الإنسان عن مبادئه المعلنة نزولا على مقتضيات الحال يعد كياسة ودهاء؟ أم هو تميع ومراوغة؟!

خامسا. لم يكن علي - رضي الله عنه - مستضعفا في أصحابه، ولكن كان يشاورهم في الأمر كسابقيه من الراشدين:

وكل ما قيل عن ضعف علي - رضي الله عنه - مع أصحابه، لا يمكن تفسيره إلا بخضوعه لمبدأ الشورى، وهو مبدأ محمود في الشريعة الإسلامية؛ إذ وردت فيه آيتان صريحتان: أمرا واجبا في إحداهما، ووصفا يمدح فاعلوه المتصفون به في الثانية؛ ففي الآية الأولى يخاطب القرآن الكريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: )فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر( (آل عمران:159)، والآية الثانية هي قول الله عز وجل: )والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون (38)( (الشورى).

أما السنة النبوية فإنها زاخرة بالأمثلة العملية لاستشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حتى إن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: "ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" ([20]).

وكذلك الخلفاء الراشدون كانوا يتبعون مبدأ الشورى ويستشيرون أولي النهى والرأي من أصحابهم، وينزلون عند رأي الرعية، وكان أصحاب علي - رضي الله عنه - يرون رأيا، فلا يستطيع أن يخالفه، لاضعفا ولا خذلانا، بل نزولا عند رأي الجماعة، ومع ذلك لم يكن دائما ينزل عند رأي أصحابه، بل كان يتشبث برأيه عندما يظهر له أنه موافق للصواب، فيلزم الحق؛ ومن ذلك على سبيل المثال أنه - رضي الله عنه - خالف أصحابه في مسألة التحكيم حين رأى الذين خرجوا عليه فيما بعد مواصلة الحرب ضد معاوية وجند الشام، بينما رأى هو تحكيم كتاب الله في أمر الخلاف بينه وبينهم عندما طلبوا منه ذلك، وقال لرسول معاوية: أنا أولى منكم بكتاب الله.

والحقيقة أن الأمر ليس أمر ضعف وقصور في الرأي وإخفاق في السياسة، بل اختلف الوضع عما سبق، فتناول هذا الاختلاف، تغير الجماعات المحيطة بالخليفة، فهم غير أصحاب أبي بكر وعمر؛ إذ يغلب على هؤلاء عنصر الأعراب والموالي، وشتان ما بين الفئتين، وقد قيل لعلي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، كيف اختلف الناس على عثمان وعليك، ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فقال للسائل: "رعية أبي بكر وعمر كانت مثلي ومثل عثمان وسعد وعبد الرحمن، أما رعية عثمان ورعيتي فأشباهك".

مغزى هذا الكلام أن الناس لم يدينوا للشيخين؛ لعلو سياستهما عن سياسة عثمان وعلى، فللجميع ما لهما من حسن السياسة، بل لأن رعيتهما كانت من الصحابة الذين تربوا في أحضان النبوة، فهذبتهم وخلصت شمائلهم من شنشنة الجاهلية، وقد انقرض غالب هذه الطبقة المباركة في آخر خلافة الفاروق - رضي الله عنه - وتغلب على من بقي منهم كثرة الموالي والأعراب المرتدين الذين أرجعهم الصديق - رضي الله عنه - إلى الدين قسرا بسيوف أولئك البررة.

وتناول هذا الاختلاف أيضا مركز الخلافة، إذ انتقل من الحجاز إلى العراق؛ من الحجاز - حيث السنة النبوية المطهرة - إلى العراق - حيث تتحكم المصلحة والنزعات الشخصية والأهواء المتباينة - وربما أدرك أحد الصحابة هذا الأمر؛ فهذا عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - يأخذ بعنان فرس علي - رضي الله عنه - عندما تجهز للخروج من المدينة يريد العراق فقال له: "يا أمير المؤمنين، لا تخرج منها - أي من المدينة - فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا".

وطرأ أيضا تغيير في الأحوال المادية؛ فعصر الراشدين الأول عصر تقشف وزهد، أما عهد على فقد أصبح عهد ثروة عمت الناس ودخلت في حياتهم، فبدلت وغيرت، بينما كان علي - رضي الله عنه - مشبعا بجبلته الأولى الراشدية، زاهدا في الدنيا، يأخذ الأموال بحقها ويصرفها في مصارفها الشرعية، فقد سأله أخوه عقيل ذات مرة شاكيا حاجته إليه، فقال له علي: "اصبر حتى يخرج عطائي، فألح عليه، فقال: انطلق فخذ ما في حوانيت الناس، قال: تريد أن تتخذني سارقا! قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقا وأعطيك أموال الناس! فقال: لآتين معاوية، قال: أنت وذاك، فسار إلى معاوية فأعطاه مائة ألف".

ويلمس المرء كذلك تغييرا في الأفكار وتعددا في المذاهب من جراء الفتنة، فبعد أن كان الناس على مذهب واحد قبل الفتنة، هاهم ينقسمون بعدها شيعا وأحزابا، ينحاز الواحد منهم إلى فئة أو رأي والآخر إلى خلافه، ولا شك أن هذا الانقسام في الآراء والاختلاف في وجهات النظر أدى إلى مزيد من الفرقة والخلاف، مما أضعف - بطبيعة الحال - مركز الخليفة وقبضته على زمام الأمور.

وإذا كانت رياح التغيير تعتبر مؤشرا على تبدل الأحوال في عهد علي - رضي الله عنه - في الجماعات المحيطة بالخليفة، ومركز الخلافة، والآراء، والمذاهب، والوسائل المادية، فإن موقف علي - رضي الله عنه - ظل رغم هذا كله ثابتا لم يتلون بلون ذلك الجيل، ولم يرغب أن يواكب التطور الحادث، إذ آثر الإخفاق في كل شيء على الإخفاق في راشديته وعدله.

وإن كانت السياسة هي: الاستجابة لروح العصر ومساره، وانتهاز الفرص، وتحقيق المصالح الذاتية والمنافع الشخصية للحاكم والجماعات المحيطة به، فإن عليـا لم يكن سياسيا بهذا المعنى، وإن كانت السياسة الرفيعة؛ كالعدل والمساواة والمعروف، فعلي - رضي الله عنه - كان على درجة عظيمة من ذلك.

والقول الفصل أن عليـا كان من خير رجال السياسة والحكم لو بقي عصر الخلافة الراشدة كما كان عليه في أيامه الأول، أما وروح الزمان كانت تسير على غير ما كانت تسير عليه، فمذهبه في السياسة لم يعد مناسبا لتلك الأوضاع، ولذلك عد في نظر البعض غير سياسي ([21]).

وفي السياق نفسه يقول د. حلمي صابر - بعد مناقشات مطولة -: "ومن هنا وبناء على ما تقدم تسقط دعوى الخصوم في اتهام علي بأنه رجل حرب وليس رجل سياسة؛ فقد كانت للإمام عبقريته السياسية كما كانت له عبقريته العسكرية، وهو لم يكن بأقل من معاوية وعمرو بن العاص حكمة ودهاء، ولكن الظروف واكبت معاوية ومن معه ولم تواكب الإمام. فقد كان الناس غير الناس والزمن غير الزمن، ولم يكن الوقت وقت خلافة، وإنما وقت يستشرف الناس فيه إلى الملك.. وقد كانت بلية الإمام الحقيقية في أنه لم يجد على الخلافة أعوانا... أيعقل أن يكون الإمام الذي كان محل مشورة الخلفاء السابقين في كل أمر، بل كان هو المدخر عند كل معضلة كما قال عمر: معضلة ولا أبا حسن لها، أيعقل أن يكون الإمام غير كفء للخلافة؟ أو أنه ليست عنده الحنكة السياسية للأمة، وإذا كانت الظروف لم تساعده في تحقيق ما كان يرجوه، فليس ذلك لعيب فيه، وإنما هو عيب الناس وعيب الفترة التي قدر له أن ينوء بحملها رضي الله عنه" ([22]).

الخلاصة:

  • كان مقتل عثمان - رضي الله عنه - مثار اضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة ظلت قائمة طوال خلافة علي - رضي الله عنه - وملاحظة هذه الملابسات الخاصة التي ولي علي - رضي الله عنه - فيها خلافة المسلمين تفسر كثيرا من نواحي سياسته، وتقيم له أعذارا فيما قد يحسبه بعض الدارسين خلاف الصواب.
  • هذه الملابسات الخاصة التي أشرنا إليها أظهرت الجانب العسكري والنزاع الداخلي المسلح على الجانب السياسي والإداري، فإن شغل علي - رضي الله عنه - بحرب مناوئيه لم يتح له أن يحدث إصلاحات داخلية كبيرة في مجال النظم والإدارة، وإن كان ذلك لا يعني غيابها أو أنه لم يقم بشيء منها.
  • النزاع الذي شهدته خلافة علي - رضي الله عنه - لم يكن حول جدارته بالإمامة أو أحقيته بها؛ فلم يكن أحد يومذاك يعدل بعلي أحدا، ولا كان معاوية نفسه ينازع عليا على الخلافة، إنما رأى تقديم القصاص من قتلة عثمان على البيعة، ورأى نفسه أولى من يطلب دمه.
  • تنعقد البيعة بإجماع أهل الحل والعقد، فلا تتوقف على مبايعة الأمصار، فلذلك كان من حق علي - وهو الإمام - أن يولي ويعزل من يراه صالحا دون انتظار للأمصار التي يرسل إليها عماله حتى تبايع، وهو لم يعزل ولاة عثمان جميعهم، ولا ولى على مصر أحدا يشك في مشاركته في فتنة عثمان، وبذلك لا يبقى وجه للاعتراض على علي - رضي الله عنه - في مسألة عزل الولاة.
  • يجب ألا نخلط بين ضعف على المزعوم وبين مشاورته لأصحابه فيما يقدمون عليه من الأمور، فإن هذه الشورى والنزول على رأي الجماعة مبدأ إسلامي وسنة اتبعها الخلفاء من قبله.

 

 

 

(*) الإسلام والغرب، روم لاندو، ترجمة: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1962م.

[1]. محمود المصري، دار التقوى، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م، ج1، ص201.

[2]. من قضايا التاريخ الأموي، د. فهمي عبد الجليل، نشر المؤلف، 1413هـ/ 1993م، ص3: 19 بتصرف يسير.

[3]. العواصم من القواصم، ابن العربي، تحقيق: د. عمار طالبي، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1417هـ/ 1997م، ص305.

[4]. من قضايا التاريخ الأموي، د. فهمي عبد الجليل ، نشر المؤلف، 1413هـ/ 1993م، ص3: 19 بتصرف.

[5]. من قضايا التاريخ الأموي، د. فهمي عبد الجليل ، نشر المؤلف، 1413هـ/ 1993م، ص19.

[6]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص421، 424.

[7]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب سورة البقرة (4211).

[8]. أخرجه الحاكم في مستدركه، أول كتاب المناسك (1682)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 451) برقم (4040).

[9]. ذكره المحب الطبري في الرياض النضرة (1/ 267).

[10]. أخرجه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة (2/ 647) برقم (1100).

[11]. نعدو: نتجاوز.

[12]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 338)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 407).

[13]. أخرجه ابن سعد الطبقات الكبرى (2/ 338)، والحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة y، باب ذكر إسلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (4656).

[14]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص421: 424.

[15]. معاوية بن أبي سفيان، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2006م، ص132: 134.

[16]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" (294).

[17]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (1335)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله (133).

[18]. أخرجه الطبري في تاريخ الرسل والملوك (3/ 82).

[19]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص425: 431.

[20]. أخرجه الشافعي في الأم (7/ 157).

[21]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص431: 435.

[22] . نظرات في تاريخ الخلفاء الراشدين، د. حلمي صابر، طبعة خاصة، 2001م، ص326، 327.

  • الجمعة AM 12:06
    2020-10-23
  • 1436
Powered by: GateGold