المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409157
يتصفح الموقع حاليا : 327

البحث

البحث

عرض المادة

الطعن في أحاديث وقت قيام الساعة

الطعن في أحاديث وقت قيام الساعة(*)

مضمون الشبهة:

يطعن بعض منكري السنة في بعض الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت قيام الساعة.

ومن هذه الأحاديث حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: «أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متى تقوم الساعة؟ - وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يعش هذا الغلام، فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة».

وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الشيخان في صحيحيهما: عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين».

ويستدلون على طعنهم في الحديث الأول بأن الملاحظ - كما يفهمون - من الحديث أن الجواب قد حدد قيام الساعة خلال فترة زمنية لا تتجاوز أن يبلغ الغلام سن الهرم، أي ما يقرب من ستين عاما، وقد مضى على قول الحديث أكثر من ألف وأربعمائة عام، ولم تقم الساعة.

ومن المعلوم أن الله - سبحانه وتعالى - قد اختص نفسه بعلم الساعة ولم يخبر به أحدا؛ فقال تعالى: )إن الله عنده علم الساعة( (لقمان:٣٤)، وأن الله - سبحانه وتعالى - قد علم رسوله - صلى الله عليه وسلم - الجواب عندما يسأل عن وقت قيام الساعة، فقال تعالى: )يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله( (الأحزاب:٦٣).

مما يؤكد أن هذا الحديث، وأي حديث يتعلق بتحديد وقت قيام الساعة باطل وكذب وافتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ويستدلون على طعنهم في الحديث الثاني بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تحدث عن اقتراب الساعة وبيان علاماتها، بل إنه هنا أشار بإصبعيه لبيان قربها، وذلك متناقض مع واقع الحياة؛ حيث إنه من الواضح أن الساعة لم تأت طيلة القرون الطوال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

هادفين من وراء ذلك كله إلى رد هذين الحديثين؛ تمهيدا للطعن في جميع أحاديث السنة.

وجها إبطال الشبهة:

1)  إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» حديث صحيح في غاية الصحة؛ لإيراد الإمام مسلم له في صحيحه، ولصحة شواهده بطرقها المتعددة في الصحيحين، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد - أبدا - من هذا الحديث قيام الساعة الكبرى؛ وإنما قصد قيام ساعة الأعرابي الذي سأله متى قيام الساعة؟ أي: موته؛ لعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بجفاء الأعراب وقلة إيمانهم، فلو قال له: لا أدري، لارتاب في الدين.

2)  لقد أجمعت الأمة على صحة حديث:«بعثت أنا والساعة كهاتين»، وتلقته بالقبول؛ فقد اتفق الشيخان على صحته، وقد قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك المبالغة في قرب وقوع القيامة؛ فبعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي أول أشراط الساعة، التي لن تقوم الساعة إلا بوقوعها جميعا.

التفصيل:

أولا. اتفاق العلماء على صحة حديث: «... فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» سندا ومتنا:

لقد استأثر الله - سبحانه وتعالى - لنفسه بعلم الساعة ووقت قيامها، ولم يخبر به أحدا من خلقه، لا نبيا مرسلا ولا ملكا موكلا، فقد جاءت آيات قرآنية كثيرة بهذا المعنى؛ منها قوله تعالى: )إن الله عنده علم الساعة( (لقمان:٣٤).

وقال تعالى أيضا: )يسألونك عن الساعة أيان مرساها (42) فيم أنت من ذكراها (43) إلى ربك منتهاها (44)( (النازعات).

وقال تعالى: )يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا (63)( (الأحزاب).

وقد وردت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان استئثار الله - سبحانه وتعالى - بوقت قيام الساعة، فمن تلك الأحاديث ما رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث طويل سئل فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«متى الساعة؟ فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان...» الحديث[1].

قال الإمام النووي: "فيه أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل يستدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه"[2].

وقد نقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" عن القرطبي قوله: "مقصود هذا السؤال كف السامعين عن السؤال عن وقت الساعة؛ لأنهم قد أكثروا السؤال عنها كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث، فلما حصل الجواب بما ذكر هنا حصل اليأس من معرفتها، بخلاف الأسئلة الماضية فإن المراد بها استخراج الأجوبة ليتعلمها السامعون ويعملوا بها، ونبه بهذه الأسئلة على تفصيل ما يمكن معرفته مما لا يمكن"[3].

وجاء في صحيح البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مفاتيح الغيب خمس: )إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34)( (لقمان: ٣٤)»[4].

فوقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله - سبحانه وتعالى - ولذلك نهى - سبحانه وتعالى - عن الخوض في ذلك؛ وإنما يجب علينا أن نشغل أنفسنا بالاستعداد لذلك اليوم، والخشية من أهواله، وذلك ما أشار إليه رب العزة - عز وجل - بقوله: )إنما أنت منذر من يخشاها (45)( (النازعات).

أما ما يتعلق بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أنس رضي الله عنه: «أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى تقوم الساعة؟ - وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يعش هذا الغلام، فعسى أن لا يدركه الهرم، حتى تقوم الساعة»[5].

فهذا الحديث صحيح في غاية الصحة، ولا غبار عليه؛ فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، ولا مطعن في سنده على الإطلاق، وللحديث شواهد من طرق أخرى في الصحيحين.

فعن هشام عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسألونه: متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم، فيقول: إن يعش هذا، لا يدركه الهرم، حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام: يعني موتهم» [6].

وعن أنس رضي الله عنه: «أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هنيهة، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة، فقال: إن عمر هذا، لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة»[7].

وورد في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه:«أن رجلا من أهل البادية أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك، وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله، قال: إنك مع من أحببت، فقلنا ونحن كذلك؟ قال: نعم، ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمر غلام للمغيرة - وكان من أقراني - فقال: إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة»[8].

ومن الجدير بالذكر أنه لم يؤثر عن أحد من علماء الحديث وشراحه أنه قال بالفهم الذي فهمه المدعي من الحديث خطأ، وإنما وجه العلماء هذا الحديث عدة توجيهات، منها:

قال ابن حجر: "وقال الإسماعيلي بعد أن قرر أن المراد بالساعة ساعة الذين كانوا حاضرين عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن المراد موتهم، وأنه أطلق على يوم موتهم اسم الساعة لإفضائه بهم إلى أمور الآخرة، ويؤيد ذلك أن الله استأثر بعلم وقت قيام الساعة العظمى، كما دلت عليه الآيات والأحاديث الكثيرة، قال: ويحتمل أن يكون المراد بقوله: «حتى تقوم الساعة»المبالغة في تقريب قيام الساعة لا التحديد... وهذا عمل شائع للعرب يستعمل للمبالغة عند تفخيم الأمر وعند تحقيره، وعند تقريب الشيء وعند تبعيده، فيكون حاصل المعنى أن الساعة تقوم قريبا جدا.

ثم قال ابن حجر: وبهذا الاحتمال الثاني جزم بعض شراح "المصابيح"، واستبعده بعض شراح "المشارق" وقال الداودي: المحفوظ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك للذين خاطبهم بقوله تأتيكم ساعتكم، يعني بذلك موتهم؛ لأنهم كانوا أعرابا، فخشي أن يقول لهم: لا أدري متى الساعة فيرتابوا؛ فكلمهم بالمعاريض، وكأنه أشار إلى حديث عائشة - رضي الله عنها - الذي أخرجه مسلم: «كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان، فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم»[9].

قال عياض، وتبعه القرطبي: هذه رواية واضحة تفسر كل ما ورد من الألفاظ المشكلة في غيرها"[10].

وقال ابن كثير معقبا على الحديث السابق وما هو على شاكلته بقوله: "وهذا الإطلاق في هذه الرواية محمول على التقييد «بساعتكم» في حديث عائشة - رضي الله عنها"[11].

ومما يؤكد ذلك ويعضده حديث جابر بن عبد الله، قال: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل أن يموت بشهر: تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة»[12].

وجاء في صحيح مسلم عن ابن عمر مثله، «قال ابن عمر - رضي الله عنهما: وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبقي ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد - يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن»[13].

مما سبق يتضح لنا جليا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد بقوله "حتى تقوم الساعة" الساعة الكبرى "القيامة"؛ وإنما قصد بذلك ساعتهم هم أي موتهم، كما دلت على ذلك باقي الأحاديث في هذا الشأن.

فقد ذكر ابن حجر في "الفتح" ما يؤيد ذلك، فقال: "قال الداودي: هذا الجواب من معاريض الكلام؛ فإنه لو قال لهم: لا أدري ابتداء مع ما هم فيه من الجفاء، وقبل تمكن الإيمان في قلوبهم لارتابوا، فعدل إلى إعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه، ولو كان تمكن الإيمان في قلوبهم لأفصح لهم بالمراد"[14].

وخلاصة القول في ذلك أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «..إن يعش هذا الغلام، فعسى ألا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» هو حديث صحيح في أعلى درجات الصحة، فقد رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وله شواهد من طرق أخرى كثيرة، وكلها صحيحة سندا، كما أن الحديث صحيح متنا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد بقوله: «حتى تقوم الساعة» الساعة الكبرى "يوم القيامة"؛ وإنما قصد ساعة هذا الأعرابي الذي سأله متى الساعة؟ لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بجفاء الأعراب وقلة إيمانهم؛ فخشي أن يقول لهم: لا أعلم؛ فيرتاب الذين في قلوبهم مرض، وبذلك فإن طعنهم في الحديث مردود وشبهتهم باطلة.

ثانيا. حديث «بعثت أنا والساعة كهاتين» صحيح في أعلى درجات الصحة، وقد أراد - صلى الله عليه وسلم - بيان المبالغة في قرب وقوع الساعة:

إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين»[15] حديث صحيح في أعلى درجات الصحة، فقد اتفق الشيخان على صحته، وأورداه في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وللحديث شواهد أخرى بطرق متنوعة، وكلها صحيحة في أعلى درجات الصحة.

فقد أورد البخاري عن سهل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين؛ ويشير بإصبعيه فيمدهما»[16].

وجاء في صحيح البخاري - أيضا - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«بعثت أنا والساعة كهاتين، يعني إصبعين»[17].

وقد أورد الإمام مسلم في صحيحه عن سهل؛ يقول: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يشير بإصبعيه التي تلي الإبهام والوسطى، وهو يقول: بعثت أنا والساعة هكذا»[18].

وجاء في صحيح مسلم - أيضا - عن شعبة قال سمعت قتادة، وأبا التياح يحدثان أنهما سمعا أنسا - رضي الله عنه - يحدث؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بعثت أنا والساعة هكذا، وقرن شعبة بين إصبعيه، المسبحة والوسطى، يحكيه»[19].

وجميع تلك الأحاديث صحيحة ولا مطعن في سندها، أما من حيث المتن، فالحديث الشريف صحيح ولا غبار عليه، أما ما يدعيه بعض أعداء السنة من أن الحديث مردود؛ لمخالفته الواقع المشاهد من أن الساعة لم تأت بعد، بالرغم من إشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - بإصبعيه لبيان قربها، وقد مرت قرون طويلة ولم يتحقق ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم - فهذا زعم باطل وادعاء مفترى؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أكد في أكثر من حديث شريف على قرب مجيء الساعة، ووجوب الاستعداد لها بالعمل الصالح، والقرآن الكريم كذلك قد بين في أكثر من موضع قرب وقوع الساعة، فقال تعالى: )اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (1)( (الأنبياء)، وقال تعالى: )اقتربت الساعة وانشق القمر (1)( (القمر)، وقال تعالى: )وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا (63)( (الأحزاب)، وقال تعالى - أيضا: )أتى أمر الله فلا تستعجلوه( (النحل)، وقال تعالى في بيان مجيء أشراط الساعة: )فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها( (محمد:١٨).

فقرب الساعة أمر مسلم به، ومؤكد من الكتاب والسنة، لكن وقت قيامها تحديدا هذا ما استأثر به العليم لنفسه - سبحانه وتعالى - وذلك لحكم وفوائد عظيمة.

فقد قال الألوسي: "وإنما أخفى - سبحانه وتعالى - أمر الساعة لاقتضاء الحكم التشريعية ذلك؛ فإنه أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية، كما أن إخفاء الأجل الخاص بالإنسان كذلك، ولو قيل بأن الحكمة التكوينية تقتضي ذلك أيضا لم يبعد، وظاهر الآيات على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم وقت قيامه، نعم علم - صلى الله عليه وسلم - قربها على الإجمال"[20].

فليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم«بعثت أنا والساعة كهاتين» أن الساعة ستقوم على الفور، أو في وقت محدد يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما أراد المبالغة في قرب الساعة، فبعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي علامة من علامات الساعة الصغرى.

وقد ذكر ابن حجر في تعليقه على هذا الحديث: "قال عياض وغيره: أشار بهذا الحديث - على اختلاف ألفاظه - إلى قلة المدة بينه وبين الساعة، والتفاوت إما في المجاروة وإما في قدر ما بينهما... وقال القرطبي في "المفهم": حاصل الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها...، وقال القرطبي في "التذكرة": معنى هذا الحديث تقريب أمر الساعة، ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الآخر: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل"؛ فإن المراد بحديث الباب أنه ليس بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين الساعة نبي، كما ليس بين السبابة والوسطى أصبع أخرى، ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه، لكن سياقه يفيد قربها، وأن أشراطها متتابعة؛ كما قال تعالى: )فقد جاء أشراطها( (محمد: ١٨).

وقال الضحاك: أول أشراطها بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - والحكمة في تقدم الأشراط إيقاظ الغافلين وحثهم على التوبة والاستعداد.

وقال الكرماني: قيل: معناه الإشارة إلى قرب المجاورة، وقيل: إلى تفاوت ما بينهما طولا.

وعقب ابن حجر: "وقيل: المراد ليس بينهما واسطة، ولا معارضة بين هذا وبين قوله تعالى: )إن الله عنده علم الساعة( (لقمان: ٣٤) ونحو ذلك؛ لأن علم قربها لا يستلزم علم وقت مجيئها معينا، وقيل: معنى الحديث أنه ليس بيني وبين القيامة شيء، هي التي تليني كما تلي السبابة الوسطى، وعلى هذا فلا تنافي بين ما دل عليه الحديث وبين قوله تعالى عن الساعة: )لا يعلمها إلا هو( (الأنعام: ٥٩)" [21].

فدل كل ما سبق على أن المراد من الحديث هو المبالغة في قرب وقوع الساعة، وذلك لا يمنع من عدم العلم بوقت وقوعها؛ ولكن الذي علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أشراطها وعلاماتها، وقد ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكد على حتمية وقوعها في كثير من الأحاديث، فإخفاء وقت قيام الساعة لفائدة عظيمة، وتقديم الأشرطة والعلامات لفائدة عظيمة أيضا.

منها: إيقاظ الغافلين، وحثهم على التوبة والاستعداد.

نقل القرطبي - رحمه الله - عن العلماء قولهم: "والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها تنبيه الناس عن رقدتهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة؛ كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم، وانقطعوا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها، وتلك الأشراط علامة لانتهاء الدنيا"[22].

وهذا ما جاء به حديث جبريل - عليه السلام - السابق أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأخبرني عن الساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل؛ ولكن سأحدثك عن أشراطها...».

وقد تواترت أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيان حتمية وقوع أشراط الساعة، وذكر منها أشراطا صغرى؛ منها ما حدث في عهده - صلى الله عليه وسلم - كبعثته - كما في الحديث موضوع الشبهة - وكذلك موته - صلى الله عليه وسلم - وكذلك ما حدث في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - من انشقاق القمر، فقد أورد البخاري من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا»[23].

ومنها ما ظهر بعد موته - صلى الله عليه وسلم - وهي قسمان:

علامات صغرى وعلامات كبرى، فالصغرى كثيرة لا حصر لها، منها ما ورد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع جبريل - عليه السلام - من ذكر علامات الساعة وأماراتها، فقال: «...أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى العراة الحفاة العالة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان»[24].

ومنها - أيضا - ما جرى بين الصحابة من فتن عند مقتل عثمان، وكذلك خروج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وقد حدث ذلك في القرون السابقة، وغيرها من تلك العلامات التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - وظهرت بعد موته، ولا تزال تظهر حتى الآن كما أخبر الصادق المصدوق؛ وتبقى علامات الساعة الكبرى التي بينها - صلى الله عليه وسلم - كظهور المهدي، وخروج المسيح الدجال، ونزول عيسى - عليه السلام - وخروج يأجوج ومأجوج، ووقوع ثلاثة خسف واحد بالمشرق وثان بالمغرب وثالث بجزيرة العرب، ومنها الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وهدم الكعبة، وآخر ذلك خروج نار من أرض اليمن تحشر الناس.

فالساعة لها أشراط ومقدمات لا تقوم إلا بوقوع تلك المقدمات؛ وهذه العلامات منها ما يعايشه الناس، ومنها ما قد جاء وفرغ منه، ومنها ما هو مستقبل: أي تستقبله الناس ولم يأت بعد، فوقوع بعض تلك الأشراط دليل قاطع على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغ عن رب العزة، وفيه دليل ساطع على حتمية قيام الساعة بعد وقوع كل أشراطها التي وضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الخلاصة:

  • إنالعلمبوقتقيامالساعةأمرغيبيقداستأثربهالله - سبحانهوتعالى - ولميعلمهأحدامنخلقه،لاملكامقرباولانبيامرسلا؛وإنماأخبرالله - سبحانهوتعالى - النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلامات ومقدمات قيام الساعة؛ ليكون ذلك مدعاة إلى المبادرة بالأعمال الصالحة، والتقرب إلى الله - سبحانه وتعالى - بالطاعة.
  • الحديثالواردفيسؤالالأعرابعنالساعةحديثصحيحفيأعلىدرجاتالصحة؛فقدرواهالإمامانالبخاريومسلمفي صحيحيهما، وجاءت له شواهد كثيرة تؤكد على صحته عندهما.
  • إنالنبي - صلىاللهعليهوسلم - لميقصديومالقيامةبقوله: «حتىتقومالساعة»؛وإنماقصدساعةهذاالرجلالأعرابيالذيسأله: متىالساعة؟وقدسلكالنبي - صلىاللهعليهوسلم - طريقالتعريضفيذلكلعلمه بجفاء الأعراب، وقلة إيمانهم؛ إذ لو قال لهم: لا أدري، لارتابوا في الدين وضلوا.
  • لقدأجمععلماءالأمةعلىصحةحديثرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: «بعثتأناوالساعةكهاتين»وأنهفيأعلىدرجاتالصحة؛لاتفاقالشيخينعلىصحته،ومقصدالنبي - صلىاللهعليهوسلم - منه هو المبالغة في قرب وقوع الساعة، لأن بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي أول أشراطها، وأشراط الساعة كثيرة لا تقوم الساعة إلا بوقوعها جميعا.

 

 

(*)تحرير العقل من النقل، سامر إسلامبولي، مطبعة الأوائل، دمشق،2001م. منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل، عزية علي طه، دار البحوث العلمية، الكويت، ط1، 1407هـ/ 1987م.

[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: سؤال جبريل ـ عليه السلام ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإيمان والإسلام وعلم الساعة، (1/ 140)، رقم (50). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان...، (1/ 307)، رقم (99).

[2]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 301).

[3]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (1/ 148).

[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة الأنعام، (8/ 141)، رقم (4627).

[5]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قرب الساعة، (9/ 4055)، رقم (7276).

[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقاق، باب: سكرات الموت، (11/ 369)، رقم (6511). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قرب الساعة، (9/ 4055)، رقم (7275).

[7]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قرب الساعة، (9/ 4055)، رقم (7277).

[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في قول الرجل: ويلك، (10/ 568)، رقم (6167).

[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قرب الساعة، (9/4055)، رقم (7275).

[10]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (10/ 572).

[11]. معارج القبول، حافظ أحمد حكمي، مكتبة نزار مصطفي الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 592).

[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة"، (9/ 3664)، رقم (6363).

[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة"، (9/ 3664)، (6361).

[14] . فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (10/ 371).

[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقائق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين"، (11/ 355)، رقم (6504). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قرب الساعة، (9/ 4054)، رقم (7270).

[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقائق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين"، (11/ 355)، رقم (6503).

[17]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقائق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين"، (11/ 355)، رقم (6505).

[18]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قرب الساعة، (9/ 4054)، رقم (7269).

[19]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قرب الساعة، (9/ 4054)، رقم (7271).

[20]. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، (9/ 134).

[21] . فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 357، 358) .

[22]. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي، دار الريان للتراث، القاهرة، ط3، 1411هـ/ 1991م، ص709.

[23]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: سورة الانشقاق، (8/ 483)، رقم (4864).

[24]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام، (1/ 140)، رقم (50).

  • الخميس PM 11:50
    2020-10-15
  • 1754
Powered by: GateGold