المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412536
يتصفح الموقع حاليا : 390

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى تناقض أحاديث العلاج بالكي وتعارضها مع التوكل

دعوى تناقض أحاديث العلاج بالكي وتعارضها مع التوكل(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المغرضين من أعداء السنة النبوية تناقض الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشأن العلاج بالكي، مثل الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لدغة بنار، وما أحب أن أكتوي»، إذ يتناقض هذا الحديث مع الحديث الذي رواه الترمذي في سننه بسنده عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كوى سعد بن زرارة من الشوكة».

كما يدعون أن هذه الأحاديث تعارض أحاديث التوكل والتي تؤكد أن الكي يناقض التوكل على الله كقوله صلى الله عليه وسلم: «من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل» وفي رواية أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لم يتوكل من اكتوى واسترقى».

وجه إبطال الشبهة:

  • إنكلامن الأحاديث التي جاءت في العلاج بالكي أو النهي عنه أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن لكل حديث مناسبته؛ ولذا فليس ثمة تعارض بين هذه الأحاديث، فالأحاديث التي نهت عن الكي إنما هي لمن كانوا يكتوون قبل نزول البلاء بهم، ويعتقدون أن الكي يمنع البلاء، أما الأحاديث التي فيها جواز الكي إنما تجيزه عند الضرورة، كالابتلاء بالأمراض المزمنة التي لا ينجح فيها إلا الكي، ويخاف الهلاك عند تركه، فالنهي عن الكي كان سدا للذريعة، والعلاج بالكي مصلحة راجحة، وما منع سدا للذريعة قد يباح لمصلحة راجحة.

التفصيل:

إن أحاديث إباحة العلاج بالكي والنهي عنه أحاديث صحيحة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي تفيد أن العلاج بالكي مباح عند الضرورة، وأنه نهي عنه سدا للذريعة، وما منع سدا للذريعة قد يباح لمصلحة راجحة:

إن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه: «الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي»[1] حديث ثابت وصحيح، أخرجه البخاري في صحيحه عن محمد بن عبد الرحيم عن سريج بن يونس أبي الحارث عن مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه ابن ماجه في سننه عن أحمد بن منيع عن مروان بن شجاع به[2]، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في المسند بسنده عن مروان بن شجاع عن سالم الأفطس به[3].

وقد أخرجه مسلم في صحيحه بلفظ: «إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة من عسل، أو لدغة بنار، وما أحب أن أكتوي»[4] عن نصر بن علي الجهضمي عن أبيه عن عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وبهذا يتأكد لنا أن الحديث صحيح، بل في أعلى درجات الصحة، رواه إماما المحدثين البخاري ومسلم، وهو حديث ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أشرنا، لكن ظاهر الحديث يتضمن أمرين، أحدهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن الكي علاج ناجع وشاف بإذن الله - عز وجل - والآخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أمته عن الكي وسنزيل اللبس في هذا بعد قليل، أما عن الأحاديث التي ظاهرها النهي عن العلاج بالكي فهي:

  • قولهصلىاللهعليهوسلم: «مناكتوىأواسترقىفهوبريءمنالتوكل»[5].
  • قولهصلىاللهعليهوسلم: «لميتوكلمناكتوىواسترقى»[6].
  • قولهصلىاللهعليهوسلم: «عرضتعليالأمم،فأخذالنبييمرمعهالأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب. قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون؛ فقام إليه عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، ثم قام إليه رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة» [7].
  • عنعمرانبنالحصين،قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكي. فاكتويت فما أفلحت ولا أنجحت»[8].

إن الأحاديث الصحيحة السابقة لتدل دلالة قوية - في ظاهرها - على عدم مشروعية العلاج بالكي، وهذا ليس صحيحا، فهناك أحاديث أخرى صحيحة ثابتة أيضا تبيح العلاج بالكي، ومنها ما روي عن جابر أنه - رضي الله عنه - قال: «بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه»[9]، وحديث أنس - رضي الله عنه - أنه قال: «كويت من ذات الجنب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي»[10]، فهل هذا يعد تعارضا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟! بالطبع لا، والجواب عن ذلك فيما يأتي:

o      العلاج بالكي وحكمة النهي عنه:

إن التداوي من أجل الشفاء من الأمراض أمر مشروع في العقيدة الإسلامية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاء، إلا الهرم»[11].

فهذا الحديث يوضح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح لأمته التداوي، ومن الأمور التي يتداوى بها الكي، ولقد اكتوى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده، وفي هذا يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي: فأباح لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتداووا، والكي فيما كانوا يتداوون به، وقد اكتوى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده"[12].

لقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الكي علاج نافع، وأنه سبب مهم من أسباب إدراك الشفاء والقضاء على الداء بإذن الله حين قال: «الشفاء في ثلاثة...» الحديث.

وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كوى أحد أصحابه، وإن كانت الغاية من الكي هي وقف النزيف في حالة، أو كي من الشوكة - كما روي عنه - في حالة أخرى.

وصح أيضا أنه بعث طبيبا إلى أبي بن كعب فقطع له عرقا ثم كواه عليه، وفي هذا يقول أبو سليمان الخطابي: الكي داخل في جملة العلاج والتداوي المأذون فيه، والنهي عن الكي يحتمل أن يكون من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره، ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه، وإذا لم يفعل هلك صاحبه، ويقولون: آخر الدواء الكي، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك إذا كان على هذا الوجه، وأباح استعماله على معنى طلب الشفاء والترجي للبرء بما يحدث الله من صنعه فيه، فيكون الكي والدواء سببا لا علة، وفيه وجه آخر، وهو أن يكون نهيه عن الكي، وهو أن يفعله احترازا عن الداء قبل وقوع الضرورة، ونزول البلية، وذلك مكروه، وإنما أبيح العلاج والتداوي عند وقوع الحاجة، ودعاء الضرورة إليه[13].

من أجل كل ذلك كان العلاج بالكي جائزا، وكان النهي هنا نهي تنزيه لا نهي تحريم، وإنما نهي عنه سدا للذريعة؛ لأن العرب كانوا حديثي عهد بكفر، وكانوا يعتقدون في العلاج بالكي اعتقادات شركية، يرون أنه يمنع القدر فلما غلب ذلك على اعتقادهم كان النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل هذا السبب وغيره من الأسباب.

إذن كان للنهي عن الكي أسباب وجيهة نجملها فيما يأتي:

  1. محاربة اعتقاد أهل الجاهلية في التعلق بالسبب وترك مسبب الأسباب، وكانوا يعتقدون أنه من لم يكتو فقد هلك؛ فنهاهم عنه لأجل هذا.
  2. الحد من انتشار الكي بلا أسباب مرضية خاصة مثل كي الأطفال والدواب الأصحاء، دفعا لنزول الداء بها.
  3. الألم الناتج عن الكي قد يكون أشد من ألم المرض.
  4. للعلاج أدوية أخرى ناجعة غير الكي وأقل ألما منه.
  5. أنه لا يصح أن تعالج كل الأمراض بالكي.

يقول الإمام النووي في تعليق مهم وموجز على أحد أحاديث العلاج بالكي:

وقوله صلى الله عليه وسلم: «وما أحب أن أكتوي» إشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه؛ لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي[14].

والذي قاله النووي هو ما ذهب إليه أيضا ابن القيم؛ حيث يقول:

وقوله: «وأنا أنهى أمتي عن الكي»، وفي الحديث الآخر: «ما أحب أن أكتوي» إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه، ولا يعجل التداوي به لما فيه استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي[15].

قال ابن رسلان: هذه الرواية - يقصد رواية عمران بن حصين - رضي الله عنه - والتي فيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهاهم عن الكي واكتووا - فيها إشارة إلى أنه يباح الكي عند الضرورة بالابتلاء بالأمراض المزمنة التي لا ينجع فيها إلا الكي، ويخاف الهلاك عند تركه[16].

وإن سأل سائل عن دلالة النهي في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجابه الإمام ابن القيم - في تعليقه على حديث عمران بن حصين - بقوله: وأخرجه ابن حبان في صحيحه، ثم قال بعده: الزجر عن الكي في حديث عمران بن حصين، إنما هو عن الابتداء به من غير علة توجبه، كما كانت العرب تفعله، تريد به الوشم، وحديث جابر فيه إباحة استعماله لعلة تحدث من غير الاتكال عليه في برئها، وفي هذا نظر.

وقالت طائفة: النهي من باب ترك الأولى، ولهذا جاء في حديث السبعين ألف «أنهم لا يكتوون ولا يسترقون» وفعله يدل على إباحته.

وهذا أقرب الأقوال، وحديث عمران يدل عليه، فإنه قال: "نهانا عن الكي فاكتوينا" فلو كان نهيه للتحريم؛ لم يقدموا عليه[17].

إن مما يؤكد ما ذكرناه من أسباب النهي عن العلاج بالكي ما قاله الإمام ابن العربي، حيث قال:

"قال العلماء: إنما نهي عن الكي؛ لأنهم كانوا يعظمون أمره، ويرون أنه يبرئ ولابد، ويحتمل أنه نهى عنه؛ لأنه إنما يستعمل في داء مخصوص، وكانوا يتعلمونه على العموم... ويحتمل أنه نهى عنه قبل نزول الداء، ولكن عهد أن لا يكتووا إلا بعد وجود الداء[18].

ويمكن أن نجمل ما فصلناه مسبقا فيما قاله الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" عن العلاج بالكي، حيث قال:

تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع؛ أحدها: فعله - صلى الله عليه وسلم - والثاني: عدم محبته له، والثالث: الثناء على من تركه، والرابع: النهي عنه، ولا تعارض بينهما بحمد الله - عز وجل - فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه. وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل. وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار مع الكراهية، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من تفشي الداء[19].

وبهذا يتبين لنا أن النهي عن العلاج بالكي ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لم يأت عبثا، بل جاء وفق حكمة عالية وحكيمة.

o      العلاج بالكي والتوكل:

إن التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله - عز وجل - ولا يناقض هذا الصدق الأخذ بالأسباب، وإنما يناقضه الاعتقاد في الأسباب، ولما غلب اعتقاد أهل الجاهلية في الأسباب غالوا في العلاج بالكي واعتقدوا في شفائه حتى كان دواءهم الأول، فقد كانوا يكوون الصحيح، ويرون أن ذلك يمنع الداء من النزول به طالما قد كوي، وقد جاء الإسلام ليهدم هذه الشركيات بمعاول التوحيد؛ حيث نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته عن الكي، وبين أن طلب الكي تعجلا لدفع الداء، دون الصبر عليه ودون قصد غيره من الوسائل العلاجية - يقدح في التوكل.

فقد ينزل المرض بالعبد المسلم، وقد يصبر على قدر الله ويحتسب، وقد يعالج نفسه طلبا للشفاء، وهو أمر مشروع حض عليه الشرع الحنيف، والكي من العلاجات النافعة التي عقد النبي - صلى الله عليه وسلم - العلاج بها، فماذا عليه لو اكتوى؟! وهل يقدح ذلك في توكله؟!

إن الاعتقاد المطلق في الكي كعلاج، ورفعه فوق درجة أنه سبب من أسباب الشفاء، وعزل ذلك عن المشيئة والإرادة الإلهية يقدح في أصل التوكل؛ لأن هذا العمل شرك، والله أغنى الشركاء عن الشرك.

ولذلك قالوا: ترك السبب معصية، والاعتماد عليه كفر، والأخذ به طاعة.

"وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا، ولا توكله عجزا[20].

يقول ابن رسلان: "كان العرب يرون أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكي، ويعتقدون أن من لم يفعل بالكي هلك، فنهاهم عنه لأجل هذه النية، فإن الله - عز وجل - هو الشافي"[21].

ويقول ابن قتيبة: الكي جنسان: أحدهما: كي الصحيح لئلا يعتل، كما يفعل كثير من أمم العجم؛ فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم، يرون أن ذلك الكي يحفظ لهم الصحة ويدفع عنهم الأسقام.

ورأيت بخراسان رجلا من أطباء الترك معظما عندهم يعالج بالكي... وأنه يكوي الصحيح لئلا يسقم فتطول صحته.. وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها، وتفعل شبيها بذلك في الإبل... وهذا هو الأمر الذي أبطله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه يعارض التوكل؛ ولأنه ظن أن اكتواءه وإفزاعه الطبيعة بالنار... - يدفع عنه قدر الله تعالى.

ولو توكل عليه، وعلم أن لا منجى من قضائه لم يتعالج وهو صحيح، ولم يكو موضعا لا علة فيه.

وأما الجنس الآخر فكي الجرح إذا نغل[22]، وإذا سال دمه فلم ينقطع، وكي العضو إذا قطع،أو حسمه، وكي عروق من سقى بطنه وبدنه.

وهذا هو الكي الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن فيه الشفاء... وليس هذا بمنزلة الأول، ولا يقال لمن يعالج عند نزول العلة به لم يتوكل، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتعالج - فلكل داء دواء - لا على أن الدواء شاف لا محالة، وإنما يشرب على رجاء العافية من الله تعالى به، إذ كان قد جعل لكل شيء سببا[23].

ومما سبق يتبين لنا أن الكي جائز إذا دعت الضرورة إليه، كما أن ذلك لا يعارض أصل التوكل ما دام القلب يعتقد أن الله هو الشافي وأن الكي ما هو إلا سبب للعلاج، ولقد جمع الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - الكلام على ما أثير في هذه الشبهة حين قال معلقا على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الكي: "وإنما نهي عنه مع إثباته الشفاء فيه إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه فكرهه لذلك، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء لظنهم أنه يحسم الداء، فيتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار لأمر مظنون، وقد لا يتفق أن يقع له ذلك المرض الذي يقطعه الكي، ويؤخذ من الجمع بين كراهته - صلى الله عليه وسلم - للكي وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى"[24].

الخلاصة:

  • إنأحاديثإباحةالعلاجبالكيوالنهيعنه - ثابتةعنالنبي - صلىاللهعليهوسلم - وهي في أعلى درجات الصحة المتفق عليها.
  • التداويمنأجلالشفاءمنالأمراض - أمرمشروعفيالعقيدةالإسلامية،وقدبينالنبي - صلىاللهعليهوسلم - أنالكيعلاجناجعوأنهسببمهممنأسبابالشفاء،ونهيهعنهكانمبنياعلىفلسفةوحكمة.
  • نهىالنبي - صلىاللهعليه وسلم - عن الكي سدا للذريعة؛ لأن العرب كانوا حديثي عهد بكفر، وكانوا يعتقدون في الكي أنه علاج نافع بنفسه، ويريدون أنه يمنع القدر فلما غلب ذلك على اعتقادهم كان النهي عنه من أجل هذا السبب وغيره من الأسباب، وما منع سدا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة.
  • قولهصلى الله عليه وسلم: «وما أحب أن أكتوي» إشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه؛ لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أخف من ألم الكي.
  • قالالعلماء: إنمانهى - صلىاللهعليهوسلم - عنالكي؛لأنهمكانوايعظمونأمره،ويرونأنهيبرئ،ولابدمنه. ويحتمل أنه نهى عنه؛ لأنه إنما يستعمل في داء مخصوص وكانوا يتعلمونه على العموم ويعتقدون فيه.
  • إنالاعتقادالمطلقفيالكيكعلاج،ورفعهفوقدرجةأنهسببمنأسبابالشفاء،وعزلذلكعنالمشيئةوالإرادةالإلهية - يقدحفيأصلالتوكل؛لأنهذاالعملشرك،والله أغنى الشركاء عن الشرك.
  • إذاتعينالعلاجبالكيعلىالمريضالمسلموجبعليهرفعالداءعنه،معاعتقادأناللههوالشافي،وأنالكيسببمنأسبابالشفاء؛وذلكلايقدحفيأصلالتوكل.

 

 

(*) مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين، د. نافذ حسين حماد، دار النوادر، لبنان، ط1، 1428هـ/ 2007م.

[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الشفاء بثلاث، (10/ 143)، رقم (5681).

[2]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطب، باب: الكي، (2/ 1155)، رقم (3491). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة برقم (3491).

[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند جابر بن عبد الله، (14742). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.

[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: لكل داء دواء واستحباب التداوي، (8/ 3328، 3329)، رقم (5639).

[5]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الطب، باب: كراهية الرقية، (6/ 179)، رقم (2131). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2055).

[6]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث المغيرة بن شعبة، رقم (18242). وحسنه الأرنؤوط في تعليقه علي المسند.

[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقاق، باب: يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، (11/ 413)، رقم (6541).

[8]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطب، باب: الكي، (2/ 1155)، رقم (3490). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3490).

[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: لكل داء دواء، (8/ 3329)، رقم (5641).

[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: ذات الجنب، (10/ 182)، رقم (5721).

[11]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطب، باب: ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، (2/ 1137)، رقم (3436). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3436).

[12]. شر ح معاني الأثار، أبو جعفر الطحاوي، تحقيق: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1416هـ/ 1996م، (4/ 323).

[13]. شرح السنة، البغوي، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1983م، (12/ 146).

[14]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (8/ 3334).

[15]. الطب النبوي، ابن قيم الجوزية، تحقيق: الشحات أحمد الطحان، دار المنار، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص36.

[16]. عون المعبود، شمش الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (10/ 246).

[17]. عون المعبود، شمش الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (10/ 246).

[18]. عارضة الأحوذي، ابن العربي، دار الوحي المحمدي، القاهرة، (8/ 208). نقلا عن: مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين، د. نافذ حسين حماد، دار النوادر، لبنان، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص40.

[19]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (4/ 65، 66) بتصرف يسير.

[20]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، هامش (8/ 3332، 3333).

[21]. عون المعبود، شمش الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (10/ 246).

[22]. نغل: فسد.

[23]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م، ص306: 309 بتصرف يسير.

[24]. فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (10/ 145).

  • الاربعاء PM 02:26
    2020-10-14
  • 1204
Powered by: GateGold