تطبيق الشريعة في المذهب المالكي من الناحية القانونية - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 441854
يتصفح الموقع حاليا : 323

البحث

البحث

عرض المادة

تطبيق الشريعة في المذهب المالكي من الناحية القانونية

ماذا يعني تطبيق الشريعة في المذهب المالكي؟ من الناحية القانونية:

تعتبر أحكام الشريعة الإسلامية فوق جميع الأحكام وأسماها وأعلاها.

وقد جاء في بيان المؤتمر الثاني لجمعية العلماء خريجي دار الحديث الحسنية المنعقد بمراكش أيام 14 - 15 - 16 جمادى الأولى 1396 هـ موافق 14 - 15 - 16 ماي 1976 م التأكيد على ضرورة جعل التشريع المغربي تشريعا إسلاميا مستمدا من أطر الإسلام وقواعده والأعراف المغربية الأصيلة (1).وأحكام الشريعة بعضها منصوص عليها في القرآن والسنة، فهذا القسم يجب الإذعان له، ولا يسمح لأي تشريع بتجاوزه وإقصائه. يعني لا يجوز سن أي قانون يخالف حكما شرعيا مجمعا عليه. وكل قانون يخالفه يجب إلغاؤه والحرص على تبديله.

وبعضها ترك الشرع مجالها مفتوحا للتطور والتغير، فهذه يجوز الاجتهاد في تشريع أحكامها مع ضرورة الانضباط بضوابط الشريعة العامة والخاصة المتعلقة بها.فمثلا قانون السير في الطرق لا توجد له أحكام تفصيلية خاصة لكن عندنا في الشريعة ضوابط كثيرة تضبطه، مثل: تحريم الاعتداء على حق الغير وعلى النفس، وكالدية مثلا عند القتل والقصاص عند الجرح، وحرمة الاعتداء على المسلم أو ترويعه. وأن من ألحق ضررا بملك غيره ضمن، وهكذا.وأما العقوبات الزجرية للمخالفات القانونية في السير التي لا نص فيها فهذه المجال فيها مفتوح للحاكم أو المؤسسات التي تعمل تحته لأنها عند الفقهاء داخلة في باب التعزير.قال القاضي الشماع الهنتاني في مطالع التمام ونصائح الأنام (1/ 237): التعزيرات والعقوبة بالحبس وهو تأديب واستصلاح وزجر على الذنوب التي لم يشرع فيها حدود ولا كفارات. انتهى.وقد أطال العلامة والمناضل والوطني علال الفاسي في كتابه «دفاع عن الشريعة الإسلامية» الكلام على ضرورة انضباط القوانين بالشريعة الإسلامية.

واعتبر أن ما تم تحقيقه في الحكومة الأولى بعد الاستقلال من كون القضاة جميعا مغاربة وأن تكون المرافعات باللغة العربية مكسبا هاما، لكنه غير كاف. وزاد (21): لا يكفينا ذلك، لأن الغاية عندنا ليس هي أن يحكم المغربي مكان الأجنبي. ولكن الغاية هي أن يستعمل المغربي قانونا غير القانون الذي كان يستعمله الأجنبي. الغاية عندنا هي إعادة النظر في القوانين النافذة في المغرب في مختلف المحاكم الموجودة، وتوحيدها في قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية، أو هي الشريعة الإسلامية مدونة تدوينا عصريا، ومع الاجتهاد الضروري لسد حاجة العصر.وقال (23): فإذا رضينا نحن بقوانين الأجنبي مكان قوانيننا، وإذا اخترنا لغته مكان لغتنا، وحضارته مكان حضارتنا، فمعنى ذلك أننا لم نزد على أن ورثنا سلطته وقمنا مقامه في تطبيق البرامج التي كان يعمل لها.

وقال (39): وتغيير القوانين لم يقصد منه إلا إضعاف العقيدة التي بني عليها المجتمع، ليسهل تحويله من نموذجه الإسلامي الأصلي إلى نموذج غربي على صورة المستعمر الفرنسي أو الإسباني بالنسبة إلينا.

وقال (4): لقد أصبح قسم من المسلمين -وجلهم من المسؤولين في الحكومات الإسلامية- يقومون مقام المستعمر في الذب عن الفكر الأجنبي المتمثل في القوانين المحدثة، وكيل الطعن المتوالي على الفقه الإسلامي ورجاله ودعاة العودة إليه.وحكى بمرارة كيف تم إيقاف العمل بسن القوانين الموافقة للشريعة وهو شاعد عيان على ذلك، قال رحمه الله (5 - 6): وفي المغرب لم يكن يخطر ببال أحد من المناضلين الأولين أن القانون الذي وضعه الفرنسيون لمقاصد استعمارية سيصبح المتحكم في كل النشاط الإسلامي في المغرب.

فبمجرد ما أعلن الاستقلال وتكونت الحكومة الأولى أصدر جلالة المرحوم محمد الخامس أمره بتأسيس لجنة لتدوين الفقه الإسلامي استعدادا لجعله القانون الرسمي للدولة في جميع المحاكم التي أخذت تسير في طريق التوحيد.

ولم يكن يخطر ببال جلالته ولا ببالنا نحن أعضاء لجنة التدوين الذين شرفهم جلالته بتعيينهم لأداء هذه المهمة أن عملنا سيقتصر على مجرد الأحوال الشخصية. والدليل على ذلك أننا اشتغلنا في قسم الأموال بعد إنجازنا للأحوال، ولكن قسم التشريع بالكتابة العامة الذي يشرف عليه لحد الآن فنيون فرنسيون أوقف أمر البت فيه، وترتب على ذلك أن توقف سير التدوين في بقية أبواب الفقه الأخرى. ثم حدث أن عرضنا على البرلمان المغربي وقت انعقاده مشروع قانون بتوحيد المحاكم والقوانين في المغرب صادق عليه النواب بالإجماع وأصبح نافذ المفعول، فكان من المنتظر التي تأسس لجان على الفور لإعادة النظر في القوانين التي قرر تطبيقها على المغاربة، لنسخها بقوانين مغربية تمثل مقتضيات الشريعة الإسلامية طبقا لروح التشريع المغربي وما فيه من اختيار ومن عمل. ولكن الأمر جرى بعكس هذا فقد استقر الوضع على إبقاء دار لقمان على ما هي عليه، وأصبحنا نسمع بإمكان نسخ المادة التي تمنع الربا على المسلمين وغير ذلك من كل ما ينافي الشريعة الإسلامية، بدعوى أن من الصعب أو المستحيل تطبيق الشريعة الإسلامية في المغرب الحديث نظرا لمنافاتها لكثير مما جرى به العمل وسارت عليه الأحوال.

وزاد مؤكدا (7): ولاشك أننا لو سايرنا التشريعات التي وضعها المستعمرون في كل من الهند وأندونيسيا والعالم العربي وإفريقيا لاستخرجنا منها حججا دامغة على أن مقاصد المستعمرين في تلك التشريعات لم تكن إلا هدم الكيان الوطني، وفسح المجال للاستعمار الرأسمالي الأجنبي. وفيما أعطيناه من نماذج من القوانين التي وضعها المستعمرون في بلادنا ما يبين الحقيقة ويدل على ما وراءه.

وقال (167): إن القوانين التي بين أيدينا والتي يريدون تطبيقها في عهد الاستقلال والتوحيد ليست صالحة للبقاء، ومراجعتها لا تكفي. لأن في دسمها سما لا يمكن التوقي منه. وإنما يجب أن تضع قوانينها من جديد مستمدين لها من الشريعة الإسلامية، غير مقصرين في تفهم المراحل القانونية التي اجتازتها بلادنا.

وقال (219): وهكذا نرى مقاصد التشريع الاستعماري ساريا في كل فصول القوانين التي وضعها الفرنسيون والتي أصبحنا نقدسها ونعمل على تطبيقها على مواطنينا.

وقال (221): إن إبقاءنا على القوانين الأجنبية أو اعتبارنا لها مصدرا من مصادر تشريعاتنا المقبلة هو عين الرضا بدوام الاستعمار، والإبقاء على بذوره في نفوسنا وأفكارنا إلى الأبد. انتهى.والأصل في التشريع القانوني في الإسلام: أن ما شرعت الشريعة له حكما يجب الالتزام به. وما استجد من أحداث يجب الاجتهاد من قبل أهل الاختصاص لتشريع أحكام تتعلق به.فليس كل تشريع حرام. والتشريع الممنوع هو التشريع الذي لا ينضبط بأحكام الشريعة أو المخالف لها. أما إذا انضبط وفقها فليس تشريعا ممنوعا.فالدستور مثلا يجب ألا يتضمن أي نص يخالف أحكام الشريعة. وكل القوانين التي تصدرها الحكومة يجب أن تكون وفق الشريعة الإسلامية. ويجب  أن تصدر قوانين تحرم كل المحرمات الشرعية كالخمر والقمار والخنزير والزنا واللواط وغيرها.في مشروع دستور عبد الكريم مراد الذي يعد ثاني مشروع دستور عرض في المغرب بعد مشروع علي زنيبر: ضرورة ضبط الأموال التي تأخذ من الناس بما يوافق الشريعة (1).

وأن المحافظة على المعاهدات الأجنبية مشروطة بعدم مخالفة الشريعة (2).

وأن أصول مواد القوانين المغربية يجب أن تكون وفق ما أتت به الشريعة (3).

وأكد على وجوب إلغاء جميع الضرائب المخالفة للشريعة (4).

ونفس الشيء: نجده في المشروع الثالث للدستور المغربي: اشتراط موافقة المال الذي يجمع من الناس لأحكام الشريعة (5).

والشريعة بشمولها وعمومها شاملة لكل مستجدات الحياة مستغرقة لكل مجالاتها وأنحائها، وليس كما يقول العلمانيون: إن زمانها ولى وانتهى.ولننقل هنا فقرة طويلة في تقرير شمول الشريعة لكافة المستجدات والأحكام لعالم مالكي بارع:قال الشاطبي في الاعتصام (2/ 816 - 818): إن الله تعالى أنزل الشريعة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها تبيان كل شيء يحتاج إليه الخلق في تكاليفهم التي أمروا بها وتعبداتهم التي طوقوها في أعناقهم، ولم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كمل الدين بشهادة الله تعالى بذلك، حيث قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} فكل من زعم أنه بقي في الدين شيء لم يكمل فقد كذب بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.

فلا يقال قد وجدنا من النوازل والوقائع المتجددة ما لم يكن في الكتاب ولا في السنة نص عليه ولا عموم ينتظمه، وأن مسائل الجد في الفرائض والحرام في الطلاق ومسألة الساقط على جريح محفوف بجرحى وسائر المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها من كتاب ولا سنة، فأين الكمال فيها؟.فيقال في الجواب:أولا: إن قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} إن اعتبرت فيها الجزئيات من المسائل والنوازل فهو كما أوردتم ولكن المراد كلياتها فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات إلا وقد بينت غاية البيان.

نعم يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولا إلى نظر المجتهد، فإن قاعدة الاجتهاد أيضا ثابتة في الكتاب والسنة فلا بد من إعمالها ولا يسع تركها، وإذا ثبت في الشريعة اشعرت بأن ثم مجالا للاجتهاد ولا يوجد ذلك إلا فيما لا نص فيه.ولو كان المراد بالآية الكمال بحسب تحصيل الجزئيات بالفعل فالجزئيات لا نهاية لها فلا تنحصر بمرسوم. وقد نص العلماء على هذا المعنى فإنما المراد الكمال بحسب ما يحتاج إليه من القواعد الكلية التي يجرى عليها ما لا نهاية له من النوازل.

ثم نقول: ثانيا: إن النظر في كمالها بحسب خصوص الجزئيات يؤدى إلى الإشكال والالتباس، وإلا فهو الذي أدى إلى إيراد هذا السؤال إذ لو نظر السائل إلى الحالة التي وضعت عليها الشريعة وهي حالة الكلية لم يورد سؤاله لأنها موضوعة على الأبدية وإن وضعت الدنيا على الزوال والنهاية.وأما الجزئية فموضوعة على النهاية المؤدية إلى الحصر في التفصيل وإذ ذاك قد يتوهم أنها لم تكمل فيكون خلافا لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} الآية. ولا شك أن كلام الله هو الصادق وما خالفه فهو المخالف.فظاهر إذ ذاك أن الآية على عمومها وإطلاقها، وأن النوازل التي لا عهد بها لا تؤثر في صحة هذا الكمال، لأنها إما محتاج إليها وإما غير محتاج إليها.

فإن كانت محتاجا إليها فهي مسائل الاجتهاد الجارية على الأصول الشرعية، فأحكامها قد تقدمت. ولم يبق إلا نظر المجتهد إلى أي دليل يستند خاصة. وإما غير محتاج إليها فهي البدع المحدثات. إذ لو كانت محتاجا إليها لما سكت عنها في الشرع، لكنها مسكوت عنها بالفرض ولا دليل عليها فيه كما تقدم، فليست بمحتاج إليها. فعلى كل تقدير قد كمل الدين والحمد لله. انتهى.وكان القضاة المغاربة يستدعون العلماء لأخذ رأيهم في النوازل. ترتيب المدارك (5/ 155).وكان علي بن يوسف (أي: ابن تاشفين) واقفا كأبيه عند إشارة الفقهاء وأهل العلم قد رد جميع الأحكام إليهم.

كما قال الناصري في الاستقصاء (2/ 230 - 231).كل مس بالإسلام أو بقواعده العامة أو ثوابته يعتبر عملا غير دستوري، لأنه يتناقض والمادة الدستورية: الدين الرسمي للدولة هو الإسلام. فجعل دين الدولة الإسلام يستوجب احترامه والدفاع عنه وعدم المس به وبأصوله وثوابته. والمس به مس بالمجتمع ككل وبعقيدته وثوابته.ورغم الأهمية البالغة لهذه المادة، فلا يكفي التصريح بها في الدستور.

بل لابد من جعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع. وجل العلمانيين يعادون هذه المادة، بل اعتبرها القمني لافتة طائفية (1)، وهي اعتداء صارخ على حقوق الإنسان الشخصية، وضغط على الضمير الإنساني، ولون شديد الفجاجة من التخلف في الميدان الحقوقي، ووصاية بغيضة على أرواح الناس (2). وواضعها ذو عقلية أحادية فاشية طائفية عنصرية (3).

وكل هذا دليل واضح على الحقد الدفين على الإسلام، ولو تمت صياغته تحت لافتة الوحدة الوطنية، لأن النصارى واليهود لا يمثلون في الدول الإسلامية إلا نسبا ضئيلة جدا جدا من مجموع السكان، ومادة دين الدولة الإسلام تعني أن دين الأغلبية هو الإسلام، وهذا لا يعارض وجود نصارى ويهود فيها، ويكفي أن النصارى واليهود عاشوا قرونا عديدة تحت حكم الشريعة ولم نعرف عن واحد منهم تذمرا من ذلك، إلا بعد مجيء العلمانية عدو الأديان جميعا. فتستر العلمانيون تحت هذا الشعار لضرب الأديان جميعا.ويجب تقييد القوانين التي يصادق عليها البرلمان بعدم مخالفة أحكام الشريعة وقواعدها.فإذا وافق الدستورُ أو القانونُ أو ما سنه مجلس الشعب الشريعةَ فهو محمود، وإذا خالفها فهو مذموم. والضابط في هذا: كل قانون يبيح ما حرم الله كالخمر أو الربا أو الزنا أو يحرم ما أوجب الله ورسوله كالحجاب فهو باطل ومحاداة لله ولرسوله. وكل قانون عكس ذلك فهو عين ما أمر الله به ورسوله.وإذا رأى البرلمان سن قانون في الدول الإسلامية بشرعية الشذوذ الجنسي أو زنا المحارم أو شرعية اتخاذ الخليلات أو منع الحجاب أو حتى منع الصلاة والصيام، بل منع الإسلام بأكمله، كما حدث في الاتحاد السوفياتي العلماني، فليس له ذلك. كما ترى العلمانية وتهدف إليه وتسعى لتحقيقه.وليست التشريعات القانونية في المفهوم العلماني خاضعة للإسلام وأحكامه. نعم لو انضبطت القوانين بأحكام الشريعة وصِيغ الدستور وفق مبادئ الشريعة فهنا سيكون الحديث عن دستورية القوانين حديث عن شرعيتها في نفس الوقت.وهكذا يقال في حقوق الإنسان، فنحن نفرق بين حق الإنسان في السكن والعمل والعيش الكريم وغير ذلك، فهذا محمود جاءت الشريعة باعتباره. وبين حق الإنسان في الزنا واللواط والخمر ومعاشرة الخليلات فهذا مذموم قد جاءت الشريعة بمنعه.

والواجب أن نفهم حقوق الإنسان في إطار حضارتنا وثقافتنا وقيمنا. ولذلك فيتعين التعبير بلفظ: حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها إسلاميا، بدل التعبير بلفظ: حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، كما يفضل معظم العلمانيين. فحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها دوليا تعني الشذوذ الجنسي والدعارة المنظمة وممارسة الجنس الحر بالتراضي. فهل هذا ما تريد القوى العلمانية؟وبالتالي فنحن هنا نتحدث عن أسلمة حقوق الإنسان، كما نتحدث عن أسلمة علم النفس وأسلمة علم الاجتماع وغير ذلك. وسأعود لبسط الكلام في هذا في كتاب مفرد حول السياسة الشرعية الإسلامية إن شاء الله تعالى.وقد تكلم عدد من المعاصرين في الثابت والمتغير في أحكام الشريعة ورأيت بعضهم زعم أن أغلب الأحكام مرنة قابلة للتطور، حتى قال أحد كبارهم إن 99% من الأحكام كذلك. ورأيت بعضا آخر زعم أن الشريعة فصلت كل شيء ولم تترك للاجتهاد مجالا حتى تفاصيل أحكام السياسة، وظهر لي أن كلا القولين فيهما إفراط وتفريط، وأن الصواب أن الأحكام في الإسلام على ثلاثة أقسام (1):

1 - قسم ثابت مطرد الأصول والفروع لا يلحقه تغير وتبديل مهما تطورت الحياة وتعقدت.

مثل الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والحج وغيرها، وأحكام الزواج والطلاق، والمحرمات المشهورة كالزنا والسرقة والخيانة والربا.

2 - قسم ثابت الأصول متجدد في أكثر الفروع.فهذا القسم وضعت له الشريعة قواعد وضوابط عامة لا يجوز الخروج عليها، وفصلت بعض فروعه مثل: أن يكون الحكم بما أنزل الله، وأن يكون شوريا، وأن تراعى فيه جلب المصالح للمسلمين ودرء المفاسد، وسياسة الناس بالعدل، وحفظ الأمن العام للرعية.وتركت تفصيل فروع أخرى رحمة من غير نسيان إلى اجتهاد العلماء ككيفية وشروط البيعة والعزل وتحديد الشورى وكيفية تنظيم الولايات والقضاء، والقوانين الإدارية لضبط الإدارات العمومية من وزارات ومندوبيات وغيرها والقوانين المنظمة للشركات والعمال وحقوقهم وواجباتهم وغير ذلك ...هذا من الناحية السياسية، وأما من الناحية الاقتصادية فقد نصت النصوص على أصول منها: إن المال كله لله والبشر مستخلفون فيه، ووجوب تأمين الضروريات لكل فرد، وتحريم أكل المال بالباطل، وتحريم الربا والاحتكار والغش والميسر وغيرها ...وأما أسلوب وضع الخطط الاقتصادية وضمان تحقيق هذه الأصول وكيفية التعامل بين المؤسسات العامة والخاصة وإشراف الدولة أو سيطرتها على الإنتاج أو التجارة فهي موكولة أيضا إلى اجتهاد العلماء في حدود تلك الأصول بشروط الاجتهاد المعتبرة عند العلماء.

3 - الأمور الدنيوية المحضة التي لا علاقة لها بالحلال والحرام كأنشطة الزراعة والصناعة والعمارة وغيرها، أي: وسائل وطرق الإنتاج. ونعني بها الأمور الإجرائية العملية، أو ما يسمى بالمسائل التقنية. كالبذور والأدوية وفترات الإنتاج. مع وجوب عدم خروجها عن أصول الشريعة وقواعدها.

فائدة:الذي وضع الدستور المغربي هو: دوفيرجي وتمت الموافقة عليه في 7/ 12/1962 (1). ولما صدر دستور 1962 أفتى الشيخ مولاي العربي العلوي بعدم جوازه بحجة أن الحاكم ينفذ ولا يشرع، أي ليس له حق تشريع الأحكام وإنما هو منفذ فقط.

  • الاحد PM 02:24
    2016-11-20
  • 4606
Powered by: GateGold