المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413786
يتصفح الموقع حاليا : 250

البحث

البحث

عرض المادة

تحريم المالكية التحاكم إلى غير الكتاب والسنة

إذا كان المالكية نصُّوا على وجوب الرجوع للكتاب والسنة واعتبارهما المصدر الوحيد للتشريع، ففي المقابل اشتد إنكارهم للتحاكم إلى غير الكتاب والسنة.وقد تقدم إنكار العلامة محمد بن جعفر الكتاني على المسلمين عامة والمغاربة خاصة الأخذ بالقوانين الوضعية وتقدم كذلك إنكار علماء مراكش في الصفحة ما قبل السابقة على تبديل الشريعة بالقوانين الوضعية واعتبروه كفرا مخرجا من الملة.وهذا العلامة التمنارتي ومعه مجموعة من علماء المغرب يستنكرون بشدة التحاكم إلى القوانين الوضعية التي وضعها بعض البربر قديما، واعتبروها من التحاكم إلى الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به.قال التمنارتي: سافرت من تارودانت لبلاد القبلة، فمررت ببلاد هنكيسة فكانوا يتحاكمون إلي. فإذا عرضت خصومة تتعلق بحصونهم التي أعدوها لحفظ أموالهم، وكانوا يبنونها على شواهق منيعة، قالوا هذه إنما يحكم فيها ألواح الحصون فسألتهم عنها، فقالوا: هي ضوابط وقوانين رسموها وينتهون إليها عند وقوع حادث في الحصن. فشرحوا لي منها كثيرا فوجدتها كلها من باب العقوبة بالمال التي ليست في الشريعة إلا في الغش، وليس شيء منها في الغش، بل هي عوض عن الحدود التي نصبها الشارع زواجر. فقلت لهم: هذا من التحاكم إلى الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به (1).ونقل عن قاضي مراكش العلامة أبي مهدي عيسى بن عبد الرحمن السكتاني جوابه عن نفس المسألة منه قوله (2): فالواجب عليهم في ذلك تغيير المنكر على ما يوافق الشرع بقدر الاستطاعة. وأما اختراعهم لألواح شيطانية ويبتدعون أحكاما على ما سولت لهم النفوس الأمارة حتى إن نازلة تنزل بهم فيهرعون فيها إلى تلك الألواح نابذين ما أنزل الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاكمين بغير ما أنزل الله، فما أجهل هؤلاء وأبعدهم عن الدين الحق. ومن يضلل الله فلا هادي له.وهذا أمر نشأ عن مكائد النفس والشيطان وشبه يحتجون بها وهي واهية. فمن وجد السبيل إلى ردهم للصواب بتلطف ورفق، حيث نشأوا على ذلك ووجدوا عليه آباءهم فليفعل. «ولأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك من حمر النعم» (1). وعدم نفي المتلصصين ومجرد إيوائهم لا يوجب استباحة المال لآخذه عوضا عما أخذ له، لكن يجب التغيير عليهم ومباعدتهم بقدر الإمكان وإلا عصوا. وكذا حَلفهم عليهم لا يجوز، لأنه لا يحلف أحد على أحد، وقد يكون غموسا. وكذا حلف المتهم خمسين يمينا لا يجوز، لأنه لا يكون إلا في الدماء خاصة. وكل ذلك خلاف الشرع واتباع ألواح الضلالة والإفك (2).ونقل عن قاضي مراكش ومفتيها أبي عبد الله محمد بن عمر الهشتوكي (ت 1098هـ): فترك الأحكام الشرعية واستنباط ضوابط وقوانين تخالف أحكام الشرع المحمدي كفر صراح، فيجب على من مكنه الله في الأرض أن يحسم مادة أولئك الفجرة ويردهم إلى الشرع ولو بقتلهم (3).وفي جواب أحمد باب التنبكتي المراكشي (ت 1036هـ): وأما جعلهم الضوابط والأحكام على مقتضى المصالح: فإن كانت جارية على وجه الشرع فليس بجعل، وإنما هو إنفاذ لحكم الشرع، وإن كانت على خلافه فهو أمر حرام لا يجوز قطعا، يعلم فساده كل من له أدنى علم بالشريعة، فلا تكون الأحكام إلا على مقتضى ما شرعه الله تعالى على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبينه علماء سنته {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}. وعلى ذلك تجري الأحكام والوقائع: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. والغيرية صادقة في الأصول والفروع، فسواء اتبع دينا غيره أو ابتدع أحكاما غير أحكامه (1).وقال: فإذا ثبت الاتفاق على عدم جواز أخذ المال من الجاني على وجه التأديب له، وهو المسمى في عرف الظلمة بالإنصاف، ففعل هؤلاء الشيوخ ممنوع حرام لأنه ليس من أحكام الشرع (2).وقال: وقد قرر العلماء أن ما جرت به العادة من أخذ القريب أنه ظلم ليس من الشرع كما بينه ابن فرحون وغيره، فقول هؤلاء الشيوخ «إن ذلك فيه المصلحة» كذب وبهتان وإثم وخسران وخطأ، فإذا اعتقدوا حل ذلك ربما أفضى بهم إلى المروق من الدين. وقد كفر العلماء المهدي بن تومرت إمامهم بافتعاله أحكاما شرعية كما ذكره الإمام ناصر السنة أبو إسحاق الشاطبي في كتاب الحوادث والبدع (3).إلى أن قال: بل انتظام الكلمة واستقامة الأحوال إنما يكون باتباع أحكام الشرع في الأقوال والأفعال. ولو علم الله بصلاح خلقه بغير ما شرعه على لسان نبيه لشرعه وبينه، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} فهذه نصوص واضحة جلية في تقرير علماء المغرب ضلال من تحاكم لغير الشريعة.وهذا السلطان محمد بن عبد الله يقول: ومن خالف الشرع أو حكم بغير ما أنزل الله أو رضي بذلك فحسابه على الله. قال الله سبحانه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1).إن الإسلام -كما يقول خريج القرويين علال الفاسي في «دفاع عن الشريعة الإسلامية» (54 - 55) - واضح التعاليم لا يقبل أن يقال عنه إنه يبيح لمعتنقيه أن يكتفوا بالاعتقاد ويتبعوا الحكم بغير ما أنزل الله. فالقرآن صريح في ضرورة السير في جميع المسائل بمقتضى التشريع السماوي. والسنة واضحة كذلك. والسلوك المسلم بَيِّنٌ إلى حد أن يقال: إن وجوب اتباع الشريعة في الإسلام أصبح معروفا في الدين بالضرورة ..ثم ذكر آيات تدل على ذلك، منها قوله: واسمع لهذه الآية العظيمة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً} النساء 60. أرأيت كيف عبر سبحانه بالزعم، والزعم مطية الكذب كما يقولون. فالمؤمنون بالله وبما أنزل على محمد لا يمكنهم أن يتأخروا عن التحاكم لشريعة الإسلام، ولا يمكن أن يخطر ببالهم التحاكم إلى الطاغوت وهو قانون الاستبداد الناشئ عن هوى الأفكار وإرادة الحكام والرؤساء والنواب الخاضعين لرأسمال الأجنبي أو لأهواء الأحزاب وقادتها. والمؤمنون لا يتأخرون عن نبذ ما أُمِروا بتركه. وقد أُمِروا أن يكفروا بالطاغوت فكيف يقبلون عليه وكيف يرضون التحاكم إليه؟ لاشك أن إيمانهم مجرد زعم ولا يثبت عند التحقيق. فكذلك إيمان كل من يفضل القوانين التي لا تستمد من مصادر الإسلام الأصيلة هو مجرد زعم، وهو في عداد الذين يريد الشيطان إضلالهم. والإيمان لا يتم إلا إذا كان مصحوبا بإذعان المؤمن لحكم الله ورضاه به وعدم التقزز منه. قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} النساء 65. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الأحزاب 36. فالمؤمن الحقيقي لا يختار إلا الامتثال بعدما يصدر الحكم من القرآن أو السنة. وليس له الحق في غير ذلك. لأن إيمانه التزام منه بالسير بمقتضى الشرع وامتثاله في كل الأحوال ...إلى أن قال (ص58): وقد حكم على المنحرفين عن الشرع والحاكمين بغير ما أنزل الله بالكفر أو بالظلم أو بالفسق. ذلك قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وقوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. فهل بعد هذا يمكن لمؤمن صحيح الإيمان أن يقبل إحلال قوانين وضعية محل القوانين الشرعية، ويرضى بالجاهلية نظاما ويتخلى عن المعرفة الحق سبيلا؟ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة 50. إن أمة أكرمها الله بنزول القرآن على نبيها، وفيه من ضروب الحكم والمعرفة وفنون التشريع ما لم يكن ليصل إليه بشر أو يدركه نظر. ثم تلتفت إلى غيره أو تزعم الرشد في سواه لهي أمة مغبونة مخذولة.وقال (63 - 64): إن المتولين على الحكم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي جلهم ممن تربى في أحضان الأجنبي وتلقى من معينه. ومع أن معظمهم من المخلصين لأوطانهم، والذابين عن حرمتهم، فإنهم امتلأوا بعقدة نقص أمام الأجنبي، وأصبحوا لا يستطيعون المجاهرة بدينهم والاعتداد بحضارتهم الخاصة.

  • الاحد PM 04:56
    2016-11-13
  • 5134
Powered by: GateGold