المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413892
يتصفح الموقع حاليا : 260

البحث

البحث

عرض المادة

العلمانية والمذهب المالكي

يولي المالكية عناية كبيرة للشريعة الإسلامية بأبوابها المتعددة، ابتداء من الصلاة وباقي الأركان الخمسة ومرورا بأحكام البيوع والزواج والطلاق وانتهاء بأحكام الجهاد.فأحكام الشريعة عند المالكية كل لا يتجزأ، ويجب الإذعان لها والامتثال لأحكامها.ومن شرط الإمام عندهم كما في تفسير القرطبي (1/ 272) إقامة كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.وقال أبو عبد الله القرطبي كذلك في تفسيره (2/ 9) معلقا على قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ}: في هذه الآية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع، فكل من بدل وغير أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد، والعذاب الأليم.وقد ظلت الشريعة الإسلامية حاكمة في المغرب لقرون طويلة كما قال المؤرخ عبد السلام بن سودة الفاسي في إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث والرابع (2/ 455) قال: وفي 17 ذي الحجة موافق سادس عشر ماي سنة 1930 صدر الظهير البربري المشؤوم الذي يرمي إلى فصل سكان المغرب المسلمين البربر عن الشريعة الإسلامية التي تطبق عليهم منذ عدة قرون.وكان دأب السلاطين العلويين وسيرتهم الوقوف عند حدود الشريعة والاقتصار عليها ورد الأمر كله إليها كما قال المشرفي (1).بينما تهدف العلمانية إلى الحد من حاكمية الشريعة الإسلامية وسجنها مشلولة الحركة داخل المسجد.والعلمانية كما أسلفت في كتب سابقة لها شق عقائدي إيديولوجي، أعني موقفها من الغيب والميتافيزيقا، واعتبارها كل المفاهيم الغيبية الدينية أساطير خرافية من ثقافة القرون الوسطى.ولها شق تشريعي يتجاوز كل التشريعات الدينية كما وكيفا وفي شتى المجالات المختلفة.وكل ما سطرت في كتابي الثاني أعني «العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام» فإنه ينسحب على المذهب المالكي، لأن المذاهب الأربعة هي المذاهب الفقهية الإسلامية المشهورة، فإذا تحدثنا عن الإسلام بأحكامه وشرائعه فإننا نعني جميع المذاهب الأربعة، لأنها لا تختلف إلا في جزئيات وتفاصيل فقهية.فالعلمانية عندما ترفض مثلا الحدود الشرعية فإنها ترفض المذاهب الأربعة وتعتبرها متجاوزة لأنها اتفقت على وجوب تطبيق الحدود الشرعية والحفاظ على الشريعة، بل اعتبروها أحد الأسس التي تقوم عليها الإمارة والحكم الإسلامي.وتمثل كتب النوازل والفتاوى الفقهية أهم مصدر تنعكس فيه هموم المجتمع وتطلعاته وإشكالاته. والمتأمل في كتب النوازل المغربية كنوازل العلمي والوزاني والونشريسي والبرزلي، وكلها مطبوعة، يرى بوضوح تام لا لبس فيه أن المذهب المالكي هو المصدر الوحيد المعتمد داخل التراب الوطني في حل إشكالات البيع والشراء والرهن والشركات والإيجارات والأكرية وغيرها.بل يظهر من خلالها أن المغاربة لا يعرفون أي مصدر ثان بعد المذهب المالكي في كل ما يتصل بحياتهم اليومية. فقد سجلوا عشرات التساؤلات والاستفسارات في قضايا البيع والشراء والمعاملات اليومية التي كانوا يتعاطونها. أما اليوم فقد هجر المذهب نهائيا وأقصي من الميدان تماما. بل حلت محله تشريعات وضعية لا تمت إليه بصلة. فكثير من تشريعات العقود والالتزامات مثلا مخالفة له، كما سنبين في رسالة قادمة إن شاء الله.وفي المسائل السياسية أو ما يسمى بالسياسة الشرعية أو الخلافة أو الإمارة ترى أن معتمدهم الوحيد هو المذهب المالكي. نرى هذا واضحا في كتب مثل كتاب عبد القادر الفاسي في ذلك (1)، وأحمد بن محمد الرهوني في «نصح المؤمنين بشرح قول ابن أبي زيد"والطاعة لأئمة المسلمين"» (2) وغيرهم.وتتابعت نصوص علماء المالكية في أن الشريعة الإسلامية حاكمة على كل أحد:قال ابن بطال المالكي في شرح صحيح البخاري (10/ 363): والواجب على الحاكم أو العالم إذا كان من أهل الاجتهاد أن يلتمس حكم الحادثة في الكتاب أو السنة.فنص على أن المرجع الوحيد للحاكم هو الكتاب والسنة.وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله تعالى ويؤدي الأمانة فإذا فعل حق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا ويجيبوا إذا دعوا (1).وقال الشاطبي في الاعتصام (2/ 853): فاعلموا أن الله تعالى وضع هذه الشريعة حجة على الخلق كبيرهم وصغيرهم، مطيعهم وعاصيهم، برهم وفاجرهم، لم يختص بالحجة بها أحدا دون أحد، وكذلك سائر الشرائع إنما وضعت لتكون حجة على جميع الأمم التي تنزل فيهم تلك الشريعة، حتى إن حملة شريعة المرسلين بها صلوات الله عليهم داخلون تحت أحكامها.فلا حجة إلا في الشريعة كما قرر هذا الإمام المالكي.وقال (2/ 855): وإذا كان كذلك فسائر الخلق حريون بأن تكون الشريعة حجة حاكمة عليهم ومنارا يهتدون بها إلى الحق. وشرفهم إنما يثبت بحسب ما اتصفوا به من الدخول تحت أحكامها والعمل بها قولا واعتقادا وعملا، لا بحسب عقولهم فقط ولا بحسب شرفهم في قومهم فقط. لأن الله تعالى إنما أثبت الشرف بالتقوى لا غيرها لقوله تعالى: ِ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. فمن كان أشد محافظة على اتباع الشريعة فهو أولى بالشرف والكرم،ومن كان دون ذلك لم يمكن أن يبلغ في الشرف مبلغ الأعلى في اتباعها. فالشرف إذا إنما هو بحسب المبالغة في تحكيم الشريعة.وقال المشرفي عن المولى محمد بن عبد الرحمن: بانيا أمره على الشريعة لا يحيد عنها طرفة عين (1).وقد حافظ المغرب طيلة عهوده الإسلامية على إقليمية القضاء وإقليمية التشريع، فكانت المحكمة الشرعية هي القضاء الوحيد الذي يرجع إليه المتقاضون من أي جنس كانوا وأي دين كانوا. كما يقول علال الفاسي في «دفاع عن الشريعة الإسلامية» (12).وقال (157 - 158): إن المغرب قبل الحماية كان يملك جهازا قضائيا كامل النظام والصلاحية وإن لم يكن متمتعا ببعض مظاهر التنظيمات العصرية، وكانت الشريعة الإسلامية هي المرجع الذي تؤول إليه كل القضايا. والقاضي الشرعي هو الذي يتولى الحكم في المسائل المدنية والجنائية وفي نظام الأسرة كذلك. ولكن الحماية الفرنسية بمجرد انتصابها حدت من اختصاصات المحاكم الشرعية، وحولت قسما منها إلى ما سمته بالمحاكم الفرنسية المغربية ... (2)وجاء في بيان المؤتمر الثاني لجمعية العلماء خريجي دار الحديث الحسنية المنعقد بمراكش أيام 14 - 15 - 16 جمادى الأولى 1396 هـ موافق 14 - 15 - 16 ماي 1976 م التأكيد على ما يلي (3):- جعل التشريع المغربي تشريعا إسلاميا مستمدا من أطر الإسلام وقواعده والأعراف المغربية الأصيلة.- مراقبة الإعلام المغربي مراقبة صارمة وخاصة الأفلام الخليعة التي تتنافى مع حشمة المسلم وتجرح كرامته ووقاره.- الأخذ بمشورة العلماء ورأيهم في القضايا الوطنية وتمثيلهم الكامل في كل المؤسسات والمجالس التمثيلية باعتبارهم أهل الحل والعقد في الأمة.- إصلاح هياكل التعليم من القاعدة إلى القمة في قالب الأصالة الإسلامية وتطهير الكتاب المدرسي من الجراثيم التي تفتك بناشئتنا والاهتمام باختيار المدرس والأستاذ.- اعتماد شرائع الله أساسا لحالتنا ودستورا لأخلاقنا حكما وسلوكا وإدارة، ورد كل أمورنا إليها.- تنظيم الاقتصاد وفق أسس إسلامية وتحرير موارده وجعله سلاحا في ساحة الجهاد المقدس لتخليص المسلمين من التبعية والوقوع في المعاملات الربوية.فهذه توصيات هامة من علماء مغاربة تتوافق مع ما نؤكد عليه من أفكار في هذه السلسلة.ومن تعظيم المالكية لأحكام الشريعة وأصولها إجماعهم على تكفير من أنكر الفرائض الشرعية مستحلا لذلك:قال القرطبي المالكي في تفسيره (8/ 74): وقال ابن العربي: ولا خلاف بين المسلمين أن من ترك الصلاة وسائر الفرائض مستحلا كفر، ومن ترك السنن متهاونا فسق ... واختلفوا فيمن ترك الصلاة من غير جحد لها ولا استحلال، فروى يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت ابن وهب يقول قال مالك: من آمن بالله وصدق المرسلين وأبى أن يصلي قتل.وقال ابن بطال المالكي في شرح صحيح البخاري (8/ 577 - 578): وأجمع العلماء أن من نصب الحرب في منع فريضة، أو منع حقا يجب عليه لآدمي أنه يجب قتاله، فإن أبى القتل على نفسه فدمه هدر. قال ابن القصار: وأما الصلاة فإن مذهب الجماعة أن من تركها عامدا جاحدا لها فحكمه حكم المرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وكذلك جحد سائر الفرائض، وإنما اختلفوا فيمن تركها لغير عذر غير جاحد لها.فهذه نصوص مالكية واضحة في أن من أنكر واجبا من الواجبات الظاهرة كافر ومن تركها تهاونا فاسق (1).وقال القاضي عياض في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم (1/ 238): ولا خلاف في جاحد فرض من هذه الفرائض أنه كافر. يقصد: الزكاة والصيّام والحج والوضوء والغسل.وقال ابن رشد في البيان والتحصيل (16/ 394): أما من جحد فرض الوضوء والصلاة والزكاة أو الصيام أو الحج أو استحل شرب الخمر أو الزنا أو غصب الأموال أو جحد سورة أو آية من القرآن أو ما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أنه كافر، وإن قال إنه مؤمن. فيعلم أنه في ذلك كاذب، للإجماع المنعقد على أن ذلك لا يكون إلا من كافر، وإن لم يكن شيء من ذلك في نفسه كفراً على الحقيقة، وأما من أقر بفرض الصلاة والصيام والوضوء وأبى من فعل ذلك وهو قادر عليه فقول مالك في هذه الرواية: إنه يستتاب في ذلك كله، فإن أبى في شيء منه أن يفعله قتل يدل على أنه يقتل على الكفر، فيكون ماله لجماعة المسلمين كالمرتد إذا قتل على ردته لأنه وإن لم يكن نفس الترك لشيء من ذلك كله كفراً على الحقيقة فإنه يدل على الكفر، ولا يصدق من قال في شيء من ذلك كله إنه مؤمن بوجوبه عليه إذا أبى أن يفعله، فحكمه حكم الزنديق الذي يقتل على الكفر. انتهى.ولا يفوتني هنا التنبيه على أن التكفير أمره خطير، وله شروط، وتمنع منه موانع. ولا يجوز أن يتكلم فيه إلا أهل العلم العالمين بالشريعة.

  • الاحد PM 04:29
    2016-11-13
  • 3674
Powered by: GateGold