المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412636
يتصفح الموقع حاليا : 343

البحث

البحث

عرض المادة

النظام الشيوعي

ثانياً: النظام الشيوعي:إذا كانت الرأسمالية ومعها الأفكار الديمقراطية قد ولدت لتكون رد فعل لمساوئ الإقطاع، فإن أقرب تفسير للشيوعية هو أنها رد فعل لمساوئ الرأسمالية.ومع أن الشيوعية تعتقد أنها اكتشفت القانون العلمي لحركة التاريخ والحياة، وهو مبدأ الديالكتيك - الجدلية - وآمنت به إيماناً مطلقاً فإن تصورها للدولة لا يتفق مع هذا القانون، وأشبه شئ بدولة المستقبل كما حلم بها فلاسفة الشيوعية هي نظرية يوتوبيا الخيالية، فالنظرية الشيوعية تؤمن بحتمية اضمحلال جهاز الدولة عندما تبلغ البشرية مرحلة أكثر تطبيقاً وتشبعاً بالأفكار الشيوعية، ومعنى ذلك أنه سيأتى اليوم الذي يتوقف فيه الصراع بين المتناقضات إلى الأبد، وهو ما لا يقره قانون الجدلية!أما الدولة الشيوعية المعاصرة فهي وإن كانت مؤقتة - مرحلة ضرورية، وتتمثل فيها النظرية الشيوعية الملائمة لطبيعتها المرحلية.وترى الدولة الشيوعية أنها دولة ديمقراطية شعبية، حسب التعريف الخاص الذي يقدمه الشيوعيون للديمقراطية وهو أنها شكل سياسي لمجتمع اشتراكي قائم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج مخطط ومتحرر من الاستغلال (1).وتؤمن الشيوعية بمبدأ سيادة الطبقة العاملة -أو ما تسميه دكتاتورية البروليتاريا - مقابل دكتاتورية الرأسماليين في الديمقراطية الليبرالية.وتتميز الدولة الشيوعية بالتزامها المطلق بالنظرية كعقيدة شمولية تشمل التصور العام، وتقدم الحلول والتفسيرات لكل نشاطات الحياة، ومجالتها العامة؛ وذلك يربطها جميعاً بالعامل الوحيد المؤثر في الحياة، وهو العامل الاقتصادي، وبصفة خاصة ملكية وسائل الإنتاج.ومن هنا ينبغى النظر إلى الدولة الشيوعية على أنها وجه اقتصادي يشمل السلطة التشريعية والجهاز التنفيذي، وتقع سلطته المطلقة في يد الحزب الشيوعي والحزب الشيوعي، يعتبر نفسه تجسيداً لإرادة العمال والفلاحين، وهو بهذه الصفة أصدق طريق للتعبير عن إرادة الشعب، والجهاز الرسمي للدولة يشمل أجهزة معقدة لتنفيذ إرادة السيادة كما يعبر عنها الحزب الشيوعي.ويعتقد الحزب أنه هو الشعب على الحقيقة، ولهذا فله السلطة الكاملة الشاملة في وضع السياسات الداخلية والخارجية، وتقرير صحة النظريات، والتوجيه للاستراتيجية السياسية، وقيادة كل جهاز في الدولة والإشراف عليه (1).يقول أحد الكتاب الشيوعيين: (إن وضع قيادة البلاد في يد مثل هذه القوة المنظمة الهادفة -وهى الحزب الشيوعي- يطبع المجتمع كله بطابع موحد، وهذا ينجح في مقاومة محاولات التدخل من الخارج ويحل مشكلات كبرى بروح المثل الشيوعي، (2) تلك هي ملامح الديمقراطية الشعبية التي يهتف لها زعماء الشيوعية وكتابها، ويبالغون في إطرائها وتمجيدها ... !فما رصيد هذه الديمقراطية الفريدة من الحق والعدل؟ وما هي إيجابيتها ومنجزاتها؟ وما مقدار سلامتها من عيوب نظيرتها ديمقراطية الرأسماليين)؟إن الواقع المشاهد الذي لا يحتاج إلى دليل خارجي هو أن أنظمة الحكم الشيوعية الديمقراطية الشعبية! هي أبشع أنواع الأنظمة الاستبدادية " الدكتاتوريات" في التاريخ، وأن الدول الشيوعية المعاصرة هي في الواقع أشبه شئ بمعتقلات فسيحة زبانيتها أعضاء الحزب الشيوعي، ونزلاؤها الشعب بكامله، وما الستار الحديدي الذي ضربته هذه الدول لإخفاء تلك الحقيقة إلا واحداً من الأدلة الفاضحة عليها، وهذا ليس حكماً نصدره من عند أنفسنا، ولا هو برأي نقلناه عن كتاب مناهضين للشيوعية، ولكنه شيء من وصف زعماء سياسيين وصل بعضهم إلى مرتبة نائب رئيس دولة شيوعية، والآخرون كانوا في مرتبة عضو بالحزب الشيوعي للمستويين القطري والدولي.كما أن الحقيقة أظهرها مفكرون بارزون في الغرب، دفعتهم مساوئ المجتمع الديمقراطي الرأسمالي إلى اعتناق الشيوعية، والدفاع المتحمس عنها، فلما انجلت لهم الحقيقة المرة ارتدوا عنها إلى غير بديل.فمثلاً: ميلوفان دجيلاس النائب السابق لرئيس يوغسلافيا يقسم المراحل التي مر بها الحكم الشيوعي إلى ثلاث:1 - حكم ثوري فردي ديكتاتوري: لينين.2 - حكم عقائدي فردي إرهابي: استالين.3 - حكم سياسى (غير عقائدي) جماعي بيروقراطي: خروتشوف فصاعداً.ويقول عن الانتخابات الشيوعية: إنها سباق يعدو فيه حصان واحد، ويقول عن الأحزاب الشيوعية: "لقد أكدت هذه الطقبة الجديدة أنها أكثر تسلطاً في الحكم من أية طبقة أخرى ظهرت على مسرح التاريخ، كما أثبتت في الوقت نفسه أنها تحمل أعظم الأوهام، وأنها تكرس أعتى أساليب الظلم في مجتمع طبقي جديد" (1).ويقارن بين القوانين المعلنة وغير المعلنة قائلاً: "إن كافة المواطنين يدركون أن الحكومة هي في أيدي اللجان الحزبية، وتحت رقابة البوليس السري، وبالرغم من أن دور الحزب الشيوعي في الشئون الإدارية غير معلن، فإن سلطته مكرسة في كافة المؤسسات والمنظمات والقطاعات. كما أنه في الوقت نفسه ليس هناك أي قانون يعطي البوليس السري الحق في رقابة المواطنين، ومع ذلك فإنه يتمتع بمطلق الصلاحيات، ومع أنه ليس هناك أي نص قانوني يقضى بضرورة إشراف البوليس السري واللجان الحزبية على السلك القضائي إلا أن هاتين القوتين الغاشمتين تقومان بالإشراف والهيمنة الفعلية على ذلك السلك" (1).أما آرثر كوستلر - العضو السابق في الحزب الشيوعي والكاتب الروائي البارز - فيقول: "إن الكومنترن يتاجر في العناوين والشعارات، كما يتاجر مروجو الخمور الممنوعة في أنواعها الزائفة المقلدة، وكلما كان العميل أقرب إلى السذاجة سهل عليه أن يصبح ضحية لأنواع الخمور الفكرية التي تباع تحت عناوين السلام والديمقراطية والتقدم وما شئت من هذه الأسماء" (2).ويتحدث أندريه جيد بعد رجوعه عن الشيوعية قائلاً: "إن الناس في روسيا الآن يطلب منهم الموافقة والمصادقة على كل ما تفعله الحكومة، أما أقل معارضة أو نقد فإنها تعرض صاحبها لأقسى العقوبات، بالإضافة إلى إخماد هذه المعارضة وطمسها، إن أحسن الناس سجلاً في هذا السلم الاجتماعى الجديد من أسفله إلى أعلاه هم أكثرهم ذلة وعبودية، أما أولئك الذين تبرز منهم أية ناحية استقلالية فإنهم يحصدون أو ينفون، ولن نلبث حتى نرى أن هذا الجنس الباسل الذي استحق عن جدارة كل حبنا وإعجابنا لم يبق منه إلا النفعيون والجلادون والضحايا، لقد أصبح العامل الصغير صاحب الرأي الحر كالحيوان المطارد يلقى الجوع والتحطيم ثم الهلاك، إننى أسائل نفسي: هل هناك دولة أخرى في العالم - بما في ذلك ألمانيا في عهد هتلر - قد كان العقل فيها والروح أقل حرية وأكثر ذلة واستعباداً أو جبناً أو خوفاً منها في الاتحاد السوفيتي؟ " ويصف لويس فيشر - الذي عانى التجربة نفسها مع الشيوعية - المسخ الفكري هناك بقوله: "ضاعت كل مقاييس الحكم الثابتة، ولم يعد يدرى ماذا يعتنق، وماذا يرفض، وقد لا يأتي المساء حتى يعلن على ملائكة هذا الصباح أنهم شياطين، إن التشويش العقلي الذي ينتج عن هذا أفضى إلى النفاق وإلى التقبل الآلي والتلقائي لكل وحي جديد قد يأتي من سماء الكرملين، فهنا على الأقل يجد الإنسان الحد الأدنى من السلامة والأمن لنفسه" (1).وكان من المخدوعين بالديمقراطية الشيوعية برتراند رسل الذي اكتشف الحقيقة، فكتب مناقضاً لهذه الدعوى: "إن الطبقة العاملة في روسيا في سنة 1917 كانت أقلية ضئيلة بين السكان، وكانت الأغلبية الساحقة من الفلاحين، فتقرر عندئذٍ أن يكون الحزب البلشفي هو ذلك الجزء من الطبقة العاملة الذي يتمتع بالوعي الطبقي، وأن لجنة صغيرة من زعمائه هم الذين يعدون الجزء الواعي طبقياً بين الحزب البلشفي، وهكذا صارت دكتاتورية العمال دكتاتورية اللجنة الصغيرة، ثم انتهى الأمر بأن أصبحت دكتاتورية رجل واحد هو استالين، وإذ زعم أنه الوحيد ذو الوعي الطبقي بين طبقة العمال أخذ يحكم بإعدام الملايين من الفلاحين جوعاً، ويحكم على ملايين غيرهم بالسخرة في معسكرات الاعتقال" (2).ولعل خير ما نختم به موضوع الواقع المعاصر للأنظمة العالمية التي تحكم بغير ما أنزل الله هو العبارة اليائسة التي قالها لويس فيشر: "بعض الناس يقض مضاجعهم ما يقترفه العالم الرأسمالي من جرائم وآثام، فيظلون عمياً لا يرون جرائم البلشفية وإفلاسها، وكثير منهم يستغلون نقائض العالم الغربي ليصرفوا الانتباه عن فظائع موسكو البشعة، أما أنا فأقول: لعن الله كليهماً".

  • الثلاثاء AM 08:30
    2016-04-26
  • 3361
Powered by: GateGold