المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413496
يتصفح الموقع حاليا : 244

البحث

البحث

عرض المادة

المفاضلة بين عائشة وخديجه

لا شك-عند المتبعين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم - في أفضلية عائشة على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم سوى خديجة رضي الله عنه ن كلّهن، وقد اتفقوا على ذلك حتى قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في ردّه على ابن المطهر - (مختصر المنهاج) (ص217) - ما نصّه: (أهل السنة مجمعون على تعظيم عائشة ومحبتها، وأن نسائه أمهات المؤمنين اللواتي مات عنهن كانت عائشة أحبهن إليه وأعظمهن حرمة عند المسلمين) إ. ه.
ومما يستدل به على فضل عائشة رضي الله عنهما مما لم يقع لسواها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم الحديث المتقدم حين سُئل النبي صلى الله عليه وسلم (أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة …) وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) أخرجه الإمام أحمد (4/ 49، 394)، والبخاري (4/ 2، 193) (5/ 36) (7/ 97)، ومسلم (4/ 1886 - 1887)، والترمذي (3/ 93 - 94)، والنسائي (7/ 68) وابن ماجة (328) وغيرهم من حديث أبي موسى الأشعري وثبت أيضا من حديث أنس بن مالك في الصحيح وغيره.
وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة كما ثبت ذلك في الصحيح عن أم سلمة، فاجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة فقالوا: يا أم سلمة إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريد عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان، قالت: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنّي، فلما كان في الثالثة ذكرت له ذلك فقال: (يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها) أخرجه الإمام أحمد (6/ 293)، والبخاري (5/ 37) والترمذي (4/ 362 - 363)، والنسائي (7/ 68 - 69). وهذا صريح كل الصراحة في أفضليتها على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم لا يقبل الكلام في عائشة حتى من مثل أم سلمة، فكيف بمن سواها؟ وأخبر أن ذلك يؤذيه نظير قوله تعالى: (وما كان لكم أن تأذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما).
ومرة أخرى حاول نساء النبي صلى الله عليه وسلم التأثير عليه بشأن عائشة ومساواتهن لها فأرسلن له فاطمة ابنته - كما ثبت في الصحيح- فقالت له: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أي بنية ألست تحبين ما أحب؟) فقالت: بلى، قال: (فأحبي هذه)، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن لها: ما نراك أغنيت عنّا من شيء فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدا، فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بمثل ذلك أيضا. وهذا الحديث قد أخرجه الإمام أحمد (6/ 88)، ومسلم (4/ 1891 - 1892)، والنسائي (7/ 65 - 66) وغيرهم، وليس بعد هذا الفضل من فضل.
وكانت رضي الله عنهما مباركة على أمته حتى قال أُسيد بن حضير لمّا أنزل الله آية التميم بسببها: (ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، ما أنزل بكِ أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا) أخرجه البخاري (1/ 91، 92) وغيره. ومن خصائصها رضي الله عنهما أنها كان لها في القسم يومان يومها ويوم سودة حين وهبتها ذلك تقربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في (صحيح البخاري) (7/ 43)، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مات في يومها وفي بيتها وبين سحرها ونحرها وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا وأول ساعة من الآخرة، كما سنفصل ذلك في المراجعات القادمة إن شاء الله، وقد أخرج الإمام أحمد (6/ 138) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: (إنه ليهون عليّ أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة) قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (8/ 92): (وهذا في غاية ما يكون من المحبة العظيمة أنه يرتاح لأنه رأى بياض كفها أمامه في الجنة) إ. ه.
ومن خصائصها أنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي أعلم النساء على الإطلاق، قال الزهري: لوجُمِعَ علم عائشة إلى علم جميع أزواجه، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. وأخرج الترمذي (4/ 363 - 364) بإسناد عن أبي موسى الأشعري أنه قال: (ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما). ومن أعظم خصائصها وفضائلها رضي الله عنهما أن برأها الله من فوق سبع سماوات، لمّا تكلم فيها أهل الإفك بالزور والبهتان غار الله لها فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تتلى على تعاقب الزمان. وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها، كما قال الحافظ ابن كثير.
ولها غير ذلك من الفضائل الكثير رضي الله عنهما، لكنا انتقينا ما فيه من الدلالة الواضحة على أفضليتها على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى خديجة، ومنه يعلم كذب هذا المفتري الدجال المدعوعبد الحسين حين قال: (والسنن المأثورة والأخبار المسطورة تأبى تفضيلها عليهن كما لا يخفى على أولي الألباب) ثم لم يكتف بذلك حتى قال: (وربما كانت ترى أنها أفضل من غيرها فلا يقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك) إ. ه. وهي رضي الله عنهما لم تكن ترى لنفسها من الفضل أكثر مما تستحق، بل كانت ترى أنها أقل مما تستحق كما اتضح ذلك جليا بعد حادثة الإفك الذي برأها الله منه وأنزل الآيات في ذلك فقالت رضي الله عنهما: (والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمرٍ يتلى) أخرجه البخاري (6/ 131)، ومسلم (4/ 2135) وغيرهما.
والحديث الذي ذكره بعد ذلك في الحادثة بين صفية بنت حيي وبين عائشة وحفصة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصفية: (ألا قلت لهن كيف تكنّ خيرا مني وأبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد) ضعيف لا يثبت، أخرجه الترمذي (4/ 3669 من طريق هاشم بن سعيد الكوفي ثنا كنانة مولى صفية عن صفية. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هاشم الكوفي وليس إسناده بذاك إ. ه. قلت: وهاشم بن سعيد هذا ضعيف لا يحتج به، وشيخه كنانة مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبّان الذي من عادته توثيق المجاهيل، لذا جعله الحافظ في (التقريب) ضمن المرتبة التي قول عنها: (مقبول حيث يتابع وإلا فلّين الحديث) وهوهنا لم يُتابع فهوإذا ليّن الحديث أي ضعيفه. وقد أخرج الحديث أيضا ابن عدي في (الكامل) وساق سنده الحافظ في ترجمة كنانة من (التهذيب) فقال: (وقال ابن عدي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سليمان ثنا عمروبن علي ثنا يزيد بن مغلس الباهلي - وكان من الثقات - ثنا كنانة بن نبيه مولى صفية، فذكر الحديث الذي أخرجه الترمذي) انتهى كلام الحافظ، وهذا الإسناد ضعيف أيضا لبقاء علة جهالة حال كنانة مولى صفية أولا، وثانيا يزيد بن مغلس الباهلي هذا لم أرى أحدا وثقه بل قد نقل الذهبي في (الميزان) عن ابن حبّان أنه قال عنه (لا تجوز الرواية عنه إلا اعتبارا) فكيف يمكن أن يكون ثقة ونحن لم نعرف من قال عنه ذلك؟ وشيخ ابن عدي إبراهيم بن محمد بن سليمان لم أعرفه ولم أجد له ترجمة إلا أن يكون هوابراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، وهذا ذكره الذهبي في (الميزان) وقال: فيه جهالة، وقال عنه في (الضعفاء) أيضا: لا يعرف.
وهذا الحديث ذكره الحافظ في ترجمة صفية من (الإصابة) (4/ 347) وعزاه للترمذي، وكذا ذكره ابن عبد البر في (الاستيعاب) (4/ 348) بصيغة التضعيف فقال: (ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على صفية …)
ومن ههنا يعلم أن ذكرهما له لا يعد تصحيحا له بل هوبصيغة التضعيف التي تعارف عليها أهل العلم بالحديث دون أهل الجهل من أمثال المدعوعبد الحسين هذا، فلا حجة فيه أبدا ولله الحمد.
أما مسألة المفاضلة بين عائشة وخديجة رضي الله عنهما (فقد وقع النزاع فيها بين العلماء قديما وحديثا، فبعضهم لا يعدل بخديجة أحدا من النساء لسلام الرب عليها وكون ولد النبي صلى الله عليه وسلم جميعهم - إلا إبراهيم - منها وكونه لم يتزوج عليه حتى ماتت إكراما لها وكونها من الصدّيقات ولها مقام الصدق في أول البعثة وبذلت نفسها ومالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يميل إلى تفضيل عائشة لكونها ابنة الصديق ولكونها أعلم من خديجة فإنه لم يكن في الأمم مثل عائشة في حفظها وعلمها وفصاحتها وعقلها ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أحدا من نسائه كمحبته إياها ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات وروت بعده عنه صلى الله عليه وسلم علما جما كثيرا طيبا مباركا فيه، والحق أن كلا منهما لها من الفضائل ما لونظر الناظر فيه لبهره وحيره، والأحسن التوقف في ذلك إلى الله عزّ وجلّ ومن ظهر له دليل يقطع به أويغلب على ظنه في هذا الباب فذاك الذي يجب عليه أن يقول بما عنده من العلم ومن حصل له توقف في هذه المسألة أوفي غيرها فالطريق والمسلك الأسلم أن يقول الله أعلم) هذا كله من كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله في (البداية والنهاية) (3/ 129) وهذا يدل على علمه وورعه وتثبته فيما يقول، لكنه يمكن أن يستدل على أفضلية خديجة رضي الله عنهما بتلك الأحاديث التي ساقها المدعوعبد الحسين في الفقرة الثانية من مراجعته هذه، وأعنى به قوله صلى الله عليه وسلم: (حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة ابنة محمد وآسية امرأة فرعون) وهوحديث صحيح أخرجه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما. وكذا الحديث: (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت
محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) أخرجه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما وهوصحيح، والحديث الآخر: (خير نساء العالمين أربع …) وذكرهنّ، وهوصحيح أخرجه الإمام أحمد والطبراني في (الكبير) عن أنس.
ولكن من يذهب إلى تفضيل عائشة رضي الله عنهما يعارض بذلك الحديث المتقدم عن أبي موسى الأشعري الذي فيه: (وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) وهوفي المسند والصحيحين وغيرهما، ولفظه يدخل فيه النساء الثلاث المذكورات وغيرهنّ، فيحتمل أن يكون عاما بالنسبة إلى المذكورات وغيرهنّ ويحتمل أن يكون عاما إلى ما عدا المذكورات، والله اعلم.
أما الحديثان اللذان صدر بهما مراجعته هذه، عن ابن عبد البر في (الاستيعاب) وفيهما قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة عن خديجة (ما أبدلني الله خيرا منها) فليست هذه الزيادة صحيحة فإن في سندها ضعفا إذ قد أخرجه الإمام أحمد (6/ 117 - 118)، وابن عبد البر في (الاستيعاب (4/ 286، 287) كلاهما من طريق مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة. وعلتهّ في مجالد هذا، وهوابن سعيد الهمداني وقد ضعّفه الإمام أحمد وابن معين ويحيى بن سعيد وابن مهدي والدارقطني وابن سعد وابن حبّان، وقال عنهمالحافظ في (التقريب): (ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره)
وقد ضعّف هذه الزيادة أيضا الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (8/ 93). وقد أخرج هذا الحديث - كما قال صاحب المراجعات في هامشه - أيضا البخاري ومسلم لكنه بدون هذه الزيادة التي بينّا ضعفها، فراجع نصّ الحديث في (البخاري) (5/ 48 - 49)، ومسلم (4/ 1889) بل فيه ما يبدوأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر عائشة رضي الله عنهما حين قالت له عن خديجة: (قد أبدلك الله خيرا منها) فعاد الحديث إذن من أدلة القائلين بأفضلية عائشة رضى الله عنها وعن خديجة وعن سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن عبد الحسين هذا حاول الإيهام بأن الحديث بهذه الزيادة الضعيفة هوفي الصحيحين، وهذا ليس غريبا منه بل هوشأنه دائما، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونختم كلامنا عن هذه المراجعة بنقل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على ابن المطهر فيما يخص موضوعنا هذا، فبعد أن ذكر حجة من يفضل خديجة أوعائشة تكلم على معنى هذه الزيادة على فرض صحتها فقال: - انظر (مختصر المنهاج) للذهبي (ص216 - 217) - (وهؤلاء يقولون: قوله لخديجة ((ما أبدلني الله خيرا منها)) - إن صح - فمعناه: ما أبدلني خيرا لي منها، فإن خديجة نفعته في أول الإسلام نفعا لم يقم غيرها فيه مقامها فكانت خيرا له من هذا الوجه لكونها نفعته وقت الحاجة، وعائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا أول النبوة، فكانت أفضل لهذه الزيادة، فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها وبلغت من العلم والسننّ ما لم يبلغه غيرها، فخديجة كان خيرها مقصورا على نفس النبي صلى الله عليه وسلم ولم تبلغ عنه شيئا ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعت بعائشة، ولأن الدين لم يكن قد كمل حتى تعلمه ويحصل لها منه كمالاته كما حصل لمن علم وآمن به بعد كماله. ومعلوم أن من اجتمع همّه على شيء واحد كان أبلغ ممن تفرق همّه في أمال متنوعة، فخديجة رضي الله عنهما خير لها من هذا الوجه، لكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك، ألا ترى أن من كان من الصحابة أعظم إيمانا وأكثر جهادا بنفسه وماله - كحمزة وعليّ وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وغيرهم هم أفضل ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وينفعه في نفسه أكثر منهم - كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما -) إ. ه.
والحمد لله أولا وآخرا.

  • الثلاثاء AM 08:03
    2015-10-13
  • 3349
Powered by: GateGold