المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413683
يتصفح الموقع حاليا : 201

البحث

البحث

عرض المادة

شبهات حول حديث الحوض

حَدِيثُ الحَوضِ

 

    من الشبهات التي تُثار كثيراً حول الصحابة رضي الله عنهم حديث الحوض. فقد روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ليرِدنّ عليّ ناسٌ من أصحابي الحوض، حتى عرفْتُهُمُ اخْتُلِجوا دوني فأقول: أُصيحابي، فيقول: لا تَدْري ما أحدثوا بعدك}([1]).

وعن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إني فرطكم على الحوض، من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردنّ عليَّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفونني، ثم يُحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أشهَدُ على أبي سعيد الخدري لسمعتُهُ وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني. فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي}([2]).

وعن أسماء بنت أبي بكر I قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنّي على الحوض حتى انظر مَنْ يَرِد عليّ منكم، وسيؤخذ ناسٌ دوني، فأقول: يا ربّ! منّي ومن أُمتي؟ فيُقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما بَرِحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مُليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نُفتن عن ديننا}([3]).

وفي رواية ابن مسعود رضي الله عنه: {وليُرفَعَنّ رِجال منكم}([4]). وفي أخرى: {يرد عليّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي، فيُجلون عن الحوض}([5]) وفي ثالثة: {فإذا زُمرةٌ حتى إذا عرفتهم}([6]).

وفي رواية ابن المُسَيّب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {يَرِد على الحوض رجال من أصحابي فيُحلؤون عنه}([7]). وغيرها من الألفاظ.

فقال أصحاب الشبهات: إن المتمعن في هذه الأحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا وغيروا، بل ارتدوا على أدبارهم بعده صلى الله عليه وسلم، إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حمل هذه الأحاديث على القسم الثالث وهم المنافقون؛ لأن النص يقول: فأقول: أصحابي، ولأن المنافقين لم يبدلوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فأصبح المنافق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً.

ردود العلماء على هذه الشبهة:

  ولكن قبل بيان ردود العلماء على هذه الشبهة لا بد من بيان موجز عن مفهوم ومعنى الصحبة.

 

تعريف الصحابي:

    عرفاً: هو من طالت صحبته وكثرت ملازمته على سبيل الاتباع([8]).  واصطلاحاً كما عند جمهور المحدثين: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، مؤمناً به، بعد بعثته، حال حياته، ومات على الإيمان([9]).

    إذا عرفت هذا فيكون الكلام في حديث الحوض. لا شك في صحة روايات الحوض، فقد رواها عشرات الصحابة رضي الله عنهم، وللعلماء في تأويل هذه الروايات أقوال ليس منها أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منها:

§   أنه كيف يجوز أن يرضى الله عزوجل عن أقوام ويحمدهم، ويضرب لهم مثلاً في التوراة والإنجيل، وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقولوا: إنه لم يعلم وهذا هو شر الكافرين.

§   لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب، ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: (أصيحابي) على قلة عددهم([10]).‎ وليس كل من ورد الحوض. وجاء في رواية أخرى بلفظ (رهط) فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي. فيقول: أنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى}([11])، والرهط كما هو معلوم ما دون العشرة من الرجال.

§   إنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ما هو المعلوم في عرفنا، فالصحبة اسم جنس ليس له حد في الشرع ولا في اللغة، والعرف فيها مختلف، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقيد الصحبة بقيد ولا قدّرها بقدْرٍ بل علّق الحكم بمطلقها ولا مطلق لها إلا الرؤية. بل المراد بهم مطلق المؤمنين به صلى الله عليه وسلم المتبعين له، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة: أصحاب أبي حنيفة، ولمقلدي الشافعي: أصحاب الشافعي، وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب: أصحابنا، مع أنه بينه وبينهم عدة من السنين، ومعرفتة صلى الله عليه وسلم لهم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم... ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو المعلوم في العرف، فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق، وقوله: أصحابي أصحابي، لظن أنهم لم يرتدوا كما يُؤْذِن به ما قيل في جوابه: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

    وإذا ثبت هذا فاعلم أن العلماء قد اختلفوا في أولئك المذادين عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم بعد اتفاقهم أن الصحابة رضي الله عنهم غير مرادين بذلك. فقالوا:

أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم، كما يوضحها الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله أتعرفنا؟ قال: نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء. وليُصدَّن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب هؤلاء من أصحابي فيجبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟}([12]). فهذا الحديث يفيد أن أهل الأهواء والنفاق يحشرون بالغرة والتحجيل، وقوله: (منكم) الميم ميم الجمع وهذا يعني أنهم يحشرون جميعاً بنفس سيما المؤمنين كما في حديث الصراط في قوله صلى الله عليه وسلم: {... وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها}([13]). فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين. وما من شكٍّ أن المنافقين ليسوا بحالٍ من أقسام الصحابة ولا يدخلون عند أهل السنة في الصحابة، ولا يشملهم مصطلح (الصحبة) إذا ما أطلق. فالصحابي كما مر بك من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام.‎ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلمذكرهم وذكر المرتدين في بعض روايات الحديث «بأصيحابي» أو بـ «من صاحبني» لأنهم صحبوه ورأوه في الدنيا وذلك تصغيراً لهم وتحقيراً لا تعظيماً ولا يقول ذلك لأصحابه من المهاجرين والأنصار الذين كانت لهم رواياته في حقهم بصيغة الإجلال والتقدير والتعظيم والتكريم. وذلك أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل وعلا: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون : 1]. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف بعض المنافقين، ولم يكن يعرفهم كلهم، ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ [التوبة : 101] فبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم جميع المنافقين، وكان يظن أن أولئك من أصحابه وليسوا كذلك بل هم من المنافقين.

§   قد يكون المعنى أن كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يتابعه، وإن كان النبي يعلم ذلك كعبد الله بن أبي ابن سلول وهو كما هو معلوم رأس المنافقين وهو الذي قال: لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وهو الذي قال: ما مثلنا ومثل محمد وأصحابه إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك. فهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فيكون هذا هو المقصود، ولذلك إن تعريف الصحابة بأنه كل من لقي النبي مؤمناً به ومات على ذلك تعريف متأخر. وأما كلام العرب كل من صحب الرجل فهو من أصحابه مسلماً أو غير مسلم متبع له أو غير متبع هذا أمر آخر. ولذلك لما قال عبد الله بن أبي ابن سلول كلمته الخبيثة: «ليخرجن الأعز منها الأذل» قام عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغته هذه الكلمة قال: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا يا عمر، لا يقول الناس: إن محمدا يقتل أصحابه}([14])، فسماه من أصحابه صلوات الله وسلامه عليه وهو رأس المنافقين، فهو غير داخل في الذين نحن نسميهم صحابة رضي الله عنهم.

§   قيل أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك).

§   يقول الفضل الطبرسـي (وهـو من أكابر علماء الشيعة) في تفسيره (مجمع البيان) عند تفسير قولـه تعـالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... [آل عمران : 106]: (اختلف فيمن عنوا به على أقوال) فذكر أربعة أقوال وذكر في آخرها أنهم أهل البدع والأهـواء مـن هـذه الأمـة ثم استدل على ذلك من حديث «الارتداد» فقال: (ورابعها أنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة عن علي A ومثله عن قتادة أنهم الذين كفروا بالارتداد، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده ليردن على الحوض ممن صحبني أقوام حتى إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن: أصحابي أصحابي أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعد، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى} ذكره الثعلبي في تفسيره فقال أبو أمامة الباهلي: هم الخوارج ويروي عن النبي أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..)([15]).

§   أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، يجوز أن يذادوا عقوبة لهم، ثم يرحمهم الله عزوجل فيدخلهم الجنة بغير عذاب) ([16]).‎‎

§   لا يمتنع أن يكون أولئك المذادون عن الحوض هم من مجموع تلك الأصناف المذكورة، فإن الروايات محتملة لكل هذا، ففي بعضها يقول النبي صلى الله عليه وسلم فأقول: (أصحابي) أو (أصيحابي -بالتصغير-)، وفي بعضها يقول: {سيؤخذ أناس من دوني فأقول: يا ربي مني ومن أمتي} وفي بعضها يقول: {ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني}، وظاهر ذلك أن المذادين ليسوا طائفة واحدة. وهذا هو الذي تقتضيه الحكمة، فإن العقوبات في الشرع تكون بحسب الذنوب، فيجتمع في العقوبة الواحدة كل من استوجبها من أصحاب ذلك الذنب.  كما روى عن طائفة من الصحابة منهم عمر وابن عباس رضي الله عنهم في تفسير قوله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ [الصافات : 22]: قالوا: «أشباههم يجيء أصحاب الزنا مع أصحاب الزنا، وأصحاب الربا مع أصحاب الربا، وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر»([17])، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن سبب الذود عن الحوض هو الارتداد كما في قوله: {إنهم ارتدوا على أدبارهم}، أو الإحداث في الدين كما في قوله: {إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك}، فمقتضى ذلك هو أن يُذاد عن الحوض كل مرتد عن الدين سواء أكان ممن ارتد بعد موت النبيصلى الله عليه وسلم من الأعراب، أو من كان بعد ذلك، يشاركهم في هذا أهل الإحداث وهم المبتدعة. قال ابن عبد البر رحمه الله وغيره: (وكل من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، والله أعلم. وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم مثل الخوارج على اختلاف الفرق.. إلى أن قال: فهؤلاء كلهم يبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي وجميع أهل الزيغ والأهواء والبدع؛ كل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بهذا الخبر)([18]).

 

    وإذا ما تقرر هذا ظهرت براءة الصحابة من كل ما يرميهم به أعداؤهم، فالذود عن الحوض إنما هو بسبب الردة أو الإحداث في الدين، والصحابة من أبعد الناس عن ذلك، بل هم أعداء المرتدين الذين قاتلوهم وحاربوهم في أصعب الظروف وأحرجها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم على ما روى الطبري في تاريخه بسنده عن عروة بن الزبير عن أبيه قال: (قد ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية، لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم)([19]).‎

ومع هذا تصدى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المرتدين وقاتلوهم قتالاً عظيماً وناجزوهم حتى أظهرهم الله عليهم، فعاد للدين من أهل الردة من عاد، وقتل منهم من قتل، وعاد للإسلام عزه وقوته وهيبته على أيدي الصحابة رضي الله عنهم وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.

    يقول سعد القمي وهو من علماء الإمامية: (وارتد قوم فرجعوا عن الإسلام، ودعت بنو حنيفة إلى نبوة مسيلمة، وقد كان ادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث أبو بكر إليهم الخيول عليها خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، فقاتلهم وقُتل من قُتل ورجع من رجع منهم إلى أبي بكر فسمّوا أهل الردة)([20]).

    وقال علي رضي الله عنه: «فمشيت عند ذلك-أي عندما ارتد من ارتد من العرب- إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسّر وسدد وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً»([21]).

    وهذه المواقف العظيمة للصحابة من أهل الردة وأهل البدع، من أكبر الشواهد الظاهرة على صدق تدينهم، وقوة إيمانهم، وحسن بلائهم في الدين، وجهادهم أعدائه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقام الله بهم السنة وقمع البدعة، الأمر الذي يظهر به كذبهم في رميهم لهم بالردة والإحداث في الدين، والذود عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم. بل هم أولى الناس بحوض نبيهم لحسن صحبتهم له في حياته، وقيامهم بأمر الدين بعد وفاته.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: {فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم}([22]) والاحتجاج به على تكفير الصحابة إلا القليل منهم فلا حجة له فيه، لأن الضمير في قوله: (منهم) إنما يرجع على أولئك القوم الذين يدنون من الحوض ثم يذادون عنه، فلا يخلص منهم إليه إلا القليل، وهذا ظاهر من سياق الحديث فإن نصه: {بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلَمّ فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم}.‎فليس في الحديث للصحابة ذكر، وإنما ذكر زمراً من الرجال يذادون من دون الحوض ثم لا يصل إليه منهم إلا القليل.  قال ابن حجر رحمه الله في شرح {فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم}: يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه... والمعنى لا يرده منهم إلا القليل، لأن الهَمَل في الإبل قليل بالنسبة لغيره)([23]).

 

    وأخيراً: لو قال أحد النواصب وهم الذين يبغضون آل البيت رحمهم الله : إن هؤلاء الذين ارتدوا وهؤلاء الذين يذادون عن الحوض هم علي والحسن والحسين كيف تردون عليهم؟؟! فيرد عليهم بأنهم ليسوا من هؤلاء بل هؤلاء جاءت فيهم فضائل. وكذلك نحن نقول: أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة جاءت فيهم فضائل، فما الذي يخرج علياً ويدخل أبا بكر وعمر!!

فالقصد إذاً أن حديث الحوض لا يشمل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 


([1]) رواه البخاري برقم (6582) واللفظ له، ومسلم برقم (2304).

([2]) رواه البخاري برقم (6585).

([3]) رواه البخاري برقم (6593) واللفظ له، ومسلم برقم (2293).

([4]) رواه البخاري برقم (6576).

([5]) رواه البخاري برقم (6585).

([6]) رواه البخاري برقم (6587).

([7]) رواه البخاري برقم (6586).

([8]) جامع الأصول لابن الأثير (1/74 ).

([9]) انظر: فتح المغيث (4/74) وما بعدها، والباعث الحثيث (ص:169و172) هامش رقم (1)، ودفاع عن السنة (ص:108)، والإصابة (1/6) وغيرها من الكتب، ومن مجموع ما ذكره هؤلاء العلماء وغيرهم صغت هذا التعريف.

([10]) ولفظ "أصيحابي" مذكور في كتب الإمامية: انظر مثلاً: دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية للمنتظري (1/47)، مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني (1/164)، عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الأحسائي (1/59)، الصوارم المهرقة لنور الله التستري (ص10)، بحار الأنوار للمجلسي (8/27)، (28/22)، (29/566)، الغدير للأميني (3/408)، أحاديث أم المؤمنين عائشة لمرتضى العسكري (2/28)، أضواء على الصحيحين لمحمد صادق النجمي (433، 436)، معالم المدرستين لمرتضى العسكري (1/99)، العدد القوية لعلي بن يوسف الحلي (ص198)، سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي (10/96)، النصائح الكافية لمحمد بن عقيل (164)، تقوية الإيمان لمحمد بن عقيل (61)، تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي (395)، شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي (18/37)، آيات الغدير إعداد: مركز المصطفى (ص:26)، الانتصار للعاملي (8/220)، الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ إعداد مركز الرسالة (70)، العترة والصحابة في السنة لمحمد حياة الأنصاري (2/7)، المنتخب من الصحاح الستة لمحمد حياة الأنصاري (76)، تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية لأبي طالب التجليل التبريزي (1/219)، (2/587)، رسائل ومقالات لجعفر السبحاني (206)، كذبوا على الشيعة لمحمد الرضي الرضوي (159)، مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت – (50/119)، وركبت السفينة لمروان خليفات (600)، فلك النجاة في الإمامة والصلاة لعلي محمد فتح الدين الحنفي (64)، الانحرافات الكبرى لسعيد أيوب (407).

([11]) رواه البخاري برقم (6585).

([12]) صحيح مسلم رقم (247).

([13]) رواه البخاري برقم (806)، ومسلم برقم (182).

([14]) رواه البخاري برقم (3518)، ومسلم برقم (2584).

([15]) تفسير مجمع البيان للطبرسي (2/360)، تفسير نور الثقلين للحويزي (1/382).

([16]) شرح النووي على صحيح مسلم (3/136-137).

([17]) انظر: تفسير ابن كثير (4/7).

([18]) التمهيد (20/262) ، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (1/348).

([19]) تاريخ الأمم والملوك (2/245).

([20]) المقالات والفرق لسعد القمي (ص:4).

([21]) الغارت لأبي إسحاق إبراهيم الثقفي الكوفي الأصبهاني (1/307)، منار الهدى لعلي البحراني (ص:373)، ناسخ التواريخ للميرزا تقي (3/532).

([22]) رواه البخاري برقم (6587).

([23]) فتح الباري لابن حجر (11/475).

  • الاربعاء AM 01:40
    2015-09-16
  • 13386
Powered by: GateGold