المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413983
يتصفح الموقع حاليا : 285

البحث

البحث

عرض المادة

شبهات حول عائشة تتعلق بآل البيت

الشبهة الأولى: قولهم إنَّ عائشة كانت تبغض عليا رضي الله عنهما استدل الرافضة على بغض عائشة لعلي:

بما جاء عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، فاستأذن نساءه أن يُمرض في بيتي، فـ ب، فأذِنَّ له، فخرج رسول صلى الله عليه وسلم معتمدا على العباس، وعلى رجل آخر ، ورجلاه تخطَّان في الأرض، وقال عبيد الله: فقال ابن عباس: أتدري من ذلك الرجل؟ هو علي بن أبي طالب، ولكنَّ عائشة لا تطيب له نفسا))[1]. قال الرافضة وكانت لا تحبُّ عليا، ولا ترضى له خيرًا، ولا تذكر اسمه على لسانها[2].

والرواية المشهورة، والتي ليس فيها هذا الكلام، جاءت عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (لما ثقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتدَّ به وجعه، استأذن أزواجه أن يُمرض في بيتي، فأذن له، فخرج بين رجلين، تخطُّ رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد الله : فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تُسم عائشة؟ قال: قلت: لا. قال ابن عباس: هو عليّ )[3] .

قال مرتضى الحسيني: (باب) أن عائشة تبغض عليا وتحسده، وقد سُرت بقتل علي عليه السلام)، وجاء بحديث عائشة السابق، وحديث النعمان بن بشير، قال: ((استأذن أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عاليا، وهي تقول: والله لقد عرفت أنَّ عليا أحبُّ إليك من أبي ومني. مرتين أو ثلاثا، فاستأذن أبو بكر، فدخل، فأهوى إليها، فقال: يا بنت فلانة، ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم))[4]. وحديث لمّا أتى عائشة نعي علي أمير المؤمنين عليه السلام تمثلت: فألقت عصاها واستقرت بها النَّوى كما قر عينا بالإياب المسافر.

ثم قال هذا الشيعي: (وهذا البيت مما يُضرب به المثل إذا حصلت الراحة بعد الشدة، والفرج بعد الكرب والمشقة، فتمثل عائشة به مما ينبئ بل هو صريح في سرورها بمقتل عليّ عليه السلام)[5].

والجواب عن هذه الشبه من وجوه:

أَوَّلًا: أما الحديث الأوَّل فهذه الزيادة ( ولكنَّ عائشة لا تطيب له نفسا شاذة لا تصح: (فإعراض الشيخين عن هذه الزيادة، وعدم اتفاق أصحاب الزهري عليها، يجعل في القلب منها شيئًا. فسفيان وعقيل وشعيب لم يذكروها في الحديث، وذكرها معمر، ورواها ابن المبارك، عن معمر ويونس جمعهما في حديث واحد، وقد أعرض الشيخان عن الزيادة، مع روايتهما للحديث من طريق ابن المبارك عن معمر، زد على هذا أن موسى بن أبي عائشة لم يتابع الزهري على هذه الزيادة.

كذلك ممن حدث به عن الزهري بغير الزيادة إبراهيم بن سعد، وهو في (الطبقات)[6] قبل الحديث محل السؤال مباشرة، وقد روى البيهقي في (الدلائل)[7] الحديث من مغازي ابن إسحاق، برواية يونس بن بكير (وهو طريق ابن حجر للمغازي فرواه ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الزهري، وليس فيه هذه اللفظة، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.

ورواه ابن إسحاق، عن الزهري بغير واسطة بدون تلك اللفظة أيضًا، وهذا عند أبي يعلى[8]،[9] وإسناده جيد، وصرح ابن إسحاق بالتحديث، فصار من روى الحديث بغير الزيادة سفيان بن عيينة وشعيب وعقيل، وإبراهيم بن سعد، ويعقوب بن عتبة، وابن إسحاق، وتفرد بالزيادة معمر.

وقد أخرج الشيخان الحديث، واتفقا على الإعراض عن تلك الزيادة، مع أنهما يروياها من طريق معمر، فلعل هذه اللفظة لا تصحّ في الحديث[10].

ثانيا: على فرض صحة الرواية، فإنَّ الشراح أجابوا على ذلك بأوجه، منها: أنَّ عائشة أبهمت الرجل الثاني؛ لأنَّه لم يتعيَّن في المسافة كلها، فكان يتوكَّأ على الفضل تارة، وعلى علي تارة[11].

وأيضًا فقد يقع بينهما رضي الله عنهما شيء من بواعث النفس البشرية، التي لا تثريب فيها إن لم تحمل على قول أو فعل محرَّم؛ لا سيما إن كانت تُذكَّر بشيء يؤذي النفس، وقد كان من خبر علي رضي الله عنه أن ألمح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراق عائشة[12]، والإنسان لا يحبُّ رؤية من يُذكّره بما لا يحبُّ، أو يتذكَّر به شيئًا ما قد أفل عنه وتأثر به، وأقرب ما يتّضح به هذا الوجه ما أخرج البخاري من حديث الصحابي الجليل وحشيّ[13] قاتل حمزة[14] قبل إسلامه، فقد قال له النبي صلَّى الله عليه وسلم بعد إسلامه: ((أنت قتلت حمزة؟ قلتُ: قد كان من الأمر ما بلغك. قال: فهل تستطيع أن تُغيّب وجهك عنّي))[15].

قال الحافظ ابن حجر وفيه أنَّ المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما)[16].

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب رؤيته؛ لئلا يتذكر حمزة؛ لشدة وقع موته على فؤاده، ولم يكن الذي وقع على عائشة بالهين، كما جاء خبر تألمها في قصتها في الإفك[17].

ومن المعلوم أنه قد لا يحبُّ الإنسان أن يذكر اسما ما لوقعة في زمن معيَّن، ثمَّ يؤوب قلبه بعد العهد، فتطيب العلاقة حتّى تبلغ منتهى الحسن، وهو ما حصل بين عائشة وعلي رضي الله عنهما في آخر أمرهما، كما تقدم في بيان حسن العلاقة بينهما[18]، وسيأتي أيضًا الكلام في ذلك عند الكلام على وقعة الجمل[19]، ويكفي من ذلك شهادتها له بأنَّه ما غيّر ولا بدَّل، وأمْرُها بأن يبايعه النَّاس في خلافته.

وإن كان اجتهاد ابن عباس رضي الله عنه صحيحًا في هذا الخبر، فعائشة هجرت ذكر الاسم، وليس في ذلك هجران محرم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، وهو يتكلم عن نوع الهجر الجائز: (وما كان من المغاضبة بين الأهل والإخوان، فيجوز الهجر فيه بترك التسمية مثلا، أو بترك بسط الوجه، مع عدم هجر السلام والكلام[20].

يقول الزرقاني في تعليقه على هذه الرواية: (وذلك لما جبل عليه الطبع البشري، فلا إزراء في ذلك عليها، ولا على علي رضي الله عنهما ...)[21].

فإن هذه مسألة تعتري البشر جميعًا، حتّى بين أفراد الأسرة الواحدة، كغضب أخ من أخيه أو أخته، فيفارق اسمه فقط، وهذه أيضًا عادة عند عائشة رضي الله عنها، فكانت تقسم: وربِّ محمَّد) حالَ رِضاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان هناك شيء قالت: (وربِّ إبراهيم) فلما أخبرها النبي بمعرفته ذلك، قالت: (لا أفارق إلا اسمك)[22]. فالغضب غير البغض، فكونها تغضب من علي رضي الله عنه، فهذا محتمل، أما أنها تُبغضه كما يزعم الرافضة فحاشاها.

فربَّما وجدت عائشة رضي الله عنها في نفسها شيئًا تجاه علي رضي الله عنه في أمرٍ من الأمور، كطبيعة البشر، وتوافق مع ذلك الموقف، ولكن من المحال أن يكون حقدا مستمرا، وعداءً لا يزول، بل ذلك من أبعد الأشياء عن عائشة رضي الله عنها، فإنَّها لم تحمل على الذين خاضوا في الإفك، مع أن ذلك كان من أشد المصائب عليها، فكان نصيب الخائضين من عائشة رضي الله عنها العفو والصفح، حتّى إنها كانت تنافح عنهم إذا ذكرهم أحد أمامها بسوء.

فهذا حسان بن ثابت رضي الله عنه كان من الخائضين في الإفك، وكان ممن أكثر في رمي عائشة رضي الله عنها، ومع ذلك لم تحقد عليه الصدِّيقة رضي الله عنها، بل كانت تنهى عن سبه أو الإساءة إليه، ففي (الصحيحين) أنها قالت لعروة بن الزبير لما أخذ يسبه: (لا تسبّه، فإنَّه كان ينافح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم[23]. وقالت المسروق نحوا من هذا الكلام[24].

أفيُعقل أن تُقدِّر مواقف حسان مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، فتغضي عن إساءته البالغة إليها، ولا تُقدّر مواقف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع النبي، وبلاءه الحسن معه، وجهاده في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل؟!

إِنَّ مَنْ دَرَس أخلاقها رضي الله عنها، واطّلع على مناقبها، يعلم مدى عفوها وصفحها عن كثير من الهنات التي صدرت عن أشخاص أبلوا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم دون بلاء علي رضي الله عنه، ويدرك أنَّ ما بينها وبين علي رضي الله عنه كما بين الأحماء؛ كما أخبرت رضي الله عنها بذلك، وصدقها علي رضي الله عنه في قولها[25].

رابعا: أنَّ عائشة كانت تُحِبُّ عليًّا، وتكن له كل تقدير وإجلال[26].

فحتى وإن قيل: إنَّه وقع بينهما شيء من القول، فقد تقدم ما وقع بينهما في آخر حياتهما من العلاقة الحسنة والإكرام، الذي أقرَّ به حتّى بعض الرافضة، وأنها كانت تحيل عليه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، على أنَّه لا يُستبعد أنَّ هذا كان اجتهادًا من ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنَّ العلاقة كانت بين علي وعائشة آخر الأمر - وقد كانت بعد حرب - كما قالت عائشة رضي الله عنها: (إنَّه والله ما كان بيني وبين علي  في القدم، إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنَّه على معتبتي لمن الأخيار)[27]. أما حديث عائشة الثاني، والذي فيه: ((والله لقد عرفت أنَّ عليَّا أحبُّ إليك من أبي ومني. مرتين أو ثلاث))[28]، فهي زيادة قال عنها الهيثمي: (رواه أبو داود غير ذكر محبة علي رضي الله عنه[29] ، وآفته يونس بن أبي إسحاق، كانت فيه غفلة شديدة، وقال أحمد: (في حديثه زيادة على حديث الناس)، وعن عبد الله بن أحمد عن أبيه: (حديثه مضطرب)[30]، وعلى فرض صحة تلك الزيادة فإنَّه ليس فيها دليل على بغض عائشة لعلي رضي الله عنهما، فلو كان كذلك ما أقرها النَّبي صلَّى الله عليه وسلم عليه، مع أنه يمكن أن يكون علي بن أبي طالب أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر الصديق من وجوه، كما أن أبا بكر أحبُّ إليه من على من وجوه أخرى.

أما حديث فرحها بمقتل علي، وإنشادها شعرًا في ذلك، فهو عند الطبري في (تاريخه) غير مسند، وأسنده أبو الفرج الأصفهاني في كتابه (مقاتل الطالبيين) قال: (حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إسماعيل بن راشد بإسناده، قال: لما أتى عائشة نعي علي أمير المؤمنين عليه السلام تمثلت... الحديث)[31]، والأصبهاني هذا شيعي علوي[32]، أسند الخطيب إلى أبي محمد الحسن بن الحسين النوبختي[33]، قال: (كان أبو الفرج الأصبهاني أكذب الناس، كان يدخل سوق الوراقين، وهي عامرة، والدكاكين مملوءة بالكتب، فيشتري شيئًا كثيرًا من الصحف، ويحملها إلى بيته، ثم تكون رواياته كلها منها)[34]، ولعل منها هذا الإسناد؛ لأن فيه إسماعيل ابن راشد، بإسناده عن عائشة، وإسماعيل هذا لم أجد من ذكره بجرح أو تعديل، ولا متى تُوُلِّي، ولا من بينه وبين عائشة من الرجال، ثم الراوي عنه هو عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي (صدوق أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، فضعف ، ذلك، حتّى نسبه ابن نمير إلى الكذب)[35]، ومن تدليس الأصبهاني أنه لم ينسبه حتى لا يُعرف؛ وحتى يُظنَّ أنَّه أحد الثقات؛ لاشتراك هذا الاسم بين عدد من الثقات، وتأكد من خلال بحث شيوخ وتلاميذ الطرائفي وإسماعيل بن راشد، بسبب أن المقصود هو الطرائفي، ويكفي وجوده في الإسناد لنسفه.

 

الشبهة الثانية: زعمهم أنَّ عائشة حرمت فاطمة ميراثها من النَّبي صلَّى الله عليه وسلم

يزعمون أنَّ عائشة رضي الله عنها طالبت بميراث النَّبي صلَّى الله عليه وسلم، مع كونها روت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يُورث. فحرمت بذلك فاطمة من الإرث، ويحتجون بما ذكره المفيد قال : حدّثني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال: حدثني الحسن بن علي الزعفراني قال حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري، قال: حدثنا سفيان، عن فضيل ابن الزبير، قال: حدثني فروة بن مجاشع، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، قال: جاءت عائشة إلى عثمان فقالت له: أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر بن الخطاب. فقال لها: لا أجد لك موضعا في الكتاب ولا في السنة، وإنما كان أبوك وعمر بن الخطاب يعطيانك بطيبة من أنفسهما، وأنا لا أفعل. قالت له: فأعطني ميراثي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال لها: أو لم تجيئي أنت ومالك ابن أوس النصري، فشهدتما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله لا يُورث، حتّى منعتها فاطمة ميراثها، وأبطلتها حقها؟! فكيف تطلبين اليوم ميراثًا مِن النَّبي صلَّى الله عليه وآله؟ فتركته وانصرفت[36].

الجواب عن هذه الشبهة:

أنَّ هذا كلام في غاية البطلان وهم يقصدون بذلك ما رواه البخاري في (صحيحه) عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: ((أَنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلم عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فكان يُعطي أزواجه مائة وسق؛ ثمانون وسق تمر، وعشرون وسق شعير، فقسم عمر خيبر، فخيَّر أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهنَّ من الماء والأرض، أو يُمضي لهنَّ، فمنهنَّ من اختار الأرض، ومنهنَّ من اختار الوسق وكانت عائشة اختارت الأرض))[37].

وكانت هذه من نفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه، واستمر دفعها إليهم بعد وفاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي، ومئونة عاملي فهو صدقة)[38]. وذلك أنَّ أزواجه صلَّى الله عليه وسلم لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، كان لا بد لهنَّ من القوت والنفقة، وليس ذلك على سبيل الإرث، ولذلك لم ينازعهنَّ أحد في مساكنهنَّ؛ لأنَّ ذلك من جملة مئونتهنَّ التي كان النبي صلى الله عليه وسلم استثناها لهن مما كان بيده أيام حياته، حيث قال: ((ما تركت بعد نفقة نسائي..))[39]. ويؤيده أنَّ ورثتهنَّ لم يرثن عنهنَّ منازلهنَّ، ولو كانت البيوت ملكًا لهنَّ لانتقلت إلى ورثتهنَّ، وفي ترك ورثتهنَّ حقوقهم منها دلالة على ذلك، ولهذا زيدت بيوتهنَّ في المسجد النبوي بعد موتهنَّ؛ لعموم نفعه للمسلمين، كما فعل فيما كان يُصرف لهنَّ من النفقات، والله أعلم[40].

فلم يرث أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ماله درهما واحدا، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: ((أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين تُوُفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر، يسألنه ميراثهنَّ، فقالت عائشة: أليس قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: ((لا نُورَث، ما تركنا صدقة))[41].

وأما حرمان فاطمة رضي الله عنها ميراثها، فإنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال: ((لا نُورَث ما تركنا صدقة))[42] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كون النبي صلى الله عليه وسلم لا يُورث، ثبت بالسنة المقطوع بها، وبإجماع الصحابة، وكل منهما دليل قطعي)[43].

وقصة مجيء فاطمة للصديق رضي الله عنهما، وطلبها ميراثها في «فدك» وإجابة الصديق بالحديث السابق مما أغضب فاطمة رضي الله عنهما، وسبب ذلك أنه وقع بينهما اختلاف في فهم كلام النَّبي صلَّى الله عليه وسلم كما ذكر ابن حجر[44]، وقد انتهى الخلاف عندما ذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى بيتها يسترضيها، كما روى البيهقي بسنده عن الشعبي أنه قال: (لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق، فاستأذن عليها، فقال علي: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم فأذنت له، فدخل عليها يتراها، فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل والعشيرة، إلا ابتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت)[45]. قال الحافظ ابن كثير: (وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر أنَّ عامر الشعبي سمعه من علي، أو ممن سمعه من عليّ). ا.هـ[46].

وعندما تولّى علي رضي الله عنه الأمر ما فعل بصدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما فعله الصديق رضي الله عنه، فما تملك منها أي شيء[47].

وأما الحديث الذي رواه المفيد ففيه إبراهيم بن محمد الثقفي، قال عنه في (لسان الميزان): (قال ابن أبي حاتم هو مجهول. وقال البخاري: لم يصح حديثه. وقال ابن عدي: لم يصح حديثه. وقال أبو نعيم في (تاريخ أصبهان): كان غاليا في الرفض، تُرك حديثه ا. هـ)[48].

وأما الحسن بن الحسين الأنصاري فهو الحسن بن الحسين العربي الكوفي: قال عنه في (لسان الميزان): (قال أبو حاتم لم يكن بصدوق عندهم، وكان من رؤساء الشيعة. وقال ابن عدي: لا يشبه حديثه حديث الثقات. وقال ابن حبان: يأتي عن الأثبات بالملزقات، ويروي المقلوبات .. هـ)[49]. أضف إلى ذلك من فيه من المجاهيل، وهم سائر الإسناد إلى أبي جعفر رضي الله عنه، والذي لم يلق عثمان قطُّ، كيف ذلك وهو مولود سنة ست وخمسين أو سبع وخمسين، على خلاف، أي بعد مقتل عثمان رضي الله عنه بسنوات، فتبيَّن بذلك سقوط هذه الرواية. والحمد لله[50].

============================

[1]  رواه احمد (6/34) (24107)

والحديث اصله في الصحيحين رواه البخاري (198) ومسلم (418) بدون زيادة: ( ولكن عائشة لا تطيب له نفسا ً ).

[2]  انظر: هذه الشبهة في كتب الشيعة الآتية: معالم المدرستين لمرتضى العسكري ص:232، والغدير للاميني (9/324) و(فاسألوا اهل الذكر) لمحمد التيجاني السماوي ص: 323، وخلاصة المواجهة لأحمد حسين يعقوب ص: 111، ودفاع من  وحي الشريعة لحسين الرجا ص:327 .

[3]  رواه البخاري (198) ومسلم (418)

[4]  رواه احمد (4/275) (18444) والنسائي في السنن الكبرى (5/139) (8495) والبزار (8/223) (3275)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (13/333)

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/129): رجاله رجال الصحيح وصحح اسناده ابن حجر في فتح الباري (7/32)، والسخاوي في الاجوبة المرضية (2/764)

[5]  السبعة من السلف ص: 169 - 170

[6]  الطبقات الكبرى لابن سعد (2/231)

[7]  دلائل النبوة للبيهقي (7/169)

[8]  مسند ابي يعلى (8/57)

[9]  هو احمد بن عل بن المثني، ابو يعلى الموصلي، الامام الحافظ، شيخ الاسلام محدث الموصل، ولد سنة 210هــ، لقى الكبار وارتحل في حداثته الى الامصار، وكان خيرا ً حسن التصنيف، من مصنفاته: ( المسند ) المشهور، توفى سنة 307هــ.

انظر: سير اعلام النبلاء للذهبي (14/174) والبداية والنهاية لابن كثير (11/130)

[10]  هذه الشذرات الحديثية مأخوذة من مشاركات هشام بن بهرام، من موقع ملتقى اهل الحديث.

[11]  فتح الباري لابن حجر (2/156)

[12]  وهذا من شبههم، وسيأتي الجواب عنه ص: 590

[13]  هو وحشي بن حرب الحبشي رضي الله عنه، ابو دسمة، قتل قبل اسلامه حمزة يوم أحد، وشارك في قتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة، توفى سنة 34هــ.

انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (1/496)، والاصابة لابن حجر (6/601) .

[14]  هو حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم، ابو عمارة رضي الله عنه، عم النبي صلى الله عليه وسلم، خير الشهداء، اسد الله واسد رسوله، كان اسلامه عزا ً ومنعة للنبي صلى الله عليه وسلم، شهد بدرا ً واستشهد في غزوة احد، ومُثّل به، توفى سنة 3هــ.

انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (1/109) والاصابة لابن حجر (2/121) .

[15]  رواه البخاري (4072)

[16]  فتح الباري لابن حجر (7/371) وانظر: تعريف عام بدين الاسلام علي الطنطاوي ص:176.

[17]  وروي عنها انها قالت: لما رمي بما رميت اردت ان ألقي نفسي في قليب) اخرجه البزار (18/212) والطبراني في الاوسط (1/184) وهو من رواية محمد بن خالد بن خداش، عن أبيه وفيهما كلام.

[18]  تقدم، ص: 321

[19]  سيأتي، ص:545

[20]  فتح الباري لابن حجر (10/497)

[21]  شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (12/84)

[22]  تقدم تخريجه ص: 94

[23]  رواه البخاري (4146) ، ومسلم (2487)

[24]  رواه البخاري (4146) ، ومسلم (2488)

[25]  انظر: الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة لعبد القادر محمد عطا صوفي (ص: 175-177)

[26]  انظر ما تقدم ص: 321

[27]  تقدم تخريجه ص: 322

[28]  تقدم تخريجه ص: 483

[29]  مجمع الزوائد للهيثمي (9/127)

[30]  تهذيب التهذيب لابن حجر (11/381)

[31]  مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني (1/55)

[32]  سير أعلام النبلاء للذهبي (16/202)

[33]  هو الحسن بن الحسين بن علي، اب محمد النوبختي، رافضي معتزلي، كان سماعه صحيحا ً ثقة في الحديث، توفى سنة 452هــ.

انظر: ميزان الاعتدال للذهبي (1/485)، وتاريخ بغداد للخطيب (7/299)

[34]  تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (11/398)

[35]  تقريب التهذيب لابن حجر (1/662)

[36]  الأمالي للمفيد ح(3)، وانظر: بحار الانوار للمجلسي

[37]  رواه البخاري (2328)، ومسلم (1551)

[38] رواه البخاري (2776)، ومسلم (1760)

[39]  تقدم تخريجه قريبا ً

[40]  انظر: (فتح الباري) باب ما جاء في بيوت ازواج النبي صلى الله عليه وسلم (6/211) وكذلك باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نورث ما تركنا فهو صدقة) (12/7)

[41]  رواه البخاري (4034)، ومسلم (1758)

[42]  انظر ما تقدم ص:119

[43]  منهاج السنة النبوية لابن تيمية (4/220)

[44]  فتح الباري لابن حجر (6/202)

[45]  رواه البيهقي (6/301) (12515)

قال البيهقي: هذا مرسل حسن بإسناد صحيح.

[46]  البداية والنهاية لابن كثير (8/196)

[47]  انظر (شرح مسلم) للنووي (12/73)

[48]  لسان الميزان لابن حجر (1/43)

[49] المصدر السابق (1/199)

[50]  بحث ( عائشة ام المؤمنين ) لهاني محمد عوضين. ( بحث لم ينشر )

  • الاثنين PM 12:00
    2023-05-08
  • 546
Powered by: GateGold