المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409072
يتصفح الموقع حاليا : 385

البحث

البحث

عرض المادة

أصل الدين والإسلام

بعد أن تحدثنا عن موقف العلمانية من الدين، سواء بالطعن فيه، أو بالدعوة لتجاوزه وإقصائه، أو بالاستهزاء بأصوله وقواعده، رأيت أن أفرد هذا المبحث وإن كان يمثل لونا من ألوان الطعن، ولكنه طعن في الصميم، أو لنقل: إنه نقض للدين من أساسه وجذوره، واعتباره مجرد وهم، من صنع بعض الكهنة.

فقد أجمع علماء الاجتماع الغربيين على أن الأديان صنع بشري محض، أي: إفراز تاريخي اقتضاه التطور البشري.

بدأ أولا في شكل أساطير، أملاها الخوف من القوى المجهولة والظواهر الطبيعية الكبيرة، ثم تطور الأمر إلى تعدد الآلهة، واتخاذ كل قبيلة أو مجموعة قبائل إلها خاصا بها، ثم تطور الأمر إلى توحيد الآلهة على يد الأديان التوحيدية الثلاثة، ثم تطور الأمر نحو العقلانية.

وعندهم الظواهر الاجتماعية هي التي شكلت الدين وصنعته وطورته.

وعند فرويد: الأديان مجرد وهم من أوهام الجماهير، نشأت نتيجة لضرورة حماية الإنسان لنفسه من قوى الطبيعة.

والدين عصاب وسواسي يصيب البشر كافة، وإن الله ابتكار بشري يمجد الأب المثالي ويصبح ملجأ خارقا للطبيعة يعتصم به كل من أفزعته الحياة (1).

وعند ماركس: الدين أوهام وخيالات انعكست عن الوضع الاقتصادي، وضعه المحتكرون البورجوازيون لتخدير الطبقة الكادحة والسيطرة عليها (2).

وأما الله والآخرة والأسرة والأخلاق والفضيلة فكلها هراء برجوازي.


(1) علم الأديان (29).
(2) أكد أركون في العلمنة والدين (74) أنه بمجيء الماركسية زادت وأكدت أن العامل الديني ليس إلا قشرة سطحية أو بنية فوقية قليلة الأهمية، وأن القوى الحقيقية للتاريخ هي نظام التبادل والإنتاج، وبالتالي فهناك إذن طبقة تملك هذا النظام وتسيطر عليه، وهي تخترع إيديولوجيا تبشيرية من أجل أن تجعله مقبولا من قبل بقية المواط

والدين عند ماركس كذلك مرحلة من مراحل التطور البشري، بل بشَّر ماركس بهزيمة الآلهة وإبطال الأساطير وهزيمة القدسي أمام التقدم العلمي والتكنولوجي (1).

تلقف العلمانيون هذا الكفر البواح الذي يكذب القرآن والسنة، بل والأديان كلها وروجوا له: منهم عبد المجيد الشرفي في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (12)، بل اعتبر الدين ظاهرة مرضية يمكن تجاوزها.

ومنهم فرح أنطون، فقد رفض الدين باعتباره طفولة البشرية (2).

ومنهم أبو القاسم حاج حمد وزكي نجيب ونوال السعداوي (3).

ومنهم العلماني المغربي أحمد عصيد، قال: لقد تطور العقل البشري من الإيمان بالخوارق والأساطير إلى التنظيم المعقلن للحياة وعبر ذلك انتقل من الآلهة المتعددة إلى الحاكم والإله، ثم التوحيد السماوي ليستقر عند اكتشاف قدراته العقلية والتمتع بمغامرة البحث عن الحقيقة خارج الثوابت المطلقة (4).

ومنهم رفعت السعيد، فالدين عنده هو مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي (5).

ومنهم شبلي شميل، والدين عنده أصله الخوف (6).


(1) أزمة الخطاب التقدمي (60).
(2) نقد الفكر الديني (62) والتفكير في العلمانية (63).
(3) العلمانيون والقرآن (322).
(4) العلمانية مفاهيم ملتبسة (337 - 338).
(5) الإسلام السياسي (16 - 17) نقلا عن الحركات الإسلامية (42).
(6) آراء الدكتور شبلي شميل (18).

ومنهم محمد أركون قال عن تفضيل المسيحية على غيرها من الأديان: وذلك لأن تفضيل دين معين على بقية الأديان بشكل مسبق يولد ردود فعل هائجة، وينبغي ألا نسقط في هذا المطب. فالمسألة هي مسألة تطور تاريخي ليس إلا (1).

ومنهم عبد الخالق حسين، الذي ذكر أن الفكر البشري مر بثلاث مراحل: المرحلة اللاعقلانية (الخرافات والغيبيات والأساطير)، والمرحلة العقلانية (الفلسفة والأديان السماوية (2))، والمرحلة العلمية أو الحداثة (3).

ومنهم فالح مهدي، الذي قال في البحث عن منقذ (219 - 239) عن النظرية الدينية في تعليل الظواهر والأحداث الفكرية والتحولات الاجتماعية الهامة: وهي في النهاية وليدة عجز فكري وخوف ووهم عند الإنسان البدائي، عندما أراد تعليل تلك الظواهر ... فعجز الإنسان وضعفه أمام قوى الطبيعة جعله يلجأ إلى الخيال الساذج ليطلق له العنان وليغذيه بالخوارق (4).

ومنهم عصام الدين حفني ناصف الماركسي في اليهودية بين الأسطورة والحقيقة (11 - 12)، حيث قرر أن الدين نشأ من الدهشة والرعب إزاء قوى الطبيعة، تم توهم الإنسان وجود أرواح لهذه القوى، تم عزا ما يحدث في الكون لهذه الأرواح ثم قاده ذلك إلى عبادة الطوطم وإلى نشوء التابو (الحرام) (5).

فالدين ليس أكثر من وهم ومجموع تابوات، كما يرى عصام الدين حفني ناصف (6).

تنطلق هذه النظرية من قاعدة إلحادية تقوم على عدم وجود إله للكون، وتفسر ظهور الدين في المجتمعات بمثابة استجابة لظروف خرافية معينة، قبل أن يتطور العقل البشري فيفهم الظواهر فهما علميا.

وكل هذه العقائد الدينية والتشريعات تكونت وترسخت مع مرور الزمن لأسباب يذكرونها.

وإذا كانت النصوص الدينية تنطلق من قاعدة إيمانية على وجود الله. وأن في الكون خيرا وشرا. والله يرسل رسله لهداية الناس وإرشادهم لطريق الخير وتحذيرهم من طريق الشر. ورتب جزاء في الآخرة لمن سلك طريق الخير أو الشر.

وهذا هو لب جميع الأديان وعليه تدور.

وتلقف العلمانيون النظرية الملحدة السابقة وروجوها كأنها حقائق مستنتجة في ضوء التحليل المخبري، مع أنها لا تعدو أن تكون آراء شخصية لها خلفيات إيديولوجية وإلحادية. فخلفها عقيدة مسبقة تتحكم فيها.

«بالرغم من ادعاءاتها بأنها ترتكز إلى منهج التحليل العلمي، فمنهج التحليل العلمي يصبح هنا، ليس أكثر من شعار زائف من بين الشعارات الزائفة العديدة التي عاشتها الساحة التقدمية العربية في العقود الأخيرة». كما يقول تركي علي الربيعو في أزمة الخطاب التقدمي (70).

وللأسف لا توجد بحوث إسلامية رائدة في هذا الباب، وكثير من علمائنا المعاصرين مشغلون بتكرار الشروحات والبحوث والتحقيقات لما حقق مرارا، وهذا أصل إلحادي كبير، يدعي أصحابه ارتكازه على أصول علمية، لم يتفرغ أحد لدراسته دراسة وافية.

ولا زال علماؤنا على مر التاريخ هم الحامي الأول للأمة ومجاهد أعدائها في الصف الأول. حتى غدى فقهاؤنا المرجع الوحيد لكافة العقائد والفلسفات والنظريات السابقة، عرضا ونقدا وتاريخا.

 


(1) نحو نقد العقل الإسلامي (179).
(2) هذا وهم لا شك فيه، فالأديان السماوية لم يعدها علماني واحد ضمن العقلانية. إلا إن كان يقصد العقل بالمعنى العام، ومنه: العقل اللاهوتي.
(3) العلمانية مفاهيم ملتبسة (181).
(4) أزمة الخطاب التقدمي (75).
(5) أزمة الخطاب التقدمي (68 - 69).
(6) نفس المرجع (71).

وللأسف خَفَت دورهم اليوم وتقلص إلى علوم شرعية معينة، بينما تركت أبواب العلوم الإنسانية لفلاسفة الفكر الغربي ومقلديهم العرب.

ومنهم سيد القمامة القمني، فقد حكى في كتابه الأسطورة والتراث (24) أن هناك شبه اتفاق على أن الدين الابتدائي في ظهوره مثل الأسطورة، نشأ نتيجة الجهل المعرفي والأمل فيما هو أفضل من الحادث فعلا، مع بعض الخيال اللازم بالضرورة عن الجهل والأمل.

ثم حكى اتفاق العلماء (1) تقريبا على ترتيب مراحل الاعتقاد الرئيسة، بدءا من عبادة ظواهر الطبيعية، ثم عبادة الأجداد أو العكس في بعض المدارس، ثم عبادة أرواح نصف مادية، ثم عبادة آلهة متعددة، ثم إله قومي واحد، ثم إله عالمي. كما اتفقوا على أن ضعف الإنسان جسديا وعقليا اتجاه الطبيعة وامتنانه لعطائها كان الثغرة التي دخلت منها التصورات الدينية (2).

وذكر قبل أن هذا ما قاله العلماء الثقات (3).

وفي كتابه انتكاسة المسلمين إلى الوثنية (157) ذكر أن تطور الفكر البشري جاء على مراحل أولها الاستعانة بالسحر والتعاويذ والقرابين، ثم تعدد الآلهة، ثم توحيد الآلهة في إله واحد، إلى أن جاء التفكير العلمي مع الثورة الفرنسية (4).


(1) طبعا الغربيون الملاحدة، أولياء نعمته في أساطيره.
(2) الأسطورة والتراث (25).
(3) نفس المرجع (25).
مع أنه بعد هذا (27 - 28) اعترف بأن هناك ست مدارس لدراسة الأساطير، واعترف أنها متنافرة ومتعارضة.
(4) وكرر نحو هذا مختصرا في انتكاسة المسلمين (290) وأهل الدين والديمقراطية (39).

وفي مقال «العلمانية ليست ضد الدين وهي مفتاح الحداثة المعاصرة» قال العفيف الأخضر: معك الحق. الدين، كما تعلمنا سسيولوجيا الأديان، هو مجموعة من المعتقدات والشعائر تجيب عن حاجة الإنسان الهش اجتماعيا ونفسيا إلى الحماية الأبوية وإلى العزاء والسلوى كما يستجيب لحاجة نرجسية عميقة في اللاشعور هي الرغبة في قهر الموت بالخلود، إن لم يكن في هذه الحياة ففي حياة ثانية (1).

فالدين عند العفيف الأخضر هو حاجة نرجسية للإنسان الهش اجتماعيا ونفسيا كنوع من العزاء والسلوى للأوضاع التي يعيشها، أو لنقل بعبارة أوضح: إنه حالة مرضية يلجأ إليها العاجز والمقهور للتعويض عن بؤسه وحرمانه.

وهذا يقودنا إلى حقيقة مهمة، وهي التالية: الأسطورة جزء أصيل من بنية الخطاب الديني.

تقدم معنا أن جل العلمانيين على أن الأديان مرحلة فقط من مراحل تطور العقل البشري، بعد الأسطورة.

وفي ظل الأديان تمت إعادة صياغة الأساطير بأساليب مختلفة.

وما الإسلام إلا دعوة ناجحة من دعوات أخرى سبقته في توحيد العرب، تم مزج الأساطير القديمة فيه مع الموروث الديني الموجود في جزيرة العرب أو المحيط بها.

لكن ما هي الأسطورة عند العلمانيين العرب أنفسهم؟.


(1) الحوار المتمدن - العدد: 691 - 2003/ 12 / 23.

[حقيقة الأسطورة]

الأساطير حسب القمني المتخصص في دراسة الأساطير خرافات وتلفيقات بدائية لا أساس لها (1).

وهي مجموعة خرافات وأقاصيص (2). وترتبط باللامعقول عادة (3).

وهي مجهولة الأصل والمؤلف، بل وأحيانا المنشأ والتاريخ (4). وموضوعها: الآلهة والأبطال (5).

وهي حسب الربيعو: مرادفة للبدائية والسذاجة والتخلف (6).

وهي وهم وخيال ابتدعه الإنسان لمواجهة مشكلاته الكبرى (7).

والأسطورة عند فالح مهدي هي مجموعة حكايات لا عقلانية وخرافية (8).

وعرفها ماركس بـ: سذاجة الطفل (9).

وهي تتضمن الخيال والوهم السحري غير المترابط أو غير المعقول أو غير المرتبط فيه السبب بنتيجته (10).

والأسطروة هي الميث، والميثولوجيا هي دراسة الأساطير.

الدين الإسلامي مليء بالأساطير.


(1) الأسطورة والتراث (20).
(2) نفس المرجع (21).
(3) نفس المرجع (20).
(4) نفس المرجع (22).
(5) نفس المرجع (21).
(6) أزمة الخطاب التقدمي (144).
(7) نقد الفكر الديني (57 - 58).
(8) أزمة الخطاب التقدمي (77).
(9) نفس المرجع (1
(10) أهل الدين والديمقراطية (39).

الأساطير السومرية والبابلية والكنعانية والأشورية والمصرية والفنيقية هي الأصل الذي بنيت عليه الأديان.

قال سيد القمامة القمني عن الأساطير: إنها تسربت إلى الأديان الكبرى، وضمنها الإسلام لتصبح مقدسات (1).

وزاد: كل الأديان مليئة بالأساطير وليس الإسلام وحده (2).

وقد انتقلت إليها ومنها الإسلام من الأساطير القديمة المصرية والبابلية والفينيقية (3).

وزاد أن التراث الأسطوري جزء لا يتجزأ من الدين، وأصبح لبنات ضمن البنية الدينية (4).

وكان السحر والدين ممتزجين، كما ذكر أركون (5) وخليل عبد الكريم (6) ثم تطور الدين والسحر فصار كل في طريقه وانفرد بطقوس وشعائر خاصة به (7).

ومن الأساطير في الإسلام حسب القمني التي انتقلت إليه من المصريين القدماء: فكرة البعث والحساب والجنة والنار والصراط والميزان وشهادة الجوارح على الميت (8).

وقصة سليمان والإسراء والمعراج وناقة صالح (9).

ومنها دابة البراق ويأجوج ومأجوج وقصة شعيب ونوح وغيرها (10).


(1) أهل الدين والديمقراطية (305).
(2) نفس المرجع (318).
(3) نفس المرجع (317).
(4) الأسطورة والتراث (26).
(5) تاريخية الفكر العربي (292).
(6) الأعمال الكاملة (192) نقلا عن علماء الأنتروبولوجيا.
(7) نفس المرجع.
(8) نفس المرجع (317).
(9) نفس المرجع (318).
(10) الأسطورة والتراث (22).

ومن الأصول الأسطورية للإسلام كذلك حسب القمني كما سيأتي: الحج والطوفان وخلق الكون والحجر الأسود والأضحية والأعياد وغيرها.

ومنها تقديس كوكب الزهرة، عن طريق تقديس يوم الجمعة الذي هو مكرس في الرافدين لعبادة الزهرة (1).

ومنها تقديس الكواكب الخمسة السيارة، وهي المشار إليها في القرآن بالخنس. {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} التكوير15 (2).

وذكر أن في التفاسير الإسلامية صدى لما اعتقده البابليون في قدرات الزهرة الجنسية (3).

بل لم يستبعد سيد القمامة أن الولي الخضر ليس إلا أسطورة الإله تموز عشيق الإلَهة الزهرة. وذلك ببساطة وخفة لا يحسد عليها لأن الخضر مشتق من الخضرة. والخضرة هي الخصب خاصية تموز والزهرة (4).

لذلك قلنا مرارا إن القمني مشتق من القمامة، وقلبت الميم الثانية نونا لكراهة تولي حرفين وحذفت الألف تخفيفا.

عيد الفطر وعيد الأضحى ما هما إلا تجسيد لأساطير قديمة.

فالفطير عند القمني قربان نباتي كان يقدمه الزراعيون في العصور القديمة أصحاب النظام الأمومي إلى الزُّهْرة من أجل زيادة الخصب.

وسر أكل الفطير في نظره (5) أن ينال الإله نصيبه من المحصول الجديد في أسرع وقت ممكن.


(1) الأسطورة والتراث (72).
(2) نفس المرجع (73).
(3) نفس المرجع (73).
(4) نفس المرجع (74).
(5) الأسطورة والتراث (99).

والأضحية قربان حيواني كان يذبحه الرعويون أصحاب النظام الأبوي للآلهة، خاصة إله القمر.

ولاحظ بثاقب نظره الحاد أن قرني الكبش تشبه الهلال، ولهذا ارتبطت الأضحية بالقمر (1).

ثم اجتمع العيدان في عيد الفصح المسيحي، فتذبح الذبائح بشروط معروفة هي نفس الشروط في الدين الإسلامي، ويؤكل الفطير (2).

وأكد على استمرار هذه العقائد إلى اليوم، أي: إنبات الأرض واستنزال المطر وعودة فصل الخصب مرهون بسفك الدماء وبالأضاحي (3).

وقد أكد على هذه القمامة نصر أبو زيد في مداخلته آخر الكتاب فقال: فإن أعيادنا في مصر مثلا تنقسم إلى عيد الفطر (يقدم الكعك والفطائر) وعيد الأضحى (لتقديم الأضاحي وإسالة الدماء).

وماذا عن نظام الزواج وتحريم الأقارب والختان؟

يؤكد دكتور الأساطير أو أسطور الدكاترة واعتمادا على سيده فرويد أن المجتمع البدائي الأول كان فيه الأب طاغيا جدا، يقتل أبناءه لأتفه الأسباب، وكان يخصي الابن ويقطع ذكره لئلا يقرب نساءه. فتضافر الأبناء للتمرد فقتلوا أباهم، فندموا وصرفوا النظر عن نسائه وأقاموا نظام الزواج الخارحي، فنشأ التابو أو التحريم، تم اختاروا حيوانا ليكون طوطما للأب المقتول.

ومنع قتله أو مسه إلا في اجتماع كامل لمأدبة يأكلونه فيها جماعة (4).


(1) نفس المرجع (113).
(2) نفس المرجع (99).
(3) نفس المرجع (1
(4) الأسطورة والتراث (100).

والطوطم حيوان كان يقدس باعتبار حلول الأب المقتول فيه. وليست عادة الختان المستمرة حاليا عندنا في الإسلام إلا بديل رمزي عن الخصي الذي كان الأب يعاقب به أبناءه (1).

وفي مكان آخر بين القمني أن الختان ذبح جزئي بديل عن الذبح الكلي الذي كان يمارس في غابر الأيام (2).

وقال: وظل للقمر دوره واحترامه في الإسلام بعد أن تحول من (إل) أو الله إلى آية من آيات (3) الله، فوضع فوق المآذن مع النجمة رمزا للزهرة. وظلت الشهور قمرية والحج قمريا والصيام قمريا .... فالعلة في صيام الأيام البيض لأن لياليها مقمرة (4).

وأكد عبد المجيد الشرفي أن استعمال الأساطير (الميث) في الخطاب النبوي لأن الذهنية الميثية كانت مسيطرة على ثقافة ذلك العصر، قال: وإن الذهنية الميثية التي من أبرز خصائصها الحدس والتمثل كانت مسيطرة على طرق التفكير آنذاك لدى جميع الشعوب وفي كل الثقافات، فلن نستغرب أن نجد آثار هاتين الخاصيتين في ما يبلغه إلى قومه وإلى المسلمين (5).

وبيّن الشرفي أن استعمال الخطاب الأسطوري شيء طبيعي، لأن الله يخاطب الناس بما يفهمون، وأن النبي مضطر إلى استعمال ما هو متوافر لديه شائع معروف في بيئته (6).

وهذه مراوغات ومغالطات مكشوفة، إذ كيف يحتج الله ورسوله بالأساطير، التي هي مجموعة من الخرافات والقصص الخيالية المكذوبة نزولا عند رغبة الجماهير أو سيرا مع ما هو متعارف لديها، ولو كان باطلا في نفسه.


(1) نفس المرجع (101) وانظر الطوطم والحرام لفرويد (9 - 10).
(2) الأسطورة والتراث (113).
(3) في المطبوع: آياته. والتصويب مني.
(4) نفس المرجع (129).
(5) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (40).
(6) نفس المرجع.

ألم يجئ القرآن إلا لإبطال الباطل وتزييف الخرافات ومحاربة الأساطير؟.

وكيف يعجز الله عن إيجاد حجج لدينه إلا بالأكاذيب؟ وهل هذا يتناسب مع وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بكونه الصادق الأمين؟

وأشاد حسن حنفي بأساطير القمني في خاتمة تقريظه لكتابه قال: انتهى الأخ سيد من دراساته العديدة في علم تاريخ الأديان إلى نتائج علمية يشهد لها سواء فيما يتعلق بالحج أو بالنبوة أو ببعض الأساطير القديمة حول الشمس والقمر، لكنه لم ينته إلى أبعد نتائج ممكنة، وكأنه يقول: الكلام لك واسمعي يا جارة، وكأنه يقول: الآن القارئ الذكي يستطيع بنفسه أن يستنتج أشياء عديدة مما قلت أنا، وهو يعلم الحالة الراهنة للثقافة السائدة في مجتمعه (1).

الدين وشرائعه مجرد تخيلات للبشرية.

أسلفنا أن الدين عند العلمانيين صنع بشري وضعه الإنسان جوابا لاحتياجات آنية لتفسير الظواهر الطبيعية، وبعد فهم العلم الحديث لهذه الظواهر بطرق علمية لم يعد هناك مكان لأي تفسير ديني.

لكن من أين جاءت كل هذه الشرائع: الله، الملائكة، الأنبياء، الجنة، النار، الحساب، العقاب، وغيرها؟.

تجيبنا العلمانية: إنه الخيال البشري، الذي كون كل هذا الرصيد المعرفي عبر تراكمات كثيرة عبر قرون عديدة.


(1) الأسطورة والتراث (281).

ذكر أركون في قضايا في نقد العقل الديني (133) أن كل العقائد والأديان والغيبيات كلها من صنع البشر، وهي مجرد تخيلات أوجدها الفاعلون الاجتماعيون.

أحيانا يعبر أركون عن هذا الخيال بالمخيال الديني أو المتَخَيَّل الديني، وهو كما قال هاشم صالح بوق أركون: الفضاء العقلي المليء بالصور والمشحون بالأخيلة والأفكار الموروثة أبا عن جد (1).

قال أركون في الإسلام الأخلاق والسياسة (10): هكذا يقدم المتخيل الديني ذاته بصفته مجمل العقائد المفروضة والمطلوب إدراكها وتأملها، بل وعيشها وكأنها حقيقة، والتي لا تقبل أيّ نقاش أو تدخل للعقل النقدي المستقل.

ثم زاد موضحا في الصفحة الموالية: بهذا المعنى يمكننا القول بأن كل الدلالات التي لا تتعلق بشيء ملحوظ واقعيا ولا بفكر عقلاني هي دلالات خيالية أو مخيالية بالمعنى العلمي والمليء للكلمة (11).

يقصد أركون بـ «شيء ملحوظ واقعيا» كل الغيبيات الإسلامية، فهي متخيل وخيال ليس إلا، بل كل ما خرج عن ما سماه فكر عقلاني فهو داخل في مسمى الخيال.

أي: كل العقائد الدينية الغيبية هي تصور ذهني لا أقل ولا أكثر، بمعنى أن الذهن يتصور وجودها لا أنها موجودة في نفس الأمر.

هذا المتخيل الديني يتحول إلى متخيل اجتماعي يهيمن على الفكر والثقافة وكل شيء داخل المجتمع. هذا المتخيل هو الذي يشكل المحرك الديناميكي والفعال للتاريخ. كما يقول أركون دائما (11).


(1) الفكر الإسلامي (44). وانظر تاريخية الفكر العربي (188 - 239) والإسلام الأخلاق والسياسة (8).

وفي كتابه الآخر نحو نقد العقل الإسلامي (222) نصح أركون -وهو الناصح الأمين للغرب وفلسفته- بكتاب التوليد الخيالي للمجتمعات البشرية، وكتاب التشكيل الاجتماعي للواقع: وزاد: وكذلك ينبغي الاطلاع على مؤلفات فرويد وأتباعه الذين لا يحصون ولا يعدون عن الدين بصفته الوهم الكبير.

أي: الدين في نظر أركون وَهْم ولَّده وشكَّله خيال المجتمعات.

ولهذا جزم بعدم جواز التفريق بين الأديان الوثنية وأديان الوحي (1). فالمصدر واحد.

فليس في الوجود إله أرسل رسولا ليهدي عباده، إنما خيال المجتمعات المتراكم عبر القرون هو الذي أنتج ذلك في نظر أركون.

وإذا كانت مثلا سورة التوبة تحدثت عن أحداث تاريخية أرضية حصلت بالفعل، ولكن الخطاب القرآني خلع عليها صبغة التعالي والتقديس بربطها بالله وبمشيئته والدار الآخرة.

وبيّن لنا مترجم أركون بإشرافه أن هذه الأحداث بهذا الربط فقدت طابعها الأرضي أي: التاريخي، وأن أركون يريد أن يرجع إلى الوراء لكي يتموضع في لحظة القرآن ليكشف عن تاريخية كل ما كان قد فقد تاريخيته وأصبح يبدو متعاليا كليا، إنه منهج الحفر الأركيولوجي في الأعماق (2).

ويحدثنا أركون أن الجماعة لها يد طولى في تشكيل مجمل التراث، وأنها تقوم بعملية انتقاء وانتخاب للتراث (أي: الاحتفاظ بعناصر معينة وحذف أخرى) ثم دمجه في ذاكرتها الأسطورية التاريخية. ثم بين أن مفهومي الانتقاء والذاكرة الأسطورة التاريخية يدخلان ضمن دائرة اللامفكر فيه داخل التراث (3).


(1) العلمنة والدين (23).
(2) القرآن من التفسير الموروث (50).
(3) الفكر الإسلامي (175 - 1

وبالتالي: فالتراث الإسلامي ذو منشأ تاريخي ولا علاقة له بسلطة متعالية أي: الله أو الوحي في نظر مؤرخ الفكر الإسلامي (!!). قال: وعلى الرغم من أن تراثا كهذا هو ذو منشأ تاريخي واضح ويمكن تحديده بدقة، فإنه يدعي صفة التعالي على التاريخ أو تخطي التاريخ لأنه منغرس (متجذر) داخل الوعي ويعبر عن تعاليه وتنزيهه. لكن الواقع التاريخي يناقض هذا الزعم التيولوجي (اللاهوتي) (1).

وهكذا مسألة وجود الله، فإن البشر هم الذين أوجدوه، وليس العكس في نظر سيادة المؤرخ، ولذلك فالله هو بحاجة دائما إلى وساطة بشرية ليحصل تصوره (2). وعلماء الدين هم الذين كانوا يبلورون تصورا عن الله ويفرضونه فرضا على المجتمع، وبالتالي فلا يمكن الوصول إلى الله إلا عن طريقهم هم (3). وتوهم البشر طيلة أجيال وأجيال سواء المسلمون أو المسيحيون أن الله حاضر بينهم (4).

وفي نظر أركون إن الوسطاء (الأنبياء وأتباعهم) هم الذين فرضوا وجود الله وهم الذين حكوا ذلك بلغة معينة قابلة للتأويل والتفسير.

ثم شرح لنا أركون كيف أنه إذا رددنا مسألة وجود الله إلى أصلها ظهرت تاريخيته، قال: فلكي تتحرر من شيء ما ينبغي أن تكشف عن أصله أو جذره الأول (أي: كيف تشكل وانبنى لأول مرة). 


(1) نفس المرجع (24).
(2) قضايا في نقد العقل الديني (276).
(3) قضايا في نقد العقل الديني (277).
(4) نفس المرجع (277 - 278).

ومن المعلوم أن الشيء يخفي سره أو أصله بكل الوسائل، وذلك لكي يقدم نفسه بشكل طبيعي بدهي، لا يقبل النقاش، ثم لكي يقدم نفسه وكأنه كان دائما موجودا هكذا منذ الأزل، وسوف يظل موجودا هكذا إلى الأبد، بمعنى آخر فإنه يفعل كل شيء لكي يغطي على لحظة انبثاقه التاريخية، لكي يخفي تاريخيته. هذا ما تفعله كافة العقائد والتصورات الدوغمائية في جميع الأديان (1).

ثم تحدث أركون عن كيف ولدت فكرة الإيمان بالله وكيف صنع العرب إلههم الواحد لأول مرة (2).

ولذلك فمسألة «موت الله» التي تحدث عنها نيتشه ورغم كونها عبارة قاسية وصادمة للحساسية الجماعية لجماهير المؤمنين، إلا أنها كما قال أركون: ينبغي ألا تخيفنا كثيرا، وإنما تعني موت طريقة معينة للتعبير عن وجود الله، ولهذا فلا بد من البحث عن إله رحيم بدل إله الأديان الذي يقمعنا والذي اتفقنا أنه قد مات.

من هو إذن إله أركون الجديد؟

إنه الأمل، لنترك أستاذ تاريخ الفكر الإسلامي (!!) يحدثنا عن إلهه الجديد، قال (282): إن التصور القروسطي المظلم والقمعي عن الله والتأله قد مات، أو ينبغي أن يموت، لماذا؟ لكي يفسح المجال لتصور آخر أكثر رحابة ومحبة وغفرانا ... وهكذا محل التصور الذي يقمعنا ويسحقنا يحل التصور الآخر الذي يسامحنا ويحررنا. ويمكن القول بأن التصور الحديث لله يتجلى في الأمل، في الانفتاح على أفق الأمل: الأمل بالخلود، الأمل بالحرية، الأمل بالعدالة، الأمل بتصالح الإنسان مع ذاته. هذا هو الله بالنسبة للعالم الحديث والتصور الحديث. انتهى.

هكذا يقول، وقد مات أركون ودفن في مقبرة الشهداء، إنه شهيد العلمانية، لقد عاش حياته كلها مسفها للأديان ساخرا من خالقه كافرا به وبرسله وبدينه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.


(1) نفس المرجع (280).
(2) نفس المرجع (281).

ولنصبر قليلا ولنتابع مع أركون مزاعمه، فقد قال في نفس الكتاب (132 - 133): ينبغي أن نعلم أن الدوائر الخاصة بما هو خارق للطبيعة، وبالتعالي الإلهي أو الميتافيزيقي، وبالآلهة الناشطة والمهيمنة، أو بالإله الواحد الحي، ولكن البعيد، وبالعقائد السحرية أو الأسطورية أو الشعبية أو الخرافية أو الدينية، هذه العقائد المرتبطة جميعها بالمتخيل ... أقول: إن ذلك كله هو أيضا من صنع الفاعلين الاجتماعيين (أي: البشر) فلو لم يخلق البشر هذه التصورات أو لو لم يؤمنوا بها لما وُجدت.

وهذا كلام في غاية الوضوح والظهور، فالدين والله والآخرة والملائكة والشياطين كلها تخيلات بشرية وهمية من صنع البشر.

إذا كانت كل هذه العقائد خيالات وهمية ماذا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وهل وجد يوما ما رجل اسمه محمد دعا قومه لعبادة الله وحده؟

عند أركون ببساطة وبتحليله السيميائي هناك فئة اجتماعية اجتمعت حول النبي في الحجاز ذات أهداف إيديولوجية سياسية انتصرت ورسخت مفاهيم جديدة أو حورتها مثل النبي رسول الله وهكذا، وحولتها إلى مثال أعلى متعال، أو قامت بما يسميه أركون الأسطرة والتقديس والتعالي (1).

هناك عوامل تاريخية اجتماعية في نظر أركون هي التي شكلت ما يسمى عندنا نحن المسلمين السذج الغافلين عن التحليل السيميائي الدلالي، هذه المفاهيم: الله، دين، رسول، ملائكة ...

أو بعبارة أركون: حولت أو صورت هذه المفاهيم الدينية الموروثة عن ديانات أخرى إلى مفاهيم جديدة ذات رمزية جديدة.


(1) تاريخية الفكر العربي (264 - 265).

وحسب التحليل التاريخي عند أركون لا يعدو الأمر أن يكون صراعا على السلطة بين فئة تسمى «المؤمنون»، وقوى تقليدية حُط من قدرها اسمها «الكفار والمنافقون والمشركون» (1).

في ظل التحليل التاريخي الأركوني لابد أن نعيد الاعتبار للمشركين والكفار، وهذه عبارته في صدد حديثه عن قيام فئة المؤمنين بقيادة النبي بالسيطرة على السلطة التي كانت عند المشركين والكفار: نجد من الناحية التاريخية أنه ينبغي أن نعيد للعصبية الثانية التي حُوربت وقلص من شأنها من قبل الدولة الرسمية أبعادها الواقعية والحقيقية. لقد حصل تهميش هذه العصبة القبلية أو البدوية، إما عن طريق الخطاب المسيطر، وإما عن طريق التصفية الجسدية لركائزها الاجتماعية والثقافية (2).

فليس هناك غير السلطة والصراع على السلطة عند أركون من قبل النبي ومعارضيه، ويجب عنده رد الاعتبار للمعارضين.

ولا نجد تفسيرا لهذا الانحياز لكفة أبي جهل إلا في المثال العربي الذي يقول: وكل إناء بما فيه ينضح.

أما نصر حامد أبو زيد الذي حكمت بردته محكمة القاهرة: فالله والملائكة والشياطين والجن واللوح المحفوظ كلها تصورات أسطورية مجازية، وليست حقائق في نفس الأمر.

فقد تعجب كيف أن المسلمين ما زالوا يؤمنون باللوح المحفوظ والله بعرشه وكرسيه وجنوده الملائكة، وبالإيمان بالشياطين والجن والسجلات التي تدون فيها الأعمال. 


(1) نفس المرجع (265).
(2) تاريخية الفكر العربي (266).

قال: والأخطر من ذلك تمسكه بحرفية صور العقاب والثواب وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط ... إلى آخر ذلك كله من تصورات أسطورية (1).

وفي صفحات لاحقة عند حديثه عن المجاز تعجب من الإيمان بحرفية الدلالات التي وردت في النصوص الدينية عن الله كالعرش والكرسي والملائكة، وما ورد عن الآخرة كالصراط والحوض وعذاب القبر وناكر ونكير، وما ورد عن المسيح الدجال وغير ذلك من أشراط الساعة. في حين هي لا تعدو في نظره مجازا وليس حقائق موجودة (2).

وبالجملة فالأمر كما قال حسن حنفي: إن النصوص الدينية التي تظن أنها -ستقول ذلك مجازا- هابطة من السماء، إنما هي في الحقيقة نابتة في الأرض (3).


(1) النص والسلطة والحقيقة (135).
(2) نفس المرجع (211).
(3) مداخلة حسن حنفي حول كتاب القمني الأسطورة والتراث (282).

  • الجمعة AM 01:02
    2022-08-05
  • 1101
Powered by: GateGold