المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409116
يتصفح الموقع حاليا : 253

البحث

البحث

عرض المادة

القرآن الكريم

تدور أطروحة العلمانيين حول القرآن على ما يلي:

1 - القرآن ليس إلهي المنشأ، بل هو بشري المصدر.

2 - كل الدلائل تدل على تاريخية القرآن، أي: كونه إفرازا ثقافيا لمرحلة معينة انتهت وانقضت.

3 - يقدم القرآن خطابا أسطوريا خرافيا.

4 - المعلومات التاريخية القرآنية غير دقيقة ويجب مناقشتها على ضوء المعارف التاريخية الأخرى، وكثير منها وخصوصا قصص الأنبياء ليست وقائع تاريخية حدثت، بل كلها مجاز وضرب أمثلة.

5 - وقع في القرآن زيادة ونقص من قبل جماعات لها مصالح معينة، بل هناك شك في ثبوت القرآن.

هذا فضلا عن طعون أخرى كثيرة وجهها العلمانيون العرب لكتاب الله تعالى، كما سنقف على ذلك مفصلا بإذن الله.

ونظرا لخطورة المسألة ودقتها وجوهريتها فسأعمد إلى تكثير الشواهد والنصوص العلمانية الدالة على كل هذه الأمور.

وما على القارئ إلا أن يتحلى معنا بصبر إن حدث تكرار ما. لأن قصدنا بذلك واضح وظاهر.

بشرية القرآن.

أغلب العلمانيين العرب على أن القرآن بشري المصدر، تشكَّل في الواقع وخرج من الواقع، وليس نصا مفارقا نزل من السماء.

فالعلماني التونسي عبد الوهاب المؤدب اعتبر أن كون القرآن يحتوي على الكلام الإلهي الذي لا يتغير ولا يتبدل أسطورة سيتم تحطيمها (1).

وأكد عبد الوهاب كذلك أنه ينبغي الخروج من القفص الدوغمائي الذي يجبره على الاعتقاد بأن القرآن هو من تأليف الله ذاته، ولم يتدخل البشر أو المسلمون الأوائل في عملية التأليف وتشكيل النص على الإطلاق (2).

وأكد على بشرية القرآن قائلا: ونفهم كيف أن اليد البشرية تدخلت في فبركته وصنعه (3).

وهذا الكلام في غاية الصراحة والوضوح.

وقال هاشم صالح: هذا في حين أن المسلمين يعتبرون القرآن كلام الله الحرفي الأزلي غير المخلوق. هذا هو التابو. أي: المحرم الأعظم الذي ينبغي كسره وتحطيمه (4).

وذكر أركون أن القراءة التاريخية للقرآن أو التفسير التاريخي لآياته يؤدي إلى التشكيك في كونه منزلا من عند الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - (5).


(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (135).
(2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (134).
(3) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (135).
(4) نفس المرجع (133).
(5) نحو نقد العقل الإسلامي (69).

ونقل هاشم صالح محتجا عن «هانز كونغ» الذي نقل بدوره عن المسيحيين ومؤرخي الغرب العلمانيين وعلماء الأديان أن القرآن ليس كلام الله كما يعتقده المسلمين، وإنما كلام محمد (1).

ولا أظن أنه يوجد علماني عربي على وجه الأرض يجرأ على مخالفة أسياده الغربيين وعلماء الأديان في هذا. كيف وقد صرحوا هم أيضا بما صرح به أولئك.

واعتبر هاشم صالح أن القرآن قد شاخ وتراكمت عليه الشروحات وشروحات الشروحات، وأنه للخروج من هذه الأزمة لا بد من إجراء عملية جراحية خطيرة للتراث برمته، وطبعا ومنه القرآن (2).

وأكد على ضرورة تطبيق المنهج التاريخي النقدي على القرآن كما طبق على التوراة والإنجيل وبان تهافتهما.

وزاد: لقد ابتدأت الشكوك تظهر حول أطروحة الكتاب الهابط من السماء بقضه وقضيضه (3).

وأكد أبو زيد على بشرية النصوص الدينية فقال: وإذا كنا هنا نتبنى القول ببشرية النصوص الدينية، فإن هذا التبني لا يقوم على أساس نفعي إيديولوجي، يواجه الفكر الديني السائد والمسيطر بل يقوم على أساس موضوعي يستند إلى حقائق التاريخ وإلى حقائق النصوص ذاتها (4).


(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (74).
(2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (74).
(3) نفس المرجع (76).
(4) نقد الخطاب الديني (209).

والنصوص الدينية عند أبي زيد هي القرآن والسنة. ثم استمر أبو زيد مؤكدا هذه الحقيقة رابطا بين كونها بشرية وكونها تاريخية، فقال: وإذا كانت النصوص الدينية نصوصا بشرية بحكم انتمائها للغة والثقافة في فترة تاريخية محددة، هي فترة تشكلها وإنتاجها، فهي بالضرورة نصوص تاريخية، بمعنى أن دلالتها لا تنفك عن النظام اللغوي الثقافي الذي تعد جزءا منه (1).

ولا تظنن أن هذه التحليلات من رحم أبي زيد، لا طبعا، فالفضل راجع لسيده دي سوسير الذي فرق بين اللغة والكلام، كما بين قبل هذا (204).

أما كيف ستتم عملية القراءة هذه، فقد تفضل علينا أبو زيد بمثال موضح فذكر أن القرآن تحدث عن الله بوصفه ملكا له عرش، وكرسي وجنود، وتحدث عن القلم واللوح، وتحدث الحديث النبوي عن القلم والروح والكرسي والعرش، وكلها تساهم إذا فهمت فهما حرفيا في تشكيل صورة أسطورية عن الله وعالم الملكوت (2).

إذن فما الحل يا أبا زيد، وخصوصا وأن معك ترسانة سوسيرية ضخمة؟.

الحل كما يلي: ذكر أن المعاصرين لهذه النصوص أي: الصحابة كانوا يفهمون هذه النصوص فهما حرفيا كما يقول أبو زيد، ثم يزيد قائلا: ولعل الصور التي تطرحها النصوص كانت تنطلق من التصورات الثقافية للجماعة في تلك المرحلة (3).

ثم يردف مستنكرا التشبث بهذه المفاهيم الأسطورية لله: لكن من غير الطبيعي أن يصر الخطاب الديني في بعض اتجاهاته على تثبيت المعنى الديني عند العصر الأول، رغم تجاوز الواقع والثقافة في حركتها لتلك التصورات ذات الطابع الأسطوري (4).


(1) نفس المرجع (2
(2) نقد الخطاب الديني (210).
(3) نفس المرجع (210).
(4) نفس المرجع (211).

إذن هذا الفهم القديم: «ملك له عرش وكرسي وجنود» أصبح في عصر أبي زيد يعتبر أسطوريا لا يتناسب مع فهمنا المعاصر وعلوم العصر.

والفهم الذي فهمه الصحابة كان انعكاسا لتصورات ثقافية تاريخية معينة كما وضح بعد ذلك (211).

ثم يضيف: والتمسك بالدلالة الحرفية للصورة- التي تجاوزتها الثقافة وانتفت من الواقع- يعد بمثابة نفي للتطور وتثبيت صورة الواقع الذي تجاوزه التاريخ، وعلى النقيض من الموقف التثبيتي يكون التأويل المجازي نفيا للصورة الأسطورية وتأسيسا لمفاهيم عقلية تحقيقا لواقع إنساني أفضل (1).

ومن هذا المنطلق أخذ أبو زيد على الأشاعرة تمسكهم بصورة الملك المتسلط الذي يعذب ولا يبالي، والذي {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الأنبياء23. هذه عبارة أبي زيد (2).

وفي كتابه النص والسلطة والحقيقة (103) ذكر أبو زيد أن النص القرآني نص مجزأ، أي: نص تكون في فترة زمنية تربو على العشرين عاما.

وذكر أن النص القرآني يمثل انحيازا لنصوص الصعاليك حيث تمثل المرأة الزوجة مخاطبا في بعض نماذجه. (103).

ما دام القرآن خاطب المرأة الزوجة، إذن فقد انحاز لنصوص صعاليك الجاهلية الشعراء!!!

ولا شك أن هذا التحليل هو أشبه بأسلوب الصعاليك في زماننا منه بدكتور متخصص.


(1) نفس المرجع (211).
(2) نفس المرجع.

على كل حال لنتابع لنفهم ماذا يريد أن يقول لنا أبو زيد:

قال: هذه التعدية النصية في بنية النص القرآني تعد في جانب منها نتيجة للسياق الثقافي المنتج للنص (105).

كما لاحظ أبو زيد أن القرآن يتشابه مع نصوص الثقافة السائدة آنذاك التي أنتجت النص، ولم يَرَ وجها للمغايرة بينهما إلا من جهتين فقط: من حيث الحجم أو من حيث المدى الزمني الذي استغرقه النص في تشكله النهائي (105).

وفي كتابه مفهوم النص تكلم بلغة أوضح، حيث قال (24): إن النص في حقيقته وجوهره منتج ثقافي، والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على العشرين عاما.

وقال (25): وحين نقول تشكلت فإننا نقصد وجودها المتعين في الواقع والثقافة بقطع النظر عن أيّ وجود سابق لهما في العلم الإلهي أو في اللوح المحفوظ. انتهى.

وهذا علماني معجب بنصر أبي زيد اسمه إلياس قويسم يقرر بكلام لا لبس فيه أن هدف أبي زيد هو أَنْسَنَة النص القرآني وأنه نص دنيوي وليس ظاهرة غيبية مفارقة، أي: بيان بشريته، يقول: بهذا نقول إنّ نصر حامد قد اتّجه صوب أَنْسَنَة النص القرآني من خلال الفصل في مجال البداية، بحيث يغدو نمط التعامل معه على أساس أنه نص لغوي أو منتج ثقافي تماما كما فهمه أدونيس (1).


(1) استبدال هويّة النصّ القرآني، نسخة رقمية.

وقال: من ثم يغدو النص القرآني نصا دنيويا وليس ظاهرة غيبية مفارقة أو خارقة، بل بصفته ظاهرة مشروطة محايثة، بمعنى جعله ممارسة خطابية هي في المنتهى فعالية بشرية تاريخية دنيوية دهرية تحمل شروط إمكانها الثقافية والاجتماعية والمعرفية، بهذا الاستبدال يتسنى نقل النص من حقل التوجيه الإيديولوجي إلى حقل الوعي العلمي به، بعد أن تبددت كل مفاهيم التعالي التي تشوش على هذا الوعي (1).

وقال: وهذا المبدأ لو طبقناه على الإلهي لتحول إلى إنساني، ولما عاد هناك إله، هذا ما يريده نصر حامد بالضبط، نظرا لأنه مرتَكَز المنظومة السلفية، وهو يريد نسخها وإغفالها، وذلك من خلال تحويل الإلهي إلى إنساني، وجعل الأحكام والعقائد الإلهية تعبر عن تصورات ذهنية تسيّر الإنسان وتوجه السلوك أكثر من كونها تعبر عن وجود مفارق (2).

هذا، وقد عرف تاريخ الإسلام أصنافا من الزنادقة أغلبهم من دعاة المانوية والمذاهب الفارسية القديمة، ومع هذا لم يشكك زنديق في نص القرآن، ولم يزعم ملحد ولا مرتد بوجود أخطاء في آياته الكريمة (3).

مع محمد أركون.

يظهر من خلال تتبع كتب أركون أن الرجل يرى أن القرآن صنفه محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا علاقة له بالسماء، بل الله نفسه خرافة وأسطورة في نظر أركون.


(1) نفس المرجع.
(2) رؤية معاصرة لعلوم القرآن، نسخة رقمية.
(3) سقوط الغلو العلماني (29 - 30).

يسوق أركون كل هذا مرة بالتصريح ومرة بالتلويح. ولنبدأ بهذا النص الواضح: قال: ودون أن نعتبر القرآن كلاما آتيا من فوق، وإنما فقط كحدث واقعي تماما كوقائع الفيزياء والبيولوجيا التي يتكلم عنها العلماء، إن القرآن يتجلى لنا كخطاب خاص له ماديته وبنيته (1).

من عادة أركون أن يتحدث عن القرآن بمفردات خاصة لها أبعادها وأهدافها، فيقول: الحدث القرآني (2)، والظاهرة القرآنية (3).

لا حديث عنده عن الله ووحي وإنزال قرآن، فهذه مفاهيم قروسطية (4)، الأمر لا يعدو أن يكون حدثا وظاهرة.

وبيَّن ما يعني بالظاهرة القرآنية بقوله: ظهور القرآن كحدث في لحظة محددة تماما من لحظات التاريخ (5).

وقال: أي: القرآن كحدث يحصل لأول مرة (6).

ويعبر أحيانا بـ: لحظة ظهور القرآن (7).

وبيّن صديق أركون ومترجمه بإشرافه قصد أركون فقال: يستخدم أركون مصطلح الظاهرة القرآنية أو الحدث القرآني، وليس القرآن للدلالة على تاريخية هذا الحدث، المقصود أنه حدث لغوي وثقافي وديني يستخدم مرجعيات تعود إلى القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية ... والحدث القرآني هو انبجاس لغوي رائع وأخاذ ومفتوح على العديد من المعاني والدلالات لأنه يستخدم لغة رمزية مجازية في معظم الأحيان (8).


(1) تاريخية الفكر العربي (284).
(2) نحو نقد العقل الإسلامي (257 - 270).
(3) تاريخية الفكر العربي (284).
(4) نسبة للقرون الو
(5) قضايا في نقد العقل الديني (87).
(6) قضايا في نقد العقل الديني (186).
(7) نحو نقد العقل الإسلامي (270 - 317).
(8) قضايا في نقد العقل الديني (29).

وأحيانا يعبر أركون بلُفِظَت فيه الآيات (1).

وقال: فإنني أفضل التحدث عن الدين المنبثق الصاعد في لحظة الخطاب القرآني الذي كان في طور التلفظ والتشكل والبلورة (2).

لا وحي ولا هم يحزنون، كما يقال: تلفُظٌ وتشكُلٌ وتبلوُرٌ، ولهذا عبر مرة بـ: ما يدعى بالوحي (3).

وتحدث في مكان آخر عن التجسد اللغوي (4).

وأحيانا عبر بانبثاق القرآن (5).

وقال: فهذا الخطاب الشفهي أولا تلفظ به متكلم ما، بلغة ما هي هنا اللغة العربية، في بيئة ما هي الجزيرة العربية، ثم استقبله لأول مرة في التاريخ جمهور ما هو الجمهور العربي القرشي في مكة (6).

وللقرآن عند أركون مراحل:

1 - تلفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - به.

ولا حديث عنده عن وحي، أو إبلاغ جبريل، فكل هذه من خرافات القرون الوسطى يستحيل على الناقد التاريخي الحديث عنها.


(1) تاريخية الفكر العربي (86).
(2) نحو نقد العقل الإسلامي (276).
(3) العلمنة والدين (28).
(4) نفس المرجع (271).
(5) الفكر الإسلامي (167).
(6) قضايا في نقد العقل الديني (186 - 187).

ويزعم أن الكيفية التي تلفظ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - مجهولة له. قال: ونحن لا يمكن أن نتوصل إلى معرفة هذه الحالة الأولية والطازجة للخطاب مهما حاولنا، فقد انتهت بوفاة أصحابها، لقد ضاعت إلى الأبد (1).

2 - انتقاله من المرحلة الشفاهية إلى المرحلة المكتوبة، وحصل أثناء الانتقال حسب أركون تلاعبات وحذف في النص.

وهذه عبارته: إن الانتقال من مرحلة الخطاب الشفهي إلى مرحلة المدونة النصية الرسمية المغلقة (أي: إلى مرحلة المصحف)، لم يتم إلا بعد حصول الكثير من عمليات الحذف والانتخاب والتلاعبات (2) اللغوية التي تحصل دائما في مثل هذه الحالات. فليس كل الخطاب الشفهي يُدَون، وإنما هناك أشياء تُفقد أثناء الطريق. نقول ذلك ونحن نعلم أن بعض المخطوطات قد أتلفت كمصحف ابن مسعود مثلا، وذلك لأن عملية الجمع تمت في ظروف حامية من الصراع السياسي على السلطة والمشروعية، وهذا ما أثبته النقد الفيلولوجي الاستشراقي، وهنا تكمن ميزته الأساسية. فليس هدفي أن أنكر ميزات الاستشراق الجاد والخدمات العلمية التي قدمها للتراث الإسلامي (3).

جعل المفلسُ الطعنَ في القرآن والتشكيك فيه من مميزات الاستشراق الجاد، بل من الخدمات العلمية التي قدمها للتراث الإسلامي.

وقال: إن عملية الانتقال من مرحلة النص الشفهي إلى مرحلة النص المكتوب تصحب حتما بضياع جزء من المعنى (4).


(1) نفس المرجع (187). ونحو نقد العقل الإسلامي (259).
(2) تحدث عن هذه التلاعبات في تاريخية الفكر العربي (85).
(3) قضايا في نقد العقل الديني (188).
(4) العلمنة والدين (28).

وقال: وفي أثناء عملية الانتقال من التراث الشفهي إلى التراث الكتابي تضيع أشياء، أوتحور أشياء، أو تضاف بعض الأشياء (1).

وقال: إنه لمن الصعب تاريخيا إن لم يكن من المستحيل التأكيد على القول بأن كل ناقل قد سمع بالفعل ورأى الشيء الذي نقله على الرغم من هذه الحقيقة فالنظرية التيولوجية المزعومة قد فرضت بالقوة فكرة إن كل الصحابة معصومون في شهاداتهم ورواياتهم (2).

وقال: وهذا انتقال معقد وذو أهمية قصوى بالنسبة لفهم موضوعنا، فهو يشكل تلك اللحظة الحاسمة التي تشكل فيها مصحف ما وأُعلن بأنه المصحف الوحيد الصحيح الذي ينبغي أن يرجع إليه منذ الآن فصاعدا كل المسلمين (3).

وكل هذه نصوص واضحة في وقوع التحريف والتزوير في القرآن حسب أركون، لا تحتاج إلى أدنى تعليق.

فالقرآن حسب كاتبنا كتاب ثقافي وعادي وليس متعاليا وإلهيا، تلفظ به النبي أي: قاله ونقل عنه.

ولا شك أنه في هذا ليس سوى صدى للمشركين الأوائل، كما قال تعالى عنهم: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} الأنفال31.

{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} الأنعام25.

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفرقان5.


(1) قضايا في نقد العقل الديني (232).
(2) الفكر الإسلامي (174).
(3) العلمنة (74).

{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} القلم15.

وقال أركون: لأني أهدف إلى هدم النصوص الثانوية (أي: السنة) والتفاسير والشروحات اللامتناهية التي تحول النصوص الأولى (أي: القرآن) إلى سجن للعقل البشري. هذه النصوص التي قرر الفاعلون الاجتماعيون أن قِدَمها التاريخي سبيل إلى اعتبارها لحظة تدشين نظام جديد للإنتاج وبسط النفوذ وفرض حقيقة دون أخرى وإدارة واحدة للقانون والمشروعيات (1).

فالفاعلون الاجتماعيون أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته حولوا القرآن إلى سجن للعقل البشري من أجل بسط النفوذ والسيطرة.

رغم أن أركون يغلف مشروعه النقدي للقرآن بستار القراءة السيميائية الألسنية وغيرها إلا أنه رسم هدفا مسبقا مبينا لمشروعه، يبرز هذا الهدف في تأسفه لعدم وجود وثائق علمية تثبت مشروعه التشكيكي، لنقرأ النص معا: وإنما أيضا محاولة البحث عن وثائق أخرى ممكنة الوجود كوثائق البحر الميت التي اكتشفت مؤخرا. يفيدنا في ذلك أيضا سبر المكتبات الخاصة عند دروز سوريا أو إسماعيلية الهند أو زيدية اليمن أو علوية المغرب، يوجد هناك في تلك المكتبات القصية وثائق نائمة متمنعة، مقفل عليها بالرتاج، الشيء الوحيد الذي يعزينا في عدم إمكانية الوصول إليها الآن هو معرفتنا بأنها محروسة جيدا! (2).

وثائق البحر الميت!!!، وثائق نائمة ممتنعة مقفل عليها ومحروسة جيدا!!!.

نسيج من الأوهام التي يخجل الطالب المبتدئ التفوه بها، لكن ابن السربون لا يهمه تفاهتها ما دامت تحقق هدف الطعن في القرآن والتشكيك فيه.


(1) الأنسنة والإسلام (142).
(2) تاريخية الفكر العربي (290 - 291).

وأنكر أركون على المسلمين تكرارهم إلى حد الهوس أن القرآن كلام الله (1).

وقال علي حرب المعجب بأركون وبمشروعه: ذلك أن هاجس أركون الأصلي هو تفكيك النص القرآني لتعرية آلياته في الحجب والتحوير والتحويل .. هاجسه هو خرق الممنوعات وانتهاك المحرمات التي سادت فيما مضى وتسود اليوم والتي أقصت كل الأسئلة التي كانت قد طرحت في المرحلة الأولية والبدائية للإسلام ثم سكرت وأغلق عليها (2).

ثم يزيدنا حرب المسألة وضوحا قائلا: فمطمح أركون هو نبش تلك الأسئلة والاعتراضات والمواقف التي جرى قمعها أو طمسها في عهد البنوة. وفي هذا إعادة اعتبار للذين أسكتهم خطاب الوحي من المشككين والمنكرين (3).

إذن فأركون يريد رد الاعتبار للمشركين المشككين في القرآن: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} الأنفال31.

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفرقان5.

وفي كتاب آخر بيَّن علي حرب أن مشروع أركون هو نزع الهالة الأسطورية وتعرية الهيبة القدسية عما في التراث من التعالى (4).


(1) نحو نقد العقل الإسلامي (258 - 259).
(2) الممنوع والممتنع (120).
(3) نفس المرجع (1
(4) نقد النص (86).

نزع الهالة الأسطورية وتعرية الهيبة القدسية أي: إسقاط الصبغة الإلهية عنه وبيان بشريته.

وبعبارة أخرى لحرب دائما: تبيان تاريخية المتعالي ودنيوية المقدس (1).

تاريخية المتعالي أي: تحويل الإلهي والمقدس إلى حدث تاريخي أرضي دنيوي بشري.

عبد المجيد الشرفي.

يعزف الشرفي نفس ما يعزفه إخوانه، وكرر كلام أركون كأنه مُحْدِثه.

فقد أكد على اشتمال القرآن على عناصر ثقافة القرن السابع الميلادي كالجن والهبوط من الجنة ودور إبليس والشياطين والملائكة والطوفان وعمر نوح وغير ذلك من الظواهر الميثية حسب تعبيره (2).

الظواهر الميثية أي: الأسطورية الخرافية.

وانطلق كالمسعور في حملة تشكيكية في القرآن، فذكر أننا لا نعرف الظروف الدقيقة الحافة بالخطاب القرآني أول مرة قبل تحوله إلى نص مكتوب، وأما أسباب النزول فلم تجمع إلا بعد جيلين أو ثلاثة مع ما دخلها من وضع واضطراب.

وكذلك افتقدنا كما يقول النبرة التي استعملت فيه والدالة على الرضا أو الغضب على النصح أو التنبيه أو التقريع، على رفع الصوت أو خفضه، وما يصاحبه من قسمات الوجه مما لا تدل عليه الألفاظ وحدها.

ومثل لنا بأن المرء قد يقول صباح الخير وهو منشرح، وقد يقولها وهو متبرم وغاضب (3).


(1) نفس المرجع (86).
(2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (45).
(3) نفس المرجع (48).

ليستنتج لنا- وهذا هو الهدف المقصود- أن لفظ القرآن لا يصح أن يطلق حقيقة إلا على الرسالة الشفوية التي بلغها الرسول إلى الجماعة التي عاصرته، أما ما جمع بعد وفاته فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بهذا الجمع ولم يتفق عليه الصحابة، وترددوا حتى في الاسم الذي سيطلقونه على هذه الظاهرة حسب تعبيره (1).

ليؤكد في النهاية أن توحيد رواية هذه المدونة جاء بقرار سياسي في عهد عثمان (2).

إذن فالمسألة سياسة بامتياز، وهذا المصحف الموجود بين أيدينا نتاج سياسي لسلطة سياسية يخدم مشروعا سياسيا معينا.

وهذا يلتقي مع كلام أركون تماما في تشكيكه في نص المصحف وأنه زِيد ونقص منه حسب رغبات الفاعلين الاجتماعيين.

لكن ماذا عن تكفل الله بحفظ القرآن الكريم؟ ما رأي علامة تونس الشرفي؟

يجيب على الفور: إن الذكر الذي وعد الله بحفظه هو المحتوى وليس الظرف، هو مضمون الدعوة بما انطوت عليه من تبشير وإنذار ومن توجيه وإرشاد، وليس الألفاظ والتعابير التي صيغت فيها تلك الدعوة والتي دونت في ظرف معين وتنتسب إلى قوم بأعيانهم ولها نحوها وصرفها وقواعدها ولا تختلف في هذا المستوى عن أية لغة أخرى (3).

يريد الشرفي أن يقول إن الله لم يحفظ القرآن من التغيير والتبديل، بل حفظ مضمون الشريعة فقط، ثم زادنا من تحليلاته الباهرة المبهرة التي سرقها من كتب المستشرقين، فأكد أن الله لما تحدى الكفار عن الإتيان بمثله فليس لأنه معجز بل لمصدره.


(1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (49).
(2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (49).
(3) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (50).

لنتابع: وعندما تحدى القرآن الكافرين بأن يأتوا بعشر سور أو حتى بسورة واحدة من مثله فليس ذلك لأنه معجز ببلاغته بقدر ما هو راجع إلى مصدره إلى أصله الإلهي الذي ليس في متناول عامة البشر ... إلى آخر كلامه.

ليؤكد أن كل الآثار الفنية الراقية من شعر ونثر وغيره معجز بطريقته الفريدة، ولا سبيل إلى الإتيان بمثلها (1).

أي: لم يتفرد القرآن بهذه الخاصية، بل هو نص كباقي النصوص الشعرية وغيرها. والقرآن إنما تحدى الكفار لا لبنيته وتركيبه وفصاحته وبلاغته، بل لمصدره، أي: لا يستطيع أحد أن يأتي به من عند الله. ولا أحد طبعا يستطيع أن يأتي بشيء من عند الله.

أي: إن الله تحداهم بما ليس في طاقتهم أصلا، وبالتالي فلا قيمة لهذا التحدي.

قال عبد المجيد الشرفي: ذلك أن المسلمين آنذاك أدركوا صعوبة إثبات المصدر الإلهي للرسالة المحمدية من دون الوقوع في التجسيم أو التشبيه (2).

أي: إما بشرية الرسالة وإما التجسيم!!. والثاني مستحيل فصح الأول.


(1) نفس المرجع (51).
(2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (54).

 

  • الجمعة AM 12:26
    2022-08-05
  • 972
Powered by: GateGold