المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412187
يتصفح الموقع حاليا : 297

البحث

البحث

عرض المادة

النبوة

أغلب العلمانيين لا يعظمون النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصلون عليه ولا يترضوا عن الصحابة كباقي المسلمين، مثل أركون وعبد الوهاب المؤدب وحسن حنفي وهاشم صالح وعزيز العظمة وعلي حرب وعبد الله العروي وطيب تيزيني وغيرهم.

والقليل جدا منهم من يخالف هذا كمحمد سعيد العشماوي والقمني أحيانا، ولا أراه إلا من باب ذر الرماد في العيون أو ركوب الموجة واستغلال مرحلي للدين في انتظار انتهاز الفرصة المناسبة للقطيعة التامة مع النبي وطقوسه. وهذا منهج القمني قطعا لدلالات كثيرة ليس هذا محل بسطها، بل قد اعترف بذلك.

ويتحاشى بعض العلمانيين التصريح بإنكار الوحي اعتبارا للأوضاع السائدة وخوفا من ردود الأفعال، وحتى عندما يطلق بعضهم لفظ الوحي في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي الأغلب يقصدون معنى خاصا به، أو تماشيا مع اللغة الدينية لا غير.

فطيب تيزيني مثلا يرى أن حقيقة الوحي هو صوت باطني يسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - من داخله نتيجة لعملية اختزان ذهني كبير عبر التردد على غار حراء.

ولننقل عبارته بتمامها: وجدير بالذكر أن السنوات التي قضاها مترددا على غار حراء كانت هامة بالنسبة إلى تحقيق عملية اختزان ذهني كبير، أسهمت في بلورة شخصيته الثقافية عموما، وجعلت -من ثم- الانتقال إلى حلقة نوعية جديدة أمرا محتملا. وهذا ما قد يضعنا بحسب أصحاب التحليل النفسي وجها لوجه أمام ما يرونه من أن الصوت الذي يوحي للإنسان في حالة الاستغراق الروحي الذاتي، في اتباع طريق ما هو ظاهرة تتحدر من خافية الإنسان أو وعيه الباطن. مع الإضافة بأن هذه الخافية تكمن خارج حقل مراقبته المباشرة، مما يقود إلى أن الوحي الذي تلقاه محمد (ومن قبله أنبياء التوراة بصورة خاصة) يرتد -وفق منطوق أولئك- إلى الخافية المذكورة التي فعلت فعلها المكثف على امتداد سنوات طويلة (على صعيد حياة محمد المفردة)، وطوال قرون (على صعيد حيوات الأنبياء المتتالين) وفي المحصلة يظهر الوحي بمثابته كلمة الله الممتدة عبر تلك القرون ومن ثم عبر حيوات أولئك الأنبياء (1).

إذن لايعدو الوحي أن يكون حديثا باطنيا تفاعل عبر تجارب معينة وتاريخ معين.

أمَّا أن الله أرسل ملكا اسمه جبريل بوحي منه إلى رسله لهداية خلقه، فتلك خرافة تجاوزها العلم الحديث في رأي العلمانيين. فنحن إذن أمام عداء سافر للدين ولأساسه، وليس كما ينعق من لا يفهم أن العلمانية هي فصل الدين عن الدولة، بل هي إقصاء للدين وإبطال له.

وكل العقائد حول المصير والمآل، ويوم الحساب، وغيرها التي جاء بها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ما هي إلا تبلور لمفاهيم تراكمت وتكثفت عبر مراحل معينة كما يقرر تيزيني (2).

ولهذا فهو يتحدث في كتابه الضخم «مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر» عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كزعيم سياسي ومعلم ديني وصاحب مشروع، لا بوصفه رسولا موحى إليه بوحي من عند الله ويتحاشى الحديث عن هذا الجانب بمرة، فهذه ميتافيزيقا خرافية يرفضهما نظر الماركسي العتيد.


(1) مقدمات أولية (535).
(2) نفس المرجع.

وتحدث تيزيني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكونه مثقفا مطلعا كبيرا على الأديان والأفكار الدينية الأخرى (1). ووصفه كذلك بكونه أستاذا محاضرا من طراز مرموق (2).

هكذا يقول!!.

وينظر أركون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفته بشرا عاديا تماما، تاريخيا حسب عبارته، ولكن السيرة النبوية والأجيال المتعاقبة حولته إلى صورة أسطورية، فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحول بشكل تدريجي إلى شخصية رمزية مثالية فوق تاريخية عن طريق عمليات التحوير والتضخيم الأسطوري الذي قامت به السيرة النبوية لابن إسحاق وابن هشام (3).

وذكر أركون أن ابن إسحاق ضخَّم سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الجاهلية مُمَوهة أو مُقدَمة بشكل سلبي لكي تظهر عظمة الإسلام وحقيقته بشكل أنصع وأوضح (4).

كأنه يريد منه أن يبجل الجاهلية ويذم الإسلام ونبيه.

وقد أكثر أركون الطعن في السيرة النبوية لابن هشام، ولما جاء ذكر كتب المستشرقين التي تعرضت لحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أثنى عليها ووصفها بأنها أبحاث جديدة وغزيرة ومبتكرة، ثم وصفها بالعلمية والأبحاث الريادية، إلى آخر كلامه (5).

وفي كتاب آخر له حدثنا أركون أن التاريخ النفسي أو الخيالي للبيئات الاجتماعية المختلفة ساهمت في تحويل شخصية محمد التاريخية إلى شخصية


(1) مقدمات أولية (410).
(2) مقدمات أولية (411).
(3) نحو نقد العقل الإسلامي (78).
(4) نحو نقد العقل الإسلامي (113).
(5) نفس المرجع (113). وانظر (151) منه.

رمزية مثالية عليا تتجاوز معطيات الواقع والتاريخ أي: الانتقال من مرحلة محمد الحقيقي أو التاريخي إلى مرحلة محمد المثالي الذي يتجاوز التاريخ. ثم أصبحت هذه الصورة الأسطورية المضخمة التي شكلتها الأجيال المتتالية من المسلمين تحجب عنا الصورة الحقيقية أو التاريخية (1).

أي: محمد الحقيقي بشر كباقي البشر، فقامت الأجيال المتتابعة بصنع هالة ضخمة عليه، أي: كونه نبيا يأتيه الوحي من السماء، وله معجزات أي: أشياء خارقة للعادة ويتصف بصفات عالية ... إلخ فهذه أشياء صنعها التاريخ.

في حين يرى نصر أبو زيد أن النبوة مجرد تخيل، قال: فإن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية المخيلة في اليقظة والنوم على السواء (2).

وسوّى بين حالة الوحي والرؤية المنامية (3)، ليخلص إلى النتيجة التالية: وفي ظل هذا التصور لا تكون النبوة ظاهرة فوقية مفارقة، بل تصبح ظاهرة قابلة للفهم والاستيعاب (4).

وهكذا يرى محمد أركون أن الوحي بل الدين كله مجرد أشياء متخيلة تحولت مع مرور الزمن إلى مقدسات.

وبيّن أركون أن «جورج دوبي» و «كاستر ياديس» قد بينا دور الخيال (أو المخيال) في تأسيس نظام معين ورؤية معينة ترسخان كالإسمنت المسلح وحدة


(1) قضايا في نقد العقل الديني (145).
(2) مفهوم النص (49).
(3) مفهوم النص (51).
(4) مفهوم النص (52).

جماعية بشرية محددة أو شعب أو أمة. إن الخيال إذ يتلقى كل التصورات والدلالات الشغالة ذهنيا على الرغم من أنها ليست محسوسة أو واقعية، وليست من نمط عقلي منتظم، أقول: إذ يتلقى ذلك يبدو أكثر واقعية من الواقع لأنه يحرك الممارسات الفردية والجماعية الحاسمة (1).

وبيّن أن مقولات مثل الخير/الشر، الصحيح/الخطأ، المؤمن/الكافر، وغيرها ما هي إلا أشياء مرتبطة بالخيال لا غير. ثم أردف قائلا: ينبغي إعداة النظر في كل العلوم الدينية الناجزة في الإسلام ضمن هذا الاتجاه لتبيان نشأتها ومكانتها. وهذا هو المشروع الذي انخرطت فيه عندما تحدثت عن نقد العقل الإسلامي (2).

ثم ذكر مثالا لما يستحق إعادة القراءة هو سيرة محمد حسب تعبيره، مستنجدا بنظرية الخيال عند المستشرقين ودورها في تشكل الأديان والعقائد والمقدسات، نقتصر على قوله: في الواقع إن الجزء الخرافي من سيرة النبي هو الأكثر إضاءة وأهمية.

ثم ذكر السمات الرئيسة لإعادة القراءة هذه، نقتصر منها على التالي: فن القصص أو أسلوب السرد مأخوذ كموقع (أو كوسيلة) لإنتاج كل دلالة تغذي الخيال بشكل خاص، أقصد بذلك سيميائية القص والإخراج المسرحي للحكاية ونسج حبكة من الأحداث الواقعية من أجل تشكيل رؤيا معينة أو تقوية بعض العقائد أو إعلاء قيم معينة أو تحوير الماضي من أجل دمجه في النظام الجديد


(1) الفكر الإسلامي (75).
(2) الفكر الإسلامي (75).

للعقائد والممارسات التاريخية. وهذا ما فعلته السيرة النبوية بعد القرآن بالنسبة للجاهلية (1).

والنبي - صلى الله عليه وسلم - في نظر أركون إنما قلد نموذجا نبويا راسخا في ذاكرة شعوب الشرق الوسط قال: ولكن هذه التجربة تصبح ضمن المنظور الانتربولوجي الواسع الذي نتبناه عبارة عن تقليد محاكاتي للنموذج النبوي المحفوظ في ذاكرة شعوب الشرق الأوسط القديم، ولكن بعد إرفاقه ببعض التعديلات الملائمة واللازمة لكي تتناسب مع الوسط العربي (2).

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليس إلا مقلدا يحاكي من تقدمه.

وحسب حسن حنفي لا يجوز تصديق الأنبياء في الأمور النظرية لأنهم جهلوا أشياء كثيرة، وكثير من أقوالهم تناقض العلم (3). بل لا يجوز عنده تصديقهم في غاية الوحي وجوهره (4).

والوحي المكتوب عند حسن حنفي قابل للتغيير والتبديل، وخاضع للتحريف والتزييف (5).

وقال إلياس قويسم: فالنبوة عنده (أي: أبو زيد) ليست شيئا مفارقا لقوانين المادة والطبيعة والواقع، كما يعتقد السلفي، إنما هي درجة عالية من درجات الخيال الناشئة عن قوة المُخيلة الإنسانية ... (6)


(1) الفكر الإسلامي (76).
(2) نحو نقد العقل الإسلامي (1
(3) مقدمته لرسالة إسبينوزا: في اللاهوت والسياسة (50).
(4) نفس المرجع (51).
(5) نفس المرجع (73).
(6) تشتت النص القرآني، نسخة رقمية.

وقال: بهذا المعنى تصبح النبوة ومن وراءها الوحي ظاهرة ثقافية-بشرية تستمد شرعيتها من الموروث المترسخ في المخيال الجمعي للمجتمع الذي ظهرت فيه، لا كما يعتقد الخطاب السلفي أنها ظاهرة مفارقة للوجود التاريخي ... (1)

أي: النبوة والوحي لا علاقة لهما بقوى علوية كما يعتقد الخطاب الديني، بل هي نابعة من الأرض استنادا للموروث المترسخ في المخيال الجمعي للمجتمعات العربية.

وزاد مؤكدا: انطلاقا من إنزال ظاهرة الوحي من تعاليها إلى أرض الواقع، يصبح الفارق بين النبي والكاهن والشاعر فارق في الدرجة لا في النوع (2).

يريد أبو زيد رفع الصبغة الإلهية عن الوحي وربطه بأنساق مادية تاريخية واقعية.

وقال: نجد أن نصر حامد من خلال السيميوطيقا ينظر إلى البعد الأول «الوحي» على أنه تجربة إنسانية، وأنه مجموعة من العناصر تتآلف وتتسق طبقا لقوانين منضبطة ... (3)

لم ينفع الأنبياء بشيء.

قال القمني في أهل الدين والديمقراطية (32): يبدو أن سيدي الشيخ زغلول (أي: النجار) ورفاقه لا يلتفتون إلى أن كل معجزات الأنبياء السابقين لم تخدم البشرية في شيء، فالريح التي سخرها الله لحمل بساط الريح السليماني لم تخدم البشرية في شيء. وجن سليمان بكل حشدهم لم يقوموا بإنتاج مَصْل مضاد


(1) نفس المرجع.
(2) نفس المرجع.
(3) تشتت النص القرآني. نسخة رقمية.

لأي مرض، ولم يطوروا إنتاج النبات والحيوان لإطعام مزيد من الأفواه الجائعة كما فعل العلم، ولم يقيموا مصنعا للطائرات في وجود بساط الريح، بل إنهم لم يقيموا لسليمان نفسه صروحا شاهدة كما لرمسيس وخوفو وأمنحتب، ولم يقم المسيح بتعليم تلاميذه كيفية شفاء المرضى حتى يتم تعميمها للحد من آلام البشر توفيرا لوقت طويل استغرق ألفي سنة بعده.

بهذا الأسلوب التهكمي يتحدث القمني عن أنبياء الله تعالى.

بل أضر الأنبياء بالبشرية.

هكذا يقول حسن حنفي، وهذه عبارته: دفع الأنبياء الناس إلى التطرف بدلا من تقويمهم، في حين استطاع الملوك استمالتهم دون أدنى مقاومة، لم يتسامح الأنبياء معهم حتى مع أكثر الملوك إيمانا إذا كان سلوكهم مناقضا للدين، أي أن الأنبياء أضروا بالدين أكثر مما نفعوه (1).

فالملوك أرحم بالعباد من الأنبياء في نظره!!!، ولم تجن البشرية من الأنبياء إلا الضرر، بل الضرر الكثير!!!. هكذا يقول حبر كبير من أحبار العلمانيين!!!.

النبي محمد زعيم حزب سياسي هاشمي.

هكذا يصور القمني النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتابه «الحزب الهاشمي» لنتابع معه القصة من أولها وإن طال بنا المقام.

حسب القمني نظرا للأوضاع القبلية التي كانت تحكم الجزيرة العربية لم يوجد إمكان لنشوء ملك أو زعامة سياسية واحدة نظرا للطابع القبلي لها. فلهذا لما أراد بعض زعماء العرب تحقيق حلمهم الوحدوي رأوا أنه لا يمكن أن يتم لهم


(1) مقدمته لرسالة إسبينوزا: في اللاهوت والسياسة (96).

أمر إلا بنبي مثل داود. وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم اللآتي (1).

وماذا عن الكعبة والحجر الأسود؟

يجيب القمني تحت فقرة كعبات أن العرب كان البناء المكعب (الكعبة) هو الشكل المعماري المفضل لبيوت أرباب الجاهلية، فكانت كل قبيلة تتخذ لها كعبة لذلك، ويجعل فيها الحجر الأسود، وهي أحجار بركانية أو نيزكية كانت العرب نظرا لشكلها وغرابتها تظن أنها قادمة من عالمم غيبي مجهول.

والحجر النيزكي كان أكثر جلالا لكونه كان يصل الأرض وسط مظاهر احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور، فهو يهبط بسرعة فائقة محتكا بغلاف الأرض الغازي، فيشتعل مضيئا ومخلفا وراءه ذيلا هائلا، لذلك كان هول رؤيته في التصور الجاهلي دافعا لحسبانه ساقطا من عرش الآلهة في السماء، حاملا معه ضياء هذا المكان النوراني، ثم كان طبيعيا أن يحاط بالتكريم والتبجيل (2).

هكذا يصور القمني العربي وكأنه كان يعلم بحقيقة الأحجار النيزكية، مع أن رؤيتها مباشرة أمر جد ناذر بل متعذر على أغلب الناس. ولكنه يحاول نسج المسرحية بتمامها.

ومع تعدد هذه الأحجار القادمة من الأرض أو من السماء تعددت الكعبات، وسميت بيوت الله، وهكذا كان للكعبة المكية حجرها الأسود الذي يظن أنه قادم من السماء (3).


(1) الحزب الهاشمي (54).
(2) نفس المصدر (65).
(3) نفس المصدر (66).

فساعد هذا التفرق العقائدي في زيادة الفرقة القبلية بحيث أصبح عائقا في سبيل توحيد العرب، إضافة للطابع القبلي الذي ينفر من فكرة سياسية واحدة (1).

لكن استطاع المكيون نظرا لتسامحهم الديني كما يقول القمني استضافة باقي الأرباب في كعبتهم، لتضمحل بعد ذلك باقي الكعبات لكعبة مكية واحدة (2).

ثم جاءت حادثة الفيل لترتفع بها أسهم المكيين وكعبتهم (3).

وأسس قصي دار الندوة مكانا للاجتماعات السياسية، وحلت الندوة محل الديمقراطية البدوية (4).

فلما مات قصي خلفه ولده عبد الدار، فغضب أخوه عبد مناف فتوارث الأحفاد هذه الأحقاد (5).

ليقوموا بعدها باقتسام السلطة: السقاية والرفادة والقيادة لبني عبد مناف، والحجابة واللواء لبني عبد الدار، ودار الندوة بينهم بالاشتراك (6).

ثم استقرت ألوية السيادة بعد ذلك في بيت عبد الدار عند هاشم الذي استطاع بكرمه وسياسته تقوية الحزب الهاشمي، وبموته تولى أخوه المطلب، ليموت بعد زمن يسير ليتولى قيادة الحزب عبد المطلب (7).

وكان عبد المطلب ذا وعي سياسي وحس قومي مما دفعه إلى وضع


(1) نفس المصدر.
(2) نفس المصدر (74).
(3) نفس المصدر (81).
(4) نفس المصدر (82).
(5) نفس المصدر (89).
(6) نفس المصدر
(7) نفس المصدر (97 - 98).

إيديولوجيا متكاملة لتحقيق أهداف حزبه، كما يقول القمني (1).

وهكذا استمر القمني في فبركة هذه المسرحية، ليخبرنا أن هذه الإيديولوجيا الهاشمية تقوم على أساس فهم جديد للاعتقاد أي: التوجه نحو إله واحد ورفض الوسائط والشفاعات (2).

ثم قام عبد المطلب سعيا لتقوية حزبه بحفر بئر زمزم بأمر غيبي في حلم ليستقطب القبائل العربية وجذبا للقوافل التجارية (3).

إنه الاقتصاد ولاشيء غير الاقتصاد.

تبدو المفاهيم الماركسية حاضرة بقوة في تحليلات القمني: وسائل الإنتاج، المجتمع البدائي، المجتمع الطبقي، الإيديولوجيا، السيطرة على الاقتصاد. إنه التحليل الماركسي للنبوة.

ثم زاد القمني أن عبد المطلب كان مؤسسا لملة واعتقاد، ودعا الناس إلى الحنيفية ملة إبراهيم، وتبرأ من أرجاس الجاهلية، وأنه كان يصعد إلى حراء متحنفا وأنه حرم على نفسه الخمر وكل ضروب الفسق، وأنه كان حاثا على مكارم الأخلاق، داعيا الناس لاتباعه، مؤمنا بالبعث والحساب والخلود (4).

لاحظ كيف يحاول المطابقة بين عقائد الإسلام وعباداته وبين عقائد عبد المطلب، ليقول لنا: إن النبي لم يعدو أن يكون مؤسسا ثانيا للحزب الهاشمي الذي وضع نظريته وإيديولوجيته عبد المطلب.


(1) نفس المصدر (99).
(2) نفس المصدر (99).
(3) نفس المصدر (100).
(4) نفس المصدر (100 - 101).

ثم زاد القمني أن عبد المطلب كان ينظر إليه في العرب بمثابة من يأتيه خبر السماء (1).

وهكذا تنجز المسرحية بإحكام.

وانضم لهذا الحزب مجموعة من الحنفاء على رأسهم: زيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن عبد الله بن أبي الصلت، وأحسوا أنه لابد لهم من ديانة تكون رمزا لقوميتهم، ديانة تعبر عن روح العروبة وتكون عنوانا لها حسبما يؤكد القمني (2).

ثم أخذ هؤلاء الحنفاء يتنافسون في الترفع عن صغائر الأفعال، لتتحول فيما بعد إلى محرمات (3).

فليس الأمر كما يزعم المسلمون: الله بعث نبيا وفرض عليه فرائض وحرم محرمات، إنه إيديولوجيا الحزب الهاشمي لا غير.

فلما جاء النبي محمد أخذ يتبع خطى جده عبد المطلب في الذهاب إلى غار حراء (4).

وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - هدف سياسي وتكتيك إيديولوجي، فقام بتأليب العبيد على أسيادهم ووعدهم بكنوز كسرى وقيصر (5).

وتعاطف مع أصحاب الأخذوذ اليمنيين مع كونهم مسيحيين مضطهدين لأن اليمن أخطر محطة تجارية على خطوط العالم القديم. وزاد: ثم أبدى تعاطفه مع الروم بحسبانهم امتدادا طبيعيا للخط التجاري المكي (6).

فالاقتصاد ووسائل الإنتاج وراء كل المشروع المحمدي.


(1) نفس المصدر (102).
(2) نفس المصدر (116).
(3) نفس المصدر (117).
(4) نفس المصدر (132).
(5) نفس المصدر (134).
(6) نفس المصدر (149).

وجزم في خفة وتهور لا يحسد عليهما: فالأمر كان نزعة قومية واضحة ترتبط بمصالح اقتصادية أشد وضوحا (1).

ثم أردف القمني مبينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مجرد مقلد لجده، ونستسمح القارئ الكريم في نقل القمامة التالية، رغم رائحتها الكريهة جدا الباعثة على الغثيان.

قال: المهم أن الأحداث تتابعت في مكة واستمرت المنعة الهاشمية للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي اتبع خطى جده -كما اتبع خطواته إلى حراء من قبل- وأعلن أنه نبي الفطرة الحنفية التي نادى بها الأولون السابقون، ونادى بها عبد المطلب، ومثلما أتي جده الرئي وغته ثلاثا ليحفر زمزم فقد أتاه جبريل وغته ثلاثا، وكما اهتم عبد المطلب بتأكيد التحالف مع الأخوال من أهل الحرب في يثرب، اهتم حفيده أيضا بالأمر ... إلى أن قال: في الوقت الذي كان فيه لجده عبد المطلب مكانة خاصة وأثر لا يمحى من نفسه، تبرره حميته القتالية عند المعارك التي كانت تدعوه لأن يهتف: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، كأني به ينادي طيف جده: أي: جدي، ها أنذا أحقق حلمك (2).

أي: في إنشاء الدولة الهاشمية.

في كتابة الآخر «حروب دولة الرسول» ذكر القمني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهض بإتمام التطور العربي إلى نهاية نضجه لصالح الطبقة التجارية (3).

أو ما سماه قبل هذا الطبقة الارستقراطية التي ركزت التجارة ورشوة القبائل الأخرى عن طريق الإيلاء واستضافة أرباب القبائل.


(1) نفس المصدر (149).
(2) الحزب الهاشمي (151).
(3) حروب دولة الرسول (24).

فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أتم المهمة، لكن بشكل أكثر توسعا، ليشمل التوحيد العرب جميعا.

وانطلاقا من صنمه المعبود التفسير الديالكتيكي للتاريخ فإن الأمر لا يعدو في نظره عن صراع طبقي على الثروة والسيطرة، فلما جاء النبي اليتيم الفقير الكادح، كما عبر القمني قاد الثورة.

والذي عمل راعيا ثم تاجرا لأثرياء مكة، الذي هو بحسب الأدبيات الماركسية من الطبقة الكادحة: البروليتاريا، التي ستقوم بالثورة للإطاحة بالبرجوازية المكية.

وذكر بعدها -وفاء لنبيه ماركس- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توجه نحو المستضعفين، وهم دوما مادة الانتقال الثوري، إلى امتلاك كنوز كسرى وقيصر (1).

كما قام النبي بتكثيف هجومه على الطبقة البرجوازية المكية لكنزها المال واستغلالها للطبقة الضعيفة الكادحة عن طريق أكل الربا وأكل أموال اليتامى والمساكين واحتكار مواد المعيشة (2).

فكل شيء دائر على الاقتصاد، ولاشيء غير الاقتصاد والمال والثروة والسيطرة على وسائل الإنتاج لتحقيق أهداف سياسية.

على الأقل هكذا قال ماركس ومريده القمني.

ثم وعد النبي الطبقة المستضعفة الكادحة بميراث الطبقة البرجوازية حسب القمني مستشهدا بقوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} القصص5.

وهذا هو السبب في نظره الذي جعل هؤلاء المستضعفين يتتابعون في الدخول


(1) نفس المرجع (29).
(2) نفس المرجع (29).

للدين الجديد (1).

فليس إيمانا بالله والمحبة لطاعته هي السبب بل الأهداف الاقتصادية والسياسية.

وأما هجرة الرسول إلى المدينة واستقبال أهل المدينة له، فله في التحليلات القمامية نظر آخر: فليس الأمر دعوة ورجال آمنوا بدعوة فاستقبلوا نبيهم لنصرة الدين والنبي - صلى الله عليه وسلم -، تأمل ما يقوله القمني: ومن هنا كان التحالف بالمصاهرة بين الخزرج والهاشميين، ثم استقبال الخزرج لابن أختهم الهاشمي وصحبه، ردا لجرح تؤججه ذكرى معبس ومضرس واستشفاء نفسيا، واستجلابا لوضع أهملته قريش، وأسقطته من حسابات الإيلاف، واستشرافا لوعد نبوي استقبله الوعي اليثربي النفاذ بوحدة تلم الشمل، لتقف يثرب كمنافس له شأن أمام الملأ المكي، وربما كعاصمة لدولة كبرى مع مداولة الأيام (2).

فالأنصار إنما نصروا النبي انتقاما سياسيا فقط من غرائمهم بمكة، وبحثا عن وحدة قومية عربية عاصمتها المدينة.

هذا عن المستقبلين للدعوة، وماذا عن صاحب الدعوة نفسها؟ ماهي دوافعه الحقيقية للهجرة؟ أو ما هو التفسير الماركسي للهجرة؟

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في نظر القمني يطمح إلى إيجاد بيئة فيها اكتفاء ذاتي مائي غذائي.

أي: المسألة الاقتصادية دائما تطاردنا.

وكانت يثرب المكان المناسب لاحترافهم للزراعة، زيادة على خبرتهم الحربية وقدرتهم على صناعة الأسلحة. فلهذا اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - يثرب (3).


(1) نفس المرجع (30).
(2) نفس المرجع (32).
(3) نفس المرجع (32 - 33).

لا لأن الأنصار آمنوا بالدعوة إيمانا خالصا لله دون أية أهداف سياسية، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - البيئة المناسبة لنشر دعوته وهروبا من القمع المكي.

وأما عن موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود فالأمر لا يعدو أن يكون تكتيكا سياسيا لكسب وُد اليهود فقط، ولهذا كان في حاجة إلى أن يكسبهم سياسيا فجاءت الآيات تتحدث عن التاريخ السياسي لليهود، ومكانتهم في التاريخ الديني (من نوح إلى إبراهيم وإسحاق ويوسف وموسى ... إلخ) بصياغة تكريمية عظيمة، كما يقول القمني (1).

زد على هذا احترام التوراة اليهودية واحترام التفاصيل التراثية كالثابوت وكتابة الألواح لموسى، ثم الموقف العملي للنبي عند وصوله يثرب، حيث استقبل قبلة اليهود، بل وصام الغفران، وعقد الصحيفة مع اليهود (2).

[والإسلام ليس إلا نسخة معدلة من اليهودية والنصرانية، خطط لها مسيحيون وحنفاء]

هذا ما حاول التأكيد عليه مجموعة من العلمانيين، على رأسهم القمني، وبشكل أكثر عمقا طيب تيزيني في كتابه «مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر».

وقد تقدم معنا حديث طويل عن هذه المسألة في مبحث «أصل الدين والإسلام» فقرة: «الإسلام ليس إلا عقائد يهودية ومسيحية وجاهلية وإغريقية، ألفها محمد وجمع بينها في إخراج من نوع خاص». ونضيف هنا تأكيدات علمانية أخرى على نفس الموضوع.

وقد استند تيزيني إلى مجموعة من الأخبار في التواريخ أغلبها لا يصح، ولكن لجهلهم بأصول نقد الأخبار الحديثي لا يميزون بين ما صح من عدمه، ولهذا تعين علي إفراد هذه المسألة برسالة مستقلة تحت عنوان: الأخبار الواردة في الحنفاء: دراسة نقدية.

والغريب هنا حقا أن العلمانيين يكيلون بمكيالين: فإذا تعلق الأمر بأحاديث البخاري ومسلم المجمع على صحتها والمتلقاة بالقبول وقفوا منها موقف التشكيك والتكذيب، وإذا تعلق الأمر بأخبار لا سند لها ولا مصداقية لها طاروا بها فرحا وأشاعوها كما لو كانت نصوصا ثابتة مقطوعا بها مادامت تخدم أغراضهم الإيديولوجية.

فطيب تيزيني مثلا أيُّ نص وجده يخدم مشروعه في أيّ كتاب كان ولو كان مشهورا برواية الأخبار الباطلة والساقطة، فلا يتردد في الإشادة به والتأكيد على أهميته، وكأنه عثر على كنز ثمين وصيد مكين.

 


(1) نفس المرجع (36).
(2) نفس المرجع (36).

يجزم تيزيني بدون خجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متأثرا بقوة في مراحل حياته باليهودية والمسيحية وربما كذلك بالزرداتشية، وأعلن في مرحلة النضج قطيعة معها، إلا أنها قطيعة نسبية (1).

أما الحنفاء مثل ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم، فقد ذكر أن محمدا (حسب تعبيره) انتفع كثيرا بالحنفاء، بل قال عن ورقة: المعلم الأول الذي أضاء له الطريق وفك له أسرار الوحي (2)، وقدم إليه من الحوافز الأخلاقية المعنوية ما جعله يثبت (3).

وبيَّن قبل أن الوثنية وُجه لها نقد إيديولوجي من قبل أناس ليسوا بأقل شهرة من محمد (4).

يريد تيزيني أن يبرهن لنا أن النبي لم يأت بكبير جديد، إنما استثمر مواقف فكرية إيديولوجية كانت سائدة في زمانه، بل الأكثر من هذا فالنبي محمد يمثل إيديولوجية كانت متواجدة قبل بزمان، بل إن الحنفاء كورقة ونحوه هم المصدر المركزي والهام للإسلام المحمدي.

أو بلغة الماركسيين: الإسلام هو إيديولوجية تقدمية انبثقت من الوضع الاقتصادي الاجتماعي للجزيرة عبر تطور وصراع طبقي معين.

لنستمع لتيزيني: ذلك لأن ورقة ... كان بالنسبة إلى النبي المنتظر أكثر من مجرد شخصية دينية نقدية وإصلاحية رافقته في بعض سني حياته في مكة. لقد كان


(1) مقدمات أولية (424).
(2) ولا تظنن أنه يؤمن بالوحي، فقد تقدم عنه أن الوحي حديث باطني ليس إلا.
(3) مقدمات أولية (260).
(4) مقدمات أولية (259).

-بما مثّله من آراء وتصورات ومواقف- المصدر أو أحد أهم المصادر وأحسمها ذهنيا (إيديولوجيا) للشخصية المحمدية.

إلى أن قال: يمكن القول بترجيح قوي مشدد بأن العلاقة بينهما (أي: النبي وورقة) كانت مبنية على أسس إيديولوجية عقيدية، مهدت لها وقادت إليها رابطة مصاهرة نمت وأحيطت بالرعاية والاهتمام على نحو مخطط ومقصود وناجح (1).

ثم يستمر تيزيني ليبين لنا أن ورقة النصراني وخديجة هما اللذان خططا ودبرا لوجود الإسلام، قال بعد تأكيده على نصرانية ورقة وعلاقاته باليهودية، وانتشار آلاف النصارى العرب وآلاف الرهبان والقسيسين ومئات الكنائس والأديرة العربية في الجزيرة: ونحن في هذا السياق نميل إلى ترجيح أن ورقة وخديجة مثلا نقطتين حاسمتين في تكوين الشخصية المحمدية: باستدراجها محمدا الشاب -عبر تعيينه مدير أعمال لتجارتها ثم الزواج به- إلى دائرة الفكر النوفلي، وابن نوفل في فتح قلبه وعقله له وتقديم العون له بوسائله الممكنة ...

إلى أن قال: بيد أنه يبدو أن دائرة معارف خديجة من النصارى كانت واسعة ومتنوعة في مكة (2).

إذن فالإسلام ذو أصول نصرانية، بل هو نسخة نصرانية معدلة.

مع أننا نقطع الطريق على تيزيني منذ البداية فنقول له: اثبت العرش ثم انقش، اثبت صحة الأخبار التي تستند إليها في استنتاجاتك ثم استنتج.

ثم يمضي باحثنا


(1) مقدمات أولية (2
(2) نفس المرجع (270).

المغوار في تحليلاته فيقول: إن النوافلة هم الذين استشرفوا نبوة محمد (أمُّ قتال أخت ورقة)، وهم الذين هيؤوا لها ورافقوها وأظهروا أسرارها لصاحبها، وهم الذين آمنوا بها ودافعوا عنها وأحاطوا صاحبها بالحماية المعنوية والمادية (خديجة)، وهم الذين ظلوا أوفياء لها في مراحل انتصارها وعزها (أم ورقة) ... (1)

يلغي تيزيني أيّ اعتبارات غيبية من طرحه، أي: كونه - صلى الله عليه وسلم - نبيا مرسلا من عند الله.

فلا يعدو محمد في نظره أن يكون صنيعة نصرانية بامتياز. وخديجة لم تكن إلا وسيطا عند هؤلاء (2).

ويزيد مؤكدا أن العلاقة بين خديجة والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن علاقة حب عاطفي أو زواج عادي، بل كان شيئا مخططا له من قبل ورقة بن نوفل ونسطاس النصرانيين، وإن مراقبة محمد استمرت 15 سنة منذ عودته من الشام تمت فيها عملية تأهيله الثقافي الديني اللازمة. وإذا، إذا أسفر الموقف عن هذه الوضعية العمومية لم لا تكون خديجة بنت عم ورقة قد هُيئت هي بدورها للقيام بمهمة الزوجة لمحمد أو بتعبيرها أمرت بذلك؟ (3).

وتكلم تيزيني بكلام طويل حول تأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنصارى زمانه وخاصة الفرقة النسطورية والعلاقات التي كانت تربطه بهم (4). في جهد حثيث لإحياء اتهامات كفار قريش {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}.

وأكد تيزيني على جملة


(1) نفس المرجع (272).
(2) نفس المرجع (273).
(3) نفس المرجع (274).
(4) نفس المرجع (283).

أمور من بينها: إن الإسلام في بواكيره الأولى مثَّل تواصلا مع النصرانية (1) وارتباطا عقائديا وسياسيا وعسكريا معها (2).

واعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - تلميذا لورقة بن نوفل النصراني (3). وقال: أما ورقة بن نوفل فقد يكون الشخصية الأكثر تأثيرا وحسما في حياة النبي الجديد (4).

وقال: وإذا ما استبقينا ورقة بمثابته القس الضليع والذي تتلمذ محمد على يديه في طور التلمذة (5).

وقال عن ورقة وقس بن ساعدة: إذا كنا حتى الآن قد تعرفنا إلى شخصيتين انتمتا بوضوح كاف إلى النصرانية الحنيفية، وأسهمتا على نحو مباشر في بلورة الشخصية الذهنية الدينية للفتى محمد (6).

وقال عن ورقة وزيد بن عمرو بن نفيل: إن هذين الرجلين أثرا تأثيرا عميقا ومباشرا وصريحا في تكوين الشخصية الثقافية الاعتقادية المحمدية إلى درجة لا يمكن غض النظر عنها منهجيا نظريا وتاريخيا (7).

وقال عن أمية بن أبي الصلت وورقة وزيد بن عمرو بن نفيل: فهؤلاء جميعا كونوا قاعا تاريخيا عميقا للحركة الإسلامية المحمدية، كما أسهموا في ضبط إيقاعها على نحو أولي (8).

وقال: إن محمدا يمثل الوريث الشرعي الأكثر حزما ووضوحا لرواد


(1) نفس المرجع (287).
(2) نفس المرجع (289).
(3) نفس المرجع (340).
(4) نفس المرجع (317).
(5) نفس المرجع (522).
(6) نفس المرجع (351).
(7) نفس المرجع (357).
(8) نفس المرجع (377).

الحنيفية النصرانية الكبار والصغار، والمشهورين والمغمورين، الذين كان الحجاز يعج بهم في النصف الثاني من القرن السادس ومطالع القرن السابع على الأقل (1).

وقال عن مواعظ النصارى مثل قس بن ساعدة، فمثل هذه المواعظ كانت تترك أثرا عميقا في شخصية محمد، خصوصا وأنها تمحورت حول التحذير من يوم الحساب، بأهواله على المذنبين وبمتعه على المؤمنين، كما تمحورت حول جهنم والجنة والصراط ... إلخ (2).

بل الأكثر من كل ما تقدم فقد جزم تيزيني في خفة لا يحسد عليها بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بداية أمره وإلى فترة تالية نصرانيا حنيفيا (3).

وبعد صفحتين أكد على أنه تأثر بالتلمود أي: باليهودية وخصوصا في مسألة تعدد الزوجات والطلاق (4).


(1) نفس المرجع (375 - 376).
(2) نفس المرجع (588).
(3) نفس المرجع (3
(4) نفس المرجع (329).

  • الخميس PM 11:22
    2022-08-04
  • 1192
Powered by: GateGold