المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412261
يتصفح الموقع حاليا : 364

البحث

البحث

عرض المادة

الأخلاق في العلمانية

تنظر العلمانية إلى الأخلاق كقيم نسبية تتغير من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان. وأن القيم الدينية يجب تجاوزها بل هي أصبحت بالية، ويجب فصل الدين عن المنظومة الأخلاقية، فأخلاق كل زمان بحسبه، فإذا كان مفهوم العفة الديني يناهض الزنا والشذوذ الجنسي وزنا المحارم والسفور، فإن العلمانية تربط الأخلاق والقيم لا بالثوابت، ولكن بالتاريخ والزمن كما يقول عزيز العظمة (1).

والأخلاق كما يقول عادل ظاهر: نشاط معرفي مستقل منطقيا عن الدين (2).

وقد خصص الفصل السابع في كتابه «الأسس الفلسفية للعلمانية» لبيان أن أساس الأخلاق ومرجعها المعرفي هو الإنسان والطبيعة، لا الله والدين (3).

يقصد أن الأخلاق شيء يصنعه ويبدعه الإنسان بعقله وتجاربه، ويجب عدم إقحام الدين في هذا المجال، وأن المعايير الخيرية الأخلاقية مستقلة منطقيا عن الله.

وهذا ما أكد عليه القمني حيث جعل الأخلاق مسألة معيارية ومجموعة قيم متغيرة دوما بتغير البنى التحتية (4).

وقال: فالمعروف هو ما تعارفت عليه قيم وعادات زمانه، والمنكر هو ما أنكره العرف الاجتماعي وقيم زمانه (5).


(1) العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (بعد 91).
(2) الأسس الفلسفية للعلمانية (53).
(3) نفس المرجع (191).
(4) شكرا ابن لادن (21).
(5) انتكاسته (31).

وأطال القمني في فصل خاص في انتكاسته (142 - 143) بيان أن القيم هي أحكام بشرية يصدرها الفرد أو المجتمع كناتج لعلاقة تفاعلية بين الفرد والمجتمع.

وذكر أنها متغيرة ومتطورة حسب الزمان والمكان، وزاد: إن القيم التي وضعتها الحضارة الإنسانية هي الأصدق من القيم المحكية عن الفقهاء والكتب التراثية في شكل كتالوغات غير حقيقية (146 - 147).

بل الأدهى من هذا إن القول بالقيم الدينية في نظر القمامي لا يترتب عليها إلا الضرر (148).

أو بعبارة محمد أركون الذي أكد على تاريخية القيم الأخلاقية وأن إلغاء هذه التاريخية وتحويل هذه المعطيات الاجتماعية إلى نوع من المعايير المثلى والأحكام المتعالية والمقدسة مشكلة جذرية (1).

وبالتالي فالأخلاق الدينية مفاهيم متجاوزة، حسب أركون، يقول: فالروحانية والأخلاق التقليدية عفا عليها الزمن ولم تعد بقادرة على التأثير في الحياة الحديثة.

ثم ذكر أن الغرب منخرط الآن في إيجاد مفاهيم جديدة للأخلاق (2).

ودعا إلى الخروج من منظومة الأخلاق الإسلامية بتأسيس علم سماه: ما فوق الأخلاق، أي: علم يدرس كل الأنظمة الأخلاقية المختلفة من نقطة خارجها لفهم أوجه تشابهها واختلافها وآليات اشتغالها (3).

هذا المشروع يقوم على نقد القيم الأخلاقية الإسلامية المرتكزة على القرآن، وبيان أن القيم تتغير وتتبدل وتخضع لتقلبات التاريخ (4).


(1) الإسلام الأخلاق والسياسة (173).
(2) قضايا في نقد العقل الديني (218).
(3) الإسلام الأخلاق والسياسة (84).
(4) الإسلام الأخلاق والسياسة (84).

وتحدث أركون عما سماه تفسخ القيم القديمة وحلول قيم جديدة محلها (1).

من هنا لاحظ أركون كيف أن الفكر الإسلامي يخلط بين ما هو ديني بما هو أخلاقي، فمثلا قيم القناعة والكفاية والكفاف والصبر والزهد والضيافة والكرم والحرص والشره والبخل يعرض لها الذهبي في كتاب الكبائر على أن الإخلال بها خطيئة في حق الله. وهذا ما لا ترضاه علمانية أركون، ولابد في نظره من التمييز بين الديني والدنيوي (2).

حتى مفاهيم مثل القناعة والصبر والضيافة والكرم يرغب العلمانيون في فك ارتباطها بالدين، مما يؤكد أن العلمانية هي الوجه الحديث للإلحاد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

بينما اعتبر القمني أن القيم الوضعية هي الأصل لا القيم الأخلاقية الإلهية البدائية.

قال القمني عن القيم الإسلامية زمن الدعوة الإسلامية: لا يعني أنها كانت قيما دينية، بقدر ما كانت مغرقة في ذاتيتها وبدائيتها وغرائزيتها، بحكم زمنها وطبيعة بيئتها القاسية (3).

ونقل عن العلمانيين أن القيم الوضعية الإنسانية التي تعارف الناس عليها، وتوافقوا بشأنها في مجتمع بعينه في زمن بذاته، هي التي تشرح لنا القيم الإلهية وتفسرها (4).

فالقيم العلمانية الوضعية هي التي تفسر القيم الإلهية، ولنضرب مثلا لذلك مفهوم العفة في عصرنا يعني تحرير المرأة من كل الأحكام المسبقة والفروض الدينية الأخلاقية، وعليه فالعلاقات الثنائية، بل التواصل الجنسي بين الرجل والمرأة لا غبار عليه، وهذا المفهوم هو الذي يفسر لنا مراد الله بأخلاق المرأة والعفة بمفهومها الإسلامي.


(1) نفس المرجع (89).
(2) نفس المرجع (96 - 97).
(3) انتكاسة المسلمين (162).
(4) انتكاسته (34).

وهكذا يسحب القمني قمامته على الدين الحنيف الطاهر العفيف المنزه عن القمامات.

ونقل مؤيدا عن جَرْو علماني اسمه راضي عاقل قوله: بينما الدين عموما والإسلام خصوصا هو نقيض الأخلاق، ويساهم بشكل فعال في تشويه نفسية المؤمنين به وقتل حسهم الأخلاقي (1).

والحاصل أن الأخلاق في المفهوم العلماني تقطع مع أية ثوابت أو أديان أو مطلقات، فهي مسألة اجتماعية نسبية، تخضع للتطور والتحول، وكل مجتمع يرسم الأخلاق التي تناسبه. فما قد يكون فضيلة هنا، قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر.

أو بعبارة فلسفية: فالأخلاق لا علاقة لها بالفضيلة أو الاحتياجات الروحية أو المعنى، وإنما لها علاقة بالسعادة (اللذة) والمنفعة، وبالتالي عُرِّف الخير والشر تعريف ماديا كميا، فالخير هو ما يدخل السعادة (اللذة) والشر هو عكس ذلك هو ما يسبب الألم والضرر (2).

فإن أدى الفرد واجبه على أكمل وجه فهو مواطن خير صالح جيد (حتى ولو كان هذا الواجب هو إبادة المعوقين والمرضى والعجزة وأعضاء الأقليات). وإن تقاعس في الأداء وانخفضت الكفاءة فهذا هو الشر. كما يقول المسيري (3).

هنا يتم قطع أية صلة بين الدين والقيم. وتتحول القيم إلى منفعة مادية.


(1) نفس المرجع (166).
(2) العلمانية الجزئية والشاملة (315).
(3) العلمانية الجزئية والشاملة (317).

وعليه فأنا أرى أن العلمانية تختزل في المادية أو بحسب عبارة ماركس: لا إله والحياة مادة، هذا هو جوهر العلمانية من أولها إلى آخرها. ولا يبقى للقيم الدينية أية قيمة معيارية، ولهذا تجاوزت الحضارة الغربية العلمانية كل المفاهيم الدينية الأخلاقية، فمسألة الشذوذ الجنسي تعتبر حقا من حقوق الإنسان، بل سيطر الشواذ على لجان تابعة للأمم المتحدة (1).

والتوقيع على وثيقة إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة cedaw يجعل معارضة الشذوذ الجنسي ولو برسم كاريكاتوري عملا يعرض صاحبه للمساءلة القانونية، لكونه معارضة لحقوق الإنسان (2).

واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل تنص على أن للطفل حرية الشذوذ الجنسي مع الكبار، والاعتراف بحرية الشذوذ شرط من شروط الدخول إلى الاتحاد الأوربي على تركيا (3).

ولأن الأخلاق الدينية كالعفة متجاوزة كان أوجست كونت صاحب الفلسفة الوضعية أعانته بغي على صياغة المذهب أثناء احترافها البغاء، ثم تزوجها ثم انفصل عنها، ليهيم بامرأة متزوجة من رجل هارب من مطاردة الشرطة (4).

وأصبح في ألمانيا منذ عام 2001 يحصل المتزوجون الشواذ من نفس الجنس على التسجيل المدني ويتمتعون بمعظم امتيازات المتزوجين (5).

وأصبح تبادل الزوجات والجنس المثلي والدعارة ونقابات البغاء وعاملات الجنس شيئا شائعا في الغرب.


(1) الغرب والإسلام (2
(2) نفس المرجع (239).
(3) نفس المرجع.
(4) الإسلام بين التنوير والتزوير (207).
(5) العلمانيون والقرآن (104). نقلا عن خواء الذات والأدمغة المستعمرة لمراد هوفمان (78).

 

  • الخميس PM 10:55
    2022-08-04
  • 906
Powered by: GateGold