المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413875
يتصفح الموقع حاليا : 282

البحث

البحث

عرض المادة

موقف العلمانيين من علماء الأمة

يقدم العلمانيون أنفسهم قاطبة على أنهم أصحاب فكر تقدمي مستنير وعقلاني، بل وحقوقي وإنساني، يقبل الآخر ويتعايش معه.

لكن من الناحية العملية نرى أن أفعالهم تتناغم مع أقوالهم إذا تعلق بالآخر الغرب المستعمر قديما والمستبد والمسيطر حديثا.

وأما إذا تعلق بالإسلامي ابن البلد والوطن واللغة والدين والهم المشترك فيغلب أسلوب الإقصاء والتهميش والتحقير والإدانة: رجعي متخلف طوبوي ظلامي، بل عنيف عنصري متعطش للدماء وإرهابي.

وهذه سمة غالبة على كتاباتهم، كما سنرى في هذا المبحث.

بل كثير منهم كأركون والقمني مثلا يسحب هذه القائمة على كافة العلماء والفقهاء على مر التاريخ الإسلامي الطويل مع استثناءات بسيطة جدا كتيار المعتزلة والفلاسفة وخاصة ابن رشد، وبعض الصوفية كابن عربي. وحتى هذه الاستثناءات إنما هي خطة تكتيكية فقط لمواجهة تيار ابن تيمية والحنابلة عموما كما يقول هاشم صالح (1).

فكل العلماء والفقهاء والإسلاميين المعاصرين دوغمائيون متحجرون ظلاميون حسب أركون.

بينما نراه ينعى على غيره النبذ والإقصاء والاستبعاد، داعيا إلى التعايش واحترام حقوق الإنسان (2).


(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (124).
(2) نحو نقد العقل الإسلامي (45 - 46).

والأمر لا يعدو في نظري كونه استراتيجية تمويهية أمام الرأي العام، فثقافة الكراهية ورفض الآخر هي أكثر بروزا وتجليا في الخطاب العلماني كما سنوضح في هذا المبحث.

وكل العلمانيين يرون في نخبهم رمزا للحداثة والعقلانية والتحضر، وما عداهم يمثل الرجعية وظلاميون ومتخلفون ودوغمائيون.

يقول تركي علي الربيعو عن هذا التصنيف: هو خندق، أو لنقل مع هرسكوفيتز (خبير الإناسة المعروف): راية حرب ضد طرف آخر يوصف بالانغلاق والجمود، ويتم تناوله على أنه فُضْلة تاريخية جامدة (1).

فتحول العلماني من مفكر يقبل الآخر إلى مُدَّع عام. ولم يعد همه أن يحاور ويتواصل، بل همه أن يتهم، أو بالأحرى يتفنن في إصدار الاتهامات المجانية المبتذلة.

ولهذا دعا الباحث الفرنسي جيل كيبيل الباحثين في الحركات الإسلامية المعاصرة إلى خلع نظاراتهما السميكة وإحلال أخرى محلها تسمح برؤية ما لا يريدون رؤيته (2).

لا فرق بين العلماء الرسميين ولا بين معتدل ومتشدد.

لا يفرق العلمانيون في خطابهم بين الدين الرسمي والإسلاميين، فالكل في سلة واحدة.

الدين الرسمي ممثلا بوزارة الأوقاف وجهاز الفتوى والمجالس العلمية وغيرها من المؤسسات الدينية التابعة للدولة.

والإسلاميون بشتى أطيافهم، كلهم في نظر العلمانيين مؤسسات رجعية تغذي التطرف والظلامية.


(1) الحركات الإسلامية (114).
(2) الحركات الإسلامية (260).

ولكن بعض العلمانيين قد يركزون في المرحلة الراهنة على الإسلاميين أو ما يسمونه بالإسلام السياسي، نظرا لما يتميز به التيار الإسلامي من حركية وديناميكية ومجاهرة بمحاربة التيار العلماني.

وتركيز بعض العلمانيين على ما يسمونه التيار المتشدد ما هو إلا مرحلة تكتيكية فقط للإجهاز على كافة التيارات. فلا فرق لديهم بين تيار إسلامي معتدل وتيار متشدد.

وقد افتتح نصر أبو زيد كتابه نقد الخطاب الديني بالتأكيد على هذه الحقائق (13).

وصب جام غضبه على من يوصفون إعلاميا بالمعتدلين الرسميين أمثال محمد متولي شعراوي والأزهر، أو من هم خارج الدائرة الرسمية كالغزالي، وأكد أنه لا فرق بين الجميع إلا حول مجال تطبيق المبدأ لا حول المبدأ نفسه (19).

بل أكد على أنه من الظلم الفادح فضلا عن عدم الدقة العلمية التفريق بين التيار الإسلامي الممثل في الصحوة الإسلامية وبين الخطاب الرسمي (25) (1).

وكذا أكد هاشم صالح في الإسلام والانغلاق اللاهوتي (329) على أنه لا فرق بين الإسلام الرسمي والإسلام المتطرف، ولا بين المتشدد والمعتدل.

وصرح خليل عبد الكريم أنه لا يرى بين الإسلاميين معتدلين ومتشددين، بل جميعهم سواء حسب تعبيره (2).


(1) وأكد في دوائر الخوف (120) على تطابق خطاب الاعتدال والتطرف.
(2) الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية (160).

ومن أشد العلمانيين طيشا وتهورا وتفننا في كيل الشتائم المتنوعة لمخالفيهم سيد القمامة القمني.

فالقمامة التي خلفها المستشرقون والصهاينة يتغذى عليها القمني ويقتات بامتياز.

ولفرط عشقه للقمامة وشدة غرامه بها لا تقع عينه إلا عليها. فقد ملأ كتبه سبا وشتما وتحقيرا في علماء الأمة على مر الأعصار بدأ بالصحابة الكرام ومرورا بفقهاء الأمة وانتهاء بالمعاصرين. بل لا يرى في الإسلاميين المعاصرين إلا مجموعة من الفاسدين المفسدين الذين هم أحقر من كل حقير وأخبث من كل خبيث.

بل استطال على أحد أصدقائه الحقوقيين (1) لسبب واحد لأنه طالب بإفساح المجال لجماعة الإخوان المسلمين للمشاركة السياسية. لهذا السبب فقط، ليتضح لك مبلغ الكراهية والحقد التي بلغها الرجل.

وكتاباته كما قال هو عن غيره لا يمكن تصنيفها ضمن أبواب النقد المثمر أو الأغراض الإصلاحية بقدر ما كان لونا من السفه والبذاءات المتكررة الدائمة (2).

فكل علماء الإسلام من لدن الصحابة إلى هذه الأعصار هم في نظره سدنة وكهنة، بل القمني في هذا أعلى كعبا وأرسخ قدما وأغزر مادة من أصناف الحشاشين والحشاشات وسفلة الشوارع والعاهرات المتهتكات، بل أنصح جميع هؤلاء بالمداومة على مطالعة كتبه، وخاصة أهل الدين والديمقراطية وانتكاسة المسلمين، ليتعرفوا على مصطلحات هم في أمس الحاجة إليها، بل ربما لم تخطر لهم على بال. فمعين الرجل لا ينفد في هذا الباب.

ويتقارب أسلوب القمني مع فرج فودة في الإسفاف بالآخر وتحقيره واتهامه وإدانته، بل الكلام على مخالفيه كأنهم مجموعة من الحشرات الضارة، لابد من مبيد حشري بالغ السُّمية للقضاء عليها وإبادتها وإراحة البلاد والعباد منها.

وأغلب كتب الرجلين على هذا المنوال كقبل السقوط وحوار حول العلمانية ونكون أو لا نكون والحقيقة الغائبة لفرج فودة وأهل الدين والديمقراطية وانتكاسة المسلمين وشكرا ابن لادن للقمني.

فما عدا العلماني فهو شرير وحقير وظلامي ومستبد وسفاك للدماء وخطر يتهدد الأرض والسماء.

وقد أصيب بهذه اللوثة بعض المغاربة فكتبوا على صفحات الجرائد العلمانية من هذا العهر الفكري ألوانا، ونشروا من هذا الخنا الثقافي أفنانا.

ويغيب عن كتاباتهم وكتابات شيخهم فودة والقمني البحث العلمي الأكاديمي والمقاربة المنهجية، وغالبها تهريج واستهزاء وسخرية، والتقاط قمامات من التاريخ لترويج أن الإسلام لم يجئ إلا بالقتل والدم والهمجية والوحشية.

ثم بعد ذلك يطلب العلمانيون من الإسلاميين قبول الآخر والتعايش والحوار بالتي هي أحسن.

ولنذكر الآن أصنافا لهذه الدعارة الفكرية لدى التيار العلماني:

1 - الصحابة الكرام:

أغلب اتهامات العلمانيين وطعونهم في الصحابة لا تستند إلا لمجرد الهوى والحقد الدفين على الإسلام وأهله.

ويستند بعضهم في بعض طعونهم في الجيل الأول الذي رباه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أخبار مذكورة في كتب التواريخ والسير، أغلبها لا يصح.

وقد جرت عادة المؤرخين رواية كل ما سمعوه ووجدوه عند شيوخهم بغض النظر عن صحته، فإذا وقف عليها الناقد الخبير، لا الانتهازي المترصد، ميّز الصحيح منها من الض

فإن كان ممن يقتات على القمامة، فلن يسيل لعابه إلا على أكثرها تعفنا وأشدها حموضة.

فلا يكفي عند حكاية أية رواية من تاريخ الطبري وابن كثير وابن سعد ونحوها الاحتجاج بها دون النظر في سندها، وإلا صارت من الصحاح المتفق عليها. فالدراسة النقدية تلزم الباحث عند أخذ أيّ نص منها النظر في صحة سنده، ثم في صحة متنه وبعده عن تلفيقات الإخباريين وهوسهم التي مكانها المسامرات والنوادي لا البحث العلمي. نقول هذا للعقلاء كي يميزوا، أما من لا تطيب نفسه إلا بالقمامة، وكلما كانت رائحتها أشد كانت أحلى عنده، فلا ينفع معه كلام.

وإذا كانت كتب الحديث والفقه وعلوم القرآن ليس كل ما فيها صحيحا، بل فيها الصحيح والضعيف والساقط والواهي، فما بالك بكتب التواريخ والسير؟

لهذا وقطعا لطريق العلمانيين في هذا الباب رأيت أن أفرد مسألتين هامتين بالتأليف، حاول العلمانيون الولوج منها للتشكيك في قرآننا ونشر الأكاذيب عن صحابة نبينا - صلى الله عليه وسلم -.

الأول: نقد الأخبار الواردة في جمع المصحف وتدوينه. دراسة حديثية نقدية.

الثاني: نقد الأخبار الواردة في الخلافة الراشدة. دراسة حديثية نقدية.

ولحسن الحظ هذا علماني ينكر على إخوانه هذه الفعلة، قال محمد نور فرحات في البحث عن العقل (38 - 39): والذين يستشهدون من التاريخ الإسلامي بمشاهد الأخطاء أو العثرات لإدانة هذا التاريخ مخطؤون بطبيعة الحال، إذ ينطلقون من استشهاداتهم بتعميمات غير علمية وغير مقبولة.

 

 


(1) هو سعد الدين إبراهيم. أهل الدين والديمقراطية (254 - 260).
(2) شكرا ابن لادن (54).

ولنبدأ بسرد اتهامات سيد القمامة.

قال القمني عن الصحابة: هؤلاء القوم باعوا الدين مبكرين للسلطان، ولا تعلم كيف يصدقهم المسلمون اليوم ويتبعونهم في خيانة كارثية للإسلام ونبيه .. إلى آخر كوارثه (1).

وذكر أن الصحابة قاموا باستثمار انتهازي للدين من أجل مكاسب دنيوية بحت يوم السقيفة. وزاد: وكان أول المستثمرين هم صحابة النبي المقربون، وهم من فتح الباب لاستثمار دين الله لأهداف دنيوية بحت (2).

هكذا يقول القمني عمن قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} الفتح18.

وقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة100.

وقال: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحشر8.


(1) انتكاسته (210).
(2) انتكاسته (199).

وذكر القمني أن أول استثمار انتهازي للدين قام به أبو بكر الصديق لما استغل الموضوع فاحتج بحديث الخلافة في قريش، الذي احتفظ به سرا حتى حان أوانه فأفتى به (1).

ونزف للجهول أن الحديث لم ينفرد به أبو بكر، فقد ورد حديث الأئمة من قريش من حديث أبي برزة الأسلمي وأنس بن مالك وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وعتبة بن عبد ومعاوية وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وجابر بن سمرة وغيرهم. كما قد بينت ذلك بتفصيل في كتابي الجامع الصحيح لأحاديث العقيدة 3/ رقم: 1278 - فما بعد.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 42): وقد جمعت طرقه في جزء مفرد عن نحو من أربعين صحابيا.

وقال سيد القمامة عن كبار الصحابة: وكيف كانوا أول من خالف نصوصا واضحة قاطعة ثابتة لا متشابهة ولا منسوخة. بل خرجوا عليها وألغوا العمل بما لم يعد يناسب الزمان منها، حتى إن بعضهم خالفها لمصالحه الشخصية ومكاسبه الدنيوية علنا ودون مواربة. كذلك عطلوا أحكاما وألغوا فرائض وحرموا حلالا دون أن ينظروا قبل القرار في قواعد فقهائنا التي لم تكن قد اخترعت بعد ... ووصل الرأي بكبار الصحابة إلى تعطيل حدود ومخالفة نصوص قاطعة بل والعمل بعكسها دون عبرة بفقه الثبات وقواعده الدموية، فلم يلتزموا شروطا لما يفعلون سوى المصلحة بغض النظر عن قول النص في الأمر (2).


(1) نفس المرجع (199).
(2) شكرا ابن لادن (104 - 105).

وقال: أيضا لا تعرف أين تضع العهود التي نكثها الصحابة والرؤوس التي قطعوها وطافوا بها في البلاد (1).

وقال: إن أفعال الصحابة والتابعين لم تكن كلها لصالح البلاد والعباد فعملوا بالرأي والتأويل إنما لجأوا للرأي أو التأويل أيضا لأغراض شخصية ومنافع دنيوية أوقعوا بسببها المظالم الفادحة بصحابة آخرين، بل وبحق شعوب بكاملها (2).

وقال: فركبوا (أي: الصحابة) على موازين العدل الإلهي وغشوها لتعمل وفق رغباتهم ومصالحهم وأهوائهم (3).

ثم وصفهم بالصراعات الدموية والظلم (4).

وقال: وعلينا ألا ننسى أن الصحابة بشر كان فيهم الصالح والطالح، الصادق والكاذب، صادق الإيمان والمنافق، الأمين واللص النهاب، وكان فيهم سارق بيت المال وهو أمين عليه، ومنهم من تآمر على الآخرين، ومنهم من اغتالوا بعضهم وحاربوا بعضهم على أموال الدنيا وجاهها ووجاهتها، واكتنزوا الذهب والفضة وأثروا ثراء فاحشا بنهب أموال الناس (5).

وذكر أن الصحابة خالفوا في أحيان كثيرة النصوص القرآنية لمصالح شخصية ومكاسب دنيوية (6).


(1) شكرا ابن لادن (100)
(2) شكرا بن لادن (261).
(3) نفس المصدر (261).
(4) نفس المصدر (261).
(5) نفس المصدر 262).
(6) نفس المصدر (266).

وقال: بينما تصر الدول التي غزاها المسلمون الأوائل واحتلوها احتلالا استيطانيا وارتكبوا في حق أهلها من المظالم فوادحها. ومن التنكيل أفظعه، ونزحوا خيراتها إلى عاصمة الخلافة. وقضوا على لغاتها الأصلية التي وعاء حضارتها وماضيها كله، فانقطعت عن هذا الماضي الذي تم تكفيره واستبعاده بحسبانه تراثا وثنيا كافرا ليبدأ تاريخها مع تاريخ الاحتلال العربي المقدس لبلادها. وتمت أسلمة شعوبها، ولم يعط هذا الإسلام لمن أسلم درجة، بل ظلوا موالي في بلادهم للسادة العرب الفاتحين، أي: مواطنين درجة ثانية أو عاشرة في وطنهم، بينما أصبح المحتل الغازي هو المواطن السيد المتميز الأول (1).

وكل حرف من هذه الكلمات يشهد بافتراء القمني وكذبه، وليس هذا مجال شرح ذلك.

لأن مخازي هذا الحيوان لم يسمع بمثلها في الجنس البشري.

وصف سيد القمامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين زكاهم الله في القرآن بأنهم أصحاب حسابات المصالح والتحاسد والتباغض. وقال عما فعلوه يوم السقيفة لما بايعوا أبا بكر الصديق: فكلها كانت ابتعادا متواترا عن قرارات الإسلام ومسخا لمعنى الشورى وضحكا على ذقون المسلمين وتزييفا لوعيهم (2).

ولكرهه الشديد في الإسلام وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل مسلمي زماننا ممن هم على شاكلته على الصحابة الأوائل، وبيَّن وجه هذه الأفضلية بقوله: فمع كل الحضور القدسي (3) في مدينة النبي كان هناك اللصوص والكذابون والمنافقون والأفاقون والغدارون ومن كانوا يغتصبون الصحابيات (انظر ما ورد عن أسباط


(1) شكرا ابن لادن (166).
(2) شكرا ابن لادن (286).
(3) أي: الإلهي، أي: مع كون الله معهم.

بن نصر في السنن الصغرى للبيهقي) والزناة والذين كانوا يركبون نساء المجاهدين عند خروجهم للغزو (وهي المعروفة بمشكلة المغيبات، انظر السير الكبير للشيباني ج 1 ص 148 - 149) والسيوطي في جميع (1) الجوامع ج 3 ص 3103 و2114)، ومنهم من كان يتخابر لصالح المشركين (انظر تخابر حاطب بن أبي بلتعة: البخاري 74/ المغازي) وبعد زمن النبوة أثْرَوا ثراء فاحشا على حساب أرزاق أهالي البلاد المفتوحة وقتلوا بعضهم بعضا بوحشية صراعا على المال والسلطان. وإن آثام بعضنا اليوم بعد طول بعاد عن ذلك الزمن القدسي يجعلها لا تقارن بالمرة مع آثام ذلك الرعيل الأول (2).

يكفي الصحابة فخرا عدم وجود قمام مثلك فيهم. لأن القَمَّام من طبعه السطو والانتهازية واللؤم والغدر كما نشاهد ذلك في الضبع مثلا.

وأكد أن الصحابة كانوا يتحاربون على المال وعلى السيطرة على بيت المال (3). وأنهم كانوا سراقا لبيت مال المسلمين لما كانوا خزنته، ولما اكتشفهم عمر قاسمهم إياه، وذكر منهم: سعد بن أبي وقاص وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة والحارث بن كعب وعمرو بن العاص، وأنهم ضبطوا متلبسين واعترفوا عمليا بالجرم (4).


(1) كذا قال القمني. والصواب جمع.
(2) شكرا ابن لادن (157).
(3) انتكاسة المسلمين (361).
(4) انتكاسة المسلمين (362).

وقال عن كبار الصحابة الأقربين: ولو ذهبنا للزمن الخليفي حيث كبار الصحابة الأقربين بعد موت نبيهم لوجدناهم غير معتدين بالمرة بمبدأ الشورى كما لو كان غير مقرر بما نفهمه عنه فتولوا الخلافة بغير شورى بل بمصاحبة العنف عندما لزم الأمر (1).

وقال: وأفل مبدأ الشورى تماما مذ خالفه صحابة النبي الكبار عندما تعلق الأمر بكرسي الإمارة (2).

واتهم الأنصار بحسد بعضهم بعضا على تولي الإمارة، وزاد عن الأنصار والمهاجرين الذي حضروا السقيفة: ذهبوا إلى السقيفة يتبارون حول المنصب المأمول، تنابذوا فيها بعضهم مع بعض واستخدموا العنف الكلامي والجسدي ضد بعضهم البعض، وانشغلوا عن نبيهم يومين، وهم في أمرهم لاهون (3).

وقال عن الصحابة كذلك: إن الشأن كان شأن سياسة ودنيا وإمارة، فيها الصراع والنوازع البشرية، رغم أن كل طرف لبس رداء الإسلام ليمارس به سياسة الدنيا (4).

وقال عن حكاية إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة: وأن هذا الإجماع كان لصالح فئات دون فئات ومسلمين دون مسلمين ومصالح دون مصالح وما قصد به وجه الله مما أحاطه بكثير من الشكوك والارتياب (5).

ولم نر للقمني أدنى اهتمام بالحزب الوطني الحاكم وطاغيته مبارك ونظامه الفاسد، في حين كتب الكثير عن الخلافة الإسلامية في عهد الخلفاء الأربعة وطعن في عشرات الصحابة الأجلاء. وها قد أسقط الشعب ذاك الجلاد الكبير قبل يومين 11/ 02/2011، واليوم الذي أكتب هذا هو 13/ 02/2011، رجعت قنوات إسلامية عديدة منها الرحمة والناس.


(1) شكرا ابن لادن (121). وانظر (94) منه.
(2) شكرا ابن لادن (227).
(3) شكرا ابن لادن (211).
(4) شكرا ابن لادن (246).
(5) شكرا ابن لادن (261).

واتهم عبد المجيد الشرفي الصحابة بأنه نشأت فيهم طبقة من الأثرياء الجدد انحصرت في زعماء البيوتات القرشية التي أشرفت على حركة الفتح قيادة وتنظيما، وفي عدد من الأنصار وتفاقم كنز الذهب والفضة، ووقع تجميع لثراوت ضخمة تستفز الشعور الإسلامي وامتلاك أقلية للأراضي الشاسعة الخصبة التي تدر عليهم أموالا طائلة، وقد ظهر ذلك في تعالي مبانيهم وتأنقهم في اللباس وكثرة عبيدهم وجواريهم ووفرة مواشيهم من أمثال عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله بينما أغلب العرب والعجم فكانت تعيش ظروفا اقتصادية عسيرة (1).

وقال: وكان للعامل الاقتصادي دور لا يستهان به في الانحراف الذي لحق بتأويل الجيل الأول من المسلمين للرسالة وتجسيده إياها على أرض الواقع (2).

وذكر أن السلف أَوَّلوا الرسالة المحمدية بحسب مصالحه والصراعات الدنيوية الصرف التي كان منخرطا فيها انخراطا كليا (3).

وملأ خليل عبد الكريم كتابه «شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة» بالغمز واللمز والاتهامات الرخيصة في حق الصحابة الكرام رضوان الله عليهم -على رغم أنفه وأنف أمثاله-.

السفر الأول سماه «محمد والصحابة» أقتصر منه على قوله (183): مثل هؤلاء كانت تسيطر عليهم الغيبيات والماورائيات واللازمانيات والكائنات المستقرة في العوالم العليا، والتي هي بطبيعتها مفارقة للإنسان، والمخلوقات العجيبة المدهشة، مثل الجن والغول والعنقاء، وكانوا يؤمنون بالحسد والعين والنفث في العقد والرقى والتعاويذ والتمائم ... إلخ. ومن كانت تلك حالتهم العقلية والفكرية والثقافية والمعرفية ... تشيع بينهم الأساطير والتوهمات والتخيلات والقيم اللاعقلانية البعيدة عن المنطق أو ارتباط النتيجة بالسبب أو المعلول بالعلة وتتحكم في أفعالهم وإحجاماتهم الخشية الهائلة من المجهول المهيب والرهبة البالغة من غضب قوى لا تعرف كنهها، ولذا نراها تؤمن بالصدفة والحظ والبخت والنصيب. ولانتشار يقينهم في السحر كانوا يمارسون العمل والشبشبة والعكوسات (ج عكس) والنفث في العقد. وتقرأ في سيرهم أخبارا وحوادث مكدسة تؤكد إيمانهم المطلق بهذه الأمور واعتبارها حقائق مؤكدة لا يرقى إليها أي شك. ومثل ذلك المجتمع الساذج لا عجب أن يتشائم أفراده ويتفاءلون ويربطون كافة شؤون حياتهم بتلك المعتقدات. انتهى.

هذا هو مجتمع الصحابة في نظر مفتي الماركسية: مجتمع خرافات وسحر وشعوذة وكهانة!!!.

وفي السفر الثاني من كتابه المذكور الذي سماه "الصحابة والصحابة" حدثنا في مقدمته أنه كتبه بطريقة موضوعية وعلمية، أتدري ما هو بابه الأول؟ هو الصحابة والسب. خصصه لسجل الصحابة الكرام في سب بعضهم بعضا. والثاني الصحابة والقتل، أي: قتل بعضهم بعضا، والثالث الصحابة والمال، خصصه لبيان تهافت الصحابة على المال والغنائم والفيء وأنهم أثروا ثراءا فاحشا تحوم حوله شكوك، وأنما يشاع عنهم من الزهد والتقلل من الدنيا غير صحيح بما فيهم العشرة المبشرون بالجنة. والرابع الصحابة وتملك القطاعات.

وذكر أبوابا أخرى مثل الصحابة والنكاح، وفيه ما يشيب المؤمن لهوله من السخرية والاحتقار الدنيء لذلك المجتمع الفاضل الطاهر.

وفي السفر الثالث الذي سماه «الصحابة والمجتمع» تحدث عن أشياء كثيرة منها الصحابة والخمر.

هذا هو البحث الموضوعي لدى الشيوعي الأحمر!!.

وفي كتابه «مجتمع يثرب» صور مجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام مجتمع زنا واغتصاب ومفاخدة، مجتمع جنس لا أقل ولا أكثر.

وكأن مجتمع أحباره الشيوعيين مجتمع طهارة وتقوى!!!.

قال في الكتاب المذكور: «ولذلك لم يكن مفاجأة أن تحفل دواوين السنة وكتب السير والتواريخ وعلوم القرآن مثل أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وتفسير القرآن ... الخ بكم هائل من أخبار عن علاقات غير مشروعة مثل: الاغتصاب والزنا والدخول على المغيبات؛ وتجاوز الأوامر والنواهي الصريحة مثل الجماع في نهار رمضان وفي الإحرام في الحج وأثناء حيض الزوجة أو استحاضتها. وتلك التي لا تصل إلى حد اللامشروعية ولكنها تتنافى مع الحد الأدنى من الشعور الإنساني السوي مثل مجامعة جارية أو زوجة في ليلة وفاة زوجة أخرى، وفضح الزوجة لزوجها العنين على رؤوس الأشهاد حتى عرفت القرية (يثرب) كلها بالأمر وتصر على طلب الطلاق لأنها لا تطيق الصبر على المجامعة والمفاخذة ولا تضع في اعتبارها أن تظل معه ولو لمدة يسيرة عسى أن تكون عنته أمراً عارضا أو راجعة لعامل نفسي قد يزول بعد قليل!!!

واعتراف امرأة أو أكثر أنها رأت في الحلم زوجها ركبها وظل يدعكها حتى ارتوت وأنزلت فما الحكم: هل تعتبر تلك جنابة فتغتسل منه

وأخرى تصيح بأعلى صوتها حتى يسمعها من يسير في الطريق متمنياً أن تغيب في أحضان فتى جميل وبينهما قنينة خمر معتقة لتتضاعف لذتها وتزداد متعتها!

وثالثة يروق لها أجير زوجها فترتمي بين ذراعيه ولا تتركه إلا بعد أن يقضي لها وطرها فيكتشف زوجها ذلك فيشكوهما!

ورجل تأتيه امرأة تبتاع (تشتري) منه تمرا فيحضنها ويقبلها!

وآخر وفي المشاعر المقدسة ينتهز فرصة نوم امرأة فيعتليها غير عابئ بحرمة الزمان أو المكان.

وثالث يأتمنه صاحبه على أهل بيته عند سفره ليراعيهم ويقضي حوائجهم فما أن يبعد حتى يهجم الصاحب على الزوجة منتوياً اغتصابه!!!

ورابع يقابل امرأة كانت بغياً فتابت وأقلعت فيراودها عن نفسها!

وفتى حسن الوجه جميل الطلعة فتن نساء يثرب فأمر به الحاكم فحلق شعر رأسه فازداد بهاء فتضاعف وله اليثربيات به فنفاه.

وهكذا وهكذا عشرات الصور التي حملتها كتب تلقتها «أمة الإسلام» بالقبول والتجلة أي: لا مطعن عليها -تقطع بأن «مجتمع يثرب» لم يتغير لا في قليل ولا كثير وأن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة ذكر وأنثى وأنها كانت المحور الذي يدور حوله ذلك المجتمع وأن محمداً بذل جهوداً تفوق طاقة البشر ليتسامى ذلك المجتمع بها ولكن لرسوخ ذلك النسق الاجتماعي وتجذره وضربه حتى الأعماق فيه هذا من جانب -ولقصر المدة التي قضاها محمد بين جنباته من جانب- ظل ذلك المجتمع على حاله ولم يتغير إلا بنسبة ضئيلة».

وهذه عينات يسيرة من قمامته:

وقال: وهذا يؤيد فكرتنا التي قلنا بها من أن اتصال الذكر والأنثى كان لديهم من الشواغل الأثيرة حتى اللاتي لا يجدن ذلك متحققاً في واقع الحياة يرينه في الحلم.

وقال: ولم يقتصر الاحتلام على النسوان بل كان بعض الرجال يحتلم كان ذلك يحدث إذا اضطرته ظروف قاهرة للانفصال عن أنثاه مما يقطع بأن الاتصال بين الجنسين كان طقساً يمارسونه يوميا فإذا لم يتيسر لهم في اليقظة أي: في الواقع رأوه في المنام على سبيل التعويض. ولم تكن كل النساء اليثربيات يكتفين بالمفاخذة التعويضية التي تحدث في الأحلام بل كان بعضهن يمتلك حساً واقعياً لم يرض بما يراه أو حتى يحسه في الرؤية فكان يبحث عن الزواج أو النكاح بحثاً دؤوباً وفي عجلة ولهفة وينق عن الشاب الجلد الذي يروي الظمأ ويعطي المتعة ويعرض عن الشيخ الكبير حتى لو كان ذا مال.

وقال: ووقوع اختيار المرأتين على الشابين مؤشر واضح على قوة التماس بين الذكر والأنثى لديهن وهيمنته على وجدانهن وأنه الهاجس الوحيد الذي يتمركز في بؤرة الشعور.

وقال: وهو دليل دامغ على أن مسألة الملامسة بين الجنسين في «مجتمع يثرب» مسألة هامة وملحة لدى اليثاربة رجالا ونسوة.

وقال: وفي أحيان أخرى كانت المرأة في ذلك المجتمع لا تكتفي بقدرة الرجل على الركوب والمباطنة وكفايته في المجامعة والمفاخذة؛ بل كانت تشترط فيه أن يكون مليحاً وضيئاً حتى تكتمل لها المتعة أثناء الاعتلاء والامتطاء. كانت نزعة معافسة النساء لدى رجال «المجتمع اليثربي» من القوة بحيث دفعتهم إلى تحطيم الحواجز التي أقامتها النصوص المقدسة صراحة وبلا موارية مثل: من يظاهر من امرأته ثم يعتليها قبل التكفير، وآخر يركب زوجته وهي حائض أو مستحاضة، وثالث يطؤها في نهار رمضان، ورابع ينكح امرأة أبيه أو يعاشرها دون عقدة نكاح وبتعبير الخبر «يدخل عليها»، والمملوك الذي يشرع في مفاخذة جارية سيده بادئاً - كالعادة بتقبيلها وقد يحدث العكس: المرأة تسعى إلى أجير زوجها ليشبعها ويروي لها ظمأها لعجز زوجها عن ذلك .. الخ.

كل هؤلاء ذكوراً وإناثاً يعلمون علم اليقين أن الفعل الذي قارفوه حرمته عليهم الشريعة التي بلغها محمد نزعة التلاقي بالآخر تغلبهم وتقهرهم وتملك عليهم نفوسهم وعقولهم ووجدانهم وتعطل ملكة التفكير السديد عليهم فلا يرون في «النصوص المقدسة» إلا قيوداً تحول دون انطلاقهم.

وقال: ومما يؤكد أن دافع الالتقاء بالأنثى كان متقداً عند ابن الخطاب.

وقال: ولكن أصحاب النوازع المتوهجة في الالتقاء بالجنس الأخر مثل ابن الخطاب لم يعبأوا بهذا التحريم وتجاوزوه.

وقال: ونظراً لأن التقاء الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر طقس يومي من الطقوس الاجتماعية المعتادة في مجتمع يثرب فقد اضطر محمد دفعاً للحرج عن أصحابه أن يبيح لهم أن يسيروا في المسجد وهم جنب.

وقال: إن مفاخذة النسوان كانت لديهم هاجساً ملحاً يشغل عليهم حواسهم حتى في أحرج الأوقات؟

وقال: وهذه أمثلة فحسب تقطع بأن الزنا كان منتشراً في المجتمع اليثربي ولم تفلت منه الشابات حديثات السن، المخدرات في البيوت.

وقال: الأمر الذي يدل على انتشار تلك الظاهرة في عوالي المجتمع اليثربي وأسافله ويفسر لنا لماذا كانت الشابة حديثة السن تفعل ذلك لأنها كانت ترى بعينها أمها وزوجات أبيها وعماتها وخالاتها يفعلن ذلك ...

وغمز وهمز في كتابه «النص المؤَسِّس ومجتمَعُه» في النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي زوجاته وصحابته الكرام. مما لا يتسع المجال لذكره.

وخصص تركي علي الربيعو كتابا كاملا لبيان أن العنف والمقدس والجنس مترابطون في الإسلام، وأن الجنس أمانة الله في الأرض (4)، وأن السياق الذي يحكم النص القرآني جِنْسَانية ترتبط بالسلطة والمعرفة وتنفتح على عنف خالص سماه العنف المقدس (5).

 


(1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (113).
(2) نفس المرجع (111).
(3) نفس المرجع (126).

(4) العنف والمقدس والجنس (116).
(5) العنف والمقدس والجنس (116).

 

  • الخميس PM 10:44
    2022-08-04
  • 999
Powered by: GateGold