المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413380
يتصفح الموقع حاليا : 229

البحث

البحث

عرض المادة

العلماني صنيعة الغرب

[وشهد شاهد من أهلها]

هذا الفصل ليس من صلب الكتاب ولا من موضوعه، وإنما ألحقته به استطرادا، ولم يكن في تصوري وتقديري عندما بدأت جمع مادة هذا الكتاب أن أجمع هذا البحث، لكن ومع تتابع المطالعة بدأت ألاحظ أنه «فَسَا ظربان» بين العلمانيين، حتى تواتر نقد العلماني لرفيق دربه نقدا شبيها بما يكيله العلمانيون لمخالفيهم الإسلاميين.

فرأيت من باب العبرة من جهة، ومن باب الطرافة من جهة أخرى أن أجمع بعض تلك المواقف والتصريحات أو ما يمكن أن أسميه نقد العلماني للعلماني.

مما يجلي بوضوح اضطراب المفاهيم العلمانية وتناقضها وتعارضها حتى بين حملتها ودعاتها، فهذا يثبت شيئا على أنه محض العقلانية والتنوير، وذاك يبطله بل لا يرى فيه إلا العقلانية والظلامية والتحجر.

ولاحظت من خلال هذه النقول التي سنأتي عليها تمثيلا ناصعا لقوله تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} الحشر14.

العلماني صنيعة الغرب.

قال العلماني علي حرب عن إخوانه العلمانيين: المثقف العربي هو صنيعة الغرب بمعنى من المعاني (1).

وقال: هكذا فإن المثفق العربي الحداثي يقع في المطب، أعني أنه يلعب اللعبة التي يفرضها عليه الغرب (2).

وقال: ولذا فهو (أي: المثقف العربي الحداثي العلماني) إذ يجابه الغرب مدافعا عن هويته فإنه يتحدث غالبا بلغة الغرب، ويستعير وجهه أو يضرب بيده، أعني يستخدم أدواته، ولكنه لا يفيد في النهاية من هذا الغرب ما يبني به قوته ويفرض حقيقته ويصنع عالميته، وإنما يأخذ منه ما يعيد به إنتاج عزلته وهشاشته وضيق أفقه (3).

وقال تركي علي الربيعو: ثمة شكوى عند أغلب المثقفين العرب، من أن الغرب هو الحاضر الغائب في خطاباتهم، فقد أصبح الغرب نموذجا للقياس وليس للاستئناس كما يرى الجابري. وقد انتبه غليون إلى ذلك في بحثه عن مأزق الدولة العلمانية التي تقيس على الغرب في سعيها إلى علمنة الدولة والمجتمع، والتي تهمل دور الدين في بناء الدولة والجماعة. وهذا ما فعله على أكمل وجه الدين الإسلامي. وهذا ما حذر منه هشام جعيط كما مر معنا (4).


(1) الممنوع والممتنع (213).
(2) الممنوع والممتنع (214).
(3) الممنوع والممتنع (214).
(4) الحركات الإسلامية (204).

فقدت العلمانية مصداقيتها حسب العلماني علي حرب.

قال علي حرب: إن مقولات التنوير والتقدم والتحديث والعلمانية لم تؤت ثمارها، بل هي فقدت مصداقيتها وغدت مجرد أسماء يتعلق بها الدعاة المحدثون كما يتعلق المؤمن باسم ربه (1).

وشاهد شاهد من أهلها.

وزاد: خاصة وأن هذا الخطاب فقد مصداقيته بعد أن أمست المقولات التي يطرحها مجرد أسماء بلا مسمى، بل شعارات خادعة ترجمت إلى مضاداتها: فالوحدة تترجم فرقة، والعلمانية أصولية، والعقلانية خرافة، والعلم جهالة، أليست هذه محصلة الأدلوجة التقدمية التحديثية على ما ترجمت في المجتمعات العربية؟ (2).

وذكر أن فشل مفاهيم مثل العقلنة والتقدم والحرية والعلمنة والديمقراطية ليست لخطأ في الواقع والتطبيق، بل لمشكلة في الفكر نفسه (3).

وقال عن المعارضة العقلانية: إنها فقدت فاعليتها وأصبحت هي التي تحتاج إلى النقد والفحص. بل زاد في اعتراف قل نظيره وعز مثيله: فأية عقلانية نقصد؟ عقلانية ديكارت أم كنط؟ عقلانية ماركس أم نيتشه؟ سارتر أم فوكو؟ إن العقلانيات ليست واحدة، بل هي تختلف وتتنوع، فمنها التقليدي ومنها الحديث، منها ما يتصف بالضيق والتبسيط والإحكام، ومنها ما يتصف بالبناء والتركيب والانفتاح (4).


(1) نقد النص (218).
(2) نقد النص (219).
(3) أوهام النخبة (165).
(4) الممنوع والممتنع (167).

وقال علي حرب: ولا مبالغة في القول بأن المثقفين العرب دعاة الحرية والثورة والوحدة والتقدم والاشتراكية والعلمانية كانوا قليلي الجدوى في مجريات الأحداث والأفكار، فتاريخ تعاملهم مع قضاياهم ومع الواقع يشهد على فشلهم وهامشيتهم ... إنهم مارسوا أدوارهم التحريرية أو التنويرية بعقلية سحرية وبآليات طقوسية (1).

ثم ذكر أنهم غارقون في سباتهم الإيديولوجي، وأنهم يسعون لمطابقة الواقع لمقولاتهم المتحجرة، أو لقولبة المجتمع حسب أطرهم الضيقة أو تصنيفاتهم الجاهزة. وقال: بهذا المعنى مارس المثقفون ديكتاتوريتهم الفكرية أو عنفهم الرمزي باسم الحقيقة أو الحرية أو تحت شعار الديمقراطية. ثم ذكر أنهم تحولوا شرطة للأفكار (2).

وقال: بهذا المعنى أمسى المثقف هو نفسه جزءا من مشكلة المجتمع بدغمائيته العقائدية أو بطوباويته المستقبلية بالمشكلات الوهمية التي يثيرها أو بالوعي الزائف للموضوعات التي يعالجها (3).

وزاد: إن علاقة المثقف بالواقع حيث جُربت أفكاره كانت علاقة سلبية عقيمة، بل مدمرة في معظم الأحيان (4).


(1) أوهام النخبة (42).
(2) أوهام النخبة (43).
(3) أوهام النخبة (47 - 48).
(4) أوهام النخبة (48).

فحقيقة المثقف عنده أنه نخبوي مركزي اصطفائي، وهو مثالي طوباوي أو أكاديمي مدرسي أو حزبي فئوي (1).

وذكر أن المثقفين (أي العلمانيين) شكلوا نخبا تدعي القبض على الحقيقة أو المعرفة بأسرار التغيير أو امتلاك مفاتيح النجاة والخلاص مآله اتخاذ الجماهير كاحتياطي بشري للتعبئة والتجيش والتنظيم، أو كحقل اختبار للمشاريع العقائدية والأحلام الثورية أي: اتخاذها آلة لتحقيق استراتيجية النخبة للاستيلاء على الدولة والمجتمع (2).

دفاع العلمانيين عن أنظمة دكتاتورية.

قال علي حرب: إن أكثر المثقفين العرب (3) قام نضالهم بوجه من وجوهه على الدفاع عن أنظمة ودول كان هاجسها نفي أو تصفية أمثالهم أو زملائهم.

ولهذا لا أفتئت على الحقيقة عندما أقول: إن المثقف العربي أعني به المثقف التقدمي الطليعي كان -وربما لا يزال- يرى بعين واحدة، وأما المثقف اللبناني وأعني به بالطبع من انخرط في مشاريع التغيير والتحرير فقد كان أعمى لأنه كان يطالب بالحرية حيث ينعم بها، ويؤكد وجودها حيث تنعدم (4).

فالعلماني حسب علي حرب: إما أعمى وإما أعور، والحق ما شهدت به الأعداء.


(1) أوهام النخبة (51).
(2) أوهام النخبة (52).
(3) يعني العلمانيين.
(4) الممنوع والممتنع (168).

 

  • الخميس PM 10:24
    2022-08-04
  • 912
Powered by: GateGold