المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 436064
يتصفح الموقع حاليا : 264

البحث

البحث

عرض المادة

العلمانيون العرب والغرب - الغزل المتبادل

لما كانت العلمانية نبتا ونتاجا غربيا فقد حرص الغرب على الدفع بمشروعه نحو المنطقة الإسلامية بغية مزيد من السيطرة والتحكم فيها. ومع خروج جيوشه الاستعمارية عنها أبقى نخبا مغربة يرعاها برعايته ويكفلها بدعمه ويشملها بعطائه (1).

وفي المقابل تسابقت النخب في إظهار أصناف الطاعة والولاء للمشروع الغربي، تارة بالإشادة بالمشروع العلماني، وتارة بتوجيه ضربات موجعة للمشروع الإسلامي، استكمالا لما بدأه السادة، وتنفيذا للمخططات الغربية.

وتنافس العلمانيون في هذا تنافسا محتدما محموما. فهذا سلامة موسى مثلا وهو من أنصع النماذج العلمانية العربية للعمالة التامة للغرب ولمشروعه. «فالرجل كان باحثا ليس بالباطل فقط، ولكن بكل أنواع الباطل عن مبررات التفرنج والإلحاق بثقافة الغرب وحضارته» (2).


(1) ولا يخرج بعضها من العمالة والتبعية كونها قاومت الاستعمار أو نقدت بعض أطروحاته، لكن المراد التبعية للمشروع الغربي بغض النظر عن نقد بعضه أو معارضة وجود الغرب الفعلي والمباشر، وإلا فما الفرق بين الاستعمار المباشر، والاستعمار الثقافي والفكري والاقتصادي؟. أو لنقل بعبارة شاملة الاستعمار الحضاري. ولابد من الاستقلال الحضاري الشامل بدل الاستقلال السياسي والتبعية الفكرية والاقتصادية.
(2) الإسلام بين التنوير والتزوير.

وهو يمثل نموذجا للعلمانية المتطرفة بل الملحدة، التي لا تؤمن بأي دين وأي حضارة إسلامية، وتلعن كل ما يمت إلى الإسلام والشرق بكافة اللغات.

قال سلامة موسى في كتابه اليوم والغد (ص 5 - 7): ولست أجهل أن آسيا (1) قد حكمت مصر نحو ألف عام، وبسطت عليها حضارتها وثقافتها، بل ودست دمها في دماء أبنائها، ولكننا نحمد الأقدار [!!] أننا ما زلنا في السِّحنة والنزعة أوربيين، إذ نحن أقرب في هيئة الوجه ونزعة الفكر إلى الإنجليزي أو الإيطالي، وكذلك الحال في سوريا وشمال إفريقيا العربي، فإن سكان هذه الأقطار أوربيون سحنة ونزعة، فلماذا إذن لا نصطنع جميعا الثقافة والحضارة الأوروبيتين، ونخلع عنا ما تقمصناه من ثياب آسيا؟!.

هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي، سرا وجهرة، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب، وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ تلك النزعات التي اتسمت بها أوروبا في العصر الحديث، وأن أجعل قرائي يولون وجوههم نحو الغرب، ويتنصلون من الشرق (2) ... وأشاد بالإنجليز المستعمرين لمصر «كأرقى أمة في العالم .. جسما .. وعقلا .. وخلقا .. ».

وقال: ليس هناك حد يجب أن نقف عنده في اقتباسنا من الحضارة الأوربية (3).


(1) يقصد الخلافة الإسلامية التي جاءت من الحجاز.
(2) الإسلام بين التنوير والتزوير (116 - 117).
(3) سلامة موسى والمدنية الأوربية. الوحدة بيروت السنة 1، العدد 5 أيلول 1980. نقلا عن الخطاب العربي المعاصر لفادي إسماعيل (65).

ذلك هو مذهب سلامة موسى، كما أكد عمارة: «مواجهة الإسلام وحضارته .. واحتقار كل ماله صلة بالعروبة والإسلام .. ودعوة لطي صفحة تاريخنا الحضاري العربي الإسلامي والتنصل من كل آثارها .. والاندماج في الحضارة الغربية وثقافتها باعتبارنا أوروبيين سحنة ونزعة، أي: في الخَلْق والخُلُق والفكر والثقافة جميعا» (1).

والعجيب أن سلامة موسى يكتب هذا وبلاده مصر تحت الاحتلال الإنجليزي.!!

«ولذلك كانت دعوة سلامة موسى إلى دمج الأجانب في المصريين. . وليس إلى تحرير مصر منهم. وإلى إزالة مخاوفهم بفصل الدين عن الدولة، وإلغاء التعليم الديني من المدارس. . والدين هنا هو الإسلام وحده، وإلا فالمدارس الأجنبية كلها مدارس إرساليات تبشيرية» (2).

وهذا طه حسين نموذج من نماذج الولاء للمركزية الغربية العنصرية، بل وإعلان التسليم والاستسلام لإدارة الغرب والإلحاق الحضاري بالنموذج الغربي في الإدارة والحكم والتشريع.

 


(1) الإسلام بين التنوير والتزوير (117).
(2) نفس المرجع (122).

لنقرأ ما قاله عميد الأدب العربي زورا في مستقبل الثقافة في مصر (1/ 36 - 37): التزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم، ونسير سيرتها في الإدارة، ونسلك طريقها في التشريع، التزمنا هذا كله أمام أوروبا، وهل كان إمضاء معاهدة الاستقلال [عام 1936] ومعاهدة إلغاء الامتيازات [عام 1938] إلا التزاما صريحا قاطعا أمام العالم المتحضر بأننا سنسير سيرة الأوربيين في الحكم والإدارة والتشريع (1).

وهذا سيد القمني، يبدي عبودية مطلقة خانعة ساكنة للغرب وقيمه، ويسب المسلمين وتاريخهم وعلماءهم وفقههم، وأنهم لم يورثوا إلا السبي والإماء والنهب والسلب، وكل كتبه بعد محاكمته طافحة بهذا كـ «أهل الدين والديمقراطية» و «شكرا ابن لادن» و «انتكاسة المسلمين إلى الوثنية».

فالقيم عنده هي قيم الغرب والحقوق هي التي جاء بها الغرب، وأما تاريخنا فأسود قاتم يزكم الأنوف، لا نقطة بيضاء فيه واحدة، وأنا أتحدى من يطلعنا على صفحة واحدة أثنى فيها القمني على خلق إسلامي واحد.

فالرجل مريض بعقدة الغرب إلى حد لم أر له مثيلا في الهوس بالغرب والتحقير للمسلمين وتاريخهم.

وكتابه انتكاسة المسلمين مليء جدا جدا بسب المسلمين والتنقيص منهم لحديثهم عن السبي والإماء والعبيد، وأنه لا توجد في الإسلام قيم ولا أخلاق، وإنما هي أخلاق بدائية صحراوية، أما الغرب فجاءنا بحقوق الإنسان والمساواة والعدل.

ولم يحدثنا القمني عن حقوق المثليين (اللوطيين) الذي كَفَلَه غَرْبُه وعلمانيته وحقوق إنسانه، هل يوافق القمني أن يكون أحد المثليين؟، ما دامت قيم غربه صنما معبودا من دون الله. ومادام يزهو بعلمانيته ويترفع كما عبر في بعض كتبه. وقال في شكرا ابن لادن (148) عن نفسه: يعلن بالفم المليان وكله شرف أنه علماني حتى النخاع.


(1) انظر الشريعة الإسلامية (44) والإسلام بين التنوير والتزوير (239).

وما رأي القمني إذا تحولت أحد بناته لعاهرة، فعلمانية غربه وحقوق إنسانه تكفل لها حقوقها الكاملة، ولها أن تصطحب عشيقها إلى الغرفة التي هيأها لها القمني. بل ولها أن تُعِين القمني مِنْ دَخْلِها الميمون في طبع كتبه لإشاعة هذه الثقافة. فهو حسب تعبيره علماني حتى النخاع!!!

وساند الاستعمار مفكرون غربيون كثيرون (1).

وقال القمني: وإن الاستعمار عندما جاء إلينا كان نعمة فتحت عيوننا على فارق تخلفنا المزري من تقدمه الهائل (2).

فالاستعمار نعمة عند القمني!!؟؟.

ولهذا حظي العلمانيون بتقدير بالغ من قبل أعداء الأمة في الشرق والغرب، واعتبروا ما قدموه من أفكار وأطروحات تمثل مدا تنويريا مناهضا للإسلام التقليدي.


(1) الغزو الفكري وهم أم حقيقة (114).
(2) شكرا ابن لادن (131).

ولنكتف هنا بعلماني كرس حياته لمحاربة المد الإسلامي، ألا وهو المستشار العشماوي حيث قال عنه السفير الصهيوني بالقاهرة بين عامي 1981 - 1988موشيه ساسون لأحد شباب الصحوة الإسلامية: وجدت نفسي أوصيه بقراءة الكثير مما تم نشره مثل مقال القاضي عشماوي رئيس محكمة أمن الدولة المصرية، وهو رجل ضليع في شؤون الإسلام، حيث تساعد القراءة على إيضاح مفاهيم معينة في الإسلام، من روح الاعتدال والتسامح والسلام والجيرة الطيبة -[مع إسرائيل]- ونبذ الإرهاب والدمار والحرب (1).

لقد رأى الغرب في التيار العلماني خطه الهجومي الأول وطلائع غزوه ومعاول هدمه من داخل الجسم الإسلامي للإجهاز على ما تبقى من الحضارة الإسلامية.

وكل جهود العلمانيين رغم تلفيفها بحرير ناعم من العقلانية والديمقراطية والتنوير، فهي مبطنة بعمالة حضارية وانبطاح تام للفكر الغربي.

ويحاول أغلب العلمانيين التستر على عمالتهم وتغربهم تارة بالادعاء أن مفاهيم العلمانية مفاهيم إنسانية، أو أنها تراث عالمي، أو أنها نتيجة تطور طبيعي حتمي، أو أنهم امتداد لنزعات عقلانية قديمة كالمعتزلة والفلسفة.

وأطروحات العلمانيين لا تعدو أن تكون نسخا كربونية لأبحاث المستشرقين والفلاسفة الغربيين. وليست اجتهادا مبتكرا، «إذ الاجتهاد فيما نعلم هو استنباط حكم أو رأي جديد، أما ترديد آراء السابقين أو شرحها وتفسيرها، فهو من قبيل الانتحال أو التقليد على أحسن الظروف، والاجتهاد من علامات الصحة ومن إفرازات الازدهار العقلي. أما التقليد فهو عند أهل العلم والنظر من علامات المرض ومن مؤشرات عصور التدهور والانحطاط» (2).


(1) سبع سنوات في بلاد المصريين (ص 85) نقلا عن سقوط الغلو العلماني (10).
(2) المفترون (170 - 171).

وأدنى تأمل في أي بحث لعلماني عربي يظهر أنه لا يعدو أن يكون نسخا لبحوث إخوانهم الغربيين، وخاصة البحوث المتعلقة بالقرآن والسنة وعلوم الشريعة والتاريخ الإسلامي.

ولما كان التيار الإسلامي يمثل صف ممانعة ضد الغزو الغربي وتجسدت فيه المقاومة الإسلامية للتيار المادي الجارف، أخذت الميلشيات العلمانية على عاتقها التصدي لهذا التيار، بل تخصص بعضهم في هذا كالمستشار العشماوي الذي نال إعجاب السفير الصهيوني كما تقدم.

وكل العلمانيين مع العشماوي في نفس الطرح، ولا ريب أن الصهاينة جميعا راضون عن الأداء العلماني عموما، لأنه لا يوجد شيء يقلق راحتهم مثل التيار الإسلامي باعترافهم وباعتراف الغرب كله.

ولأن المشروع العلماني خادم للصهيونية في الوطن العربي، وأقصى ما يتمناه الصهاينة هو الطعن في الإسلام وأحكامه وأصوله وشرائعه ورموزه وأعلامه. وهذا ما قام به التيار العلماني العربي بامتياز، كما سنكشف أدلته القاطعة وبراهينه الساطعة التي لا تدع مجالا للشك أو الريبة في كتابي الثاني: «الإسلام في نظر العلمانيين».

بل تتجلى المغازلة بين التيار العلماني والصهيونية بوضوح تام في عدة مؤشرات منها: اعتراف كثير من العلمانيين الماركسيين العرب بإسرائيل (1).

وصرح العلماني اللبناني علي حرب في نقد النص (284) أنه لا يرى مانعا من التواصل مع الصهاينة وقبول جوائزهم.


(1) تهافت العلمانية (139).

هكذا يقول صاحب مشروع النقد ونقد النقد والقراءة التفكيكية. مع أنه في حاجة إلى من ينقذه من هذا النقد.

وهذا دكتور الأساطير سيد القمني يقول في انتكاسة المسلمين إلى الوثنية (338): إني لا أجد أي مانع في التعامل مع المثقفين الإسرائيليين أو حتى رسميين إسرائيليين.

وصب جام غضبه على مقاومة حماس للصهاينة فقال - فض فوه-: ولذلك تفتعل حماس كل هذه الحرائق (1) وتضحي بأبناء غزة في حروب بلا معنى ولا هدف سوى إجبار العالم على الاعتراف بسيادتها على الدولة .... إلخ كلامه (2).

وكان أركون يحضر مؤتمرات الصهيونية كما ذكر في كتابه نحو نقد العقل الإسلامي (297 - 298) أنه حضر لمؤتمرين للفرع الفرنسي للمؤتمر اليهودي العالمي عامي (1977 - 1978) وذكر أنه تكلم فيها عن اليهود بطريقة إيجابية جدا. كذا قال: ولا ندري ماذا قال لهم؟.

ومحمد سعيد العشماوي الذي أثنى على كتبه السفير الصهيوني كما تقدم، نشرت له مجلة شؤون الشرق الأوسط، وهي مجلة يهودية أمريكية معروفة بانحيازها لإسرائيل، نشرت له كتاب الإسلام السياسي في صيغته الإنجليزية (3).


(1) أصبحت مقاومة المحتل افتعال حرائق!!
(2) انتكاسة المسلمين (285).
(3) المفترون (143).
وانظر دور اليهود في تغذية العلمانية: المسلمون بين العلمانية وحقوق الإنسان الوضعية (38).

إن ضرب التيار الإسلامي أعظم خدمة يقدمها العلمانيون للصهيونية خصوصا وللمشروع الغربي عموما. وخصوصا بعد سقوط الشيوعية حيث أصبح الغرب يرى المواجهة القادمة والخطر الداهم هو الإسلام (1).

وهذا الرئيس الأمريكي السابق نيكسون يصرح في كتابه الفرصة السانحة بوجوب دعم التيار العلماني ضد الأصولية الإسلامية (2).

وهذا محمد أركون نفسه يصرح بما يلي: ومن جهة أخرى نلاحظ أنه بعد أن ركز جهوده على النضال ضد المعسكر الشيوعي ودحره، فإن الغرب جعل من استئصال الإرهاب الأصولي الإسلاموي (3) أولويته الأولى الجديدة (4).


(1) انظر الإسلام بين التنوير والتزوير (175 - 176).
(2) الإسلام بين التنوير والتزوير (177). وانظر نفس المصدر (174 فما بعد) في الدعم الغربي للعلمانية في العالم الإسلامي.
(3) ممن يكثر من هذا المصطلح جهول اسمه محمد بوبكري، يقول: الجهاد الإسلاموي والعنف الإسلاموي. ولفرط جهله وترديده لما قاله غيره يظن أن زيادة الواو هنا ذات فائدة قدحية ما، هذا بغض النظر عن مناقضتها لأصول العربية.
نعم للواو فائدة في وصفنا له بالجهول، فهي تفيد أنه كثير الجهل، فهو أكثر من جاهل. فهنا للواو فائدة.
ممن له ولع شديد بهذه الواو: طيب تيزيني فعوض السلفية: السلفوية، والسلفي: السلفوي، والأصولية: الأصولوية. انظر مثلا مقدمات أولية (34).
(4) نحو نقد العقل الإسلامي (55).

وكتبت ما رجريت تاتشر رئيسة وزراء انجلترا السابقة عن تحدي الإرهاب الإسلامي الفريد الذي لا يقف عند أسامة بن لادن، بل يشمل حتى الذين أدانوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر. . على أمريكا، والذين انتقدوا بشدة أسامة بن لادن وطالبان، لكنهم يرفضون القيم الغربية وتتعارض مصالحهم مع مصالح الغرب، وتصفهم بأنهم أعداء أمريكا وأعداؤها وتشبههم بالشيوعية، وتدعو الغرب إلى معاملتهم كما عامل الشيوعية (1).

وكثيرا ما تتستر العلمانية الغربية في صورة دعم البحث العلمي لتحريك عملائها في داخل المنطقة لإنجاز بحوث تحت الطلب.

ولا بأس أن أشير هنا إلى علماني سوداني اسمه عبد الله أحمد النعيم الذي أصدر مؤخرا كتابا ضخما حول العلمانية، سماه: الإسلام وعلمانية الدولة، أعانه فيه فريق من 23 فردا من دول العالم المختلفة، وتبنته مؤسسة فورد الأمريكية، ودعمه مركز دراسة القانون والدين بكلية القانون بجامعة إموري الأمريكية.

ومع هذا فكتابه مليء بالأخطاء العلمية، طافح بالمغالطات الفجة، فتأمل مثلا قوله: والحقيقة هي أن مسألة الدولة الإسلامية ما هي إلا خطاب مستحدث مع الحكم الاستعماري الأوروبي للبلاد الإسلامية، لأنها قائمة على نموذج أوروبي للدولة (34). مع أن هذه هي صفة العلمانية، بدلالة حجج التاريخ الدامغة وبإقرار عدد من إخوانه العلمانيين الغربيين والعرب، ولما جاء الاستعمار ألغى حكم الشريعة التي كانت تحكم بها الدول الإسلامية وفرض العلمانية. هذا منطق التاريخ. ولكن هكذا أرادت مؤسسة فورد.

ثم اقرأ معي هذه المغالطة المكشوفة الأخرى وفي نفس الصفحة (34): فإن السبب الآخر للحرص على حياد الدولة تجاه الدين هو أن ذلك شرط ضروري لإذعان المسلمين لأحكام الشريعة الإسلامية، وتطبيقها كالتزام ديني، وليس خضوعا لإرادة الدولة، فالتزام أحكام الشريعة يجب أن يقوم على النية الخالصة، وهذا لا يستقيم مع الإرغام الجبري للأفراد من جانب الدولة ...


(1) الغرب والإسلام (85) نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط في 26/ 4/ 2002.

بهذه السذاجة في التفكير والضحالة في التنظير يكتب، ولا أظنني بحاجة إلى التعليق على هذا الهراء الفارغ الذي مولته مؤسسة فورد، ودعمه مركز عمل فيه 23 فردا فيهم مجموعة من المراجعين.

إن التخبط الذي يعيشه التيار العلماني يجعله يبحث عن أي شيء ولو كان تافها جدا، المهم لا للإسلام.

والكتاب كله مليء بالمغالطات والمهاترات بل هو نسخة كربونية لآراء المستشرقين مع تعديلات إسلامية إن صح التعبير، وهوامش الكتاب خير دليل على ذلك. فكل مراجعه أجنبية أو على أقل تقدير 99% منها أجنبية، إلا الفصل السابع، والسبب فيه أنه حرره له مجموعة من السودانيين، فالرجل محرَّك لا مبدع، ومسيَّر لا ناقد، والسلام.

ولهذا فيستحيل أن يقال إن البحث العلمي بمنأى عن التوجيه والتأثير، بل حتى في الغرب لا يتمتع البحث العلمي باستقلالية كافية عن السلطات السياسية، كما يقول محمد أركون نفسه (1).

وكان البحث العلمي للمستشرقين في الفترة ما قبل الاستعمار وبعده بقليل منصب على فهم الأوضاع والعقليات السائدة والذهنيات المسيطرة لتسهل السيطرة عليها.


(1) تاريخية الفكر العربي والإسلامي (204).

وكان القرن التاسع عشر قد امتلأ بالإداريين والعسكريين والباحثين المحكومين بالرؤيا الاستعمارية كما يؤكد أركون دائما (1).

ولهذا فغالب رواد العلمانيين مدينون للغرب بالتكوين والتوجيه، بدءا برفاعة الطهطاوي ومرورا بطه حسين خريج الأزهر ثم السربون، وعلي عبد الرازق الذي تابع تحصيله في أوكسفورد، وحسن حنفي ابن السربون (2). وكذا أركون الذي قال عن نفسه وعن محمد الطالبي وهشام جعيط والجابري ومحمد قبلي وعبد الله العروي: إننا جميعا مدينون للجامعة الفرنسية بتكويننا العلمي (3).

وبيَّن تلميذ أركون ومترجمه هاشم صالح أنهم درسوا في الجامعات الفرنسية وتشكلوا علميا أو إبستمولوجيا من خلال الحداثة المنهجية الفرنسية. هكذا قال (4).

وقضى زكي نجيب محمود 4 سنوات في انجلترا للدراسة (5).

وأقر حسن حنفي في التراث والتجديد (30) أن أكثر العلمانيين تربطهم بأوروبا أوشاج ثقافية أو دينية، وأنهم تربوا في مدارس غربية خاصة.

وكذا فعل محمد الشيخ في «ما معنى أن يكون المرء حداثيا»، فيه (126) إحالة إلى مصادره، 99% منها أجنبية.


(1) نفس المرجع.
(2) تاريخية الفكر العربي (184).
(3) قضايا في نقد العقل الديني (56).
(4) نفس المرجع.
(5) النص والسلطة (40).

وعلى امتداد صفحات كتب أركون لا تراه يحيل إلا على المصادر الأجنبية، حتى لبيان أبحاث في مسائل من صلب تاريخنا وفقهنا الإسلامي. ولهذا تعجب أنه لما سرد مراجعه في آخر كتابه الأنسنة والإسلام لم يذكر إلا الكتب الغربية فهي عنده مصدر العلم والبحث والنقد. وأما كتب أهل الإسلام فهي مجال للدراسة لا مرجعا للبحث.

ويتعلق هاشم صالح وإخوانه بفلاسفة الغرب تعلقا مُريديَّا كتعلق مريدي الطرق الصوفية بشيوخهم. قال هاشم صالح: من هنا تركيزي على مفكري عصر النهضة والتنوير الأوروبي الذين أتعلق بهم وبأفكارهم وطروحاتهم كخشبة خلاص تنقذني من الظلام اللاهوتي المرعب الذي يلف طفولتي ويلف العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه أيضا في هذه اللحظة. فعند هؤلاء المفكرين النهضويين أو التنويريين أجد ضالتي، أجد نفسي، بهجتي، أفقي المنفتح، بهم أستعين لكي أزيح الكابوس الأخطبوطي المرعب عن حياتي ووجودي (1).

فالرجل كان يعاني من أزمة نفسية حادة، ظهرت آثارها في كتاباته، أكثر مما هو يمارس التفكير والبحث العلمي.

أو لنقل إنه يمارس التلوين الإيديولوجي النفعي.

العلمانيون العرب والانبهار بالمستشرقين.


(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (21 - 22).

تقدم معنا أن كتابات العلمانيين العرب لا تعدو أن تكون صدى شاحبا وباهتا للغاية للفكر الغربي والفلسفة الغربية وكتابات المستشرقين بالذات. أو على حد تعبير العلماني اللبناني علي حرب: الخطاب العربي الحديث الذي هو صدى خافت أو صورة مشوهة عن الخطاب الغربي (1).

ولهذا حظي عندهم المستشرقون بالتقدير والتبجيل، وقد أخذ علينا أركون نحن المسلمين بأننا ننظر إلى ديننا وتاريخنا نظرة احتفالية تبجيلية، وفاته أن كتابات إخوانه المستشرقين تتميز بنظرة انتهازية احتقارية.

يبدي أركون إعجابا كبيرا بالمستشرقين وأبحاثهم ويتحسر على المسلمين كيف رفضوا تلك الأبحاث ووقفوا منها موقفا عدائيا، ووصف كتب المستشرقين التي مُلِئت حقدا وطعنا في الإسلام بالأبحاث الاستشراقية القيمة (2).

وقال عن العلماء المسلمين: يرفضون هذه الأبحاث العلمية والتاريخية للأساتذة المستشرقين الأكاديميين المتبحرين في العلم (3).

واعتبر أن الغربيين هم الذين يقدمون البحوث التاريخية الرصينة عن التراث الإسلامي وليس المسلمين (4).


(1) الممنوع والممتنع (222).
(2) نحو نقد العقل الإسلامي (191). وانظر قضايا في نقد العقل الديني (47 - 54 - 59 - 64 - 65 - 66 - 67 - فما بعدها- 304 - 305 - 306 - 307) ونحو نقد العقل الإسلامي (243 - 271).
(3) نحو نقد العقل الإسلامي (191).
(4) نفس المرجع (284).

وتأسف مرارا لعدم ترجمة كتبهم عن الإسلام والنبي - صلى الله عليه وسلم - وعن القرآن (1). بل اعتبر مرة من العار ألا يترجم كتاب اللاهوت والمجتمع في العصور الأولى للإسلام لمستشرق ألماني (2).

وحاول أن يضفي الشرعية على الاستشراق، فحور اسمه إلى الإسلامياتي. تاريخية الفكر العربي (203).

فربطه بالإسلام ليكتسب شرعية ما، وبين مترجمه بإشرافه هاشم صالح (203) ذلك قائلا: يستخدم أركون عادة كلمة إسلامياتي Islamologie عوضا عن كلمة مستشرق المشحونة بالقيم السلبية والجدالية في الوعي العربي والإسلامي.

ومما يثير الدهشة والاستغراب أن أركون تأسف مرارا في كتبه على مستشرقين لا ينقدون نقدا جذريا، بل كتبوا مقالات تبجيلية باردة تدافع عن الإسلام، وجعل هذا مؤسفا ومخيبا للآمال. الفكر الإسلامي (184).

فلا يرضى أركون إلا على الحاقدين منهم، الذين همهم كما هو همه أيضا الإجهاز على الإسلام والقضاء على التدين عموما وإحلال العلمانية الغربية محله تحت ستار النقد التاريخي والدراسة الانتروبولوجية والسيميائية والدلالية للنص الديني.

وانظر مثلا ما قاله عن برنارد لويس في تاريخية الفكر العربي (256).


(1) القرآن من التفسير الموروث له (8) والفكر الإسلامي (281).
(2) قضايا في نقد العقل الديني (306).

وكذا فعل تلميذه، بل بوقه هاشم صالح العلماني السوري ذو الأصول الشيعية، فقد أظهر في كتابه الإسلام والانغلاق اللاهوتي (21 - 22 - 28) إعجابا منقطع القرين بالمستشرقين، وأن من أراد أن يقرأ الدين الإسلامي وتاريخه فعليه بكتبهم وإلا فلن يفهم تراثه على حقيقته (1).

وهكذا فعل خليل عبد الكريم في الأعمال الكاملة (201) فقد تهجم بعنف على كتاب غربيين دافعوا عن الإسلام بطريقة أو بأخرى كموريس بوكاي في كتابه: الثورة والقرآن والعلم، وروجيه جارودي في: وعود الإسلام، والفريد هوفمان في الإسلام هو البديل.


(1) وانظر تعليقه على قضايا في نقد العقل الديني (59) في دفاعه عن الاستشراق صراحة فيما يتعلق بنقد القرآن.

  • الخميس PM 03:25
    2022-08-04
  • 1181
Powered by: GateGold