المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413874
يتصفح الموقع حاليا : 296

البحث

البحث

عرض المادة

هل العلمانية والديمقراطية توأمان لا ينفصلان؟

لعلنا إذا تذكرنا ما أوردناه سابقا عن النازية والفاشية والشيوعية وبرتوريا العنصرية باعتبارها أنظمة علمانية مارست الاستبداد والقهر والظلم والإبادة، كاف في الإجابة عن هذا السؤال. وقد وصل هتلر إلى الحكم من خلال إجراءات ديمقراطية، وعمليات الإبادة التي قامت بها النازية كانت تحظى بموافقة الأغلبية الساحقة للشعب الألماني.

والمشروع الامبريالي الغربي الاستعماري، قامت به نخب تم انتخابها بطرق ديمقراطية سليمة، وحظي بدعم جماهيري واسع. ولهذا لم نسمع بمظاهرات وتنديدات بالاستعمار الغربي للدول.

وحروب بوش الحالية وإن عارضها أمريكيون، فالأكثرية منهم تؤيدها.

وإبادات حكام إسرائيل للفلسطينيين مدعومة بأغلبية جماهيرية.

إذن لا تلازم بين العلمانية والديمقراطية، فالعلمانية قد تؤدي إلى الديمقراطية، وقد تؤدي إلى الديكتاتورية (1). هذا من جهة، ومن جهة فإن الديمقراطية ليست دائما تؤدي إلى ما فيه خير وسعادة البشرية.

ألم يأت اليوم الذي يعترف فيه الغرب بضرورة الممارسات الديمقراطية بمرجعية أخلاقية؟ (2).

وعندما يرى شعب ما أن قطاع المخدرات أو الدعارة أو بيع الأعضاء هو عصب اقتصاده الوطني وتنتخب حكومة تدافع عن مثل هذه السياسات، ألا يعتبر هذا خللا في النظام الديمقراطي؟.

وترشحت إحدى نجمات أفلام الإباحية في انتخابات البرلمان الإيطالي، وكانت حملتها الانتخابية تتلخص في خلعها لملابسها لإقناع وإغواء الناخبين، وقد نجحت وتفوقت (3).


(1) انظر المفترون (256). ولم أر في العلمانيين من صرح بإمكانية ديمقراطية حقيقة بدون علمانية إلا جورج قديس. العلمانية مفاهيم ملتبسة (371) وقدر العلمانية في العالم العربي (188).
(2) العلمانية الجزئية والشاملة (50).
(3) نفس المرجع.

فهل علينا أن نقبل بمثل هذه القرارات (ابتداء من الإبادة النازية وانتهاء بالمخدرات والإباحية) أم ينبغي أن نرفض مثل هذه القرارات الديمقراطية استنادا إلى مرجعية أخلاقية، متجاورة للإجراءات الديمقراطية؟ (1).

ما بعد الحداثة.

ونظرا لكل الاعتبارات المتقدمة. أعني كل المآسي التي جلبتها العلمانية معها لم يعد هناك بد من الاعتراف بأزمة الحداثة.

ولهذا شاع في الغرب الحديث عن ما بعد الحداثة أو نهاية الحداثة كما قال محمد الشيخ في «ما معنى أن يكون المرء حداثيا» (165).

وقد ذكر الجابري في التراث والحداثة (16) أن في أوروبا يتحدثون اليوم عن ما بعد الحداثة باعتبار أن الحداثة ظاهريا انتهت مع نهاية القرن التاسع عشر بوصفها مرحلة تاريخية قامت في أعقاب عصر الأنوار (القرن الثامن عشر). هذا العصر الذي جاء هو نفسه في أعقاب عصر النهضة (القرن السادس عشر).

وهذا ما أكده أركون في مواطن عديدة من كتبه، منها قوله: يمكن اعتبار مدرسة فرانكفورت أو أبحاث ميشيل فوكو وآلان تورين ويورغين هابرماس .. إلخ بمثابة الأعمال الفكرية التي تجسد مرحلة ما بعد الحداثة، فهي التي قامت بعودة نقدية راديكالية على عقل التنوير والعقل الوضعي الذي ساد القرن التاسع عشر وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية (2).


(1) نفس المرجع.
(2) قضايا في نقد العقل الديني (261). وانظر (220 - 307) منه، والفكر الإسلامي له (59) ونحو نقد العقل الإسلامي (321) له، والإسلام والانغلاق اللاهوتي لتلميذه ومقلده هاشم صالح (47).

وتحدث أركون في «نحو نقد العقل الإسلامي» (265) عن تحول الليبرالية إلى دين في الغرب له زواياه الغامضة، حيث يتراكم اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه.

ومن أكثر الفلاسفة نقدا للحداثة الغربية نيتشه، حسب هاشم صالح، ولهذا انتقد عقلانية ديكارت وكانط وهيغل، واعتبر أنها تخفي وراءها غايات شخصية أو مصالح منفعية، وشكك في كل النظم الفلسفية السابقة باعتبار أنها تخفي غير ما تظهر (1).

وذكر الدكتور جوتفرايد كونزلن أن العلمانية باعتبارها دين حل محل الدين المسيحي يفهم الوجود بقوة دنيوية هي العقل والعلم ... وذكر أن العلمانية عجزت عن الإجابة عن أسئلة الإنسان التي كان الدين يقدم لها الإجابات، فالقناعات العقلية أصبحت مفتقرة إلى اليقين ... وغدت الحداثة العلمانية غير واثقة من نفسها، بل وتفكك أنساقها - العقلية والعلمية- عدمية ما بعد الحداثة ... فدخلت الثقافة العلمانية في أزمة بعد أن أدخلت الدين المسيحي في أزمة.

وقال: وتحققت نبوءة نيتشه (1844 - 1900م) عن إفراز التطور الثقافي الغربي لأناس يفقدون نجمهم الذي فوقهم، ويحيون حياة تافهة ذات بعد واحد لا يعرف الواحد منهم شيئا خارج نطاقه. وبعبارة ماكس فيبر (1864 - 1920م): لقد أصبح هناك أخصائيون لا روح لهم، وعلماء لا قلوب لهم (2).


(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (48).
ومن الكتب الغربية في نقد الحداثة: خيانة التنوير للفرنسي جان كلود غيبو. باريس 1996.
وزوال العلمانية لـ: بيتر برجر Desecularisation of word.
(2) مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا (17 - 18).

وقد اعترف أركون بفشل جهود العلمنة التي بدأت على يد طه حسين والبستاتي ويعقوب صروف وفرح أنطون وسلامة موسى وغيرهم (1).

وكذا أكد على هذا مراد وهبة، وزاد أنه جاء بعدهم نفر من العلمانيين مثل نجيب محفوظ ولويس عوض ومحمد أركون وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد، تم قال: والنتيجة فشل العلمانية في العالم العربي (2).

بل زاد في صراحة يحسد عليها أن علمانيته في الطريق إلى الاندحار (3).

وقال عادل ضاهر: إن العلمانية في حالة تراجع كبير في العالم العربي اليوم، والقوى العلمانية يتقلص ويتهمش دورها وتأثيرها الفاعل على الأحداث باطراد متزايد (4).

وأكد سعيد لكحل أن مصطلح العلمانية يعاني أزمة، وقال: إن عموم المثقفين والديمقراطيين يتحرجون من تداول هذا المفهوم، إذ صارت العلمانية تعني خطأ (5) معاداة الدين (6).

وكذا أكد فشلها عادل الجندي (7).

في حين أكد فؤاد زكريا أن العلمانية أصبحت سيئة السمعة الآن وهي كلمة تعيسة الحظ تطلق على أناس تعساء الحظ أيضا (8).


(1) قضايا في نقد العقل الديني (196 - 197).
(2) العلمانية مفاهيم ملتبسة (260 - 261).
(3) نفس المرجع (264).
(4) الأسس الفلسفية للعلمانية (5).
(5) كلا، بل حقيقة، كما سنبين للكحل في الكتاب الثاني.
(6) العلمانية مفاهيم ملتبسة (280).
(7) العلمانية مفاهيم ملتبسة (316).
(8) مناظرة فؤاد زكريا مع البهنساوي. الإسلام لا العلمانية (42).

واعترف كذلك بأن جهوده وجهود أمثاله من العلمانيين لم يكن من ورائها طائل، وأن الناس لم يستوعبوا حرفا مما يقول منذ سنوات، وأن أي مهيج أصبح بمقدوره أن يقول للناس كلاما إنشائيا لا قيمة له، بحيث يمحو تماما تأثير كل ما أجهد نفسه فيه (1).

وعبر عبد العلي بنعمور عن خيبة أمل كبيرة عن حال علمانيتهم، قال: هكذا نجد أنفسنا قد وصلنا إلى جو مظلم ومشحون بنسمات الرعب، جو أصبح فيه المثقف الزمني (أي: العلماني) إنسانا مخيفا وخائفا في نفس الآن (2).

كما تحدث حسن حنفي عن أزمة علمانيتهم وفشل مشروع الأنوار الغربي في مقدمته لكتاب لسنج تربية الجنس البشري (14).

وشرح كيف أن مفاهيم الأنوار الثلاثة: العقل والحرية والتقدم تحولت إلى نقيضها، فالعقل تخلى عن وظيفته التحريرية للوجدان والتصوف، وأصبح خاضعا لتحكم الآلة وحسابها.

والحرية تحولت إلى حرية عابثة، تعبر عن أزمات الإنسان أكثر مما تعبر عن غائيته (16).

ومفهوم التقدم انتهى في الفلسفة الغربية المعاصرة إلى محنة واحتضار ومأساة وضياع (17) (3).

واعتبر صلاح عيسى أن علمانيتهم تعاني من أزمة حتى على مستوى الإفصاح عن نفسها.


(1) المفترون (79).
(2) العلمانية مفاهيم ملتبسة (247).
(3) التفكير في العلمانية (20 - 21).

قال: بل الأكثر من ذلك فإن أي حزب سياسي عربي لا يستطيع اليوم القول إنه حزب علماني، كما أنه يتهرب من مناقشة الموضوع خوفا من أن يفقد أصوات المتدينين في الانتخابات (1).

وقال: رغم أن الكثيرين لا يمتلكون الجرأة والاستعداد للدفاع عن فكرة العلمانية، إن تيار العلمانية تيار مكتوم وخائف (2).

وقال محمد سبيلا العلماني المغربي: لم تستطع العلمانية أن تخترق المجتمعات العربية نظرا لهيمنة الثقافة الدينية التقليدية (3).

وقال: إلى درجة أن الباحثين اليوم يتحدثون عن الاستثناء الإسلامي من حيث أن الإسلام هو الاستثناء الوحيد لثقافة لم تندمج بعد ولم تتصالح تصالحا كاملا مع زمن العالم الحديث ومتطلبات الحداثة (4).

وقال عن القوى العلمانية: وهذه الأخيرة تعتبر قوة ضئيلة ومحدودة وتشكل نخبا تجد نفسها محاصرة من الجميع، حتى أنها لا تتوفر على أي دعم من أي جهة ما (5).

وحسب علي حرب فقد تحول المشروع العلماني إلى أزمة، وقال: وأما الأزمة فأعني بها ما آل إليه وضع المثقف من العزلة والعجز والهشاشة (6).


(1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (210).
(2) نفس المرجع (214).
(3) نفس المرجع (224).
(4) نفس المرجع (225).
(5) نفس المرجع (225). وسبح ضد التيار حميد لشهب وشاكر النابلسي. نفس المرجع (115 - 137).
(6) أوهام النخبة (95).

وأن إخوانه تحولوا إلى مجرد باعة للأوهام كما عبر ريجيس دوبربه (1). بل المشروع كله مني بالفشل الذريع والإحباط المميت كما قال حرب (2).

وأقر في كتاب آخر أن مشاريع النهضة والتقدم والحرية والعقلانية والحداثة فشلت، وأنها انقلبت إلى أضدادها (3).

وقد ظل المشروع العلماني العربي يعاني من الانحسار والانكماش لكونه قفز خارج المنظومة المعرفية للمجتمعات الإسلامية، فتحول إلى نخبة تمثل قشرة سطحية طافية فوق السطح.

والعجيب أنهم ليسوا منبوذين من قبل مجتمعاتهم فحسب، بل من قبل أولياء نعمتهم كذلك.

ولنضرب لذلك مثالا ناصعا فيه عبرة لمن يعتبر، ألا وهو محمد أركون، وهو أحد أكثر العلمانيين تطرفا.

فقد عبر عن أسفه عن عدم وجود جمهور له في الغرب وفي الشرق (4)، وأكد أنه بنقده للإسلام خسر جمهورا هنا، ولكون أولياء نعمته صنفوه هناك باعتباره مثقفا إسلاميا. فخسر جمهورا هناك (5).


(1) أوهام النخبة (97).
(2) أوهام النخبة (98).
(3) الممنوع والممتنع (195) وانظر (199 - فما بعد) منه في أزمة العلمانيين العرب وأن مشاريعهم لم تأت بنتيجة.
(4) قضايا في نقد العقل الديني (20).
(5) نفس المرجع (21).

وكم تعجب من التمييز الذي طاله من قبل الأكاديميين الغربيين بل وصف ما جرى له بأسى بالغ. وأكد أن الغرب يتهمه بأنه فقط يردد بشكل ناقص أفكار وانتقادات الغرب تجاه تراثهم الديني، وأنه لم يأت بشيء جديد، بل كل ما يفعله تافه عفا عليه الزمن (1).

وأنهم قالوا: اذهب وصدر هذه الأفكار الساذجة إلى أبناء قومك (2).

وذكر أشياء كثيرة، وقال: لطالما سمعت هذه الانتقادات في شتى العواصم الأوربية ... في كل مكان أذهب إليه في الغرب أو في الجامعات الغربية أسمع التعليقات نفسها والانتقادات إياها (3).

وفي كتاب آخر له تأسف كثيرا لأن أبحاثه في نقد العقل الإسلامي لا تحظى بالقبول والاحتفاء رغم أنه باحث مفكر نقدي كما زعم (4).

وقال: فالأبواب تظل بالطبع مغلقة أمامي سواء من جهة الإسلام المحافظ أو الإسلام الحركي السياسي على حد سواء، أو قل: إسلام السلطة وإسلام المعارضة. كلاهما يرفض مشروعي الفكري ودراساتي التجديدية للتراث الإسلامي (5).


(1) قضايا في نقد العقل الديني (23).
(2) نفس المرجع.
(3) نفس المرجع (24).
(4) نحو نقد العقل الإسلامي (55).
(5) نفس المرجع (173).

وطبعا السبب واضح وظاهر لكنه يتغافل عنه، لأن مشروعك يا سيد أركون ليس إلا امتدادا للمشروع الاستعماري الاستشراقي، فليس همه إرادة البحث والمعرفة، وإنما إرادة الإيديولوجيا.

[مغالطات]

يلجأ العلمانيون إلى خلق وقائع أو فرضيات وهمية مغلوطة بعيدة عن روح البحث العلمي النزيه لتبرير مشروعهم الفكري أو لنقد معارضيهم، يحاولون من خلالها إيصال رسائل قدحية سلبية في حق الإسلام وعلومه ورموزه وعلمائه. وهي في غنى عن أي تعليق، دعك من الصحفيين الباحثين عن لقمة العيش ككثير من صحفيي الأحداث المغربية عندنا، لا حتى في روادهم الكبار رأسمالهم عند حديثهم عن الحركات الإسلامية المغالطات والأكاذيب، لنقرأ ما سطرته أنامل أحد روادهم الكبار وأساطينهم الذين رباهم الغرب على عينه، في صدد حديثه عن فشل مشروعه الفكري ومعاناته من قبل ما سماه إسلام السلطة وإسلام المعارضة أي: الإسلاميين، وتحدث عن الأخيرين بقوله: ثم من قبل حركات المعارضة الأصولية التي تدعو إلى الحروب الأهلية من أجل إعادة نموذج «دولة المدينة» التي أسسها النبي في يثرب (1).

ومتى دعت الجماعات الإسلامية إلى الحروب الأهلية؟

ولا بأس بالكذب المفضوح عند العفيف الأخضر ما دام يروي غليله في خصومه، قال: الترابي كان كلما قتل بعض من أعضاء مليشياته «المجاهدين» في الإحيائيين والمسيحيين يعقد لهم قرانا على حوريات الجنة ليضاجعوهن في يوم موتهم، لأن «الشهيد» لا يموت، بل يمر من الدنيا إلى الجنة. انتحاريو حماس


(1) نحو نقد العقل الإسلامي (173).

يضعون واقيا فولاذيا على أعضائهم التناسلية ليتمكنوا يوم قتلهم من مضاجعة الحوريات .. (1)

يظن اللاعفيف أن قُراءَه من البلادة بمكان بحيث لن يتنبهوا لكذب له قرنان كهذا. ولعل مصادره فيما ذكر حول حماس هي الصحف الإسرائيلية، فهي وحدها التي تروج لمثل هذه الثقافة البئيسة.

ومن كذباته التي لا تحصى قوله في مقال «كيف ننتقل من المدرسة السلفية إلى المدرسة العقلانية؟»: فعندما يفتي، منذ أسابيع، مفتى السعودية الشيخ عبد العزيز الشيخ بأن قيادة المرأة للسيارة مماثلة لارتكابها للزنا المستوجب لحد الرجم (2).

وقال في مقال «العلمانية ليست ضد الدين وهي مفتاح الحداثة المعاصرة»: ابن تيمية كفر المسلمين بالجملة. كفر المعتزلة وخصومهم الأشاعرة بمن فيهم حجة الإسلام الغزالي، وكفر الفلاسفة بمن فيهم قاضي القضاة ابن رشد، وكفر المتصوفة بمن فيهم شيخ العارفين ابن عربي وكفر الشيعة بمن فيهم الإمام علي بن أبي طالب (3).

من عادة محترفي الكذب حرصهم على أن يكون لكذبهم مصداقية ما، أما هذا الرجل فكذبه من طينة أخرى، وهو الآن على فراش الموت لا رحم الله فيه مغرز إبرة.


(1) الحوار المتمدن - العدد: 690 - 2003/ 12 / 22.
(2) الحوار المتمدن - العدد: 843 - 2004/ 5 / 24.
(3) الحوار المتمدن - العدد: 691 - 2003/ 12 / 23.

وقال القمني عن فقهاء الإسلام: بينما وجهة نظر فقهاء الإسلام في بلادنا هي وجهة نظر مقدسة، فإن كانت حديثا نبويا ولو موضوعا فهو مقدس لا يصح نقده والتعدي عليه. انتكاسته (36).

وطبعا القمني يعلم أنه يكذب في كل كلمة قالها هنا، ولكن كما قال تعالى عن المشركين {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} فصلت26.

كل فقهاء الإسلام من لدن الصحابة إلى هذه الأعصار يعتبرون أنفسهم مجتهدين يصيبون ويخطئون، وأن أقوالهم ليست مقدسة، ولا يوجد عندنا نحن المسلمين حديث موضوع مقدس، فكتب العلماء طافحة بالتحذير من رواية الموضوع، فكيف يعده مقدسا لا يصح نقده؟.

ومن جنس المغالطة السابقة: قال هاشم صالح في الإسلام والانغلاق اللاهوتي (233): وحتى اليوم فيكفي أن تشرب كأسا واحدة من الخمر لكي تصبح كافرا وتخرج من أمة الإسلام.

وهذا كذب له قرون لا قرنان، كما يقال.

ومن مغالطاته ما زعمه أن في زمن ابن تيمية أن من شرب كأسا من الخمر أو لم يصم شهر رمضان أصبح مرتدا (1).

واللجوء إلى الكذب سنة ماضية في العلمانيين، فهذا فرج فودة وفي محاولة يائسة وبئيسة للرد على دعاة تطبيق الشريعة، أنها لو طبقت فرضا فطرحت مسألة صلح كامب ديفد، فرأى فريق أنها غير شرعية، فسيكون من


(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (328).

خالف هذا الحكم فهو مخالف لحكم الله، وأنه انضم لحزب الشيطان، ولا سبيل إلا أن يتهموا بالفسق والظلم تمهيدا لاستتابتهم أمام فقهاء في الدين، فإن تابوا فأهلا بها ونعمت ودرس للآخرين، وإن أصروا فقد كفروا كفرا صريحا (1).

هكذا يكتب، بل يكذب الجهول ناسجا أكذوبة من خيال محض، مع أن المسألة لا تعدو أن تكون حكما فقهيا اختلف فيه علماؤنا قديما وحديثا كما اختلفوا في عشرات المسائل الشرعية ولم يحدث بينهم لا خصام ولا شقاق ولا تكفير ولا تفسيق. ولكن فودة طريد الوفد رسم لنفسه ولقرائه هدفا يجب الوصول إليه بأي ثمن، ولو بالكذب المفضوح.

واعتبر مفتي الماركسية خليل عبد الكريم أن الفقهاء المالكية منعوا آراء العلماء الذين بعد مالك، وقال: أما نقدها وتوهينها فهي أمور محظورة، ومن يجرؤ ويفعل ذلك فهو مارق تعدى على الإسلام ورموزه وأزرى بهم (2).

والقارئ يعلم أن هذه الأكاذيب والتهريجات لا تخفى عليه، لأنه يعلم أن كتب الفقه مليئة بالنقد والنقد المضاد، ولكن هذا مبلغ علم مفتي الماركسية.


(1) قبل السقوط (55).
(2) الأسس الفكرية (113).

  • الخميس AM 05:22
    2022-08-04
  • 892
Powered by: GateGold