المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412338
يتصفح الموقع حاليا : 304

البحث

البحث

عرض المادة

التعريف بتوحيد الأسماء والصفات

إن أطيب ما في الحياة أن يعرف العبد أسماء وصفات سيده، وأحب ما في الوجود إلى قلبه هو الله سبحانه وتعالى، وأن يعطر لسانه بذكره سبحانه بأسمائه وصفاته المتناثرة في كتاب الله وسنة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

جاء في القرآن الكريم أسماء كثيرة لله، كقوله تعالى: ((وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)) [الزخرف:84] وفي غيرها من الآيات، وجاءت صفات لله أيضاً، كقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [التوبة:4] فما الواجب علينا تجاه هذه الأسماء والصفات؟

فيجب على المسلم أن يثبت لله عز وجل أسماء وصفات حقيقية له على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، على وفق ما جاء في كتابه وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الصحيحة، من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، خلافاً لما عليه أهل البدع الذين ينفون ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، أو ينفون بعضاً منها ويثبتون البعض الآخر تحكماً منهم، ويجعلون مرجعهم في ذلك ما قررته عقولهم القاصرة وما قرره لهم علماؤهم.

وقد انقسم الناس في تقرير ومعرفة أسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: ممثل ومعطل ومعتدل.

1- الممثلة: وهؤلاء مثلوا أو شبهوا الله بخلقه، وجعلوا صفاته سبحانه من جنس صفات المخلوقين، ولذلك سموا (بالممثّلة أو المشبّهة) وأول من قال هذه المقالة هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وغيرهما.

فعن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عما قال هشـام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة؟ فكتب: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان([1]).

وعن الصقر بن دلف قال: سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد، وقلت له: إني أقول بقول هشام بن الحكم. فغضب ثم قال: ما لكم ولقول هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة([2]).

2- المعطلة: وهؤلاء نفوا عن الله ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال، زاعمين أن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم، فهم على طرفي نقيض مع المشبهة، وهم في هذا التعطيل متفاوتون.

3- المعتدلة: هم أهل الحق والإنصاف، وهم الفرقة الناجية المنصورة.

فهم يثبتون لله عز وجل الأسماء والصفات على ظاهرها كما جاء في كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين على لغة العرب، فيثبتون صفات حقيقية تليق بجلال الله عز وجل وعظمته، لا تماثل صفات المخلوقين ولا تُعرف كيفيتها، وليس للعقل نصيب في تغيير معناها، سالكين قول الله عز وجل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].

فعند قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) ينفون كل ما يماثل أسماء الله وصفاته.

وعند قوله تعالى: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11] يثبتون لله عز وجل الأسماء والصفات الحقيقية اللائقة بجلال الله عز وجل.

ويتذكرون مع الإثبات والنفي الآيات المباركة التالية: قال تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طه:110].

وقال تعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)) [الإسراء:36].

وقال تعالى: ((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)) [مريم:65].

وقال تعالى: ((وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)) [الإخلاص:4].

وقال تعالى: ((فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً)) [البقرة:22].

وقال تعالى: ((فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ)) [النحل:74].

وهذا ما سار عليه واعتقده أئمة آل البيت عليهم السلام، وعلموه شيعتهم وأحبابهم، أن يتقيدوا بالقرآن الكريم، ولا يتجاوزوه إلى أفهامهم القاصرة.

فعن محمد بن عبيد قال: دخلت على الرضا عليه السلام، فقال لي: قل للعباسي يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكف عما ينكرون، وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله عز وجل: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)) [الإخلاص]، وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله عز وجل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عز وجل: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11] فكلّم الناس بما يعرفون([3]).

وعن المفضل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شيء من الصفة، فقال: لا تجاوز ما في القرآن([4]).

وعن اليقطيني قال: قال الرضا عليه السلام: للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه([5]).

وعن عبد الرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبدالملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط؟ فإن رأيت -جعلني الله فداك- أن تكتب إليَّ بالمذهب الصحيح من التوحيد؟

فكتب بيدي عبدالملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون لله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانفِ عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعْدُ القرآن فتضل بعد البيان([6]).

فالله نسأل بأسمائه الحسنى وصفاته المباركة العلى أن يوفقنا إلى كل خير، وأن يحشرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وآله المباركين عليهم السلام في مستقر رحمته.

 


 

 

([1]) الكافي: (1/105)، أمالي الصدوق: (277)، التوحيد: (97).

([2]) بحار الأنوار: (3/291) (48/197)، أمالي الصدوق: (277)، التوحيد: (104).

([3]) التوحيد: (95)، بحار الأنوار: (2/69) (4/297).

([4]) الكافي: (1/102).

([5]) بحار الأنوار: (3/262)، التوحيد: (100).

([6]) التوحيد: (102)، الكافي: (1/100).

  • الاثنين AM 03:52
    2022-04-11
  • 1290
Powered by: GateGold