المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413814
يتصفح الموقع حاليا : 292

البحث

البحث

عرض المادة

نماذج من تأويلات البابية ، والبهائية ، والقاديانية، وبيان بطلانها

كان عبد الله بن سبأ اليهودي اليماني (94) وأتباعه ، من أوائل  من اتخذ من التأويل الباطني - في فجر الاسلام - وسيلة لإلغاء ظواهر النصوص الشرعية ، وعدم اعتبار دلالاتها اللغوية والتشريعية ، ثم الإغراب في تصيد باطن لها يتماشى والمعاني التي قرروها في أذهانهم ، وغايتهم إفراغ النصوص القرآنية والنبوية من كل معنى مراد لله ورسوله  - صلى الله عليه وسلم  - ، وشحنه بما يمليه عليه هواهم الضال ، من خلال تأويلها تأويلا يخرجها عن مدلولها الحقيقي ، ويبعدها عن مضامينها الإسلامية ، لأنهم لما عجزوا عن صرف المؤمنين عن الكتاب والسنة ، حاولوا صرفهم عن المراد منها إلى  : ( مخاريق زخرفوها ، لأنهم لو صرحوا بالنفي المحض ، والتكذيب المجرد ، لم يحظوا بموالاة الموالين  . ) (95)

 أو كما قال – يحيى بن حمزة العلوي - :( إنهم لما عجزوا عن صرف الخلق عن التصديق ، عمدوا بلطف الاحتيال ودقة الاستدراج ، فصرفوا ظواهرالشرع ونصوصه إلى هذيانات لفقوها ، وتهويسات جمعوها وزوروها ، ليستفيدوا بذلك إبطال معاني الشرع ، وهدم أساسه ، وأوقعوا في نفوسهم ؛ أن لو صرحوا  بالنفي المحض ، والتكذيب الصرف  لم يثقوا بانقياد الخلف لضلالاتهم ، ولا بإصغاء سمع أحد إلى جهالاتهم  ..) (96)     مما حمل بعض العلماء على القول : ( إن التأويل الباطني : أول مراتب الإلحاد . ) (97)   . وقد استندت كل الفرق السبئية من بعده على التأويل الباطني لتأييد مزاعمها ، ولم تتسع مجالات التأويل إلا في عهد الإسماعيلية  ، الذين توسعوا في التأويل الباطني ، حتى أصبح علما عليهم ، بل أصبح لفظ الباطنية إذا أطلق انصرف إليهم .   

 وكان أسلاف ابن سبأ  قد حركوا حلفاءهم من ذؤبان العرب(98) ، وموالي المجتمع ، وشجعوهم على الردة ، وجحدوا الزكاة بالتأويل المنحرف ، ذلك أنهم تأولوا قول الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ..) (99)  فرأوا  أن دفع الزكاة خاص بالرسول  - صلى الله عليه وسلم – لأنه هو الذي كان يصلي عليهم ويطهرهم ، وليس لغيره هذه الخاصية ، ومن ثم فلا يدفعون الزكاة . ) (100)  .

لذا وضع علماء المسلمين ضوابط للتأويل المقبول ، كي لا تتخذ المذاهب الضالة ، والتيارات الهدامة ، من التأويل المنحرف  سندا ووسيلة لخدمة أغراضها ،  وتأويلات الباطنيين لا  علاقة لها بظاهر الكلام ، ولا سياقه ، ولا مدلوله ، والدليل على ذلك ما أثبتوه في كتبهم الباطنية من تأويلات حطموا بها مدلولات اللغة ، لا تمت إلى ألفاظ القرآن ومقاصده السامية ، بأية صلة قريبة أو بعيدة . وقد يكون ذلك هدف من أهدافهم ، وهو محاربة اللغة العربية ، لأنها مفتاح فهم القرآن ، كما يفعل بعض دعاة التنوير والحداثة من الكتاب العلمانيين المعاصرين ، في هجماتهم على اللغة ، من مطالبة بإحلال العامية محلها تارة ، واستبدال حروفها بالحروف اللاتينية تارة أخرى ، مما يدل على أنهم حلقة متصلة  من حلقات التآمر والكيد للإسلام والمسلمين .

 

نماذج من تأويلات البابية  ، والبهائية ، والقاديانية، وبيان بطلانها

المبحث الأول   : نماذج من تأويلات البابية  :

  أ – أول الباب  النصوص القرآنية على غير مدلولها الحقيقي – كما فعلت كل الفرق والطوائف الباطنية  - ، ليجعل من الآيات القرآنية سندا لدعوته ، وزعم : أن جميع تعاليمه التي أوردها في كتابه ( البيان ) ،  أشار إليها القرآن في قوله تعالى :  ( الرحمن  . علم القرآن .خلق الإنسان . علمه البيان ) (101)   وهذا شبيه بما فعله : ( بيان بن سمعان )(102)   زعيم فرقة البيانية  ، الذي ادعى أن قوله تعالى ( هذا بيان للناس ) (103)  يعنيه ، فادعى الألوهية     مع أنه زعم قبل ذلك  بأنه الباب لمعرفة الله تعالى ، فالله تعالى يقول : ( وأتوا البيوت من أبوابها ) (104)  ففي  كل عصر يجب أن يكون هناك علي ، يأخذ دور الباب ، تطبيقا للحديث المضطرب غير الثابت  : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) . (105)   وبما أنه لا يجوز دخول البيت إلا من الباب ،   فإن  ( علي محمد الشيرازي ) هو الباب ، وبهذا يتضح لنا الرباط الوثيق بين البابية ، والباطنية الغلاة .

      ب –      يزعم البابيون أن المراد من كل ما ورد في القرآن من ألفاظ : القيامة ، والساعة ، والبعث ، والحشر  والنشر ، وما جرى مجراها ، إنما هو ظهور  ( الباب ) بالأمر ، وقيامة بالدعوة  .  وأن الجنة : كناية عن الدخول في دينه ، والإيمان بمفترياته ، والنار :كناية عن الكفر به وبمفترياته . واليوم الآخر : كناية عن الجهر بدعوته  . وصعق من في السموات والأرض : كناية عن نسخ الأديان بدينه ، وقيام أمته بين الأمم ، وهذا عين ما يقوله البهاء عن نفسه وشريعته . فهما ينكران  تماما ما نفهمه معشر المسلمين من معاني : الجنة ، والنار ، والحشر ، والنشر ، وانقضاء الآجال ، والنفخ في الصور ، وبعثرة من في القبور ، ونسف الجبال ، وتزلزل الأرض ، وانفطار السموات ، وانتثار الكواكب ، وتكوير الشمس ، واجتماع الشمس والقمر ، وتبديل الأرض والسموات ، إلى غير ذلك مما ورد في الآيات القرآنية الكريمة من أهوال الساعة ، وما وراء القيامة . ويقرر الباب أبدية العوالم ، وخلود الكائنات ، معارضا بذلك الآيات التي تدل على أن كل من عليها فان ، وأن الثواب والعقاب للأرواح ، فلا معاد للأجساد  ، فتلتذ النفوس الطيبة بأخلاقها ومعلوماتها ، وتتألم النفوس الخبيثة بملكاتها الرديئة وجهالاتها  إلى أن تزول عنها هذه الملكات ، فتعود إلى عالم الأجساد مرة ثانية .. وهذا ضرب من القول بالتناسخ ، المخالف لسائر الشرائع السماوية . (106)          ويزعمون أن للوحي تأويلات سامية ، وأسرار غامضة ، ومعاني دقيقة ، ومفاهيم خفية ،غير التي يعلمها الناس ، لا يجليها إلا ربها ، وهو الباب على زعم البابيين ، والبهاء على دعوى البهائيين  . (107)  وأن معاجز الأنبياء وقصصهم ، والملائكة ، والجن ، والوعد ، والوعيد ، وأمثال ذلك ليست أيضا مما يعلمه الناس من مفاهيمها ، ومعاني ألفاظها ، ويؤولون كل ذلك تأويلا يذهب مذاهب شتى في الكفر والضلال ، والزور والبهتان ، لا يقبله العقل السليم ، ولا يؤيده النقل ، ولا ينطبق على سياق التنزيل ، ولا معاني الألفاظ والكلمات ، ما أنزل الله بها من سلطان ، ويتبرأ منها الدين واللسان . (108)      ثم أليس هذا التأويل يمثل تحريفا لكلام الله عن مواضعه ..؟ وافتراء على الله سبحانه وتعالى بحمل كلامه على ما ليس مرادا منه ...؟ كما يمثل الهوس والتخريف الهابط ، والتعقيد في التعبير ، والركاكة في النظم ، مما يدل على عجمة لسان وعقل صاحبه ، لا يتقيد باللغة ولا دلالاتها (109) ، يريد فقط محاربة دين الله وشريعته ، فأي جانب يغري باتباعها ..؟وأي خير جاءت به للبشرية ..؟ اللهم إلا ما قدمته لأعداء الإسلام الذين حرصوا على تفتيت الأمة الإسلامية ، ليسهل عليهم إضعافها ، والسيطرة عليها ، ولكن الله سبحانه حافظ دينه،ومعلي كلمته ، برجال مؤمنين في كل عصر ومصر

المبحث الثاني :       نماذج من تأويلات البهائية ، وتفنيدها

بنت البهائية قواعد مبادئها  - كغيرها من الفرق الباطنية الغالية  - على التأويل الباطني  ،  فقد أولوا ( النبأ العظيم ) في قوله تعالى : ( عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون  ) (110) بأنه :ظهور البهاء ،  ودعوته التي سيختلف فيها الناس(111)  بينما تؤولها طائفة الإسماعيلية  تأويلا مغايرا  ، فقال الداعي الاسماغيلي ( جعفر بن منصور اليمن ) : ( المراد بالنبأ العظيم : صاحب الزمان – الناطق السابع محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق -  مستجاب أهل السموات والأرض  إذا نزلت بهم نازلة ، وهو القائم الحق الذي عنه الخلق المنكوس معرضون ) (112) . بينما أولها ( عبد الله بن سبأ )  : بأنه علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه -  وقالوا : ( هو أمير المؤمنين علي ، ما لله نبأ أعظم منه ، وما لله آية أكبر منه ) (113)   وهل كان مشركو مكة ، والعرب الذين نزل فيهم القرآن ،   مختلفين في أمر علي – كرم الله وجهه - ، أو في أمر البهاء أم في أمر البعث والجزاء ..؟ كما دلت على ذلك الآيات التالية من السورة ..؟

ثم إن هذا التأويل المتناقض للفرق الباطنية المختلفة يدل على أن كل طائفة تؤول بما شاء لها الهوى ، وحسب انحراف مزاجها أو اعتداله ..!   كما يدل على أن البهائية ليست إلا امتدادا للباطنية القدامى ، الذين لا يؤمنون بقرآن ، ولا سنة ، ولا دين ، وإنما يتخذون من النصوص معاول لهدم الإسلام .

وأولوا الخروج في قوله تعالى : ( واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب . يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ) (114). فقالوا : إن المراد بالخروج : خروج البهاء ..! (115)    والخروج كما جاء في أوائل السورة يعني : خروج الموتى من قبورهم للبعث والحساب ، كما قال تعالى : ( إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير . يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير ) (116)  فيوم الخروج هو : يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ، ليخرجوا من الأجداث كأنهم جراد منتشر (117)  .

 وفي تأويله لآيات من سورة الانفطار (118)   قال البهائي أحمد حمدي آل محمد :

[  ( إذا السماء انفطرت ) :أي :سماء الأديان انشقت .

( وإذا الكواكب انتثرت ):أي :رجال الدين لم يبق لهم أثر .  

( وإذا البحار فجرت ) : أي : فتحت القنوات ، وفجر بحر على بحر ( أي : كقناة السويس   التي وصلت بين البحرين ، الأبيض المتوسط ، والبحر الأحمر ) .  

( وإذا القبور بعثرت ): أي : فتحت قبور الآشوريين ، والفراعنة ، والكلدانيين ، لأجل دراستها . ](119) .

وهذا مخالف لتأويل البهاء نفسه ،  إذ قال في تأويلها : ( إن المقصود هنا سماء الأديان التي ترتفع في كل ظهور ، ثم تنشق وتنفطر في الظهور الذي يأتي بعده ، أي : أنها تصير باطلة منسوخة . ) (120)

 بينما أولها الداعي الإسماعيلي : أحمد حميد الدين الكرماني بقوله :

[ ( إذا السماء انفطرت ) : قالوا في التفسير : - أي أهل الظاهر - : انشقت ، ونقول : - أي أهل الباطن - : تبطل أحكام الشرائع . ( وإذا الكواكب انتثرت ): أي : تبطل مقامات الحدود في دين الله .

( وإذا البحار فجرت ) : أي : تظهر السنن المتقدمة في الأديان ، ويقام ذكر حدود الله في دينه ، والتأويل في الشرائع

( وإذا القبور بعثرت ) : أي : تظهر الحكم ، والعلوم في العالم ، وتكثر الخيرات .

                 ( علمت نفس ما قدمت وأخرت )(121) : أي : إذا كان ذلك ، وقام حكم الاعتقادات بالعقل ، فحينئذ تعلم النفس ما فعلت من خير ، وتحس بالضرر فيما فعلت ، من تأخير الفضلاء ..؟ وتقديم المفضولين . ](122)  .

ألا تعطي هذه التأويلات المتناقضة صورة واضحة  لمنهج الباطنيين المعوج  ،  في التلاعب بآيات القرآن الكريم حسب أهوائهم ، وأغراضهم ..؟   فليس لتأويلاتهم قواعد ثابتة ، أو أصول راسخة ، مع زعمهم أنهم يأخذون عن المعصوم ، كما أنهم لم يلتزموا بقواعد التفسير أو التأويل التي اتفق عليها العلماء الثقات .

ثم إن الآيات السابقة لا تؤيد مدعاهم ، فقد افتتحت السورة بتوقيت يوم الحساب بأشراط  وعلامات ، كاختلال نظام العوالم ، ثم وعظت المشركين ، ونبهت  أنظارهم إلى ضرورة النظر في الأسباب التي حرفتهم عن التوحيد ، وأبطلت دعاوى المشركين المنكرين للبعث ، والجزاء ،  وخلصت إلى بيان جزاء الأعمال الصالحة بإيجاز ، وأطنبت ببيان جزاء الأعمال الفاجرة  ، لأن مقام التهويل يقتضي الإطناب  فيه ،  ثم آيسهم من أن يملك أحد لأحد نفعا ، أو ضرا ، وأن الأمر يومئذ كله لله تعالى ،  فليس في السورة ما زعموه بتأويلاتهم الباطلة ، التي لا سند لها سوى الهوى الآثم ، والكذب على الحق ، والافتراء على الله .

وانظر تأويل البهائية لآيات من سورة التكوير (123)، إذ قال البهائي : أحمد حمدي آل محمد في تأويلها قائلا :

[ ( إذا الشمس كورت ) : أي : ذهب ضوؤها  .

( وإذا النجوم انكدرت ) : أي : أن الشريعة الإسلامية ذهب زمانها ، واستبدلت بشريعة أخرى 

( وإذا الجبال سيرت ) : أي : ظهرت الدساتير الحديثة .

( وإذا العشار عطلت ) : أي : استعيض عنها بالقطارات .

( وإذا البحار سجرت ) : أي : أنشئت فيها البواخر .

( وإذا النفوس زوجت ) : أي : اجتمع اليهود ، والنصارى ،  والمجوس ، على دين واحد ، فامتزجوا ، وهو دين الميرزا حسين الملقب بالبهاء .

( وإذا الموؤدة سئلت ) : وهي  الجنين يسقط هذه الأيام فيموت ، فيسأل عنه من قبل القوانين ، لأنها تمنع الإجهاض .

(  وإذا الصحف نشرت ) : أي : كثرت الجرائد والمجلات .

( وإذا السماء كشطت ) : أي : انقشعت  الشريعة الإسلامية ، ولم يعد أحد يستظل بها ، وعطلت أحكامها .

( وإذا الجحيم سعرت ) :  لمن عارض الميرزا حسين ، أي : البهاء .

( وإذا الجنة أزلفت ) : أي : لأتباعه المؤمنين من البهائيين ..!؟ ] (124)

بينما أولها الداعي الإسماعيلي أحمد حميد الدين الكرماني بقوله :

[ ( إذا الشمس كورت ) : أي : ذهبت آثار شرائع الأنبياء ، التي هي كالضوء من الشمس .

( وإذا النجوم انكدرت ) : أي : تسقط مراتب الحدود حتى لا يبقى لها أثر .

 ( وإذا الجبال سيرت ) : أي : استخدم الجبارين في الأرض ، فيكونون كلهم طائعين لصاحب القيامة .

( وإذا العشار عطلت ) : أي : أبطل التعليم بإزالة الحدود من رتبهم .

( وإذا الوحوش حشرت ) : أي : جمع من على وجه الأرض على الطاعة  .

( وإذا البحار سجرت ) : أي : أقيمت حدود ظاهر الشريعة ، وأعيد ما كان محذوفا منها من كلام المبتدعين والأبالسة ..؟ .، ويكون ذلك في الوقت المعلوم .

( وإذا النفوس زوجت ) : أي : وجمع كل إلى قرينه وشبيهه من المنافقين والمجرمين .

( وإذا االموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) : أي : وسئلوا بأي حجة أخر من أخر من حدود الله عن مراتبهم ، وقدم عليهم غيرهم .

( وإذا الصحف نشرت ) : أي : مساوئ المذاهب والاعتقادات .

( وإذا السماء كشطت ) : أي : محي ذكر أئمة الضلال من القلوب ، بإبطال دورهم .

(وإذا الجحيم سعرت ) : أي : أقيمت آية وعيد الله للمعاندين لأمره من حجة صاحب القيامة .

( وإذا الجنة أزلفت ) : أي : أقيمت موائد الله للمتقين في الدنيا والآخرة .

( علمت نفس ما أحضرت ) (125)  :    أي : حينئذ تعلم الأنفس حقائق ما جاءت به الرسل ، ويبقى الموحدون ما دامت السموات والأرض ،    ولا تزال تنحل عنهم على مضي الأيام ،  المعالم الدينية ] (126)

وفي الحقيقة لا نجد في هذا التأويل سوى سخافة وهذيان ، من ورائه نحل ضالة تحارب الإسلام ، وتعمل جاهدة للتشويش على عقائد المسلمين .، ثم إن الآيات التي حملوها ما لا تحتمل ، وأولوها على غير تأويلها لا تشهد لهم   فقد (  ذكر فيها وقت قيام الساعة ، وعلامات حضورها ، والبعث ، والحساب ، والجزاء ، وإثبات أن القرآن الذي أنذرهم بذلك وكذبوه ، هو كتاب من عند الله ، وتبرئة النبي  -  صلى الله عليه وسلم  - من بعض ما وصمه به المشركون ، من أنه ينطق بكلام الجن ، وذكر ذلك الوقت ، والإطناب فيه ، أسلوب من أساليب تحقيقه في النفوس ، وتصديق من أخبر به ) (127) .

  ويرى البهائيون أن قوله تعالى : (ثم إن علينا بيانه ) (128)   تصريح من جانب الحق بأن تأويله لا يظهر إلا عن طريق شخص يصطفيه الله للقيام بذلك ، وهو الميرزا حسين علي (البهاء ) (129)  ،     بينما يستدل البابيون _ سلف البهائيين – أن المقصود بالآية هو ( البيان ) كتاب الباب ( علي محمد الشيرازي ..؟ ) .

وأول البهاء قوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام .. الآية ) (130)  وقوله تعالى :

( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين .) (131)      فقال : ( لم يدرك أكثر العلماء هذه الآيات ، ولم يقفوا على المقصود من القيامة ، ففسروها بقيامة موهومة من حيث لا يشعرون ، والله الأحد شهيد بأنه لو كان لديهم شيء من البصيرة ، لأدركوا من تلويح هاتين الآيتين جميع المطالب ، التي هي عين المقصود . )(132) .

وأول قوله تعالى:( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد . وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد . ) (133)    فقال : ( المقصود من الصور ، هو : الصور المحمدي ، والمقصود القيامة والمجيء : قيام الباب ، ومجيئه بالأمر الإلهي ..) (134)   فالصحابة الكرام ، والتابعون  لهم بإحسان ، والمفسرون ، والفقهاء ، والعلماء ، والمفكرون ، كانوا محجوبين عن فهم هذه الآيات على وجهها الصحيح إلى أن جاءهم هذا البهاء .   ثم إن هذه التأويلات البعيدة الغريبة ، لا تدل عليها اللغة ، ولا يشهد لها ظاهر الكلام ، ولا سياقه ، كما تبين لنا تعارض وتناقض الفرق الباطنية في تأويل الشيئ الواحد ، وأن هذه الفرق اتخذت من التأويل الباطني الفاسد خطة منهجية في حربها على الإسلام ، ومعولا قويا  تهدم به – حسب اعتقادها – ما ظنت أنها قادرة على هدمه  .  وقد اعتمدوا في تأويلاتهم – كما هو واضح – على الظن والوهم ،  وميدان الظن واسع ، وحكم الوهم غالب ، فتعارضت الظنون ، وكثرت الأوهام   .

وأول البهائي أحمد حمدي : الشجرة المباركة في قوله تعالى ( يوقد من شجرة مباركة ) (135)   بأنها :

  [ الميرزا حسين علي ، الملقب بالبهاء . وأول  قوله تعالى : ( يثبت  الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة  ..) (136) فقال : الحياة الدنيا : الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، والآخرة : الإيمان بالميرزا حسين علي اللقب بالبهاء .  

وأول قوله تعالى : ( كما بدأكم تعودون  فريقا هدى وفريقا حق عليه الضلالة ) (137) فقال : ( فريقا هدى  فآمن ببهاء الله ، وفريقا لم يؤمن فحق عليه الضلالة .](138)

وأول قوله تعالى : ( والسموات مطويات بيمينه ) (139)  ، فقال : (  المقصود بها : الأديان السبعة : البرهمية والبوذية ، والكونفوشيوسية ، والزرادشتية ، واليهودية ، والنصرانية ، والإسلام ، ثم قال : إنها جميعا مطويات بيمينه ، أي : بيمين الميرزا حسين – الملقب ببهاء الله - .)(140) وهذا التأويل تلاعب صريح بمعاني القرآن ، وإخراج لآياته عن مقاصدها الحقيقية ، سنده الهوى الآثم ، والكذب على الحق ، والافتراء على الله .

والفرق الباطنية جميعها لم تكن تتظاهر بتكذيب آيات القرآن المجيد ، وإنما اكتفوا بصرفها عن معانيها بتأويلات باطلة ، ليصلوا عن طريق ذلك إلى نبذ المعتقدات الإسلامية ، التي أجمعت الأمة عليها عبر العصور .

وسار  البهائي أبو الفضائل محمد رضا الجرقادفاني _ اليهودي الأصل وأحد دعاتهم المتعصبين  -  على نفس الطريقة ، ونسج على نفس المنوال في تأويل الآيات القرآنية الكريمة بما يتفق ومذاهب الباطنية ، فمن ذلك تأويله لقوله تعالى :   ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ..)(141)

قال : ( أطلق لفظ الشجرة الملعونة  استعارة على أعداء الله ، ومحاربي رسول الله ، من السلالة الأموية ، والسلطة العضوضية السفيانية ..) (142)

بينما المفسر الإسماعيلي ضياء الدين – من طائفة البهرة – يؤولها بقوله : ( الشجرة الملعونة : يعني   الأدلم – وهولقب عمر  عندهم -  ومعاونيه من بني أمية وبني العاص – وكتبها بالرموز الإسماعيلية – (143) ، ومن قفا أثرهم في الضلال ، وهم أغصانه ، لكونه نما فيهم شيطنته ، وما اتصل به من صاحبيه ( أبو بكر وعثمان  وكتبها كذلك بالرموز الإسماعيلية ) من خبائث ، تزيدهم إبليسية ، وفرعنة ، وشيطنة ) (144)  .

  وبعد مقارنة التأويلات البهائية بما سبقها من تأويلات باطنية ، تعطينا هذه المقارنة دليلا قويا ، وبرهانا ساطعا ، على أن البهائية كالبابية تقومان على أطلال الباطنية ، ويهدفون من خلال تأويلاتهم الباطنية الفاسدة  لآيات القرآن الكريم  هدمه بمعول التأويل المنحرف ، بعد أن فشل أسلافهم من غلاة الباطنية في تحريفه ، كما حرفت الكتب السابقة .

أما البهائي : الدكتور محمد رشاد خليفة   - وكان فنيا زراعيا بمنظمة التنمية الصناعية لهيئة الأمم المتحدة  - فقد حاول التدليس على المسلمين ، وإيهامهم بأنه اكتشف معجزة في القرآن ، وأنه سيطلع المسلمين عليها بطريقة مادية ملموسة ، وأن هذه المعجزة مبنية على الرقم  ( 19 ) ، وهو الرقم المقدس عند البابيين ، والبهائيين . وبين يدي الآن نسخة عن هذه المعجزة المزعومة (145)  ، وسأتوقف بالدليل أمام  ما جاء فيها من نهج غير علمي ، وترتيب مصطنع ، يهدف من ورائه خدمة نحلته البهائية المارقة .

            وكان الباب  - مؤسس البابية  - قد ادعى أنه  هو المهدي المنتظر ، ومخلص البشرية في القرن التاسع عشر ، ثم استطاع أن يجمع حوله ( 18 ) ثمانية عشر ممن آمنوا به ، وصاروا أتباعا له ، ورمز لهم بكلمة ( حي )(146)  . وكتابه ( البيان ) الذي كتب فيه تعاليمه ، يحتوي على تسعة عشر واحدا  ، أي : قسما ، وكل واحد ينقسم إلى تسعة عشر بابا ، فتكون أبواب الكتاب ( 361 ) بابا ، وهذا العدد من مضاعفات الرقم ( 19 ) .

والسنة عند البابيين والبهائيين تسعة عشر شهرا (147) ، تبدأ بشهر البهاء ، وتنتهي بشهر العلاء ، وهو شهر الصوم ، وينتهي بعيد النيروز ، وهو عيد الفطر عند البابيين والبهائيين ،  واتخذت منه الأمم المتحدة (  عيدا للأم ) – كما أسلفنا - ، وهو في الحقيقة عيد للبابيين والبهائيين ..!

   والشهر عندهم تسعة عشر يوما ، فتكون مجموع أيام السنة عندهم  ثلاثمائة وواحد وستين يوما ( 361 ) ، والأيام الباقية التي يتم بها الحول على الحساب الشمسي ، وهي خمسة أيام ، يسمونها : أيام الهاء ( والهاء بحساب الجمل تساوي : خمسة ) وهي تسبق شهر الصوم عندهم ، وهو شهر العلاء  . ويرتبط مهر الزوجة عندهم بالعدد ( 19 ) أو بمضاعفاته ، وتطلق الزوجة عندهم متى أوقع عليها تسع عشرة طلقة ، إلى آخر ما هنالك من سخافات وهذيان . (148) . فأراد  البهائي الدكتور محمد رشاد خليفة   ، - المسبوق بكل ما ذكره وافتراه - أن يوجد سندا لهذه العقيدة من القرآن الكريم ، فزعم أن حروف البسملة تتكون من تسعة عشر حرفا ، - ولو حسب اللام المضعفة في لفظ الجلالة لأصبحت عشرين حرفا - ، وذكر أن كلمة ( اسم ) ، تكررت في القرآن ( تسع عشرة مرة  ) (149) ،  أما كلمة   ( بسم ) فقد تكررت ثلاث مرات . (150)  ، ولفظ الجلالة ( الله ) تكرر في القرآن ( 2698) مرة ، وكلمة  ( الرحمن ) تكررت سبعا وخمسين  مرة ، وكلمة الرحيم تكررت مائة وأربع عشرة  مرة ، وكلها من مضاعفات الرقم (19) .     وبعد مراجعة هذه الكلمات في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، نجد أن كلمة ( بسم ) كما وردت في البسملة تكررت ثلاث مرات ، أما كلمة ( اسم بدون الباء ) ،   فقد تكررت تسع عشرة مرة ، ( إذا أضفنا إليها آية سورة الحجرات رقم 11) . وكلمة ( اسمه ) تكرت خمس  مرات ،   فلماذا لم يحص كلمة ( اسم ) بكل حالاتها ..  ؟  لأن المجموع سيكون حينئذ  سبعا وعشرين  ، وهذا عدد لا يقبل القسمة على الرقم تسعة عشر .  ووردت كلمة ( اسم ) في القرآن بصيغة الجمع على النحو التالي :  بصيغة ( أسماء ) تسع مرات ، وبصيغة ( أسمائه ) مرة واحدة ، وبصيغة ( أسمائهم ) مرتين ، فلماذا لم يحص كل الحالات التي وردت فيها (  اسم ) ومشتقاتها ، بل اقتصر على ( اسم ) لأنها تسع عشرة مرة ، وأهمل ذكر حالة ( بسم ) مع أنها تطابق البسملة ..؟ (151)  .

 أما كلمة  ( الرحيم )  فقد وردت في كل حالاتها ( 115 ) مرة ، وليس ( 114 ) مرة كما زعم ، فقد وردت بصيغتي الرفع والجر  (95 )  مرة ،  وبصيغة النصب ( 20)  مرة ، فزور الرقم وقال : إنه ( 114 )  مرة ، ليكون من مضاعفات الرقم تسعة عشر . وكلمة لفظ الجلالة ( الله)  وردت في حالة الرفع ( 900) مرة ، و ( 592 ) مرة في حالة النصب ، و ( 1125 ) مرة ، ومجموعها في كل حالاتها : ( 2697 )  مرة (152)  

ولكن  الدكتور رشاد خليفة يضيف إليها رقما ليصبح المجموع ( 2698 ) ،  وهو من مضاعفات الرقم تسعة عشر ،  وبذلك  يتضح لنا التلاعب الذي تعمده صاحب الاكتشاف المزعوم ليتوافق مع العدد المقدس عند البابيين والبهائيين . ويقول الدكتور محمد رشاد خليفة : ( إذا عددنا الحرف ( ص ) في السور الثلاث التي تفتتح بهذا الحرف وهي : سورة الأعراف ( المص ) ، وسورة ( صاد ) ، وسورة مريم ( كهيعص ) ، نجد أن مجموع الحرف ( ص ) في السور الثلاث يبلغ ( 152 ) حرفا ، وهذا العدد من مضاعفات الرقم  ( 19 ) .

وإذا عدنا إلى السور الثلاث المذكورة ، نجد أن الحرف ( ص ) يتكرر في سورة الأعراف ( 98 ) مرة ، وفي سورة مريم ( 26 ) مرة ، وفي سورة ( صاد) ( 29 ) مرة ، ومجموعها هو ( 153) حرفا ، وليس ( 152) حرفا ، وهذا العدد غير قابل للقسمة على الرقم ( 19 ) ، وهنا نلاحظ التلاعب خدمة للهدف البهائي .

وهنا نتساءل : لماذا اختار معجزته المزعومة  من السور المفتتحة بالحرف ( ص ) ، ولم يختر فواتح السور التي ورد فيها الحرف ( س ) مثلا ..؟ وما هو المنهج الذي اعتمده ..؟

 ويقول الدكتور خليفة :  [( إذا عددنا الحرف ( ي ) والحرف ( س ) في يورة ( يس ) نجد مجمع الحرفين ( 285 ) حرفا ، وهو من مضاعفات الرقم ( 19 ) . ] (153) وهنا نقول : لماذا اعتمد في سورة ( يس )الحرفين اللذين افتتحت بهما السورة  ، ولم يعتمد نفس المنهج في مفتتح سورة البقرة مثلا ، ( أ ، ل ، م ) ، وفقا لما اعتمده في سورة ( يس ) ..؟

ويقول الدكتور خليفة : ( إذا عددنا الحروف ( أ ، ل ، ر ) في السور الخمس التي تفتتح بالحروف  ( ألر ) وهي سورة : يونس ، وهود ، ويوسف ، وإبراهيم ، والحجر ، ثم أضفنا عدد الحرف ( ر ) في ( سورة الرعد )المفتتحة بقوله ( ألمر ) ،  نجد المجموع : ( 9709) ، وهو من مضاعفات الرقم   ( 19 ) . 

ونقول : ولم اختار الحرف ( ر ) من الحروف التي جاءت في مفتتح سورة ( الرعد ) ، ولماذا لم يختر الحرف ( أ ) أو الحرف ( ل ) أو الحرف ( م )  ..؟ وهل كان اختياره العشوائي بلا منهج محدد إلا افتراء ومحاولة مكشوفة لتبرير الاعتقاد البهائي ..؟ فما قام به الدكتور محمد رشاد خليفة ليس إلا من جملة التأويلات الفاسدة عند الفرق المارقة ، التي تحاول أن تؤول آيات القرآن الكريم وفق عقيدتها ،  دون الاعتماد على قواعد التفسير ، أو ضوابط التأويل ، وهو بذلك قد خالف من سبقه من البهائيين الذين اتخذوا من البسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) دليلا على ما زعموه من أن وحدة اللاهوت عندهم مكونة من ثلاثة أقانيم ، هي : البهاء ، وهو الرئيس ، وابنه الميرزا عباس ، الملقب بغصن الله الأعظم ، والباب . وهم المعبر عنهم في الانجيل بـ : الأب  ، والابن  ، والروح القدس . وفي القرآن بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . (154) والبهائية أخذت هذا التأويل عمن سبقهم من الباطنيين الإسماعليين  ، فهم على اختلاف فرقهم ضرب واحد ، ونسيج غير مختلف ، إذ قال الداعي الإسماعيلي : ابن حوشب منصور اليمن :      ( أول القرآن : ( بسم الله الرحمن الرحيم  ) فـ ( بسم الله  ) سبعة أحرف ، والسورة سورة الحمد ، وهي سبع آيات ، فالسبع التي هي ( بسم الله ) تدل على النطقاء السبعة  (155) ،    يتفرع منها اثنا عشر ، تدل على أن لكل ناطق اثني عشر نقيبا ، ثم الاثنا عشر التي هي ( الرحمن الرحيم ) فدل ذلك على أن النطقاء يتفرع منهم بعد كل ناطق سبعة أئمة ، واثنا عشر حجة ، فذلك   ( تسعة عشر ) ، والسبع آيات التي هي سورة الحمد ، أمثال لمراتب الدين السبع ، فسورة الحمد يستفتح بها كتاب الله ، كذلك مراتب الدين يستفتح بها أبواب علم دين الله . )(156) .    أما الداعي الإسماعيلي : حاتم بن عمران ، فقد قال في تأويل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قولا مخالفا لكل من سبقه ، فقال  : [ إن حروف

( بسم الله الرحمن الرحيم ) هم مثل على : (محمد) ، و(علي) و(حسن ) و (حسين ) و( فاطمة ) لأنهم تسعة عشر حرفا ، وهم أيضا مثل على عدد الملائكة الكبار الشداد ، الذين لا يعصون الله ما أمرهم به ] .(157)

هذه بعض التأويلات الباطنية المتعارضة والمتناقضة للبسملة  ، والتي نهلت منها البهائية في تأويلاتها ،  وهي تأويلات لا يقبلها العقل السليم ، ولا يؤيدها النقل ، لمجافاتها لقواعد التفسير ، ولضوابط التأويل المقبول . مما يدل على أن دينهم واحد ، ونسيجهم غير مختلف ، يدعون إلى تأليه البشر وعبادتهم من دون الله ، خلافا لدعوة الرسل والأنبياء –  عليهم الصلاة والسلام  - .

  • الاربعاء PM 06:32
    2022-01-12
  • 1877
Powered by: GateGold