ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الجذور التاريخية للبهائية
المبحث الأول :
المطلب الأول : نشأة البابية :
البهائية وريثة البابية التي تنتسب إلى الباب : - علي محمد الشيرازي - ، والبابية لفظة كثيرة التداول في أدبيات الفرق الباطنية ، يطلقونها على بعض أركان دعواتهم ، فالباب عندهم : هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة ما يوجد داخل البناء ، فهو إذن واسطة للمعرفة . ، متخذين من حديث يتردد على ألسنة المسلمين ، يقول : ( أنا مدينة العلم وعلي با بها ) (4) سندا لصحة مزاعمهم ، ولم تشتهر هذه اللفظة بمثل ما شهرها به علي محمد الشيرازي ، الذي أسمى نفسه الباب ، وتبعه أناس تلقبوا فيما بعد بالبابية .
ولد الباب علي محمد الشيرازي في شيراز ، ولما بلغ سن الرشد ، أخذ يبحث في الأمور الاعتقادية ، ثم زار كربلاء ، والتقى هناك بكبار زعماء الطائفة الشيخية ، واستمع إلى دروس شيخ الطائفة : أحمد الأحسائي ، ودروس تلميذه حاجي كاظم الرشتي ، الذي كان ( يبشر أتباعه ومؤيديه وتلاميذه، باقتراب الأوان من ظهور المهدي ،ودنو قيام القائم المنتظر ) (5)
ولما بلغ الميرزا علي محمد الشيرازي الخامس والعشرين من عمره ، انفصل عن الشيخية وأعلن أنه ( باب ) الإمام الغائب ، وبعد أن اكتمل عدد من اجتمع حوله من كبار تلامذة الرشتي ، ثمانية عشر شخصا أطلق عليهم لقب:أصحاب أو شهداء (حي ) (6)، وأمرهم بالانتشار في إيران والعراق يبشرون به وبدعوته ، وأوصاهم بكتمان اسمه حتى يظهره هو بنفسه ، ثم عاد إلى إيران ، وهناك أعلن عن دعوته ، واشتهر اسمه ، فثار المسلمون عليه ، وحاربوا دعوته بوسائلهم المتاحة ، ثم جمع والي شيراز بينه وبين علماء إيران ، فناظروه ، وأظهروا ما في دعوته من ردة ، وغواية ، وضلال ، فاعتقله الوالي في سجن شيراز ، ولكن هذا الاعتقال لم يمنعه من الإدعاء بأنه يوحى إليه ، فقرر الوالي قتله لولا لجوء الباب إلى :التقية ، فأخفى معتقده ، وأظهر ما يخالف ذلك ، ونفى أنه يزعم أنه واسطة بين الناس والإمام المنتظر ، فأطلق الوالي سراحه ، ليبدأ الدعوة لمذهبه من جديد ، فأمر الشاه ناصر الدين باعتقاله ، وفي معتقله ألف الباب كتابه : ( البيان ) ، وزعم أنه أوحي إليه به ، وأنه ناسخ للقرآن الكريم ، فثار عليه العلماء ، وكان من نتائج ذلك ، أن أصدر الشاه ناصر الدين أوامره بإعدام الباب ، فقتل رميا بالرصاص ، وعلقت جثته في ميدان عام بمدينة تبريز ، ثم أخفى أتباعه جثته في تابوت ، ودفنوه خارج طهران ، ثم نبش القبر وأخرج التابوت حين طلب عباس أفندي الملقب بـ ( غصن الله الأعظم ) نجل البهاء ، نقل الجثة إلى ثغر ( حيفا ) ، من ثغور فلسطين المحتلة حيث تم دفنه هناك (7)، ليصبح المكان فيما بعد قبلة للبابيين ، ثم البهائيين ، حيث تم دفن جثة (بهاء الله ) بجوار (الباب ) في ( البهجة ) ، على منحدرات جبل الكرمل .(8)
المطلب الثاني : شذرات من شريعة الباب
يزعم الباب أن شريعته نسخت شريعة القرآن ، وأحكامه مطلقا ، بقوله :[ كل من كان على شريعة القرآن كان ناجيا إلى ليلة القيامة ، ويوم الساعة ، أي : ليلة قيامه بالدعوة ، وساعة ظهوره بالأمر ، وهي الساعة الثانية والدقيقة الحادية عشرة ، من غروب شمس اليوم الرابع ، وأول الليلة الخامسة من شهر جمادى الأولى سنة 1260 هـ ، وبناء على ذلك ، يحكم على كل من يرغب عن إطاعة أوامره ، ولم يذعن لأقواله بعد هذا التاريخ ، بأنه عاص ، فاسق ، والذي يخالفه فهو كافر جاحد مهدور الدم ] (9) ثم حدد الباب أمر الزواج ، وجعله برضى الزوجين فقط ، دون ولي ، أو وكيل ، أو شهود ، ونسخ البهاء هذا الحكم في كتابه الأقدس، فقال ما نصه : [ إنه ( أي : الباب ) حدد الزواج برضى الطرفين ، إنا لما أردنا المحبة والوداد ، واتحاد العباد ، لذا علقناه بإذن الأبوين بعدهما لئلا تقع الضغينة والبغضاء](10)
وجعل قيمة المهر لأهل المدن تسعة عشر مثقالا من الذهب ، وأعلاه خمسة وتسعين مثقالا، وخصص هذا العدد والوزن لأهل القرى من الفضة . وجعل العصمة بيد الرجل في الطلاق ، فقال : ( إذا انحرف الزوج عن زوجته ، وعزم على طلاقها ، يجب عليه أن يجتنبها تسعة عشر شهرا ، فإن تندم في أثناء هذه المدة ، ورجع عن عزمه فبها ونعمت ، وإلا كان له أن يطلقها بعد انقضائها ، وإذا وقع الطلاق لا يجوز الرجوع إلى الزوجة المطلقة ، إلا بعد مضي تسعة عشر يوما ، والطلاق تسعة عشر مرة ، وبعد تسعة عشر مرة يحرم عليه الرجوع إليها مطلقا طيلة حياته )(11).
والطهارة عند البابية تتم بواسطة : الماء ، والهواء ، والتراب ، والنار ، وكتابه ( أي البيان ) ، والشمس ، بشرط أن تجفف الشيئ المبلول (12)
والوضوء للصلاة : يشمل الوجه واليدان فقط إلى الكفين ، ويكون بماء مضاف إليه ماء الورد ، وفي حالة عدم وجود الماء ، يكفي البابي أن يقول خمس مرات : ( باسم الله الأمنع والأقدس ) وبذلك يتحقق الوضوء ، وتتم الطهارة .
وفرضت البابية على أتباعها : الصلاة ركعتين في الصباح ، وصلاتين أخريين ، على البابي أن يقوم بهما في حياته ، وهما : صلاتي الجنازة ، وصلاة الوضع ( عند ولادة مولود جديد ) .
وفي صلاة الجنازة : يقوم البابي بالصلاة على الميت منهم صلاة ذات ست تكبيرات ، يذكر بعدها دعاء من أدعية الباب ، تسع عشرة مرة .
أما الزكاة : فيلزم كل بابي ملك النصاب ( ويقدر بـ 541 مثقالا من الذهب ، أو ما يعادله من الفضة ) ، أن يؤدي زكاة أمواله سنويا إلى الباب في حال حياته ، ولمجلس البابية ( المكون من تسعة عشر عضوا ) من بعده ولا يجوز بحال من الأحوال إعطاء الزكوات ، أو الصدقات ، لغير البابيين .(13)
وجعل الباب الصوم في شهر العلاء ، ومدته تسعة عشر يوما ، من شروق الشمس إلى غروبها ، وحقيقة الصوم عند البابيين : هو ( كف النفس عن كل ما لا يرضاه الشيرازي ) (14) ووقت الصوم يبدأ من شروق الشمس إلى غروبها ، ويجب الصوم على المكلف ، والتكليف عندهم يبدأ من سن البلوغ الذي هو : أحد عشر سنة ، إلى اثنتين وأربعين سنة ، قال الباب : ( أنتم كل حول شهر العلاء لتصومون ، وقبل أن يكمل المرء والمرأة إحدى عشرة سنة ، إلى أن يقول : وبعد ما يبلغ إلى اثنتين وأربعين سنة يعفى عنه ..) (15)
ونسخ الباب الحج إلى بيت الله الحرام بمكة ، بل أوصى أن يهدم هذا البيت عند ظهور رجل مقتدر من أتباعه ، وفرض الحج شخصيا مرة واحدة في العمر ، إلى بيته الذي ولد فيه بمدينة شيراز ، وأسماه بيت الله الحرام ، وحرم الحج نيابة عن الغير ، وأعفى النساء من الحج إلى بيته إلا نساء مسقط رأسه ( شيراز )(16). كما نسخ البهاء دين زعيمه الباب ، مع أن الباب قد صرح مرارا أن دينه سيطول أمده أعواما ، بقدر حروف كلمة
( المستغاث ) ، ومقدارها بحساب الجمل يساوي ( 2031 ) عاما ، فقال : ( كل من ادعى أمرا قبل سنين المستغاث فهو مفتر كذاب ، اقتلوه حيث ثقفتموه ، وإذا ظهر بعد هذه المدة من يظهره الله ، وأتى بآيات ،وادعى أمرا جديدا ، فلا يعارض ولا يمانع في قوله ، لأن المعارضة والمخالفة في أمر هذا الرجل ،مما يحزن الباب ).(17) . وأكتفي بهذه الشذرات الموجزة عن شريعة الباب ، ليقاس على المذكور ما أهملنا ذكره .
المبحث الثاني :
المطلب الأول: نشأة البهائية :
البهائية نحلة ورثت البابية ، لتعبد من دون الله : حسين علي بن الميرزا عباس المازنداني ، الملقب بالبهاء . عرف البهاء البابية على يد أحد دعاتها في طهران ، فوقع في حبائلها ،حتى أصبح من كبار دعاتها . ولما دبر البابيون مكيدة لاغتيال الشاه ناصر الدين ، تبين للحكومة الإيرانية أن للبهاء وإخوانه يدا في تدبير هذه المكيدة الفاشلة ، فأودعوهم السجن ريثما يصدر الأمر بالقصاص منهم ، إلا أن تدخل القنصل الروسي ، والسفير الإنجليزي لدى الشاه ، حال دون ذلك ، فصدر الأمر بنفيهم إلى بغداد .وقد صرح بهاء الله بأنه لم ينج من الأغلال والسلاسل إلا بجهود قنصل الروس ، فقال في سورة الهيكل : ( يا ملك الروس : ولما كنت في السلاسل والأغلال في سجن طهران نصرني سفيرك )(18) .
وكاد البهاء بدهائه وبمساعدة بعض البابيين ، فرض زعامته على من تبقى من البابيين لولا حادث ذهب بأمانيه أدراج الرياح ، وهو نفي البابيين من بغداد إلى القسطنطينية التي لبثوا فيها أربعة شهور ، ثم صدر الأمر بنفيهم إلى ( أدرنة ) وتسمى عند البهائيين بـ ( أرض السر ) ، وفي أدرنة جهر البهاء بالدعوة إلى نفسه ، فتابعه قوم ، وعارضه آخرون ، وخشيت دولة الخلافة أن تضطرم بـ ( أدرنة ) نيران الفتنة والثورة ، فاتفقت وسفير الشاه على تغيير منفى القوم ، فنفت ( البهاء )ومن تبعه إلى مدينة ( عكا ) في فلسطين المحتلة ، وسجنتهم في قلعتها ، ونفت معارضيه إلى جزيرة قبرص ، وسجنتهم في قلعة ( فاماغوستا) ، ولم يلبث أن قوي بالتالي أمر ( البهاء ) وامتد نفوذه ، فكبرت مزاعمه ، إذ بعد أن كان يدعي أنه خليفة الباب ، أصبح يزعم أنه المهدي ، ثم ادعى النبوة ، فالرسالة ، فالربوبية والألوهية ، واستمر سادرا في غيه وضلاله ، إلى أن هلك في الساعة الثانية بعد منتصف يوم السبت ثاني ذي القعدة سنة 1309هـ الموافق لـ 28 / 5 / 1892م ، فخلفه ولده الأكبر : الميرزا عباس ، الذي تلقب في حياة والده بـ ( غصن الله الأعظم ) ، وبعد هلاك أبيه بـ ( عبد البهاء ) ، ولم يمض وقت طويل ،حتى غير عبد البهاء أحكام شريعة أبيه ، وادعى النبوة ، فالربوبية ، حتى أن أخاه : ( الميرزا محمد علي ) أنكر عليه ذلك أشد الإنكار، ورماه بالكفر والمروق من دين البهاء ، فانقسمت البهائية إلى فريقين : فريق سمي بـ ( الناقصين ) ويرأسهم الميرزا محمد علي ، وسمي الفريق الآخر بـ ( المارقين ) ، ويرأسهم عبد البهاء ( الميرزا عباس ) الذي استطاع الظهور على أخيه ، بمساعدة بريطانيا ، والحركة الصهيونية ، فأصبح أداة طيعة في أيديهم .(19)
المطلب الثاني : شذرات من أحكام شريعة البهاء
يزعم البهاء كسلفه الباب ، أن شريعته ناسخة لما سبقها من الشرائع ، ولشريعة الباب كذلك ، بل أنشأ دينا جديدا هو مزيج عجيب من العقائد السماوية والوضعية ، كحل وسط بين الأديان ، وكطريقة عملية لإشاعة السلام في الأرض كما يدعي ، ففي البهائية آيات من القرآن الكريم ، ونصوص من التوراة والإنجيل ، واقتباسات من الهندوسية ، والكونفوشيوسية ، والبوذية ، ويؤولون هذه الاقتباسات بما تقتضيه ديانتهم الجديدة ، التي وصفوها بأنها لا تنتمي إلى ديانة معينة بالذات ، ولا هي فرقة أو مذهب ، وإنما هي دعوة إلهية جديدة ، من شأنها أن تختم الدورة السابقة ، أي : الرسالة الإسلامية ، وأن تعطل شعائرها وعباداتها ، فعقيدتهم تخالف عقيدة لمسلمين في الله ، والرسول ، والقرآن ، والصلاة ، والصوم ، والحج ، وفي كل الأصول والفروع .(20) ، وسأورد شذرات من أحكام شريعة البهاء التي دونها في كتابه ( الأقدس ) :
فقال في الأقدس عن الصلاة : ( قد فرض عليكم الصلاة من أول البلوغ أمرا من لدى الله ربكم ، ورب آبائكم الأولين ، من كان في نفسه ضعف من المرض أو الهرم ، عفا الله عنه فضلا من عنده ، إنه لهو الغفور الكريم . ومن لم يجد الماء يذكر خمس مرات ( بسم الله الأطهر ) ثم يشرع في العمل ، هذا ما حكم به مولى العالمين . وقد عفونا عنكم صلاة الآيات _ أي : صلاتي الكسوف والخسوف – إذا ظهرت ، أن اذكروا الله بالعظمة والاقتدار ، إنه هو السميع البصير . وكتب عليكم الصلاة فرادى ، قد رفع حكم الجماعة ، إلا في صلاة الميت ، إنه لهو الآمر الحكيم .) (21) وحدد البهاء قبلة البهائيين في ( الأقدس ) بقوله : ( إذا أردتم الصلاة ولوا وجوهكم شطري الأقدس ، المقام المقدس - أي : عكا (22) - الذي جعله الله مطاف الملأ الأعلى ، ومقبل أهل مدائن البقاء ، ومصدر الأمر لمن في الأرضين والسموات ..)( 23)
وفرض الحج على الرجال دون النساء ، ولهم ثلاث مزارات يقدسونها ويحجون إليها ، الأول : في شيراز ، وهو المكان الذي ولد فيه الباب . والثاني : في بغداد ، وهو المكان الذي جهر فيه البهاء بدعوته . والمكان الثالث : في عكا ، حيث استقر به المقام ، ودفن بعد هلاكه . يقول في ( الأقدس ) : ( وقد حكم الله لمن استطاع منكم حج البيت - أي مكان إقامته ومدفنه فيما بعد بعكا - دون النساء ، عفا الله عنهن رحمة من عنده ، إنه لهو المعطي الوهاب ) (24)
وجعل الصيام : تسعة عشر يوما في شهر العلاء ، ويكون عيد الفطر عندهم موافقا : لما يسمى بـ ( عيد النيروز ) ، ويوافق كذلمك ما يسميه العالم اليوم : بـ [ عيد الأم الموافق ليوم ( 21/ 3 ) من كل عام ميلادي ] . قال في الأقدس : ( ياقلم الأعلى ، قل يا ملأ الإنشاء : قد كتبنا عليكم الصيام أياما معدودات ، وجعلنا النيروز عيدا لكم بعد إكمالها . ) (25)
أما حكم الزكاة عندهم : فقد بينه البهاء في ( الأقدس ) فقال : ( والذي تملك – هكذا – مئة مثقال من الذهب ، فتسعة عشر مثقالا لله فاطر الأرض والسماء . ) ( 26 ) وحرمت البهائية على أتباعها الحهاد ، ولم يوجدها من أوجدها إلا لهذا السبب ، وفرضت على أتباعها الدعوة إلى السلام ، وعدم اللجوء إلى الحرب والقتال ، بأية صورة من الصور وأكتفي بما أوردته من أحكام شريعة البهاء ، وهي غيض من فيض ، لا يتسع لها مثل هذا البحث .
-
الاربعاء PM 06:26
2022-01-12 - 2058