المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412360
يتصفح الموقع حاليا : 385

البحث

البحث

عرض المادة

حقيقة العلمانية معناها ونشأتها وكيف دخلت بلاد المسلمين

تعريف العلمانية

 ما هي العلمانية ؟!سؤال قصير ، لكنه في حاجة إلى جواب طويل ، واضح وصريح ، ومن الأهمية بمكان أن يعرف المسلمون جوابًا صحيحًا لهذا السؤال ، وقد كُتِبَتْ - بحمد الله - عدة كتب في هذا المجال ، وما علينا إلا أن نعلم فنعمل ومن أهم  هذه الكتب والمراجع التى شرحت وبينت العلمانية وحقيقتها بصورة واضحة وصريحة

1-العلمانية للشيخ سفر الحوالى وهو مرجع مهم جدا

2-رسالة العلمانية وثمارها الخبيثة ,وكتاب تحطيم الصنم العلمانى ,كلاهما للشيخ محمد شاكر الشريف

3- . موقف أهل السنة والجماعة من العلمانية"عوائق الانطلاقة الكبرى" للشيخ  محمد عبد الهادي المصرى

4-لماذا نرفض العلمانية للشيخ محمد محمد بدرى وهو من أهم الكتب التى بينت كفر العلمانية ومفارقتها للإسلام

5- العلمانية ذلك الشرك الأكبر للشيخ الفزازى –رحمه الله-

6- العلمانية النشأة والتطور للشيح حامد العُلى

7- موقف الإسلام من العلمانية للشيخ صلاح الصاوى

وهناك كتب ومؤلفات ورسائل عديدة بينت حقيقة العلمانية وكفرها ومفارقتها للإسلام وهذه خلاصتها

العلمانية هي: إقامة المجتمع أو الدولة على غير الدين، أي: أن الدين في المسجد -تصلي فقط- لكن أموالك في البنوك الربوية، زوجتك لا تتحجب، النساء يعملن مع الرجال في كل شيء، الصحافة تكتب ما تشاء، دور السينما تبث ما تشاء، التربية والتعليم المناهج فيها علمانية بحتة، لا دينية بحتة، الولاء والبراء يفقد تماماً في التعامل الدولي أو الفردي، ولا توالي الأمة لأنها مؤمنة، ولا تعادى لأنها كافرة، إنما الدين مسألة فردية روحية، تريد المسجد فهو مفتوح، تريد أن تصوم صم، لا أحد يرغمك على أن تفطر، وهذه مرحلة سيعقبها ما هو أشد من ذلك وهو محاربة الإسلام في هذه الأمور.

لفظة علمانية ترجمت على أساس أنها ترجمة لكلمة العلم، وكأن الدين مقابل العلم، لأنه في أوروبا وجد الصراع بين الدين والعلم، لكن في الحقيقة الكلمة في الأصل الأوروبي لا تعني العلم ولا علاقة لها بالعلم، وإنما تعني كلمتين هما: الدنيوية أو اللادينية، لكن ترجمت باسم العلم تمويهاً، فإذا قال أحد: أنا أقيم دولة لا دينية، فهذه قضية، لكن: دولة علمانية، هذه ليس فيها حرج، فإقامة دولة علمانية ، أو إقامة مجتمع علماني، ليس فيه حرج؛ لأن الإسلام دين العلم، فيموهون علينا.

و تعبير العلمانية تعبير محدث لم يرد له ذكر في المعاجم العربية القديمة، وقد ورد هذا التعبير لأول مرةٍ في قاموس ثنائي اللغة [فرنسي- عربي] ألفه أحد تراجمة الحملة الفرنسية واسمه لويس بقطر المصري، وقد طبع جزؤه الأول في مارس 1828م، ثم دخلت الكلمة بعد ذلك إلى اللغة العربية، وأول معجم في اللغة العربية ورد فيه هذا التعبير هو المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

فقد جاء في طبعته الأولى الصادرة سنة 1960م: (العلماني): نسبة إلى العلم، بمعنى العالم، وهو خلاف الديني، أو (الكهنوتي)، وبقي الأمر كذلك في الطبعة الثانية الصادرة سنة 1979م، أما في الطبعة الثالثة، التي صدرت سنة 1985م، فقد وردت الكلمة فيه مكسورة العين، بعد أن ظلت مفتوحة في الطبعتين الماضيتين.

والعلماني (مفتوحة العين) نسبة إلى العلم (بفتح العين وسكون اللام) بمعنى العالم، أي الخلق كله.

والعلماني (بكسر العين) نسبة إلى العلم التجريبي، الذي انتصر على الكنيسة، بعد صراع مرير، سالت فيه دماء، وأزهقت فيه أرواح؛ لأن الكنيسة كانت بالمرصاد لكل رأي علمي يعارض التفسير الديني للكتاب المقدس.

ولاصلة للعلمانية بالعلم كما سيأتى

نعود إلى جوانب سؤالنا ، ولن نتعب في العثور على الجواب الصحيح ، فقد كفتنا القواميس المؤلفة في البلاد الغربية ، التي نشأت فيها العلمانية مؤنة البحث والتنقيب ، فقد جاء في القاموس الإنجليزي

، أن كلمة ( علماني ) تعني :

1- دنيوي أو مادي .

2- ليس بديني أو ليس بروحاني .

3- ليس بمترهب ، ليس برهباني و الرهبانية عند النصارى نوع من العبادة التي ابتدعوها ، فقوله : ( ليس بمترهب ) يعني ليس بمتعبد ، وهي تقارب أو تناظر التعريفين الأول والثاني ، والنصارى لا ينظرون إلى الرهبانية على أنها بدعة كما ينظر إليها المسلمون ، بل يعتبرونها دينًا صحيحًا ، وعلى ذلك فقوله : ( ليس بمترهب ) ، ليس نفيًا للابتداع ، وإنما هو نفي للتعبد والتدين

وجاء أيضًا في نفس القاموس ، بيان معنى كلمة العلمانية ، حيث يقول : العلمانية : هي النظرية التي تقول : إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية .

وفي دائر المعارف البريطانية ، نجدها تذكر عن العلمانية : أنها حركة اجتماعية ، تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب .

ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية ، تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد ،

 وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين :

* إلحاد نظري .

* إلحاد عملي ، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي

 ما ذكرنا هنا عن دائرة المعارف البريطانية ، والقاموس الإنجليزي ، استفيد من كتاب ( نشأة العلمانية ) للدكتور محمد زين الهادي .

 

 

وتعرف العلمانيّة في البلاد التي نشأت فيها ( أوربا ) :

ب ألاّ يكون الإنسان ملزما بتنظيم أفكاره وأعماله وفق معايير مفروضة على أنها شريعة أو إرادة إلهيِّة .
ويطلق على هذا الفكر في اللغة الانجليزية التي هي لغته الأصلية SECULARISM ، وهي تعني (اللاَّدينية ) ، غير أنها اشتهرت باسم ( العلمانيّة) ، ولعلَّ ذلك كان مقصوداً بغيةَ إلباسها لبوساً يجعلها مقبولة بين المسلمين.
وفي قاموس (أكسفورد) عرفت بما يلي : ( العلمانيَّة مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني
وما تقدم ذكره يعني أمرين :

أولهما : أن العلمانية مذهب من المذاهب الكفرية ، التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا ، فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها ، بعيدًا عن أوامر الدين ونواهيه .

ثانيهما : أنه لا علاقة للعلمانية بالعلم ، كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس ، بأن المراد بالعلمانية : هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به ، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه بما ذكر من معاني هذه الكلمة في البيئة التي نشأت فيها .

ولهـذا ، لو قيـل عن هذه الكلمة ( العلمانية ) إنها : ( اللادينية ، لكان ذلك أدق تعبيرًا وأصدق ) ، وكان في الوقت نفسه أبعد عن التلبيس وأوضح

الأركان التي تقوم عليها العلمانية :
العلمانية تقوم على ثلاثة أركان هي :
الركن الأول : قصر الإهتمام الإنساني على الدنيا فقط ، وتأخير منزلة الدين في الحياة ، ليكون من ممارسات الإنسان الشخصيَّة ، فلا يصح أن يتدخل في الحياة العامة ، وأما الدار الآخرة فهي لما كانت أمر وراء الطبيعة ، فينبغي في دين العلمانية أن يكون مفصولا تماما عن التأثير في الحياة المادية ، وقوانينها المحسوسة .
الركن الثاني : فصل العلم والأخلاق والفكر والثقافة عن الالتزام بتعاليم الدين ، أيِّ دين كان .
الركن الثالث : إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني.

كيف نشأة و ظهرت العلمانية

لم تنشأ العلمانية في بلاد الإسلام، ولم تعرفها أرض المشرق بصفة عامة، وإنما كانت نشأتها في أوروبا الصليبية في أعقاب صراع طويل بين الكنيسة وبين السلطة الزمنية؛ حيث سيطرت الكنيسة على كل شيء، فالعلم والتربية والأخلاق والسياسة والاقتصاد والحكم والأدب والفن مرده إلى سلطان الكنيسة، وكل ما خالف تفسيرات الكنيسة ومقولاتها فهو باطل، وكل من اعتنق شيئًا مخالفًا لما تقول به الكنيسة وجبت محاكمته، وربما وصل الأمر بهم إلى إعدامه حرقًا، ولقد بلغ الذي صدرت ضدهم أحكام من الكنيسة 340 ألفًا حتى سنة 1801م، وأحرق مائتان أحياء، ولم يكن هذا الأمر محتملاً لا من جمهور الناس ولا من العلماء والمفكرين.

فكان التمرد السياسي على الكنيسة من قبل بعض الملوك كما فعل فريدريك الثاني الذي أقام إمارة علمانية في جنوب إيطاليا وكان جريئًا ثائرًا على القديم في جميع مناهجه وآرائه، ولهذه نعته معاصروه بأنه أعجوبة العالم.ثم كان التمرد العلمي من قبل كثير من العلماء الذين أعلنوا إيمانهم بحقائق العلم التي تخالف مقررات الكتاب المقدس، والذين ووجهوا بالحرمان الكنسي، وبأحكام مختلفة انتهت ببعضهم إلى الإعدام حرقًا.

ثم تتابعت صور التمرد ضد الطغيان الكنسي تتصاعد حينًا وتخبو حينًا آخر حتى انتهى الأمر بأطراف هذا الصراع إلى هذه المثنوية التي تمثلها هذه العبارات الكنسية الشائعة: (أعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله).

فكان الغرب النصراني في ظروفه الدينية المتردية هو البيئة الصالحة ، والتربة الخصبة ، التي نبتت فيها شجرة العلمانية وترعرعت ، وقد كانت فرنسا بعد ثورتها المشهورة هي أول دولة تُقيم نظامها على أسس الفكر العلماني ، ولم يكن هذا الذي حدث من ظهور الفكر العلماني والتقيد به - بما يتضمنه من إلحاد ، وإبعاد للدين عن كافة مجالات الحياة ، بالإضافة إلى بغض الدين ومعاداته ، ومعاداة أهله - أقول لم يكن هذا حدثًا غريبًا في بابه ، ذلك لأن الدين عندهم حينئذ لم يكن يمثل وحي الله الخالص الذي أوحاه إلى عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - ، وإنما تدخلت فيه أيدي التحريف والتزييف ، فبدلت وغيرت وأضافت وحذفت ، فكان من نتيجة ذلك أن تعارض الدين المُبدَّل مع مصالح الناس في دنياهم ومعاملاتهم ، في الوقت نفسه الذي تعارض مع حقائق العلم الثابتة ، ولم تكتفِ الكنيسة - الممثلة للدين عندهم - بما عملته أيدي قسيسيها ورهبانها من التحريف والتبديل ، حتى جعلت ذلك دينًا يجب الالتزام والتقيد به ، وحاكمت إليه العلماء المكتشفين ، والمخترعين ، وعاقبتهم على اكتشافاتهم العلمية المناقضة للدين المبدل ، فاتهمت بالزندقة والإلحاد ، فقتلت من قتلت ، وحرَّقت من حرَّقت ، وسجنت من سجنت .

ومن جانب آخر فإن الكنيسة - الممثلة للدين عند النصارى - أقامت تحالفًا غير شريف مع الحكام الظالمين ، وأسبغت عليهم هالاتٍ من التقديس ، والعصمة ، وسوَّغت لهم كل ما يأتون به من جرائـم وفظائع في حـق شعوبهم ، زاعمـة أن هذا هو الدين الذي ينبغي على الجميع الرضوخ له والرضا به .

من هنا بدأ الناس هناك يبحثون عن مهرب لهم من سجن الكنيسة ومن طغيانها ، ولم يكن مخرجهم الذي اختاروه إذ ذاك ، إلا الخروج على ذلك الدين - الذي يحارب العلم ويناصر المجرمين - والتمر عليه ، وإبعاده وطرده ، من كافـة جوانب الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والعلمية ، والأخلاقية ، وغيرها .                                          ويا ليتهم إذ خرجوا على هذا الدين المبدل اهتدوا إلى دين الإسلام ، ولكنهم أعلنوها حربًا على الدين عامة         وإذا كان هذا الذي حدث في بلاد الغرب النصراني ليس بغريب ، فإنه غير ممكن في الإسلام ، بل ولا متصور الوقوع ، فوحي الله في الإسلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلا هو ممكن التحريف والتبديل ، ولا هو ممكن أن يُزاد فيه أو يُنقص منه ، وهو في الوقت نفسه لا يحابي أحدًا ، سواء كان حاكمًا أو محكومًا ، فالكل أمام شريعته سواء ، وهو أيضًا يحافظ على مصالح الناس الحقيقية ، فليس فيه تشريع واحد يُعارض مصلحة البشرية ، وهو أيضًا يحرص على العلم ويحض عليه ، وليس فيه نص شرعي صحيح يُعارض حقيقة علمية ، فالإسلام حق كله ، خير كله ، عدل كله ، ومن هنا فإن كل الأفكار والمناهج التي ظهرت في الغرب بعد التنكر للدين والنفور منه ، ما كان لها أن تظهر ، بل ما كان لها أن تجد آذانًا تسمع في بلاد المسلمين ، لولا عمليات الغزو الفكري المنظمة ، والتي صادفت في الوقت نفسه قلوبًا من حقائق الإيمان خاوية ، وعقولاً عن التفكير الصحيح عاطلة ، ودينًا في مجال التمدن ضائعة متخلفة .

كيف وصلت العلمانية إلى بلاد المسلمين

دخلت العلمانية ديار المسلمين ، مع الاستعمار الأوربي الذي هيمن على البلاد الإسلاميّة إثر سقوط الدولة العثمانيّة ، وقد تحمّل الدعوة إلى العلمانيّة بعض المثقفين من العرب وغيرهم في بلاد الإسلام ، ودعوا إلى تطبيق نظريّاتها حرفيّا ، كما دعوا إلى تبنِّي نظرة العلمانيّة لدين الإسلام ، كما كانت تنظر للدين النصرانيِّ المحرف في أوربا سواء بسواء ، ذلك أن العلمانيّة لاتفرّق بين الأديان في أنه يتحتَّم فصل كلِّ منها عن شئون الحياة العامَّة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتشريعيَّة ..الخ .
وذلك أنَّه ليس في الفكر العلمانيّ تمييز بين الأديان ، فلا يفرق بين دين أصله من إنزال الله تعالى ، وآخر من وضع البشر ، كما لا ترى العلمانيّة أي فرق في الأديان التي أنزلها الله ، فلا فرق لديها بين دين محرف وآخر محفوظ ، بل الأديان كلها سواء ، يجب أن تعامل معاملة واحدة ، على أساس الأركان الثلاثة السابقة .
وقد انتشرت العلمانية في بلادنا الإسلامية ، حتى وصلت الجزيرة العربيِّة مهد الإسلام ، ومهبط الوحي ،        ودخلت  أول ما دخلت مع ابتعاث الطلبة  للدراسة في الخارج ، فرجع بعضهم مشبَّعا بالأفكار العلمانية ، فتبنَّتها شخصيَّات بارزة ، وأحزاب وصحف ومؤسسات كثيرة .
ولقد كان للنصارى العرب المقيمين في بلاد المسلمين دورٌ كبيرٌ ، وأثرٌ خطيرٌ ، في نقل الفكر العلماني إلى ديار المسلمين ، والترويج له ، والمساهمة في نشره عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، كما كان أيضًا للبعثات التعليمية التي ذهب بموجبها طلاب مسلمون إلى بلاد الغرب لتلقي أنواع العلوم الحديثة أثرٌ كبيرٌ في نقل الفكر العلماني ومظاهره إلى بلاد المسلمين ، حيث افتتن الطلاب هناك بما رأوا من مظاهر التقدم العلمي وآثاره ، فرجعوا إلى بلادهم محملين بكل ما رأوا من عادات وتقاليد ، ونظم اجتماعية ، وسياسية ، واقتصادية ، عاملين على نشرها والدعوة إليها ، في الوقت نفسه الذي تلقاهم الناس فيه بالقبول الحسن ، توهمًا منهم أن هؤلاء المبعوثين هم حملة العلم النافع ، وأصحاب المعرفة الصحيحة ، ولم تكن تلك العادات والنظم والتقاليد التي تشبع بها هؤلاء المبعوثون وعظموا شأنها عند رجوعهم إلى بلادهم إلا عادات ، وتقاليد ونظم مجتمع رافض لكل ما له علاقة ، أو صلة بالدين .

ومثل هذا السرد الموجز وإن كان يدلنا على كيفية دخول العلمانية إلى بلاد المسلمين ، ( فإنه أيضًا ينبهنا إلى أمرين هامين أحدهما : خطورة أصحاب العقائد الأخرى ، من النصارى وغيرهم الذين يعيشون في بلاد المسلمين ، وكيف أنهم يكيدون للإسلام وأهله ؟ مما يوجب علينا الحذر كل الحذر من هؤلاء الناس ، وأن ننزلهم المنزلة التي أنزلهم الله إليها ، فلا نجعل لهم في بلاد المسلمين أدنى نوع من أنواع القيادة والتوجيه ، كما ينبغي أن تكون كل وسائل الإعلام والاتصال بالجماهير موصودة الأبواب في وجوههم ، حتى لا يبثوا سمومهم بين المسلمين .. لكن من يفعل ذلك ! وكثير من الأنظمة تجعل لهم مكانة سامية من أجل نشر هذه السموم .. حسبنا الله ونعم الوكيل .

ثانيهما : خطورة الابتعاث الشديدة على أبناء المسلمين ، فكم من مسلم ذهب إلى هناك ثم رجع بوجه غير الوجه الذي ذهب به ، وقلب غير القلب الذي ذهب به ، وإذا كانت هناك دواعي لذهاب المسلمين للحصول على المعرفة في مجال العلوم التجريبية ، فكيف يمكننا القبول بذهاب بعض المسلمين للحصول على درجة علمية في علوم الشريعة بعامة ، واللغة العربية بخاصة ؟!!فهل اللغة العربية لغتهم أم لغتنا ؟! وهل القرآن الكريم أنزل بلغتهم أم بلغتنا ؟!وهل يُعقل أن المسلم يمكنه الحصول على المعرفة الصحيحة بعلوم الإسلام وشريعته من أناس هم أشدُّ الناس كفرًا وحقدًا على الإسلام وأهله ؟!

صور العلمانية

للعلمانية صورتان ، كل صورة منهما أقبح من الأخرى :

الصورة الأولى : العلمانية الملحدة : وهي التي تنكر الدين كلية : وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ، ولا تعترف بشيء من ذلك ، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله ، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها ، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين ، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين ، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفـارق دينه ، ( وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف ) ، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب ، أو السجن أو القتل .

الصورة الثانية : العلمانية غير الملحدة (وهي علمانية لا  تنكر وجود الله ، وتؤمن به إيمانًا نظريًا : لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا ، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا ، ( وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة ) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين ، فعدم إنكارها لوجود الله ، وعدم ظهور محاربتها للتدين يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية ، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين ، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية ، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك بل كثير من الناس لا يظهر لهم محاربة العلمانية ( غير الملحدة ) للدين ؛ لأن الدين انحصر عندهم في نطاق بعض العبادات ، فإذا لم تمنع العلمانية مثلاً الصلاة في المساجد ، أو لم تمنع الحج إلى بيت الله الحرام ، ظنوا أن العلمانية لا تحارب الدين ، أما من فهم الدين بالفهم الصحيح ، فإنه يعلم علم اليقين محاربة العلمانية للدين ، فهل هناك محاربة أشد وأوضح من إقصاء شريعة الله عن الحكم في شتى المجالات ، لو كانوا يفقهون .

ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم ، تحارب الدين حقيقة ، وتحارب الدعاة إلى الله ، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين ؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى ، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين ، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين .

ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى ، أو ذكر رسوله - e - أو ذكر الإسلام ، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور .

والخلاصة : أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيها ولا ارتياب ، وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله ، وذلك أن الإسلام دين شامل كامل ، له في كل جانب من جوانب الإنسان الروحية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والأخلاقية ، والاجتماعية ، منهج واضح وكامل ، ولا يقبل ولا يُجيز أن يشاركه فيه منهج آخر ، قال الله تعالى مبينًا وجوب الدخول في كل مناهج الإسلام وتشريعاته : } يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة { . وقال تعالى مبينًا كفر من أخذ بعضًا من مناهج الإسلام ، ورفض البعض الآخر ، } أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون { .

والأدلة الشرعية كثيرة جدًا في بيان كفر وضلال من رفض شيئًا محققًا معلومًا أنه من دين الإسلام ، ولو كان هذا الشيء يسيرًا جدًا ، فكيف بمن رفض الأخذ بكل الأحكام الشرعية المتعلقة بسياسة الدنيا - مثل العلمانيين - من فعل ذلك فلاشك في كفره .

والعلمانيون قد ارتكبوا ناقضًا من نواقض الإسلام ، يوم أن اعتقدوا أن هدي غير النبي - e - أكمل من هديه ، وأن حكم غيره أفضل من حكمه .

* قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : ( ويدخل في القسم الرابع - أي من نواقض الإسلام - من اعتقد أن الأنظمة القوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام ، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين ، أو أنه كان سببًا في تخلف المسلمين ، أو أنه يُحصر في علاقة المرء بربه ، دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى ) .

العلمانية قد لاتنصب العداء للدين علانية ، بل تكيد له كيدًا خفيًا :
العلمانيّة ليست بالضرورة معادية للدين ، بل إنَّها أحيانا تفضل توظيف الدين والإستفادة منه ، ولكن مع ضرورة حصره في ناحية من نواحي الحياة ، ولهذا قد لاتجد العلمانيّ يطعن في الدين ، بل قد يمدحه ويمجده ، بل قد يقول إنه يجب المحافظة على الدين .
ولكنك إذا سألته هل أنزل الله تعالى دين الإسلام ليكون هادياً لنا في كل أمور حياتنا ، فلا يجوز لنا أن نرفض شيئاً منه ، فإن جوابه لايخرج عن ثلاثة احتمالات :
الأول : أن يفر من الجواب إذا خشي على نفسه من التصريح بمنهجه العلمانيّ خوفا من ردة فعل الناس ، كما يفعل السياسيّون عند خوفهم من خسارة الأصوات الانتخابية.
الثاني : أن يقول بوضوح وصراحة أن الدين يجب أن نعزله عن السياسة والثقافة والفكر ، وعن حياتنا الإجتماعيّة ، كما أنه لايصح أن نجعل الدين هو الحكم على كل شيء في الحياة بالصواب أو الخطأ ، وهنا قد يقول العلمانيّ أن الدين له أن يحكم في أمور الروح ونحوها من الأمور الغيبيّة ، فكأنَّه ينزل الدين منزلة الكهانة .
وقد يحاول هذا الصنف من العلمانيين أن يكون لطيفا في عبارته : فيقول : إن الدين علاقة بين الإنسان وربه ، ولايعدو أن يكون مسألة شخصية .
وقد يحاول بعضهم أن يتحذلق قليلا فيقول : نحن لانريد أن نفسد الدين بإدخاله في السياسة أو الخلافات الحزبيّة والثقافيّة والفكريّة ، ويقول في صورة الناصح الأمين : دعوا الدين في المسجد فهناك حيث يُحترم ويُوقَّر ، ولاتلطّخوه بالدنيا الدنيئة ، فالدين للآخرة .
وهذا القول حقيقته هدم لدين الإسلام وشتم قبيح له ، وطعن خبيث فيه ، لأنه في حقيقته رمي للدين بأنه قاصر لايصلح لتسيير حياة البشر ، وما مَثَل هذا القول الماكر إلاّ كمثل من يشير على ملك من الملوك ، بأن لايُقحم نفسه في التصرف في أمور مملكته بشيء .
ويقول له في كيد خفي : إن تدخلك يفسد هيبتك وجلالك ، فدع أُمور المملكة لهؤلاء المتصارعين على الدنيا ، وارتفع أنت في عرشك عن نزاعاتهم فهي لاتليق بك ، فكأنه في حقيقة الأمر يقول للملك : تنح وتنازل عن سلطانك وأمرك ونهيك وملكك ، وكن كالصورة الجامدة التي لاحراك فيها، والتمثال الأصم الأبكم ، وإنما يقول ذلك لكي يُفسَح السبيل فيتسنَّى لغير الملك أن يستحوذ على قوِّة السلطان الحقيقيِّة ، قوة الأمر والنهي والحكم والفصل في شئون المُلك والسلطان ، ثم يصير أمر الملك إمّا إلى أن يكون اسما بلا حقيقة ، أو يسلب منه الملك سلبا تامّا، فلا يبقى معه منه اسم ولارسم ، فيهوى إلى مرتبة العبيد والسوقة ، بعد الملك والعز والسلطان.
ومثل هذا الكيد الخبيث يريده هذا الصنف من العلمانيّين بالدين ، عندما يزعمون أنهم عليه مشفقون ، فيطالبون بتنحيته عن مجالات الحياة ، وهذا الأسلوب خطير جدا ، لأنهم يلبسون به الحق بالباطل ، ولهذا يستعمله العلمانيّون كثيرا لإضلال الناس والتلبيس عليهم .
الاحتمال الثالث : أن يقول العلمانيّ : إن الدين كله حق ، والاحتكام إليه واجب ، ولكن أين الذين يطبقونه كما أنزل ، ثم يأخذ بعد ذلك بالطعن في حملة الدين واتهامهم بأنهم يستغلون الدين لمآربهم الشخصية ، ويسميهم ( متأسلمون ) أو ( أهل الإسلام السياسي) أو ( المتاجرون بالدين ) ..الخ وهو يقصد الطعن في الدين نفسه ، ولكن بطريقة ملتوية خبيثة ، لأنه يريد أن يقول : لانستطيع تطبيق دين الإسلام والعمل به في كل شئون الحياة ، لأنه لايوثق بأحد يمكنه تطبيقه أبداً ، فإذاً النتيجة واحدة ، وهي أنه لايمكن للناس بحال من الأحوال تحكيم الشريعة الإسلامية في شئون حياتهم !!!
وكأن هذا الصنف من العلمانيين يحاول القول عن دين الإسلام ، إنه دين فاشل غير واقعي ولاعملي ولايمكن تطبيقه أبداً ، فيجب أن ننحي الكلام على تطبيقه جانباً ، إذ لافائدة من تطبيقه في الحياة ، غير أنهم يعدلون عن التصريح بهذا القول الكافر ، إلى عبارات أخرى بطرق ملتوية خبيثة ، وقد تنطلي على السذج من الناس .
وبهذا يتبين أن العلماني قد لايكون ذلك الشخص الذي يطعن في الدين جهاراً نهاراً ،أو يسب القرآن والسنة والأحكام الشرعية ، أويستهزأ بالشريعة الإسلامية ،وإن كان فيهم من قد تصل به الوقاحة إلى هذا الحد ، يقلّون أو يكثرون بحسب قوة الإسلام في المجتمع .
بل العلمانيّ هو كل من يعتقد أنه غير ملزم بإتباع جميع ما جاء عن الرسول صلَّى الله عليه وسلم ، هو كل من يجعل نفسه مخيراً أن يرفض بعض أحكام دين الإسلام ، وهو كل من يعتقد أن الدين ليس شاملا لكل الحياة ، وأن الإنسان يمكنه أن يختار من أحكام الدين ما يشاء ويدع ما يشاء ، متبعاً في ذلك عقله ، ومتخذاً إلهه هواه.
ثمَّ إنَّ هذا البعض من دين الإسلام والذي يرفضه الشخص العلمانيّ ، قد يعتقد أنه لايصلح للحياة المعاصرة ، لزعمه أن العقل يقضي بذلك ، فقد يقول لك على سبيل المثال إن المرأة غير ملزمة بالحجاب الشرعي لأنه لايصلح لهذا الزمان ، أو يزعم أن المرأة لها أن تكون قائدة ورئيسة لكل الأمّة ، لأنّ حديث ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة ) لم يعد صالحا للعمل به في هذا العصر .
أو أن الحدود الشرعيّة لاتصلح للتطبيق في هذا الزمان لأنها وحشية لاتليق بالإنسان المتحضّر ، أو لأنّها تحط من كرامة الإنسان ، أو لأنّها تناقض ميثاق حقوق الإنسان العالمي الذي يجّرم قطع السارق أو جلد الزاني ، والقوانين الوضعيّة تصلح لأنها تناسب مستجدات العصر الحديث.
أو يقول إن النظام الاقتصاديّ لايمكن أن يقوم على تحريم الربا لأن ذلك أمر غير واقعي ، أويقول إن تعبير الملحد عن إلحاده والإباحيّ عن أباحيّته بنشر فكره في المجتمع ، هو من قبيل توفير الحريّة ، ولايجوز كبت الحريّات ، وإذا قلت له إن الإسلام يحرّم نشر الإلحاد والإباحيّة ، قال لك : إن العصر قد تغيّر ، والزمان قد تحوّل ، ونحن في عصر الحريّة والعولمة ، وغير ذلك من الهذيان والتخبيط الذي يقصد به محاربة الدين بأساليب ملتوية .
والعلمانيُّ في كل ما سبق وأمثاله مما يرد به العلمانيُّون بعض أحكام الشريعة ، يزعم أنه ينطلق من عقله أو من اتباع زعماء حزبه الذين يقلدون مفكِّري الغرب الملحدين ، وأولئك قوم كفار نصبوا عقولهم آلهة يعبدونها من دون الله ، وذلك عندما اتخذوها أربابا تُشرّع لهم.
ذلك أنَّ العقل هو الحاكم عند العلمانيين على أحكام الشريعة الإسلامية ، وعلى هدى القرآن والسنة ، وليست الشريعة الإسلامية عندهم هي التي توجّه وترشد وتهدي العقل الإنسانيِّ ، بل وظيفة العقل عند العلمانيين هي الإعتراض على أحكام الله تعالى كلّما جاءت معارضة لعقولهم الضالّة التائهة ، وعمل العقل عندهم هو استبدال شريعة القرآن ، بأحكام أوأفكار أوقوانين أو مباديء توافق عقولهم .
فهم إذن يعبدون عقولهم وأهواءهم .
كما قال تعالى ( أَرأَيت من اتخذ إلهه هواه ، أَفأَنت تكون عليه وكيلاً ، أَم تَحسب أنّ أَكثرَهُم يسمعُون أو يعقلُون إن هُم إِلاّ كالأَنعام بل هُم أَضلُّ سبيلاً ) الفرقان 43 ، 44
وقال سبحانه ( ومَن أَضلُّ ممَّن اتَّبعَ هواهُ بغيرِ هدى مِنَ الله ) القصص 5.
وقال سبحانه ( وأنِ احكُم بينهَم بما أنزلَ اللهُ ولاتتَّبِع أهواءَهم واحذرهُم أن يفتِنوكَ عن بعضِ ما أنزَلَ اللهُ إليك ) المائدة 49 . إلى آخر الآيات التي تذم اتباع الهوى ، وتحذر من معارضة الدين المنزل والشريعة المطهرة بالأهواء ، ذلك أن الإنسان لايستغني عن هداية الله تعالى له ، كما قال الله تعالى في الحديث القدسيِّ ( يا عبادي كلُّكُم ضالُّ إلاَّ من هديتُه ، فاستهدوني أهدكم ) ، ومن ظنَّ أنه يستغني عن اتباع هدى الله تعالى بعقله ، فيرد أحكام الله تعالى اتباعا لهواه ، فهو كافر بالله تعالى ، كما قال سبحانه ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) المائدة 44 .

 

 

مذهبهم عدم إظهار العداء السافر للإسلام

إن من عادة المنافقين والزنادقة من المنتسبين لهذا الدين عدم الإنكار الصريح والواضح وعدم إظهار العداء السافر للإسلام وهم بهذا الأسلوب وتحت هذه العباءة يستطيعون - أو هكذا يظنون- تحقيق أهدافهم الخبيثة وتقديم خدماتهم لأصدقائهم من اليهود والنصارى الذين يتآمرون للقضاء على الأمة الإسلامية.

وهم يسعون لذلك بسلاح التلبيس والتمويه للالتفاف حول المسلمين لحين المعركة الفاصلة حين يفاجئوا المسلمين على حين غرة. هم حريصون غاية الحرص في عدم إيقاظ الوعي الإسلامي قبل الموعد المرتقب.

وقد يكون هناك مسلمون طيبون لا تدرك عقولهم مثل هذه الأمور الملتوية والحيل المعقدة، فإلى هؤلاء وأمثالهم نهديهم الخبر التالي:

لقد نشرت الصحيفة اليهودية "يدعوت أحرنوت" في 18/03/1978 م مقالاً حللت فيه الهجوم اليهودي على جنوب لبنان وانتقدت إجراء التلفزيون اليهودي مقابلات مع العميل النصراني الخائن سعد حداد وإبراز معالم البهجة التي عمت القرى المارونية النصرانية إزاء احتلال الجيش اليهودي لجزء كبير من جنوب لبنان، وفيما يلي قطوف من هذا التحليل لعل فيها عبرة لهؤلاء المخدوعين والنيام:

قالت الصحيفة اليهودية: "إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هي أننا قد نجحنا بجهودنا وجهود (أصدقائنا) في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب، طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل، وبأي أسلوب ولو اقتضى الأمر الاستعانة (بأصدقائنا) لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".

واختتمت الصحيفة تحليلها قائلة:

"ولكن تلفزيوننا الإسرائيلي وقع في خطأ أرعن، كاد ينسف كل خططنا، فقد تسبب هذا التصرف في إيقاظ الروح الإسلامية ولو على نطاق ضيق، ونخشى أن تستغل الجماعات الإسلامية هذه الفرصة لتحريك المشاعر ضدنا، وإذا نجحت في ذلك، وإذا فشلنا - في المقابل- في إقناع (أصدقائنا) بتوجيه ضربة قاضية إليها في الوقت المناسب، فإن على إسرائيل أن تواجه حين ذلك عدواً حقيقياً (لا وهمياً)، وهو عدو حرصنا أن يبقى بعيداً عن المعركة.

وستجد إسرائيل نفسها في وضع حرج إذا نجح المتعصبون، أولئك الذين يعتقدون أن أحدهم يدخل الجنة إذا قتل يهودياً، أو إذا قتله يهودي".

لهذا ومن أجل ذلك يرفع هؤلاء الزنادقة من العلمانيين وأشباههم شعارات يحاولون بها خداع أكبر عدد ممكن من المسلمين وتهدئة نفوس القلة التي قد ساورتها الشكوك تجاه نوايا هؤلاء الذين يرفعون شعارات العلمانية ويتشدقون بالحرية والديمقراطية بينما يسعون بواقعهم العملي لاقتلاع الإسلام من جذوره ولكن رويداً رويدا حتى لا يستيقظ النائمون.

 

 

 

نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي

العلمانية خبث لا يخرج إلا نكداً : قول الله تعالى: {والذي خبث لا يخرج إلا نكداً} [الأعراف: 58]. ولأن العلمانية شجرة خبيثة فقد أثمرت بيننا اليوم - ممن يقولون إنهم مسلمون- من يستنكر وجود صلة بين العقيدة والأخلاق، وبخاصة أخلاق المعاملات.

وأثمرت بيننا اليوم حاصلين على الشهادات العليا من جامعاتنا وجامعات العالم يتساءلون في استنكار ما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟ وما للإسلام والعري على الشواطئ؟ وما للإسلام وزي المرأة في الطريق؟ وما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأس سبيل؟ ما للإسلام وتناول كأس من الخمر لإصلاح المزاج؟ ما للإسلام وتعامل الناس بالربا في البنوك؟ ما للإسلام وهذا الذي يفعله "المتحضرون!!"؟ الذين يلهثون خلف راياتهم الخبيثة ويرددون بأن "الدين لله والوطن للجميع".. ولا عجب في ذلكن فهم طلائع مدرسة "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"..!!

... فأي فرق بين هذا وبين سؤال أهل مدين: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} [ص: 5].

وهم يتساءلون كذلك، بل ينكرون بشدة وعنف أن يتدخل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد.. فما للدين والمعاملات الربوبية؟ وما للدين والمهارة في الغش والسرقة؟ وما للدين وتجارة الخمور والمخدرات ما لم يقع تحت طائلة القانون الوضعي؟ وما للدين والسياسة والحكم؟ لا .. بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا دخلت في الاقتصاد تفسده!! ولا غرابة في ذلك، فهم قد رضعوا وشبوا على شعارات "فصل الدين عن الدولة"، و "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"!!

فلا يذهبن بنا الترفع كثيراً على أهل مدين في تلك الجاهلية الأولى، ونحن اليوم في جاهلية أشد جهالة، ولكنها تدعي العلم والاستنارة والمعرفة والحضارة وتتهم الذين يربطون بين العقيدة في الله والسلوك الشخصي في الحياة والمعاملات المادية في السوق والسياسة والحكم... تتهمهم بالرجعية والتعصب والجمود!! وبعد أن استهلكت هذه الألفاظ أضافت الجاهلية العلمانية اليوم وصفهم بالتطرف!! ثم ألصقت بهم أخيراً صفة الإرهاب!!

أليس هذا بعينه ما يردده أدعياء الإسلام من العلمانيين أو غيرهم؟       

وقد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم .

وهاهي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية :

1- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى ، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة ، والاستعاضة عن الوحي الإلهي المُنزَّل على سيد البشر محمد بن عبد الله - e - ، بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله ، واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية ، اعتبار ذلك تخلفًا ورجعية وردة عن التقدم والحضارة ، وسببًا في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم ، وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب ، حتى لا يؤثروا فيهم .

2- تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه ، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية ، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى ، والمطامع الشخصية .

3- إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق :

أ - بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ ، والطلاب في مختلف مراحل التعليم .

ب - تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن .

جـ - منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم .

د - تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها ، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني ، أو على الأقل أنها لا تعارضه .

هـ - إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس ، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب ، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش .

و - جعل مادة الدين مادة هامشية ، حيث يكون موضعها في آخر اليوم الدراسي ، وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب .

4- إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة ، وهم المسلمون ، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد ، وصهر الجميع في إطار واحد ، وجعلهم جميعًا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر ، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان .

فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم ، في ظل هذا الفكر بمنزلة واحدة يتساوون أمام القانون ، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني .

وفي ظل هذا الفكر يكون زواج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمرًا لا غبار عليه ، ولا حرج فيه ، كذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من النحل الكافرة حاكمًا على بلاد المسلمين .

وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما سموه بـ ( الوحدة الوطنية ) .

بل جعلوا ( الوحدة الوطنية ) هي الأصل والعصام ، وكل ما خالفوها من كتاب الله أو سنة رسوله - e - طرحوه ورفضوه ، وقالوا : ( هذا يعرض الوحدة الوطنية للخطر !! ) .

5- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية ، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية ، وتشجيع ذلك والحض عليه : وذلك عن طريق :

أ - القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها ، وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة .

ب - وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة ، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة ، وبالتصريح مرة أخرى ليلاً ونهارًا .

جـ - محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات .                          6- محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق :

أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي ، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية ، والشريعة الإسلامية .

ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف ، ولتحريف معاني النصوص الشرعية ، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يُبصِّرون الناس بحقيقة الدين .

7- مطاردة الدعاة إلى الله ، ومحاربتهم ، وإلصاق التهم الباطلة بهم ، ونعتهم بالأوصاف الذميمة ، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكريًا ، ومتحجرة عقليًا ، وأنهم رجعيون ، يُحارون كل مخترعات العلم الحديث النافع ، وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور ، بل يتمسكون بالقشور ويَدعون الأصول .

8- التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية ، وذلك عن طريق النفي أو السجن أو القتل .

9- إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله ، ومهاجمتها واعتبارها نوعًا من أنواع الهمجية وقطع الطريق .

وذلك أن الجهاد في سبيل الله معناه القتال لتكون كلمة الله هي العليا ، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلا سلطان الإسلام ، والقوم - أي العلمانيين - قد عزلوا الدين عن التدخل في شؤون الدنيا ، وجعلوا الدين - في أحسن أقوالهم - علاقة خاصة بين الإنسان وما يعبد ، بحيث لا يكون لهذه العبادة تأثير في أقواله وأفعاله وسلوكه خارج مكان العبادة .

فكيف يكون عندهم إذن جهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين ؟!!

والقتال المشروع عند العلمانيين وأذنابهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض ، أما الدفاع عن الدين والعمل على نشره والقتال في سبيله ، فهذا عندهم عمل من أعمال العدوان والهمجية التي تأباها الإنسانية المتمدنة !!

10- الدعوة إلى القومية أو الوطنية ، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح ، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع ، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق ، حتى قال قائل منهم : ( والتجربة الإنسانية عبر القرون الدامية ، دلَّت على أن الدين - وهو سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة - ذهب بأمن الحياة ذاتها ) .

هذه هي بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين ، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير .

والمسلم يستطيع أن يلمس أو يدرك كل هذه الثمار أو جُلها في غالب بلاد المسلمين ، وهو في الوقت ذاته يستطيع أن يُدرك إلى أي مدى تغلغلت العلمانية في بلدٍ ما اعتمادًا على ما يجده من هذه الثمار الخبيثة فيها .

والمسلم أينما تلفت يمينًا أو يسارًا في أي بلد من بلاد المسلمين يستطيع أن يدرك بسهولة ويسر ثمرة أو عدة ثمار من هذه الثمار الخبيثة ، بينما لا يستطيع أن يجد بالسهولة نفسها بلدًا خاليًا من جميع هذه الثمار الخبيثة .

وسائل العلمانية في تحريف الدين في نفوس المسلمين وتزييفه

للعلمانية وسائل متعددة في تحريف الدين في نفوس المسلمين منها :

1- إغراء بعض ذوي النفوس الضعيفة والإيمان المزعزع بمغريات الدنيا من المال والمناصب ، أو النساء لكي يرددوا دعاوى العلمانية على مسامع الناس ، لكنه قبل ذلك يُقام لهؤلاء الأشخاص دعاية مكثفة في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها العلمانيون لكي يظهروهم في ثوب العلماء والمفكرين وأصحاب الخبرات الواسعة ، حتى يكون كلامهم مقبولاً لدى قطاع كبير من الناس ، وبذلك يتمكنون من التلبيس على كثير من الناس .

2- القيام بتربية بعض الناس في محاضن العلمانية في البلاد الغربية ، وإعطائهم ألقابًا علمية مثل درجة ( الدكتوراه ) أو درجة ( الأستاذية ) ، ثم رجوعهم بعد ذلك ليكونوا أساتذة في الجامعات ، ليمارسوا تحريف الدين وتزييفه في نفوس الطبقة المثقفة على أوسع نطاق ، وإذا علمنا أن الطبقة المثقفة من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية ، هم في الغالبية الذين بيدهم أزِمَّة الأمور في بلادهم ، علمنا مدى الفساد الذي يحدث من جراء وجود هؤلاء العلمانيين في المعاهد العلمية والجامعات .

3- تجزئ الدين والإكثار من الكلام والحديث والكتابة عن بعض القضايا الفرعية ، وإشغال الناس بذلك ، والدخول في معارك وهمية حول هذه القضايا مع العلماء وطلاب العلم والدعاة لإشغالهم وصرفهم عن القيام بدورهم في التوجيه ، والتصدي لما هو أهم وأخطر من ذلك بكثير .

4- تصوير العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله - في كثير من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية - على أنهم طبقة منحرفة خلقيًا ، وأنهم طلاب دنيا من مال ومناصب ونساء حتى لا يستمع الناس إليهم ، ولا يثقوا في كلامهم ، وبذلك تخلو الساحة للعلمانيين في بث دعواهم .

5- الحديث بكثرة عن المسائل الخلافية ، واختلاف العلماء وتضخيم ذلك الأمر ، حتى يخيل للناس أن الدين كله اختلافات وأنه لا اتفاق على شيء حتى بين العلماء بالدين ، مما يوقع في النفس أن الدين لا شيء فيه يقيني مجزوم به ، وإلا لما وقع هذا الخلاف ، والعلمانيون كثيرًا ما يركزون على هذا الجانب ، ويضخمونه لإحداث ذلك الأثر في نفوس المسلمين ، مما يعني انصراف الناس عن الدين .

6- إنشاء المدارس والجامعات والمراكز الثقافية الأجنبية ، والتي تكون خاضعة - في حقيقة الأمر - لإشراف الدول العلمانية التي أنشأت هذه المؤسسات في ديار المسلمين ، حيث تعمل جاهدة على توهـين صلة المسلم بدينه إلى أقصى حدٍّ ممكن ، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بنشر الفكر العلماني على أوسع نطاق ، وخاصة في الدراسات الاجتماعية ، والفلسفية ، والنفسية .

7- الاتكاء على بعض القواعد الشرعية والمنضبطة بقواعد وضوابط الشريعة ، الاتكاء عليها بقوة في غير محلها وبغير مراعاة هذه الضوابط ، ومن خلال هذا الاتكاء الضال والمنحرف يحاولون تروج كل قضايا الفكر العلماني أو جُلها .

فمـن ذلك مثلاً قاعدة ( المصالح المرسلة ) يفهمونها على غير حقيقتها ويطبقونها في غير موضعها ، ويجعلونها حجة في رفض كل ما لا يحبون من شرائع الإسلام ، وإثبات كل ما يرغبون من الأمور التي تقوي العلمانية وترسخ دعائمها في بلاد المسلمين .

وكذلك قاعدة ( ارتكاب أخف الضررين واحتمال أدنى المفسدتين ) وقاعدة ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، ( ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) ، ( وصلاحية الإسلام لكل زمان ) ، ( واختلاف الفتوى باختلاف الأحوال ) ، يتخذون من هذه القواعد وأشباهها تُكأة في تذويب الإسلام في النحل والملل الأخرى ، وتمييعه في نفوس المسلمين .

كما يتخذون هذه القواعد أيضًا منطلقًا لنقل كل النظم الاقتصادية ، والسياسية السائدة في عالم الكفار إلى بلاد المسلمين ، من غير أن يتفطن أكثر الناس إلى حقيقة هذه الأمور .

وفي تصوري أن هذا المسلك من أخطر المسالك وأشدها ضررًا لما فيه من شبهة وتلبيس على الناس أن هذه الأمور إنما هي مرتكزة على قواعد شرعية معترف بها ، وكشف هذا المسلك على وجه التفصيل ومناقشة كثير من هذه الأمور على وجه البسط والتوضيح في حاجة إلى كتابة مستقلة لكشف كل هذه الأمور وتوضيحها وإزالة ما فيها من لبس أو غموض .

ونحن نحب أن نؤكد هنا أن اعتمادهم على هذه القواعد أو غيرها ليس لإيمانهم بها ، وليس لإيمانهم بعموم وشمول وكمال الدين الذي انبثقت منه هذه القواعد ، وإنما هي عندهم أداة يتوصلون بها إلى تحقيق غاياتهم الضالة المنحرفة .

أهمية البرامج الدينية في أجهزة الإعلام الشيطانية

لا يزال المنافقون والزنادقة على مدار التاريخ الإسلام يدعون الإيمان، بل ويزعمون للناس أنهم مجددون وأنهم يصلحون في الأرض ولا يفسدون.

كذلك يدعي الإيمان بعض قيادات العلمانية الديمقراطية في العصر الحديث، بل منهم من يتقلب بين عقائد الكفر المتعددة فهذا شيوعي سابق أصبح ليبريالياً متعصباً، ولا غرابة في ذلك حيث أن ملة الكفر واحدة. ولكن الغرابة أنه يلقب نفسه بلقب (الحاج)، ويقيمون في أحزابهم لجاناً للشؤون الدينية!! {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون} [البقرة: 9].

ومنهم من ادعى الإيمان ودعا إلى زمالة بين الأديان إلى تأليف كتب دينية مشتركة يلتقي عليها المسلمون والنصارى واليهود.

لذلك لا غرابة في إصرار الأنظمة العلمانية الديمقراطية الكافرة على أن يجعلوا للدين برامج تسمى برامج دينية أو "روحية". ضمن أجهزة الإعلام الشيطانية، وهم الذين يجعلون أحكاماً إسلامية للأحوال الشخصية ضمن قوانين الحكم الجاهلية، وهم الذين يجعلون في كل صحفهم ومجلاتهم العلمانية الجاهلية صفحة يسمونها صفحة الفكر الديني!!

وهم الذين يقولون إن مكان الدين هو المسجد فقط ويظهرون لعامة المسلمين أنهم يحجون لبيت الله في العمرة مرة ويتعمدون إبراز هذه الصور في أجهزة إعلامهم. بينما هم يقصدون بيوت أعداء الله شرقاً وغرباً كل حين يتلقفون منهم المناهج ويتلقون التشريعات والأوامر والنواهي والحلال والحرام!!

ويمتدح أحد هؤلاء العلمانيين بغباء شديد أحد أئمتهم السابقين ويترحم عليه ويذكر أن أهم فضائله أنه لم يكن يطبق شرع الله!!

يقول عبد الستار الطويلة في جريدة الوفد القاهرية وهي إحدى معاقل العلمانية بتاريخ 22/08/1991 م بالحرف الواحد:

" أيام (المرحوم!!) جمال عبد الناصر منذ السنوات الأولى للثورة كان الحكم - بصرف النظر أنه كان ديكتاتوريا- حريصاً على عدم الخلط بين الدين والحكم.. أنه كان أقرب إلى العلمانية.. منه إلى أي شيء.. كان يقتصر نظام عبد الناصر على إنشاء محطة للقرآن الكريم... الاستمرار في بناء المساجد.. والكنائس.. تيسير الحج.. الخ.. أي تقديم كافة التسهيلات (للمتدينين) كي يؤدوا (شعائرهم) الدينية على أكمل وجه.. لكن كان الحكم بعيداً عن أي ترويج لفكرة ضرورة الحكم بالدين.. ولم تكن نظم الشريعة سواء الشريعة الإسلامية أو (الشريعة المسيحية!) مطبقة إلا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية من زواج أو طلاق.".. والكلام لا يحتاج إلى تعليق كما هو واضح!

العلمانيون يعبدون أحبارهم المشرعين

إننا نتوجه بهذا السؤال إلى هؤلاء العلمانيين.. إلى كل من يدعي الإسلام من هؤلاء.. فنقول:

إذا أخرجنا - على سبيل التحكم- جزءاً من النشاط الإنساني في الحياة - إما السياسة وإما غيرها- عن دائرة الإسلام.. فمن أين نتلقى منهج وقيم وموازين وتشريعات هذا الجزء؟.

وأيا ما كان الجواب.. فإن نتيجته ومؤداه واحد لا ريب فيه: التلقي عن غير الله.. والطاعة والإتباع لغير الله.

والنتيجة... هي الشرك بالله... وهل هناك صورة من صور الاعتراف بالشرك أصرح من هذه؟ أعني شرك الطاعة والإتباع!!

إنه شرك في عبادة الله، وإن كان الذين يمارسونه قد يجهلون معنى عبادة الله وحده، وما ذلك بغريب على الجاهلين. فإن عدي بن حاتم - رضي الله عنه- في الجاهلية لم يكن يتصور أن ذلك عبادة، فإنه لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، فقال عدي (وكان نصرانيا) يا رسول الله: لسنا نعبدهم. قال: "أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم .[6]

قال ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على ذلك: " قد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم".[7]

إن العلمانية التي ولدت وترعرعت في أحضان الجاهلية لهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا التباس. ولكن الخفاء والمداورة والالتباس إنما يحدث عمداً من دعاة العلمانية أنفسهم، لأنهم يعلمون أنه لا حياة ولا امتداد لجاهليتهم وسلطانهم في بلاد المسلمين إلا من خلال هذا التخفي وهذه المداورة. ولا بقاء لهم إلا بالتلبيس على جماهير المسلمين وذلك من خلال راياتهم الزائفة التي تخفي حقيقة أمرهم وباطن دعوتهم عن المسلمين وتلبس على العامة أمر دينهم وعقيدتهم خاصة إذا ساندهم من نصبوه مفتياً للديار العلمانية في محاولة تجميل مكشوفة لم تزد وجوههم إلا قبحاً. بل هم يدعون عامة المسلمين ويحفزونهم ضد إخوانهم المسلمين الصادقين الواعين لحقيقة هذا الصراع وخلفياته والمنبهين إلى خطره الداهم على الدين وأهله.

حصون أهل السنة مهددة من الداخل

إن المعارك والجبهات التي تفتحها الفرق الضالة والمنتسبة لهذا الدين ضد أهل السنة والجماعة، وأخطرها دائماً جبهة الرافضة الباطنية، والتي تغذيها وتدعمها القوى والمعسكرات الجاهلية العالمية لتدمير أهل السنة والجماعة باعتبارهم الخطر الحقيقي والفعال ضد كل هذه القوى، أقول إن هذه المعارك وهذه الجبهات يجب ألا ينسى معها أهل السنة والجماعة أن حصونهم لا زالت مهددة من داخلها، وأن القوى العلمانية المتكتلة ضدهم من الداخل والتي تصارعهم في معارك خافية - غالباً- وسافرة - أحياناً- هي التي تمثل الآن جوهر الصراع القائم بين الإسلام والجاهلية في العصر الحديث. وإن أخطر مراحل هذا الصراع هي مرحلة تعرية هذه القوى العلمانية القبيحة وفضحها أمام جميع المسلمين ليستبين لكل مسلم سبيل هؤلاء المجرمين الذين يحاولون خداعهم والقضاء عليهم

حكمها وموقف الإسلام منها

 العلمانية والإيمان نقيضان، فإن الإيمان يقتضي الانقياد والإذعان لما جاء من عند الله، والعلمانية تقتضي التمرد على الوحي، والكفر بمرجعيته في علاقة الدين بالحياة، وإطلاق العنان للأهواء البشرية بلا حدود.

الإيمان يقتضي تعظيم شعائر الله وتقديس كتابه والتعبد بطاعته، والعلمانية تقتضي - كما سبق - نزع القداسة عن جميع المقررات الدينية، والتعامل معها باعتبارها مواريث بشرية بحتة تخضع لما تخضع له سائر المفاهيم البشرية من النقد والتعديل أو الإلغاء بالكلية في ضوء ما تقتضيه المصلحة البشرية البحتة.

والعلمانية بهذا النحو لا تجتمع مع أصل دين الإسلام، بل إن شئت الدقة لا تجتمع مع أصل دين سماوي بوجه من الوجوه، فهي شرك في التوحيد ونقض للإيمان المجمل، وهي ثورة على النبوة، وهدم لأصل الدين وحقيقة الإسلام.

العلمانية شرك في التوحيد:

العلمانية ثورة على النبوة:

العلمانية نقض لعقد الإيمان المجمل: فلا يثبت عقد الإيمان بمجرد التصديق الخبري، بل لابد من التكلم بالإيمان على وجه الإنشاء المتضمن للالتزام والانقياد؛ ولهذا لما جاء نفر من اليهود إلى النبي × وقالوا: (نشهد أنك لرسول) لم يكونوا مسلمين بذلك؛ لأنهم قالوا ذلك على سبيل الإخبار عما في أنفسهم فحسب، أي نعلم ونجزم أنك رسول الله، قال: "فلم لا تتبعوني؟" ، قالوا: نخاف يهود!

يقول ابن القيم رحمه الله: "ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانًا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدًا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين، فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما: اعتقاد الصدق، والثاني: محبة القلب وانقياده" [الصلاة لابن القيم: 19 - 20].

ولا يخفى أن العلمانية بردِّها لشريعة الله، وامتناعها عن قبول ما أنزل الله قد أسقطت ركن الانقياد من حقيقة الإيمان، فتكون نقضًا للإيمان المجمل الذي لا تثبت صفة الإسلام إلا باستيفائه، ولا يبقى معها من الإيمان - إن بقيت على ادعائه - إلا التصديق الخبري المحض كالذي كان مع أحبار اليهود الذين شهدوا لرسول الله × بالرسالة لما أجابهم عن أسئلتهم بما يعلمون من كتبهم فقال لهم × : "فما يمنعكم من اتباعي؟" قالوا: نخاف قومنا يهود!

أو الذي كان مع هرقل الذي أعلن تعظيمه للنبي × ولكن امتنع عن اتباعه خشيةً على ملكه.

أو الذي كان مع أبي طالب الذي أعلن بأن دين محمد من خير أديان البرية، والذي ظل عمره كله يحوط رسول الله × ويمنعه، ولكن امتنع عن اتباعه خشية الملامة ومسبة العرب له بأن إسته تعلو رأسه!!

وإننا لو أثبتنا إيمانًا أو صححنا توحيدًا لمن كان حظه من الشرائع السماوية مجرد اعتقاد صدقها وأنها منزلة من عند الله لحكمنا بإيمان أغلب من في الأرض!!

العلمانية استحلال للحكم بغير ما أنزل الله:

إن العلمانية بما تقوم عليه من تبني الكفر بمرجعية الشريعة في علاقة الدين بالحياة، وامتناعها عن الالتزام بشرائع الإسلام، واتهامها لمن ينازعها في ذلك بالرجعية والتطرف والإرهاب..

العلمانية منازعة في أصل دين الإسلام:

فالإسلام كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرًا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده، وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت" [مجموع فتاوى ابن تيمية: 3/ 91].

ولا شك أن العلمانية بما تتضمنه من رفض الاستسلام لله وحده، وإعلان الكفر بمرجعية وحيه في علاقة الدين بالدولة، ورفض الدخول ابتداء تحت دائرة التكليف فإنها بهذا تكون منازعة لدين الإسلام في أصله، ومناقضة له في أساسه ولبه.

 

 

العلمانية طاغوت تعبد الله عباده باجتنابه والكفر به:

لقد جعل الله الكفر بالطاغوت قسيم الإيمان بالله، وتعبد أولياءه بالكفر بالطاغوت واجتنابه في مواضع شتى من القرآن الكريم.

فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36].

وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256].

وبين أن ادعاء الإيمان لا يصح مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء: 60].

وتمدح الذين اجتنوا الطاغوت، وجعل لهم البشرى في كتابه الكريم فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ [الزمر: 17].

والطاغوت: هو ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله" [أعلام الموقعين: 1/ 52].

والعلمانية بما تعنيه من رفض الدخول في إطار التكليف، وخلع ربقة العبودية فيما يتعلق بأمور الدولة وسائر أمور الحياة العامة، وتعبيد أتباعها للأهواء المجردة، وعقد الولاء والبراء على ذلك، لاشك أنها من أظهر أنواع الطواغيت التي أمرنا بالكفر بها واجتنابها.

العلمانية حكم الجاهلية وعبودية للهوى:

لقد جعل الله طريقين للحكم لا ثالث لهما: حكم الله أو حكم الجاهلية، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].

وجاهلية الحكم لا تختص بزمان بعينه، ولكنها وضع تنظيمي يأبى التحاكم إلى ما أنزل الله، وهذا الوضع قد وجد بالأمس، ويوجد اليوم، وسيوجد غدًا، وحيثما وجد فهو حكم الجاهلية وإن توارى خلف لافتات من ادعاء التقدمية والاستنارة والتحضر.

وقال تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ﴾ [القصص: 50].

وقال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18].

فلا مقابل لشريعة الله وما جاء به رسول الله × إلا أهواء الذين لا يعلمون، ولا توجد منطقة وسطى بينهما، ومتى خرج العبد من شريعة الله فقد دخل في عبادة الهوى من دون الله.

قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 43، 44].

قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23].

والإنسان في هذه الحياة على مفترق طريقين لا ثالث لهما، فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية فيقع لا محالة في عبودية لغير الله، والعلمانية بما تقوم عليه من رفض الشريعة، تعبيد البشر إلى غير ما أنزل الله، فهي ترجع بهم إلى الجاهلية وتدخلهم في عبادة الهوى من دون الله.

واجب المسلمين

 في ظل هذه الأوضاع بالغة السوء التي يعيشها المسلمون ، فإن على المسلمين واجبًا كبيرًا وعظيمًا ألا وهو العمل على تغيير هذا الواقع الأليم الذي يكاد يُحرِّف الأمة كلها بعيدًا عن الإسلام .

والمسلمون جميعهم اليوم مطالبون ببذل كل الجهد : من الوقت والمال والنفس والولد لتحقيق ذلك ، وإن كان العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله وأصحاب القوة والشوكة عليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم ، لأنهم في الحقيقة هم القادة وغيرهم من الناس تبع لهم .

ولا خروج للمسلمين من هذا الواقع الأليم إلا بالعلم والعمل ، فالعلم الذي لا يتبعه عمل لا يغير من الواقع شيئًا ، والعمل على غير علم وبصيرة يُفسد أكثر مما يُصلح .

ولا أقصد بالعلم العلم ببعض القضايا الفقهية الفرعية ولا ببعض الآداب ومحاسن العادات ، كما يحرص كثير من الناس على مثل هذه الأمور ، ويضعونها في مرتبة أكبر من مرتبتها في ميزان الإسلام ، ولكني أقصد بالعلم ، العلم الذي يورث إيمانًا صحيحًا صادقًا في القلب ، مؤثرًا حب الله ورسوله ودينه على كل ما سوى ذلك ، وباعثًا على العمل لدين الله والتمكين له في الأرض وإن كلفه ذلك ما كلفه من بذل النفس والنفيس ، ولن يتأتى ذلك إلا بالعلم الصحيح بحقيقة دين الإسلام ، واليقين الكامل التام الشامل بحقيقة التوحيد أساس البنيان في دين الإسلام ، ثم لابد مع ذلك من العلم بالمخاطر التي تتهدد الأمة الإسلامية ، والأعداء الذين يتربصون بها والدعوات الباطلة والهدامة التي يُروَّج لها ، وما يتبع ذلك من تحقيق البراءة من أعداء الدين ، وتحقيق الولاية للمؤمنين الصادقين .

وإذا كان من الواجب على المسلمين طلب العلم والدأب في تحصيله وسؤال أهل الذكر ، ليكون المرء على بصيرة كاملة ووعي صحيح ، فإن من الواجب على أصحاب القلم - من الكُتَّاب والناشرين - العمل على الإكثار من نشر الكتاب الإسلامي الذي يربط المسلمين بالإسلام كله ، والذي يُعطي كل شرعة من شرائع الإسلام وكل حكم من أحكامه قدره ومنزلته في ميزان الإسلام ، بحيث لا يزيد به عن قدره ولا ينزل به عن مرتبته ، ولا يضخم جانبًا على حساب جوانب أخرى متعددة ، وفي هذا الصدد فإن الكُتَّاب والناشرين مدعُوُّون بقوة إلى الالتزام بذلك ، وخاصة في تلك الظروف العصيبة الحرجة التي تمر بها الأمة الإسلامية ، فلا يليق بهم ولا ينبغي لهم أن يُجَاروا رغبات العوام وغيرهم في الإكثار والتركيز على جانب معين من جوانب الدين مع إهمال جوانب أخرى هي في ميزان الإسلام أجلّ قدرًا وأخطر شأنًا .

ونحن في هذا الصدد لا نريد أن نقع فيما وقع فيه غيرنا فندعو إلى إهمال الجانب الأقل في ميزان الإسلام لحساب الجانب الأكبر ، ولكنا ندعو إلى التوازن بحيث تكون الكتابات في الجوانب المختلفة متوازنة مع مرتبتها وثقلها في ميزان الإسلام ، فلا يُقبل أن تكون المكتبة الإسلامية مملوءة بالكتابات المختلفة المتنوعة عن الجن ، والسحر ، والشعوذة ، والورع ، والزهد ، والأذكار ، وفضائل الأعمال ، وفروع الفروع الفقهية ، وأشباه ذلك, ونؤكد أنه لا يحق لأحد أن يظن مجرد الظن أننا نقلل من أي شيء - وإن كان صغيرًا - تناوله حكم الإسلام ، حتى ولو كان ما يتعلق بأدب قضاء الحاجة ، وما ندعو إليه فقط هو إعطاء كل جانب ما يستحقه في ميزان الإسلام ، وهذا الذي أكدناه وذكرناه إنما هو طريقة العلماء المنبثقة عن الفهم الصحيح للنصوص الشرعية .

 ، بينما نجد المكتبة تكاد تكون خاوية من الكتاب الميسر الصالح للتناول لتناول العام في مجالات بالغة الأهمية .

مثل : أحكام الفقه السياسي في الإسلام : أو بالتعبير القديم ( الأحكام السلطانية ) .

ومثل : مناقشة النحل الكثيرة التي بدأت تنتشر في عالم المسلمين ( كالعلمانية ، والديمقراطية ، والقومية ، والاشتراكية ، والأحزاب ذات العقائد الكفرية كحزب البعث ، والأحزاب القومية ، وغير ذلك ) .

ومثل : الكتابات التي تتحدث عن الجهاد ، لا أقصد الجهاد بمعنى فرضيته ودوامه إلى قيام الساعة ، ولكن أقصد إلى جانب ذلك الكلام عن جهاد المرتدين اليوم في عالم الحكام ، وأصحاب السلطان الذين تبنوا المذاهب الاشتراكية ، والعلمانية ، والقومية ، والديمقراطية ، وغير ذلك ودعوا إليها وألزموا الناس بها .

ومثل : الحديث عن كيفية العمل لإعادة الخلافة الضائعة ، إلى غير ذلك من المواضيع ذات الأهمية البالغة في حياة المسلمين ، وإذا نظر الإنسان إلى ما كُتب في هذه المواضيع ، وما كُتب في المواضيع الأخرى لهاله التباين الشديد في هذا الأمر ، وإذا نظر أيضًا إلى كمية المباع من ذاك ومن هذا لهاله الأمر أكثر وأكثر .

قد يقول الكتاب والناشرون : إن الناس لديهم عزوف عن قراءة هذه المواضيع ، لكن منذ متى كان لصاحب الرسالة التي يريد لها الذيوع والانتشار أن يطاوع الأهواء والرغبات ، وإذا كان حقًّا ما يُقال عن هذا العزوف ، فأنتم مشتركون بنصيب وافر في ذلك ؛ لأنكم طاوعتموهم على ذلك ، ولم تبصروهم بأهمية التوازن وعدم تضخيم جانب وإهمال جوانب أخرى ؛ لأن هذا الأمر سيؤدي بالناس في النهاية إلى حصر الإسلام وتضييق نطاقه في إطار عبادة من العبادات أو أدب من الآداب أو عادة من العادات ، بل قد انحصر الإسلام فعلاً عند كثير من الناس في أداء الصلاة ، وصيام رمضان ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في مجموعة من الأذكار ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في حسن الخلق ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في هيئة أو زي أو لباس ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في العلم ببعض فروع الفقه ، أو العلم ببعض قضايا مصطلح الحديث ، وهكذا .

فإذا خاطبت الكثير منهم عن عموم الإسلام وشموله وحدثتهم عن بعض القضايا الهامة والملحة والمنبثقة من توحيد الله والإيمان باليوم الآخر مثل الحديث عن الحكم بما أنزل الله ، والالتزام بشرعه ووجوب السعي لإقامة دولة الإسلام وإعادة الخلافة ، وبيان بطلان المذاهب الكفرية كالعلمانية ، والديمقراطية ، وغير ذلك ، ظنوك تتحدث عن دين غير دين الإسلام ، وقالوا : هذا اشتغال بالسياسة ، ولا يجوز إدخال الدين في السياسة .

ومثل هؤلاء لو تأكد عليهم الكلام في مثل هذه القضايا في خطب الجمعة ، وفي دروس وحلقات العلم في المساجد ، وفي الكتابات الميسرة التي يمكنهم قراءتها وفهمها بيسر ، لم يصدر عنهم مثل هذا الكلام الضال المنحرف .

ونحن يجب علينا كتابًا وناشرين ألا نشارك في تزييف الدين وتجزئته عن طريق عرضه عرضًا ناقصًا مقصورًا على جانب من جوانبه استجابة لرغبة القراء ، ولحركة البيع والشراء ، فنكون بذلك محققين لهدف كبير من أهداف العلمانية في تضييق نطاق الدين وعزله عن الحياة .

وقد يقول الكتاب والناشرون : نحن لا نكتب في هذه الأمور لأنها مسائل كبيرة والخطأ فيها ليس بالهين ، وهي تحتاج إلى علم كثير هو ليس في وسعنا ، وأنا معهم في هذا القول في أن كثيرين ممن يكتب هذه الأيام لا يصلح للكتابة في هذه الأمور .. إما لعدم فقههم لهذه الأمور ، وإما لأن فقههم لها قاصر ومبتور ، وإذا كان ذلك صحيحًا - وهو صحيح - في حق كثيرين ، فأين العلماء الكبار ، وأين الشيوخ الأجلاء ، وإذا لم يكن هذا هو دورهم ومهمتهم ، فما هو دورهم إذن في العمل على تغيير هذا الواقع الأليم ؟!

دور المعلمين والمدرسين فى القيام بواجبهم تجاه دينهم

وفي إطار الحديث عن العلم ونشره فإن فئة المعلمين من المدرسين والأساتذة من أدنى مراحل التعليم إلى أعلاها عليهم واجب من أهم الواجبات العامة في حقهم وآكدها وهذا الواجب يتمثل في :

  • العمل على أسلمة المناهج بحيث تصب كل المناهج العلمية في إطار خدمة الإسلام ، وبحيث لا يكون الهدف العلمي البحت ، هو الهدف الوحيد من تدريس هذا العلم ، ونظرًا لأن ديننا من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأن المكتشفات العلمية هي من خلق الله فلا تعارض إذن ولا تناقض بين العلم والدين ، وبالتالي فإن كثيرًا من الحقائق العلمية يمكن استخدامها كأدلة في مجال الإيمان ، وكثير من القوانين العلمية يمكن استخدامها كردود أو إبطال لنظريات إلحادية من وجهة نظر العلم التجريبي الذي يؤمن به الملحدون ولا يعولون على غيره ، وعلى ذلك فإن المناهج العلمية الموضوعة للتلاميذ والطلاب لابد أن يراعى فيها ذلك ، ولابد من توضيح ذلك الأمر بأوضح بيان ، ولا يكفي فيه الإشارة والتلميح ، وهذا الأمر واجب أكيد في حق أولئك الذين يضعون هذه المناهج ويقررون تدريسها . 2-تنقية المواد العلمية من الكفريات والضلالات المدسوسة بها ، فقد يحدث أن يضع هذه المواد ومناهجها أناس غرباء على الدين ، فالواجب على المدرس المسلم ألا يقوم بتدريس المادة العلمية كما هي ، بل لا يحق له ذلك ، وينبغي عليه كشف هذه الضلالات للطلاب وتحذيرهم منها ، وبيان الصواب فيها ، فلا يكتفي المعلم بدوره كمعلم للمادة فقط ، بل يربط هذه العلوم بالإسلام وينقيها مما فيها من الشوائب ويكون في الوقت نفسه داعية وواعظًا ومرشدًا إلى جانب كونه معلمًا ومثقفًا . 3- أن ينتهز المعلم الفرصة كلما سنحت له لتوضيح مفهوم من مفاهيم الإسلام ، أو لتثبيت عقيدة من العقائد أو لبيان قضية من قضايا المسلمين أو لتعليم أدب من آداب الإسلام ، وهكذا .                                              وكل هذه الأمور يستتبع بالضرورة تحقيقها أن يرتفع المعلمون بمستواهم العلمي والشرعي في كثير من الأمور حتى يكونوا أكفاء لهذه المهمة النبيلة التي شرفهم الله بحملها .                                                                      وفي ختام هذا البحث نأتي إلى العمل بعد العلم ، ولست أقصد بالعمل ذلك العمل الذي يعود نفعه وخيره على شخص العامل وحده ، فهذا مطلوب ، ولكن أين العمل الذي يعود نفعه وخيره على الأمة الإسلامية بالإضافة إلى شخص العامل إنه مما يجب علينا أن نعتقد الحق ونعمل به في خاصة أنفسنا ، ومن نعول ، ثم لا نكتفي بذلك حتى ندعو الناس غيرنا ونبصرهم بحقيقة هذا الدين ، وبتكالب الأعداء علينا من داخلنا وخارجنا ، وبحجم المأساة التي تعيشها الأمة الإسلامية ، ولا يصدنا عن القيام بهذا الدور ما نلقى من عنت ومشقة ومن صدود من جانب الناس ، ومن تضييق وحرب من جانب الحكام أذناب العلمانية وعملائها .

هذا موقف العلمانية من الإسلام وهذا موقفنا منها

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء ، والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين

 أما بعد :

فإن الصراع بين الحق والباطل حقيقة أزلية معروفة عبر التاريخ ، وهو سنة يعرفها كل متدبر وتالٍ لآيات الذكر الحكيم ، ويجدها في المواجهة بين الأنبياء وأعدائهم من الكافرين برسالتهم ، ويتكرر بصور مماثلة عبر العصور بين الدعاة والمصلحين ومناوئيهم حينما يقفون بكل تبجح أمام الحق وأهله ، رافضين جملة وتفصيلاً ما يدعو الدعاة إليه من حق وما يطالبون به من تحكيم لشريعة الله ، فالعلمانية بخيلها ورجلها تقف بكل صلف ضد أي توجه إسلامي يقوم في أي بلد مسلم مثيرة الشبهات ضده والإساءات المتوالية لكل منتمٍ له ، بدعاوى أن أولئك رجعيون ومتطرفون وإرهابيون ؛ لهدم هذه الاتجاهات أمام الشعوب ، وتخويفها منها بالكذب والتزوير .

لقد وصف الله المنافقين أوصافاً دقيقة ، تنبئ عن حقيقة ما يضمرونه من سوء في الوقت الذي يتظاهرون فيه بالإسلام ، وكأنه وصف لجوقة العلمانيين في عالمنا الإسلامي اليوم ، يقول (جل وعلا) : [ وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأََرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أََلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ][البقرة : 11 ، 12] .

إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع ، بل يضيفون إليهما السفه والادعاء .. ، والذين يفسدون أشنع الفساد ويقولون : إنهم مصلحون ، كثيرون جدّاً في كل زمان ، يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم ، فيتعذر على أولئك أن يشعروا بفساد أعمالهم ؛ لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية ، ولا يستند إلى أسس شرعية .

إن ظهور الإسلام هو بداية غيظ ورعب لأعداء هذا الدين وخصوم المنتمين له في كل حين ، فهو يؤذيهم ويخيفهم ؛ لأنه من القوة والمتانة بحيث يخشاه كل مبطل ، ويرهبه كل باغٍ ، ويكرهه كل مفسد .. لما فيه من حق أبلج ومنهج قويم ، فهو مضاد للباطل والبغي والفساد ؛ ومن ثم : لا يطيقه المبطلون والبغاة والمفسدون ، لذلك يرصدون لأهله ، ليفتنوهم عنه .

علمانيو تركيا نموذجاً : وصورة هذا العداء السافر لم تتبين بشكل واضح جلي كما تتضح اليوم في الحرب الشعواء التي يشنها العلمانيون على أهل الإسلام ودعاته في كثير من ديار الإسلام ، وبشكل أخص فيما يقوم به تلاميذ الرجل الصنم (أتاتورك) من دعاة الطورانية الملحدة سواء من الأحزاب العلمانية التركية أو عن طريق الجيش التركي الذي يعتبر نفسه حامي الدستور العلماني هناك ، وهذا الولاء الذي يدينون به له والذي جعل (أتاتورك) يحكمهم به من قبره لم يأت من فراغ ، فهو نتيجة بناء أسسه المذكور المشبوه بانتمائه للدونمة ذوي الأصول والاتجاهات اليهودية ، ومواقفه من الإسلام تؤكد ذلك ، والعساكر الممسكون بأَزِمّة الأمور اليوم هم خريجو المؤسسة العسكرية التابعة للجيش الذي تحول إلى مفرخ للقادة والضباط المؤمنين بالمبادئ الطورانية ، وجل ضباط الجيش التركي هم من ذلك الصنف ؛ فلا عجب أن نراهم حماة لتلك المبادئ العلمانية المتطرفة التي لا تطيق للإسلام صوتاً ، فضلاً عن أن يحكم أو يعمل في الهواء الطلق ، ولذلك : كان لهذا الجيش موقفه الصارم من التدخل المباشر في تعديل أي مسار ضد أي تجاوز للمبادئ العلمانية منذ عام 1960م ، حينما تدخل لإيقاف حكومة (عدنان مندريس) الذي أعلن في برنامج حزبه الذي نال به الأغلبية وترأس الحكومة آنذاك منادياً بفتح مدارس تحفيظ القرآن ، وإعادة الأذان بالعربية ! .. فما كان من قادة الجيش ذوي الاتجاهات نفسها إلا أن أسقطوا الحكومة ، وأعدموا رئيسها وبعض وزرائه ؛ بدعوى الخروج عن (المبادئ الكمالية) ! ثم حصل التدخل عام 1970م مرة أخرى ، ثم في عام 1981م .. فموقفهم من الإسلام موقف حياة أو موت كما ذكروا ، ولولا الخوف من العواقب الوخيمة للانقلاب العسكري الآن لأوقفوا (أربكان) الذي استطاع بكل دبلوماسية أن يقف في وجوههم وأن يفتح العيون أمام الجميع على تدخلاتهم التسلطية في أعمال الحكومة المنتخبة عن طريق ما يسمى بـ (مجلس الأمن القومي التركي) بشكل لا يمكن أن يحدث في أي بلد متحضر .

والأخذ والرد الحاصل من التدخل العسكري ضد حكومة (أربكان) ومحاولة إسقاطها بالتعاون مع الأحزاب العلمانية الهزيلة يكشف إلى أي مدى وصل العداء القائم بين الإسلام والعلمانية ، ويكشف أيضاً هلعهم من أي مظاهر إسلامية مهما كانت محدوديتها ، وهذا الخوف من عودة الإسلام مرجعه إلى الخوف على أنفسهم ؛ لكثرة ما طغوا وبغوا في البلاد ، فكم أذلوا الناس واستباحوا كرامتهم ؟ ، وكم أساؤوا إلى دينهم وعقيدتهم بدعوى الحفاظ على المبادئ الأتاتوركية ؟ ، ولا ندري لحساب من يجري هذا الإرهاب العلماني على الأمة والرفض المطلق للعودة لما تدين به الأمة وتعتز ؟ ولماذا الصمت المريب من المجتمع الدولي على خروقات الديمقراطية ! التي يهمهم أمرها ؟ .

إن العلمانية ليست كما يشاع مجرد فصل الدين عن الدولة ، بل هي في نهاية الأمر وحقيقته : فصل الدين عن الحياة ، ليتصرف الحاكمون بأمرهم على إشاعة الباطل وتدجين الأمة على قبول الهوان والتبعية للأعداء بتقنين الباطل وحكم الطاغوت .

ومن العجب أن يتحدث نفر من المنسوبين للإسلام بكل سذاجة وبورع بارد حينما يدعوننا ألا نتحدث عن خطر العلمانية ، وألا نفضح العلمانيين ، وألا نتهمهم بالخروج والضلال المبين .

كيف لا نتهمهم بكل ذلك وأهدافهم أصبحت مكشوفة للجميع ؟ وكيف لا نفضحهم وأفكارهم الرافضة للدين بانت لكل ذي عينين ؟ وكيف لا نحذر الناس من شرورهم وتلك هي مواقفهم واضحة من الإسلام وعلمائه ودعاته والمنتسبين إليه ؟ أين الحرية الشخصية التي تضمنتها دساتيرهم إياها ذرّاً للرماد في العيون؟ أين حقوق الشعوب في تعلم ما تدين به ؟ بل أين مظاهر الإسلام حتى الشكلية منها ؟ ! لقد أكد كثير من علماء الإسلام أن حقيقة العلمانية هي رفض للدين أن يكون حاكماً ، بتنحية الإسلام عن الحياة في كل الأمور ؛ والآن تقاتل العلمانية لمنع تحكيم الإسلام وعودته من جديد حتى بالوسائل الديمقراطية التي يتشدقون بها ليل نهار .

 

فما هو موقف علماء المسلمين منها ؟ .

يقول سماحة الشيخ (عبد العزيز بن عبد الله بن باز) أحد العلماء الأعلام في هذا العصر في إحدى فتاويه : ( ...

وقد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير الله أحسن من حكم الله ، أو أن هدي غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن من هدي الرسول ، فهو كافر ، كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحد من الناس الخروج عن شريعة محمد ، أو تحكيم غيرها ، فهو كافر ضال

ويضيف سماحته في فتوى أخرى

فالذين يتحاكمون إلى شريعة غير شريعة الله ، ويرون أن ذلك جائز لهم ، أو أن ذلك أولى من التحاكم إلى شريعة الله ، لا شك أنهم يخرجون بذلك عن دائرة الإسلام ، ويكونون بذلك كفاراً ظالمين فاسقين) مجموع فتاوى سماحته ، ج1 ، ص 274 ، ص 275 ، وانظر له أيضاً : العقيدة الصحيحة ، ونواقض الإسلام

هذه هي العلمانية أيها الناس وهذا هو حكمها ، فهي تلك التصورات القاصرة والمشبوهة عن الإسلام ، وأحكامه ، وأصوله ، وهذا ما يدين به رموز العلمانية في كل بلد مهما تظاهروا زوراً بخلاف ذلك .

فاعرفوا العلمانية حق المعرفة واكفروا بها ؛ لمصادمتها لدينكم ، ولمعارضتها لأصول عقيدتكم ، والواقع أكبر دليل على ذلك .. فإلى متى نتجاهل ذلك ، ونؤول الحقائق ؟ ، ثم حتى متى يتمسك بعض السذج بذلك الورع البارد الذي ينم عن مدى الجهل بالإسلام نفسه ؟ ! .

إننا نذكر الجميع بأن تلك هي مواقف العلمانية والعلمانيين من الإسلام ، وذلك هو حكم الإسلام فيهم : [ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ][النساء

    لابد إذن من العمل بهذا الدين ولهذا الدين ، ولابد من جمع الناس على ما يحبه الله ورسوله من الاعتقادات ، والأقوال ، والأفعال ، ولابد من تحمل التبعات في سبيل ذلك ، ولابد أيضًا من الجهاد في سبيل الله ، وإعلان الحرب على كل محارب لله ورسوله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .                                                          ولا أحسب أني بذلك قد تحدثت عن واجب المسلمين كما ينبغي ، ولكن يكفي أن تكون تذكرة لنا جميعًا ، لعل الله ينفعنا بها .. اللهم آمين

 

  • الخميس PM 06:40
    2021-08-19
  • 3510
Powered by: GateGold