المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415416
يتصفح الموقع حاليا : 277

البحث

البحث

عرض المادة

المملكة الشــمالية (يسـرائيل - إفــرايم)

المملكة الشــمالية (يسـرائيل - إفــرايم)
(Northern Kingdom (Ysrael; Ephraim
بعد موت سليمان عام 928 ق.م وانقسام اتحاد القبائل العبرانية (المملكة العبرانية المتحدة)، أُطلق اسم «يسرائيل» أو «إفرايم» على المملكة الشمالية، كما كانت تُسمَّى أحياناً «السامرة» نسبة إلى عاصمتها. وكانت تقع حسب الرواية التوراتية والمدونات التاريخية على بحيرة طبرية، وتضم نهر الأردن والضفة الغربية ومنها نابلس وأجزاء من الضفة الشرقية والجليل. وكان لهذه الدولة على خلاف المملكة الجنوبية، شريط ساحلي. كما أن مساحتها كانت تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة المملكة الجنوبية. وكانت قبيلة إفرايم من أهم قبائل هذه المملكة وجاء منها معظم ملوك المملكة، ولهذا سُمِّي اتحاد هذه القبائل باسمها. وبدأ تاريخ المملكة الشمالية حينما بايعت القبائل العبرانية العشر يُربعام ملكاً، رافضةً إعطاء البيعة لرُحبعام بن سليمان الذي نُصِّب ملكاً على قبيلتي الجنوب في اتحادهما المسمَّى «المملكة الجنوبية».


كانت المملكة الشمالية أكثر أهمية من الناحية السياسية والاقتصادية. ومع هذا، كانت تتنازعها الخصومات إذ لم يكن لها مركز ديني قوي مثل القدس، ولم تكن عبادة يهوه القومية راسخة فيها. وقد كانت الأسرة الحاكمة فيها لا تتمتع بشرعية قومية دينية مثل أسرة داود. كما كانت أكثر تعرضاً للغزو الخارجي من المملكة الجنوبية، ولم يكن لملوكها سياسة خارجية واضحة. وكانت مكوَّنةً من عناصر قَبَلية كثيرة غير متجانسة إذ كانت تضم عشر قبائل في مقابل قبيلتين في المملكة الجنوبية. ولكل هذا، نجد أنها في فترة لا تزيد على ثلاثة قرون وعشر سنوات، حكمها تسعة عشر ملكاً ينتمون إلى تسع أسر، مات منهم عشرة عن طريق العنف وحكم سبعة فترة أقل من سنتين. ولم تتمتع المملكة بأي استقرار إلا لفترة وجيزة (887 ـ 743 ق.م).

وسعى رؤساء القبائل الشمالية إلى التهوين من شأن القدس وهيكلها حتى من الناحية الدينية، واستعاضوا عن ذلك بتأسيس معابد محلية لممارسة شعائر الدين متأثرين في ذلك بنظام العبادات الكنعانية الذي يتَّسم بعدم مركزية مقرّ الإله. كما أقيم في السامرة معبد لينافس الهيكل فيحج إليه الشماليون، وخصوصاً بعد أن منعهم الجنوبيون أنفسهم من الحج إلى القدس، كما أسسوا أماكن مقدَّسة محلية في دان وبيت إيل.

وأول ملوك المملكة الشمالية يُربْعام الأول (928 - 907 ق.م) من قبيلة إفرايم القوية. وكان من المشرفين على أعمال السخرة في عهد سليمان، لكنه قاد الثورة ضده بسبب ضرائبه ومطالبه التي أثقلت كاهل الناس. وحينما فشل التمرد، فرَّ إلى مصر حيث لجأ إلى شيشنق فرعون مصر الليبي (الأسرة 22). وبعد موت سليمان، ترأس الوفد الذي أرسلته قبائل الشمال ليقابل رُحبعام مطالباً بتعديل نظام الضرائب والسخرة. وعندما رُفض الطلب، أعلنت قبائل الشمال استقلالها وتوَّجت يُربْعام ملكاً. ويبدو أن رُحبعام لم يتمكن من ضرب المملكة الجديدة خوفاً من تهديد شيشنق الذي كان يهمه القضاء على مملكة سليمان. واتخذت المملكة من شـكيم عاصـمة لها، لكنهـا نقلت بعد ذلك إلى بنوئيل عبر الأردن، وأخيراً إلى ترصه. وقد أسـس يُربعام معـبداً في بيـت إيـل ودان، وجعل رمز الديانة العجول الذهبية. كما غيَّر يُربْعام موعد الأعياد حتى يحوِّل حجاج مملكته عن الذهاب إلى القدس، وطرد اللاويين الذين كانوا يشكلون جزءاً من المملكة العبرانية المتحدة ومن إدارتها. وخاض يُربعام حرباً دائمة مع المملكة الجنوبية التي رفضت الاعتراف بالتقسيم. ويبدو أن شيشنق قام بغزو المملكة الشمالية (ربما بعد موت يُربْعام) رغم أن عداءه كان موجهاً أساساً ضد المملكة الجنوبية.

وتاريخ المملكة الشمالية بعد ذلك تاريخ اضطرابات وعنف وتحالفات مؤقتة. فبعد موت يُربْعام الأول الذي تميَّز حكمه بالاستقرار، اعتلى ابنه ناداب العرش (907 ـ 906 ق.م)، ولكنه اغتيل هو وبقية أعضاء أسرته أثناء حربه ضد الفلستيين على يد منافسه بعشا (906 - 883 ق.م) من قبيلة يَسَّاكر الذي أنهى حكم قبيلة إفرايم وأبَّرم تحالفاً مع بن هدد الأول ملك آرام فحاربا معاً ضد المملكة الجنوبية. وحينما غيَّر بن هدد موقفه وتخلى عن تحالفه، هُزم بعشا وتنازل عن جزء من أراضيه. واعتلى ابنه إيلا العرش (883 ـ 882 ق.م)، لكن زمري، قائد عرباته العسكرية، قتله وهو يحاصر إحدى المدن الفلستية وحلّ محله (882 ق.م).

ولم يدم حكم زمري طويلاً لأن الجيش انتخب عمري (882 ـ 871 ق.م) ملكاً وحاصر العاصمة،وهذا ما اضطر زمري إلى أن يضرم النار في نفسه وفي قصره بعد أن حكم لمدة عام واحد.ولكن عمري لم يُحكم قبضته على المملكة إلا بعد ست سنوات من الحرب الأهلية ضد تبني بن جينـه الذي أعلن نفسـه ملـكاً.وقد جعل عمري من السامرة عاصمة لمملكته، وابتنى فيها لنفسه قصراً.وقد كان الخوف من القوة الآرامية وسطوتها العنصر الأساسي في السياسة الخارجية عند عمري في تلك الفترة.ويبدو أن الضغوط الآرامية كانت قوية إلى درجة أن المملكة اضطرت إلى منح الدول/المدن الآرامية الحق في فتح وكالات تجارية في السامرة وكذلك إعطائها امتيازات خاصة. ولمعادلة هذا الموقف، قام عمري بتقوية علاقاته مع الفينيقيين (صور وصيدا)، فزوَّج ابنه من إيزابيل ابنة ملك صيدا، لتدعيم التحالف على عادة الملوك القدماء. وقد أتاح هذا التحالف الفرص التجارية أمام المملكة الشمالية حتى إنها نجحت في إقامة علاقات تجارية مع قبرص. وقد كان لهذا التحالف أعمق الأثر في الحياة الدينية في المملكة إذ أن العبادات الوثنية في صيدا كانت قد انتشرت بين الطبقات الثرية. وقد حاول عمري إقناع المملكة الجنوبية بالانضمام إلى محور صيدا ـ السامرة. ونظراً للسلام المؤقت الذي تمتعت به المملكة الشمالية، نجح عمري في استعادة الهيمنة على المؤابيين، وقام بحركة عمرانية قوية، وأحاط العاصمة بعدد كبير من التحصينات، وقد تمتعت المملكة بدرجة لا بأس بها من الازدهار حتى أن الآشوريين كانو يُعرِّفون المملكة الشمالية باسم «مملكة عمري».

واعتلى أخاب بن عمري العرش (871 - 852 ق.م)، فأدخلت زوجته إيزابيل عبادة بعل في المملكة الشمالية، وهو ما أدَّى إلى قيام صراع شديد بين البيت الملكي والأنبياء بقيادة النبي إلياهو. وبعد أن قام أخاب بعدة معارك ضد آرام دمشق، تحالف مع ملكها بن هدد ضد الآشوريين الذين كانوا قد أصبحوا خطراً حقيقياً يتهدد الجميع بعد حملة آشور ناصر بال في عام 870 ق.م، ونجحوا في صدهم مؤقتاً في معركة قرقار، وإن كان يُقال إن نتيجة المعركة لم تكن حاسمة لأي من الطرفين. ثم تحالف أخاب، بعد ذلك، مع يهوشافاط ملك المملكة الجنوبية وحاربا ضد مملكة آرام دمشق، ولكنهما هُزما وقُتل أخاب في المعركة. وأخاب أول ملك عبراني يُذكَر اسمه في أحد الأنصاب الآشورية باعتباره أحد الملوك الذين هزمتهم آشور.

وخلف أخاب ابنه آحازيا (852 ـ 851 ق.م) الذي هاجمه إلياهو باعتباره مشركاً وثنياً، وقد حاول آحازيا أن يكون جزءاً من المشاريع البحرية للمملكة الجنوبية ولكن طلبه رُفض، وهو ما أدَّى إلى توتر العلاقة بين المملكتين. ثم اعتلى يورام (851 ـ 842 ق.م) العرش من بعده، وألحق المؤابيون به الهزيمة وحصلوا على استقلالهم، كما هاجم الآراميون مملكته، وجُرح وهو أثناء معركة خاضها ضدهم لاسترداد إحدى المدن. وأدَّت هزائمه العسكرية المتكررة إلى ضعضعة سلطته، ثم اغتيل آحازيا على يد ياهو (842 ـ 814 ق.م) زعيم الانقلاب العسكري الذي أطاح بأسرة أخاب وقتل أعضاءها كما قتل كهنة بعل. وقد قطع ياهو علاقات مملكته مع حلفائها السابقين (الدول/المدن الفينيقية والمملكة الجنوبية) وهو ما جعلها عرضة للغزو الأجنبي، فقامت قوات الآراميين بغزوها وألحقت الهزيمة به، فاضطر إلى دفع الجزية لشلمانصر الثالث لكي يحميه من الآراميين، وهذا ما خفف من الضغط الآرامي بعض الوقت. ويظهر هذا الملك على المسلة السوداء التي أقامها الملك الآشوري وهو يُقبِّل الأرض عند قدمي هذا الأخير ويُقدِّم الجزية. ولكن، بعد أن مني شلمانصر بالفشل في إخضاع عاصمة آرام، هاجمت الجيوش الآرامية المملكة الشمالية مرة أخرى وضمت الأراضي التابعة لها شرقي الأردن. وفي أواخر حكمه، اخترقت الجيوش الآرامية مملكته ووصلت إلى حدودها مع المملكة الجنوبية، ثم دخلت مملكته مرحلة التدهور.

وخلال حكم يوآحاز (814 ـ 800 ق.م)، كانت المملكة الشمالية مجرد مملكة تابعة لآرام التي تحكمت في أجزاء كبيرة من أراضيها وحدَّت من قوتها العسكرية، فانكمشت المملكة لتصبح دويلة. وقد انحسر المد الآرامي بعض الشيء بوصول حملة تأديبية آشورية بقيادة أدادنيراري الثالث الذي تشير إليه المصادر التوراتية باعتباره المخلِّص (ملوك ثاني13/5). ويبدو أن يوآحاز دفع الجزية، مثل يهو، للملك الآشوري. وانتهز يوآش (800 ـ 784 ق.م) فرصة ضعف آرام بعد هزيمتها على يد الآشوريين، واستعاد بعض المدن التي كان قد فقدها. وحينما حاول ملك المملكة الجنوبية أن يتخلص من الهيمنة الشمالية، استولى يوآش على القدس، ونهب الهيكل والكنوز الملكية، وحوَّل المملكة الجنوبية مرة أخرى إلى مملكة تابعة. وقد أتى ذكر يوآش، في أحد النقوش الآشورية، باعتبار أنه كان يدفع الجزية لملك آشور. ووصلت المملكة إلى قمة ازدهارها الاقتصادي والعسكري والسياسي أثناء حكم يُربْعام الثاني (784 - 748 ق.م) إذ تمتعت بشيء من الاستقلال نظراً لضعف الآشوريين النسبي. وانتهز يُربْعام الثاني فرصة هزيمة آرام على يد الآشوريين، فاستعاد كل الأراضي التي استولت عليها آرام من قبل بل ضم بعض المدن الآرامية، فاتسعت رقعة مملكته. كما أقام يُربْعام الثاني مستعمرات في شرق الأردن، وأقطع ضباطه وأتباعه رقعاً كبيرة من الأرض، وقام بحركة بناء واسعة النطـاق. وقد أدَّى كل ذلك إلى نشـوء طبقـة ذات نفـوذ كبير من الملاك الأثرياء. وتميَّز حكمه بالفساد الداخلي والانحلال الخلقي، وهو ما دفع النبيين عاموس وهوشع إلى الهجوم عليه واستنكار أفعاله. وسادت فترة من الاضطرابات اتَّسمت بالصراع الطبقي ولعب فيها ملاك الأراضي في شرق الأردن دوراً كبيراً. وقد اُغتيل ابنه زكريا عام 748 ق.م بعد ستة أشهر من اعتلائه العرش، وانتهى بذلك حكم أسرة ياهو.

وفي عام 748 ق.م، حكم شلوم رئيس الانقلاب (وكان من شرق الأردن) شهراً واحداً دون أن يعتلي العرش إذ قتله مناحم (747 - 737 ق.م) الذي كان هو الآخر من شرق الأردن. وقد حاول مناحم أن يوسِّع حدود مملكته ويؤسِّس حكماً ثابت الدعائم، ولكن يد آشور الحديدية منعته. وحينما هاجم تيجلات بلاسر سوريا ثم المملكة الشمالية، دفع له مناحم جزية كبيرة. وحكم فقحيا بن مناحم (737 ـ 735 ق.م) عاماً واحداً، ولكن قائد جيشه فاقح (أحد نبلاء جلعاد) قام بانقلاب ضده وقتله واستولى على العرش (735 ـ 733 ق.م). ويبدو أن سبب المؤامرة هو عدم رضا أثرياء شرق الأردن عن الهيمنة الآشورية، إذ كانت لهم علاقات قوية بآرام. وكان فاقح زعيم الحزب المعادي للآشوريين، فتحالف مع رزين ملك آرام دمشق، حيث هاجما معاً المملكة الجنوبية ليرغما يوثام ثم ابنه آحاز على دخول الحلف. وقد لجآ إلى تشجيع الاضطرابات في أدوم وفلستيا وجردا حملة على القدس لإرغام المملكة الجنوبية على الانضمام إليهما. ولكن آحاز استغاث بالآشوريين، فقامت القوات الآشورية بالهجوم على أعضاء التحالف وقضت على آرام دمشق كدولة. واستولت القوات الآشورية كذلك على أراضي الجليل وجلعاد، وأخذت منها أسرى إلى آشور. وقد قُتل فاقح على يد هوشع (730 ـ 724 ق.م) آخر ملوك المملكة الشمالية. وتقول المصادر الآشورية إن هوشع اعتلى العرش بمساعدة آشور، وأن مملكته قامت حول جبل إفرايم. وبعد موت تيجلات بلاسر الثالث، نشبت الثورات في سوريا وانضمت المملكة الشمالية بتشجيع من مصر للثورة، فجرَّد شلمانصر الخامس حملة وحاصر السامرة ثلاث سنوات إلى أن سقطت في يد خلفه سرجون الثاني (721 ق.م)، فهجَّر عدداً كبيراً من رجالها وأصبحت المملكة الشمالية مقاطعة آشورية.

  • الاحد PM 10:50
    2021-04-18
  • 1083
Powered by: GateGold