المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415398
يتصفح الموقع حاليا : 288

البحث

البحث

عرض المادة

المملكــة العبرانيــة المتحــدة: ظهــورها وانقســامها

المملكــة العبرانيــة المتحــدة: ظهــورها وانقســامها
United Hebrew Kingdom: Emergence and Division
المملكة المتحدة هي، في واقع الأمر، اتحاد القبائل العبرانية الذي سعى إليه شاؤول وأخذ شكل مملكة صغيرة أسسها شاؤول سُمِّيت «مملكة يسرائيل». ولكن الفضل الحقيقي في تأسيس المملكة يعود إلى داود، وقد خلفه ابنه سليمان في حكمها. وقد تمكَّن العبرانيون من تأسيس مملكتهم حوالي 1020 ق.م بسبب الفراغ الذي نشأ في الشرق الأدنى القديم. فمصر كانت تتعرض آنذاك لضغط الليبيين من الغرب إلى أن قامت أسرة ملكية تنحدر من أصل ليبي، وكان الحيثيون مشغولين بصد الغزاة من البحر (شعوب البحر)، ولم تكن بابل (العراق) قوة عظمى بعد، كما كانت الدويلات الآرامية في صراع بعضها مع بعض. أما آشور، فلم تكن قد بلغت بعد أوج عظمتها الإمبراطورية.


وبعد موت سليمان، انقسمت المملكة العبرانية المتحدة إلى دولتين: المملكة الشمالية (يسرائيل-إفرايم) والمملكة الجنوبية (يهودا)، وذلك لأسباب غير مباشرة وأخرى مباشرة. ولنبدأ بالأسباب غير المباشرة:

1 ـ لم يكن اتحاد القبائل العبرانية اتحاداً قومياً في صورة أمة وشعب وأرض وحضارة، بل كان تجمعاً اتحادياً لقبائل متفرقة يجمعها نسبها إلى بيت يعقوب وشريعة موسى ويجمعها وقوعها تحت سيطرة الشعوب الأخرى في كنعان وخارجها.

2 ـ ظهور آشور وبعدها بابل، وكذلك استعادة مصر سيطرتها على حدودها الشرقية ومركزها في فلسطين وبدء حملات شيشنق التأديبية في فلسطين. ولذا، فقد اختفى الفراغ في الشرق الأدنى القديم الذي سمح بظهور المملكة العبرانية المتحدة. أما الدويلتان الصغيرتان اللتان حلَّتا محلها، فقد كانتا خاضعتين لتقلبات القوى الداخلية في كنعان والقوى الخارجية في بلاد الرافدين ومصر.

3 ـ كانت الاختلافات الاجتماعية والدينية عميقة بين مجموعتي القبائل الشمالية والجنوبية. فالقبائل التي كانت تسكن الشمال كانت مندمجة في بيئة زراعية وكانت أكثر تعرضاً للأثر الكنعاني، وكانت تمارس عبادة إلوهيم بطقوس مستمدة من العبادات الكنعانية، وخصوصاً بمفهوم بعل وعشتروت. وقد اعتاد أعضاء هذه القبائل سُكْنَى البيوت المُنعَّمة وتخلوا عن خشونة حياة البدو والرعي التي بدأوا بها. أما القبيلتان الجنوبيتان (يهودا وبنيامين)، فكان أعضاؤهما يعيشون حياة تقترب من حياة البدو ويعتمـدون على الرعي في المرتفعـات الصالحة لرعي الأغنام وسائر الأنعام، كما كانوا يمارسون عبادتهم بأسلوب يسرائيلي قديم يتَّسم بالقبلية والتعصب.

ولكن، حتى في فترة اتحاد القبائل في عصر داود وسليمان، حيث كانت تُعتبَر أكثر عهود العبرانيين رفاهيةً واستقراراً، ظل الاقتصاد معتمداً بالدرجة الأولى على المعاملات المالية والضرائب وجزية الرؤوس، حيث كان النشاط التجاري الداخلي محصوراً داخل نطاق ضيق جداً. أما الصناعة، فقد كانت في حالة بدائية ومتخلفة عما كانت عليه في الدويلات المجاورة. وحتى قبل عهد سليمان بزمن قصير، لم يكن معروفاً غير صناعتي الخزف والحديد البدائيتين. وكان هذا الوضع يدفع الأرستقراطية العبرانية ورجال الدين إلى استغلال العامة وانتزاع أكبر قدر يمكن انتزاعه من مواردهم الضئيلة عن طريق الربا والإقراض والقرابين والهبات والصيرفة، الأمر الذي كان يؤدي إلى تركُز الثروة في أيدي قلة. وقد حال هذا الوضع دون استطاعة العبرانيين بناء كيان مسـتقر ذي تقـاليد سـياسية ثابتة. وبعد ظهور الدولتين الشمالية والجنوبية، لم يقم اقتصاد زراعي/صناعي في أي منهما، بل ظل الاقتصاد ربوياً صيرفياً.

أما الأسـباب المباشـرة التي أدَّت إلى انقسـام المملكـة فكانت متعددة، فثمة أسباب سياسية متمثلة في الرغبة في الانفصال عن سطوة الهيكل في القدس أو في ممارسة حياة بعيدة عن الثيوقراطية، وثمة أسباب اقتصادية تمثلت في مشكلة الضرائب الباهظة التي فرضها سليمان. ولكل هذا، حين اجتمع ممثلو القبائل الاثنتى عشرة في القدس لينصبوا رحبعام بن سليمان ملكاً، أثيرت قضية الضرائب الباهظة التي فرضها أبوه، ولكنه رفض تخفيضها. ولذلك، رفضت القبائل العشر الاعتراف به، وانتخبت يربعام من قبيلة إفرايم ملكاً عليها وكان الناطق بلسانها. وشكلت هذه القبائل مملكة يسرائيل الشمالية التي كانت عاصمتها شكيم أولاً ثم ترصه ثم السامرة.

أما قبيلتا يهودا وبنيامين، فقد ظلتا متمسكتين ببيت داود ومصرتين على فرض السيطرة الدينية والسياسية على القبائل العبرانية كافة. واتسمت المملكة الجنوبية (يهودا) بالميل إلى الانغلاق مع استمرار العداوة قائمة بينها وبين المملكة الشمالية طوال تاريخهما، وقد كانتا تدخلان في تحالفات مع الدول المجاورة في صراعهما الواحدة ضد الأخرى.

  • الاحد PM 01:45
    2021-04-18
  • 1092
Powered by: GateGold