ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
عبـادة يســرائيل والعبــادة القربانيــة المركزيـة
Israelite Cult and the Central Sacrificial Cult
«عبادة يسرائيل» أو «العبادة القربانية المركزية» مصطلح يُستخدَم للإشارة إلى ديانة العبرانيين (جماعة يسرائيل) منذ ظهورهم على مسرح التاريخ حتى التهجير البابلي. وقد اكتسبت هذه الديانة صفات محدَّدة أثناء فترة التجوال في الصحراء، وتعدلت بعد فترة التسلل في كنعان، ونضجت تحت تأثير رؤى الأنبياء، وفي فترة بابل. وبعد العودة من بابل، بدأت تنقيتها من العناصر القديمة. وبدأت عملية التحول على يد عزرا ونحميا، وساهم الفريسيون فيها، ثم قضى عليها هدم الهيكل تماماً حتى تحولت عبادة يسرائيل إلى العقيدة اليهودية أو اليهودية الحاخامية.
وتعود عبادة يسرائيل إلى الديانات السامية القديمة، وهي ديانات حيوية حلولية تؤمن بأن العناصر الطبيعية، مثل الأحجار والمياه والأشجار والجبال، لها حياة مستقلة وتؤثر في حياة الأفراد. وتصل بعض هذه الكائنات إلى درجة خاصة من القداسة بحيث تحل فيها آلهة ينبغي على الإنسان أن يعبدها ويتقرب إليها. وتُعتبَر الطوطمية من المصادر الأخرى لعبادة يسرائيل، وهي الاعتقاد بأن حيواناً ما هو حامي القبيلة وربما سلفها أي جدها الأكبر. وتكتسب الآلهة في عبادة الساميين القدامى صفات إنسانية، فتتناحر فيما بينها وتنقسم إلى ذكور وإناث. ويبدو أن عبادة الأسلاف كانت، هي الأخرى، أحد المكونات الأساسية لعبادة يسرائيل. كما أن ثمة إشارات عديدة للتيرافيم (الأصنام)، وهي تماثيل لها علاقة بالخصوبة بين الإناث.
ورغم أن إبراهيم أول من رفض الشـرك حسـب التصور التوراتي، فإن العهد القديم يقرر أيضاً أن التوحيد الحق جاء بعد خروج العبرانيين (أو جماعة يسرائيل) من مصر. ففي هذه المرحلة يكشــف يهوه عن نفـســه لموسى أثنـاء إقامـة العـبرانيين في أرض مدين، وتدخل يسرائيل في ميثاق مع الرب (العهد). وقد خطى التوحيد خطى واسعة بين العبرانيين، ولكن العبادة لم تكن توحيدية خالصة، بل كانت مقصورة على إله واحد، ولكن ثمة إشارات إلى أنه أعظم من الآلهة الأخرى. كما أن أعضاء جماعة يسرائيل كانوا دائمي العودة إلى طرق الشرك القديمة، فقد عبدوا العجل الذهبي وهم بعد في سيناء.
وحينما تسلل العبرانيون إلى كنعان (فلسطين) (1250 ق.م)، تراجع التوحيد عدة درجات، وبدأت الرؤية الحلولية تترسخ. فالعبرانيون كانوا رعاة ثم تعلموا الزراعة من الكنعانيين وتأثروا أيضاً بأعيادهم الزراعية إذ كان يستحيل فصل التكنولوجيا عن الدين في ذلك الوقت. ومن هنا، ظهرت الأعياد الزراعية المختلفة مثل عيد المظال. كما تَعلَّم العبرانيون بعض رقصاتهم ذات الطابع الجنسي الواضح، وبعض قوانين الطعام مثل عدم طبخ الجدي في لبن أمه، كما عرفوا كثيراً من الشعائر المرتبطة بالزراعة، وعبدوا آلهة كنعان الوثنية وسقطوا في الشرك الواضح. ومن هنا، كانت الثورة الدائمة من قبَل الأنبيـاء عليـهم ودعوتهم إلى العـودة إلى طريق التوحيـد. وفي هذه العبادة، ظهرت خيمة الاجتماع، وكان تابوت العهد يُوضَع داخلها. وكانت هناك شعائر أخرى، مثل: الاحتفال بظهور الهلال ومجيء الربيع (عيد الفصح)، والتضحية بكبشين في عيد الغفران، والختان.
ويمكن على مستوى من المستويات أن نقسم عبادة يسرائيل إلى مرحلتين، تنتهي المرحلة الأولى (في 1000 ق.م) مع التسلل إلى كنعان، وبعد أن نُقلت العناصر الشعائرية من المدن المقدَّسة وتم تأسيس المملكة العبرانية المتحدة وتحويل أورشليم (القدس) إلى عاصمة لهذه العبادة وبناء الهيكل الذي أصبح مركز العبادة القربانية. ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة العبادة القربانية المركزية. وكان الكهنة هم العمود الفقري في عبادة يسرائيل، والقائمين على العبادة القربانية. وقد تزايد نفوذهم بعد العودة من بابل وبعد أن بُعثت العبادة القربانية المركزية، وخصوصاً بعد اختفاء النظام العبراني للملكية التي لم يسمح الفرس بعودتها. وتتضح قوة الكهنة في جماعة الصدوقيين المرتبطة بالعبادة القربانية.
ومن أهم سمات عبادة يسرائيل، تقديم القرابين (وقد كان ذلك يتم في الهيكل، ومن هنا جاءت التسمية). وقد كانت تُقام شعائر يومية في الصباح وعند الغروب حيث كان الكهنة يقومون بتقديم حَمَل وقرابين أخرى للإله (كما كان الحال في ديانات الشرق الأدنى القديم). وكانت القرابين أنواعاً مختلفة. وكلمة «قربان» كلمة سامية ويُقال لها أيضاً «منحة». وتقديم القربان (البقر والخراف وبواكير الثمر) كان ضمن شـعائر التقـرب من الإله حيث يلعب الدم دوراً مهماً. ولذا، فقد كان الدم يُنثر على المذبح حتى نهاية مرحلة العبادة القربانية أو عبادة يسرائيل، وتُحرَق القرابين أمام الهيكل. وفي بداية الأمر، كان العبرانيون يقدمون القرابين في أي مكان ثم أصبح ذلك مقتصراً على الهيكل، وكانوا يضحون بالحيوانات (حيث كانت عملية التضحية تُسمَّى «زبَح» أي «الذبح»)، كما كانوا يتقدمون بالنباتات وبالطعام والبخور والخمور. وكانت هناك قواعد صارمة تتصل بعمر ولون الحيوان الذي سيُضحَّى به. وقد كان تقديم القربان هو الحدث اليومي عميق الصلة بالمعبد، فكان يُقدَّم واحد في الصباح وآخر في المساء، وكان يصحب القرابين احتفال طويل وشعائر يقوم بها الكهنة.
وتُقسَّم القرابين إلى عدة أنواع، منها: قرابين التكفير، وقرابين السلام، والقرابين التي تُقدَّم عند ولادة البكر، وأعشار الحيوانات، والمحاصيل، وقربان عيد الفصح. وكان تقديم القرابين إلى يهوه يدل على الارتباط بين الشعب والإله وعلى وجود يهوه بين الشعب. وقد هاجم الأنبياء (وخصوصاً عاموس وإرميا) العبادة القربانية، وذكَّروا اليهود بأن أسلافهم لم يُقدّموا قرابين في الصحراء، وطالبوهم بأن يعبدوا الإله بقلوبهم وبالصلاة إليه (قربان الفم).
وقد انتهت عبادة يسرائيل، ومنها العبادة القربانية كما أسلفنا، بهدم الهيكل (70م). ومع هذا، دوَّن الحاخامات القواعد الخاصة بتقديم القرابين بكل تفاصيلها، وذلك نظراً لإيمانهم بأن إعادة بناء الهيكل أمر سـيتم في المسـتقبل. وقد حلَّت، في نهاية الأمر، شـعائر الصلاة والصوم، التي كان بالإمكان إقامتها في المنزل والمعبد، محل العبادة القربانية التي كانت تدور حول الهيكل. ورغم أن النسق الديني اليهودي قد تَطوَّر بعيداً عن العبادة اليسرائيلية، فإن هذا التطور قد استغرق مرحلة زمنية طويلة. ولم يستقر كثير من العقائد الدينية الأساسية في اليهودية، مثل الإيمان بالثواب والعقاب والبعث، إلا في مراحل متأخرة، بل إن بعضها لما يستقر حتى الآن. وهذا يفسر عدم تَجانُس النسق الديني اليهودي (الخاصية الجيولوجية) وصعوبة تعريف الهوية اليهودية.
وقد تركت عبادة يسرائيل (العبادة القربانية) أثراً عميقاً في التطور اللاحق لليهودية يتجلى في تركيزها الشديد والحرفي على الشعائر وعلى شكلها دون الاهتمام بالروح والمعنى. ومن المعروف أن ثُلث الأوامر والنواهي، وهي ستمائة وثلاثة عشر، تتناول العبادة القربانية وجوانب أخرى من العبادة في الهيكل. كما أن جزءاً من التلمود والصلوات اليومية مرتبط بالعبادة القربانية. ويبدو أثر العبادة القربانية في الاهتمام الشديد بقواعد الطهارة والنجاسة في اليهودية. وقد تَركَّز هجوم السيد المسيح على اليهودية في هذه الناحية. ولعل هذا الجانب في اليهودية هو ما يُفسِّر سبب تَأخُّر صياغة العقائد اليهودية حتى ظهور سعيد بن يوسف الفيومي ثم موسى بن ميمون. وتدور اليهودية الحاخامية حول طريقة العبادة لا حول مضمونها. فعلى سبيل المثال، يجب على اليهودي أن يغسل يديه قبل الأكل وبعده، ويتلو المؤمنون بالقبَّالاه أدعية يُفهَم منها أنها مُوجَّهة إلى كل من الإله والشيطان كقوتين متساويتين. لكن مثل هذا الدعاء، لأنه ينصرف إلى المعنى وحسب، ليس مهماً، فما يهم هو الطريقة نفسها التي يتم على أساسها غسل اليد. ويظهر هذا بشكل أكثر وضوحاً في الشماع، فاليهودية الأرثوذكسية أعطتها معنى مختلفاً تماماً عن معناها في التراث القبَّالي، ثم جاءت اليهودية المحافظة وأعطتها معنى ثالثاً. ولكن، من منظور شعائري، لا تهم الاختلافات في المعنى والتفسير، فما يهم هو طريقة تلاوة الشماع. ولذا، لا يعترض الأرثوذكس على التفسيرات القبَّالية التي تعطي مضموناً غير توحيدي لشهادة التوحيد اليهودية، ولكنهم يعترضون وبشدة حين يتلون الشماع بالإنجليزية، أي حين يغيرون طريقة التلاوة.
ويمكن القول، على مستوى من المستويات، بأن الصهيونية هي علمنة للعبادة القربانية الحلولية، فقد جعلت من الدولة شيئاً يشبه الهيكل القديم (يطلق الصهاينة على إسرائيل مصطلح «الهيكل الثالث»)، حل فيها الإله وهي محط اهتمامهم أينما وُجدوا، ولا يهم إن كانوا يعبدون الإله أو لا وإنما المهم هو تقديم القرابين إلى هذا الوثن الجديد. وتأخذ القرابين الآن شكل شيك يُدفَع للمنظمة الصهيونية العالمية فيما يُسمَّى «يهودية دفتر الشيكات». وقد تحولت المعابد اليهودية إلى ما يشبه الفروع للهيكل الجديد في محاولة لتجنيد اليهود للعبادة القربانية الجديدة.
ولعل نجاح هذه العبادة يعود إلى أنها تستطيع التعايش مع الرؤية العلمانية الشاملة، فهي لا تتحداها ولا تطلب إلى المؤمن أن يغيِّر سلوك حياته. وعلى كلٍّ، فإن كليهما يرى القداسة شيئاً كامناً في المادة غير متجاوز لها. وقد سجَّل كثير من الحاخامات احتجاجهم على هذا الاتجاه الذي سيودي بالديانة اليهودية كعقيدة، إذ أن يهود الولايات المتحدة يعبِّرون عن يهوديتهم لا عن طريق الإيمان بالقيم الدينية اليهودية أو الالتزام بها وإنما عن طريق تقديم القربان/الشيك. وقد أطلق أحد الحاخامات على الصهاينة لقب «يهود النفقة»، وهو ما يعني أن اليهود يدفعون نفقة لمطلقتهم، ربما لاتقاء شرّها!
وقد بدأت خطوات جادة نحو إعادة العبادة القربانية والهيكل في إسرائيل. وهناك مدرستان تلموديتان تضمان مائتي دارس يتعلمون التفاصيل المركبة الخاصة بالعبادة في الهيكل. كما أن هناك جماعات أخرى تَدرُس أنساب الكهنة اليهود حتى يمكن تحديد الشخص المُؤهَّل لتقديم القرابين. ولقد عُقد في عام 1990 مؤتمر يضم اليهود الذين يعتقدون أنهم من نسل الكهنة. وهناك معهد خاص يُسمَّى «معهد الهيكل» قام بأبحاث وأعد ثمانيا وثلاثين من الأدوات اللازمة لإقامة العبادة القربانية، وهو في طريقه إلى إعداد الأدوات الخمس والستين المتبقية. كما تم إعداد الملابس اللازمة للكهنة، وهي ملابس تُنسَج يدوياً من التيل.
القــرابين
Sacrifice
انظر: «عبادة يسرائيل والعبادة القربانية المركزية».
-
الاحد AM 12:05
2021-04-18 - 1357