العبرانيــون: تاريخ - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 441776
يتصفح الموقع حاليا : 296

البحث

البحث

عرض المادة

العبرانيــون: تاريخ

العبرانيــون: تاريخ
Hebrews (History)
مصطلح «عبراني» أو «عبري» يدل على معان كثيرة وأحياناً متناقضة، فهو ذو دلالات عرْقية وطبقية وحضارية. والعبرانيون كتلة بشرية سديمية ضخمة يعود أصلها إلى الجزيرة العربية، استقرت في منطقة الهلال الخصيب وفلسطين في أوقات متفرقة. والكلمة في معناها العام تضم كل القبائل السامية التي تناسلت من صفوفها الشعوب المختلفة التي انتشرت في كنعان وسوريا وبلاد الرافدين، ومن بينها تلك القبيلة التي جاء منها إبراهيم ونسله. وقد سُمِّيت هذه القبيلة الأخيرة باسم «العبرانيين»، وذلك من قبيل إطلاق العامّ على الخاص. وقد شاع هذا الاستخدام حتى بين المؤرخين، وهو الاستخدام الذي سنتبناه في هذه الموسوعة نظراً لشيوعه. وثمة رأي يذهب إلى أن العبرانيين كانوا إما قبائل ليست لها هوية محدَّدة واكتسبت هويتها من خلال اتحادها وعبادتها ليهوه، أو كانوا قوماً من الأقوام الكنعانية انسلخوا عن العقيدة السائدة وعبدوا يهوه.


وقد دخـل العبرانيون أرض كنعـان نتيـجة ثلاث هجرات غير محدَّدة. بدأت موجة الهجرة الأولى من بلاد الرافدين في القرن الثامن عشر قبل الميلاد وكانت معاصرة لانتشار الهكسوس والحوريين في الساحل الشرقي للبحر المتوسط. وكانت الثانية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وتُوافق هجرة الآراميين الثانية. وهاتان الفترتان توافقان فترة الآباء (2100 ـ 1200 ق.م) التي تمتد من هجرة إبراهيم من بلاد الرافدين وتستمر حتى هجرة يوسف إلى مصر أثناء حكم الهكسوس ورحيل العبرانيين عنها. أما الهجرة الثالثة، فهي التي أتت من مصر بقيادة موسى ويشوع بن نون في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر قبل الميلاد أو في عهد مرنبتاح بن رمسيس الثاني (1224 ـ 1215 ق.م) كما يقول بعض المؤرخين.

ومنذ هجرة أو خروج العبرانيين من مصر، بدأ اسمهم يتواتر في التاريخ المدوَّن والمقدَّس. فنعرف، حسب الرواية التوراتية، عن مسيرتهم في سيناء، وعن تَلقِّي موسى الوصايا العشر وعن تَعلُّمه عبادة يهوه على يد كاهن مَدْيَن. وبعد موت موسى، تولى يوشع بن نون قيادتهم. ثم حدثت عملية التسلل العبراني إلى أرض كنعان (نحو 1250 ق.م) التي كانت تغصّ بالقبائل السامية الكنعانية وقبائل أخرى غير سامية. فكان العموريون، وهم ساميون، يسكنون المرتفعات. أما الأقوام الأخرى، مثل الحوريين والحيثيين، فكانوا يعيشون في أماكن متفرقة. كما كان الفلستيون يحتلون المدن الخمس التي تشغل الشريط الساحلي الجنوبي. وقد أخذت عملية التسلل أشكالاً عسكرية وسلمية مختلفة في تلك المرحلة التي يُطلَق عليها عصر القضاة (1250ـ 1020 ق.م)، فدخل العبرانيون في صراع مع الفلستيين (الذين هزموهم واستعبدوهم بعض الوقت) ومع الأقوام الكنعانية السامية وغير السامية الأخرى. وقد استقر المقام بالعبرانيين في نهاية الأمر داخل بضعة جيوب غير متصلة، إذ اسـتمر وجـود الأقوام الأخـرى إلى ما بعـد التهـجير الآشوري والبابلي.

وقد تبع تلك الفترة عصر اتحاد القبائل أو عصر الملوك فظهرت المملكة العبرانية المتحدة في عهد داود وسليمان، وقد كان اتحاداً مؤقتاً انحلَّ فور موت سليمان (928 ق.م) وانقسم العبرانيون إلى المملكة الجنوبية (التي ضمَّت قبائل الجنوب البدوية) والمملكة الشمالية (التي ضمَّت قبائل الشمال الزراعية). وقد ظلت المملكتان في حالة حرب شبه دائمة إلى أن قضى الآشوريون على المملكة الأولى، والبابليون على الثانية، وبذلك ينتهي تاريخ العبرانيين.

ولم يكن العبرانيون جماعة عرْقية متجانسة منذ البداية، ولذا يقرنهم بعض المؤرخين بالخابيرو. ومن المعروف أنهم، عند هجرتهم من مصر، لم يكونوا عنصراً عبرانياً خالصاً إذ تقول التوراة (خروج 12/38 ـ عدد 11/4) إنهم كانوا يضمون في صفوفهم لفيفاً كثيراً من غير العبرانيين، وبعد تسللهم إلى كنعان، اختلطوا بالعناصر الحورية والحيثية والكنعانية حتى استوعبتهم الحضارة الكنعانية هناك، فتركوا لهجتهم السامية القديمة واتخذوا الكنعانية لساناً لهم.

ولم يكن العبرانيون القدامى من الشعوب المهمة أو المهيبة في المنطقة، فقد كانت المملكتان العبرانيتان خاضعتين للإمبراطوريات المجاورة. وقد تأثرت رؤية العبرانيين للكون بما حولهم. ففي داخل التشكيل الحضاري السامي، نجد أن الإله هو الذي خلق العالم وهو الذي يحفظ الكون، وقد أخذ العبرانيون عن العموريين فكرة أن الرسول من عند الإله، وعن الكنعانيين اللغة، وعن المصريين الحكمة.

ومن الناحية الحضارية، لم ينجز العبرانيون شيئاً ذا بال إذ لم تكن لديهم أية اهتمامات أو مهارات فنية. وحينما شيَّدوا الهيكل، اضطروا إلى الاستعانة بفنانين من البلاد المجاورة. ولا يوجد أسلوب عبراني متميِّز في المعمار، فالهيكل نفسه بُني بالأسلوب الفرعوني الآشوري على يد فنانين فينيقيين. وربما كان هذا راجعاً إلى أن الطابع البدوي ظل غالباً عليهم. فرغم توحُّد القبائل العبرية في مملكة داود وسليمان، بقي التراث القبلي قوياً متجذراً. كما أن تحقيق الاستقرار في كنعان تَطلَّب وقتاً طويلاً، بالإضافة إلى أن المملكة العبرانية المتحدة لم تُعمَّر كثيراً، ولم تُرسِّخ أية تقاليد حضارية عبرانية مستقلة. ولعل هذا يفسر عدم ذكر العبرانيين في السجلات المصرية القديمة.

ومن أهم المشاكل التي واجهها العبرانيون في تاريخهم القصير، توجههم السياسي في عهد الإمبراطوريات الكبرى الآشورية والبابلية والمصرية والفارسية واليونانية والرومانية، إذ كان عليهم أن يتحالفوا مع جيرانهم الآراميين أو غيرهم، كما كان عليهم أن يقبلوا حماية إحدى القوى العظمى لضمان البقاء.

ونتيجةً لافتقار العبرانيين إلى الهوية الحضارية المحددة، ولضعفهم السياسي ووجودهم ككيان شبه مستقل في موقع إستراتيجي، كانت كل القوى العظمى تطمح إلى الاستيلاء عليه وإلى تأمين وجود عنصر موالٍ لها فيه، كما أنهم تعرضوا لصدمات كثيرة بدأت بالتهجير الآشوري (721 ق.م) فالبابلي (587 ق.م) ثم فُرضت عليهم الهيمنة الفارسية واليونانية والرومانية. وتأثرت هويتهم الحضارية بذلك، فتركوا العبرية وتحدثوا بالآرامية بعد التهجير البابلي. ثم بدأ انتشار الجماعات اليهودية بعيداً عن كنعان، فتكوَّن تَجمُّع في بابل ثم في الإسكندرية، وهما التجمعان اللذان أصبح لهما استقلالهما وحريتهما ولغتهما وتفكيرهما المستقل، بل تجاوزا في أهميتهما أحياناً التجمع الموجود في كنعان. ولذلك، فحينما حطَّم تيتوس الهيكل (70م)، لم تكن هذه الواقعة ذات دلالة كبيرة من الناحية السكانية فهي لم تكن متعارضة مع الوضع السكاني الحضاري القائم بالفعل، وهو اختفاء الهوية العبرانية وظهور جماعات يهودية متفرقة في أنحاء العالم تستقي كل منها هويتها من الحضارة التي تنتمي إليها.

ورغم هذا، نجد أن معظم الدراسات لا تُفرّق بين تاريخ العبرانيين والتواريخ اللاحقة للجماعات اليهودية، متأثرةً في ذلك بالرؤية الإنجيلية التي تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً مقدَّساً، وهي رؤية تخلط التاريخ الدنيوي بالتاريخ المقدَّس.

  • السبت PM 06:13
    2021-04-17
  • 1483
Powered by: GateGold