المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414276
يتصفح الموقع حاليا : 208

البحث

البحث

عرض المادة

الكومنـــولث اليهـــودي - تاريخ الكوارث

Jewish Commonwealth
«الكومنولث اليهودي» مصطلح أوربي يُستخدَم للإشارة إلى المرحلة التي ارتبط فيها تاريخ فلسطين بوجود يهودي سياسي مستقل أو شبه مستقل، وهو متأثر بالتاريخ المقدَّس الذي يعتمد بناء الهيكل أو هدمه كواقع أساسي وإطار مرجعي. وتنقسم هذه المرحلة إلى مرحلتين:


أولاً: الكومنولث الأول:

يشير مصطلح «الكومنولث الأول» إلى الفترة الممتدة من 1250 ق.م حتى 586 ق.م، وهي الفترة التي شهدت اتحاد القبائل وحكم القضاة ،ثم فترة حكم داود التي بدأت بتوحيده القبائل العبرانية في المملكة العبرانية المتحدة التي حكمها ابنه سليمان من بعده، ثم انقسامها إلى مملكتين (المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية)، وسقوطهما في يد الآشوريين والبابليين على التوالي.

ويشير المصطلح على وجه التحديد، إلى الفترة من 1004 ق.م (حكم داود) إلى 586 ق.م (سقوط المملكة الجنوبية على يد البابليين).

ثانياً: الكومنولث الثاني:

يشير مصطلح «الكومنولث الثاني» إلى المرحلة التي تبدأ بثورة الحشمونيين على حكم السلوقيين في عام 165 ق.م وإعلانهم استقلال البلاد بعد ذلك بخمسة وعشرين عاماً. وقد زاد الحشمونيون عدد اليهود عن طريق التبشير باليهودية وفرضها على الشعوب الواقعة تحت حكمهم مثل الأدوميين. وقد سقط هذا الحكم اليهودي المستقل بقيام الرومان بغزو المنطقة عام 63 ق.م، فاختفى وجود اليهود السياسي المستقل تقريباً.

وتقسيم تواريخ الجماعات اليهودية إلى فترات، مثل الكومنولث الأول والثاني أو الهيكل الأول والثاني، يفترض استقلال هذا التاريخ عما حوله، وهو افتراض غير واقعي مطلقاً، ذلك أن ظهور الكومنولث الأول، على سبيل المثال، مرتبط بالفراغ السياسي المؤقت في الشرق الأدنى القديم، كما أن انهياره مرتبط بحركة الإمبراطوريات الكبرى. ولذا، فإن اسـتخدام مثل هـذه المصطـلحات ليـس دقيقاً، ومقدرته التفسيرية محدودة. ومن الأفضل أن نحدِّد هذا التاريخ بالعودة إلى إطاره المرجعي الصحيح، أي تاريخ الشرق الأدنى القديم.

وعلى أية حال، لم تزد مدة الوجود اليهودي السياسي المستقل أو شبه المستقل في البقعة الجغرافية الحضارية التي تُعرَف باسم فلسطين على ثلاثمائة عام، تسبقها آلاف السنين من الحضارات السامية غير العبرانية وغير اليهودية، ويتبعها ما يزيد على ألفي عام من الحضارات العربية الإسلامية وغير الإسلامية. ومع هذا، يرى الصهاينة أن أي وجود غير الوجود اليهودي هو عرض زائل وظاهرة مؤقتة، وأن إسرائيل الحديثة وحدها هي الاستمرار الحقيقي والوحيد لتاريخ هذه الأرض، ولذا يُشار إليها في الأدبيات الصهيونية بمصطلح «الكومنولث الثالث».

التأريــخ مــن خــلال الكـوارث
Disaster-Based Historiography
«التأريخ من خلال الكوارث» عبارة تستخدم للإشارة إلى اتجاه بعض كُتَّاب ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» حيث يركزون على ما يحل بالجماعات اليهودية من كوارث. ويبدأ هذا التاريخ ـ حسب هذه الرؤية ـ بالخـروج من مصـر نتيجـة قيام الفراعنة باضطهاد جماعة يسرائيل، ويعقبه سقوط الهيكل الأول والسبي البابلي ثم سقوط الهيكل الثاني وطرد اليهود من فلسطين والقدس ونفيهم في كل بقاع الأرض. ثم تعقب ذلك عمليات الطرد المتكررة من بلاد أوربا، والمذابح التي راح اليهود ضحيتها. وتصل الكوارث إلى قمتها في الهولوكوست (أي المحرقة). وكما كان المؤرخون في الماضي يتحدثون عن «مرحلة ما قبل أو ما بعد الهيكل الأول أو الثاني»، فإنهم الآن يتحدثون عن «ما قبل ما بعد أوشفيتس».


والرؤية التي تركز على الكوارث هي نتاج ما نسميه «الثنائية الصلبة» المرتبطة بالرؤية الحلولية الكمونية والتي تقسم العالم إلى الأنا والآخر، المقدَّس والمدنَّس، وهي ثنائية تعبِّر عن نفسها هنا في رؤية التاريخ اليهودي باعتباره مجال الفوضى الكاملة (الكوارث) ولكنه سـيتحقق في لحظـة يتجـلى فيها النظام الكامل (نهاية التاريخ المشيحانية).

والتركيز على الكوارث، واعتبارها أساساً للتأريخ وتقسيم التاريخ إلى فترات ومراحل، ظاهرة مرضية تترك أثراً سلبياً في نفسية أعضاء الجماعات اليهودية. ومن الصعب تحديد سبب واحد لتفسيرها. ولكن مما لا شك فيه أن التركيز على الكوارث يساعد على تماسُك الهوية، إذ يميل البشر نحو التضامن في وقت المحن. ولكن أهم الأسباب هو محاولة بعـض المؤرخين اليهود أو غير اليهـود، المتأثرين بالإدراك الإنجيلي لليهود، العثور على عنصر واحد مشترك بين تجارب أعضاء الجماعات اليهودية التاريخية يصلح مسوغاً لاستخدام مصطلح «تاريخ يهودي». ولو أننا قارنا تاريخ الجماعة اليهودية في إسبانيا والأندلس بتاريخ أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا، فلن نجد أية عناصر مشتركة، إذ أن كل جماعة لها تاريخ مستقل عن الأخرى. فتاريخ الجماعة اليهودية في إسبانيا، يبدأ قبل الميلاد ويمر بمراحل مختلفة قبل الفتح الإسلامي وإبانه وبعده، ويستمر إلى أن يُطرَد اليهود منها مع من تبقَّى من المسلمين. وقد تفاعل يهود إسبانيا مع الحضارة الإسلامية فتحدثوا العربية وأبدعوا أدباً عربياً وفكراً عربياً يهودياً، ثم تفاعلوا مع الحضارة المسيحية في إسبانيا وظهرت بينهم لهجة اللادينو، كما ظهر بينهم يهود المارانو. وبعد طردهم، استوطنوا مدن حوض البحر الأبيض المتوسط حيث كان أكبر تجمُّع لهم في سالونيكا، كما استقروا في بعض المراكز التجارية في أوربا من أهمها أمستردام. ولا يوجد أي عنصر مشترك بين هذه التجربة التاريخية وبين تجربة اليهود الذين استوطنوا بولندا في القرن الثاني عشر إبّان حروب الفرنجة وتزايد عددهم من خلال هجرة يهود الخزر والذين كانوا يتحدثون رطانة ألمانية هـي اليديشية. ولكـنهم نتيجـة ارتباطهم بطبقة النبلاء البولنديين، تعرضوا للسخط الشعبي الفلاحي. وحين قُسِّمت بولندا، تم تقسيم أعضاء الجماعة اليهودية بين روسيا وألمانيا والنمسا. وحدث بينهم انفجار سكاني في منتصف القرن التاسع عشر، فهاجرت أعداد كبيرة منهم إلى الولايات المتحدة حيث تم دمجهم بسرعة، كما تم دمج بقيتهم في روسيا وأوكرانيا. وإذا بحثنا عن عنصر مشترك، فلن نعثر إلا على الاضطهاد والكوارث التي تعرَّض لها كل من يهود إسبانيا وبولندا.

ولكن إذا دققنا النظر، فإن مصدر هذه الكوارث ليس يهودية اليهود وإنما الوظائف التي اضطلعوا بها باعتبارهم جماعة وظيفية في المجتمعات التي وجدوا فيها. فأساس الوحدة هنا ليس التاريخ اليهودي وإنما الوظيفة التي اضطلع بها كثير من الجماعات اليهودية في أنحاء العالم، شأنها شأن كثير من أعضاء الأقليات الدينية والإثنية الأخرى.

والتواريخ التي تستخدم الكوارث كنقطة مرجعية أساسية تحاول قدر إمكانها أن تجعل اليهود ضحية وحسب مقابل الأغيار. وهي، لتحقيق هذا، تستبعد العناصر الإيجابية من التجارب التاريخية للجماعات اليهودية. فعلى سبيل المثال، يجري التركيز على تحطيم الهيكل، أما واقعة إعادة بنائه بأمر قورش إمبراطور الفرس فتُذكَر بشكل عارض. ويُذكَر أن أنطيوخوس الرابع (إبيفانيس) اضطهد اليهود دون ذكر حقيقة أن الحضارة الهيلينية فتحت صدرها لهم فاندمجوا فيها تماماً. وتؤكد التواريخ أن نفي اليهود من فلسطين وشتاتهم كان نتيجة العنف الروماني الموجه ضدهم والذي تمثَّل في هدم الهيكل ولا تُذكَر حقيقة أن انتشار اليهود من فلسطين ظاهرة تاريخية سبقت تحطيم الهيكل، أو أن الانتشار كان نتيجة إتاحة الفرص أمامهم، أو أن عددهم خارج فلسطين قبل هدم الهيكل كان أكبر من عددهم فيها. ويأتي ذكر أن الكنيسة اضطهدت اليهود في العصور الوسطى، في حين يتم استبعاد قرب اليهود من النخبة الحاكمة وتمتعهم بمستوى معيشي مرتفع يفوق مستوى بقية السكان. كما تلجأ مثل هذه التواريخ إلى إسقاط دور بعض أعضاء الجماعة اليهودية في الكوارث التي تحيق بالجماعة ككل. فلا يأتي ذكر أن النخبة اليهودية الثرية كانت تؤيد موقف الرومان من المتمردين اليهود، أو أنه كان يوجد جيش يهودي بقيادة أجريبا الثاني يحارب إلى جوار تيتوس، أو أن بيرنيكي أخت أجريبا كانت عشيقة للإمبراطور، أو أن يوسيفوس فلافيوس كان مترجمه الخاص. ويصل هذا الاتجاه إلى قمته في الهولوكوست (المحرقة) حيث يُسدَل ستار كثيف من الصمت على تعاون عدد لا بأس به من اليهود مع النازيين، بل يصـبح الحديث عن تعـاون النازيين والصهـاينة شـيئاً محرماً.

وأخيراً، تلجأ هذه التواريخ إلى تصوير اليهود باعتبارهم الضحية الوحيدة. فحينما يقوم البابليون بسبي وتهجير كثير من الأقوام السامية في فلسطين والشام لا يُذكَر سوى العبرانيين، وحينما يبيد النازيون الملايين لا يُذكَر أي من السلاف أو الغجر أو المعوقين أو غيرهم ممن تمت إبادتهم، وذلك حتى تظل الأضواء مسلطة على اليهود وحدهم. وكما أسلفنا، فإن عمليات التأكيد والاستبعاد تهدف إلى ترسيخ نموذج اختزالي بسيط هو أن اليهود ضحية وحيدة مقابل الأغيار، الذئب الدائم.

  • الخميس PM 03:31
    2021-04-08
  • 1131
Powered by: GateGold