ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في إسبانيا الإسلامية والمسيحية والدولة العثمانية
Education of Jewish Communities in Moslem and Christian Spain and in the Ottoman Empire
1 ـ إسبانيا (الإسلامية والمسيحية):
لم يختلف نمط التعليم اليهودي الديني في إسبانيا الإسلامية، في القرنين الثامن والتاسع، عن النمط الذي كان سائداً في بابل، حيث كان الأطفال اليهود يتلقون تعليمهم في المدارس الابتدائية التي كان هدفها الأسـاسي تأهيل الأطفـال اليهـود للمشاركة في الشعائر الدينية في المعبد. وبالتالي، كانت المدارس تركز على تعليم القراءة والصلوات وعلى دراسة التوراة والتلمود. ومع الوقت، تأسَّست شبكة واسعة من المدارس الابتدائية، كما تأسَّست معاهد للدراسات العليا المهمة. ومع أن برنامج التعليم اليهودي الابتدائي لم يتغير كثيراً عما كان عليه في بابل، إلا أن كتباً جديدة تم إدخالها على هذا المستوى التعليمي من بينها تعليقات راشي. كما أصبح هناك اتجاه للحد من البلبول مقابل التركيز على أعمال إسحق الفاسي وابن ميمون.
ومن التجديدات الأخرى، إدخال دراسة اللغة العبرية ونحوها في المناهج، والتركيز بشكل أكثر جدية على دراسة كتب الأنبياء وكتب الحكمة والأمثال والشعر العبري. كما اتسعت المناهج، خصوصاً بين أعضاء الطبقات العليا من اليهود، لتضم مواد عامة غير دينية، ولا سيما اللغة العربية التي كانت معرفتها تشكل عنصراً مهماً من عناصر التقدم المهني والمادي. وظهرت، في تلك الفترة، بعض الأدبيات اليهودية حول التعليم والتي تُبرز لنا مدى اتساع المناهج الدراسية في المدارس اليهودية. ونجد في أعمال يوسف بن عكنين ويهودا بن عباس وغيرهما عرضاً لأهم ما يجب أن تقدمه المدارس اليهودية من مناهج وبرامج. فهذه المدارس، من وجهة نظرهم، لابد أن تضم، إلى جانب دراسة التوراة والتلمود، دراسة النحو والشعر والمنطق والرياضة والهندسة وعلم الفلك والموسيقى والعلوم الطبيعية والطب والخطابة والميتافيزيقا.
وكانت هناك اتجاهات تُعارض بشدة اتساع المناهج بهذا الشكل الذي يضم عدداً كبيراً من المواد غير الدينية واللاتينية (وذلك في المدارس اليهودية في المناطق التي استرجعها المسيحيون)، حيث كان هناك تَخوُّف من تأثير هذه المواد على هوية اليهود الدينية. وبالفعل، وجد يهود إسبانيا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وبخاصة المثقفون، أن عقيدتهم الدينية تآكلت وأن ثقافتهم أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الغربية السائدة، وأنهم متأثرون بالفلسفة اليونانية التي تعرفوا عليها من خلال الترجمات العربية. وبالتالي، برز جدل عنيف وانقسام حاد بين معارضي ومؤيدي المناهج الموسَّعة. وقد اتجه سولومون إبراهيم أدرت (حاخام برشلونة وزعيم يهود إسبانيا البارز) إلى منع أية دراسات خارجية أو غير دينية لمن هم أقل من 25 عاماً على أن يُعاقَب من يخالف ذلك بالطرد من حظـيرة الـدين. وفي القـرن الرابع عشر، اكتسب موقف المعارضين قوة بوصول أشر جهيل من ألمانيا إلى إسبانيا (عام 1304) حيث تولَّى منصب الحاخام وعمل على أن يقتصر التعليم اليهودي على دراسة التوراة والتلمود. وبالتالي، غيَّر أشر جهيل مجرى التعليم اليهودي الذي كان سائداً في إسبانيا طوال مدة قرنين أو ثلاثة، لكن الدراسات غير الدينية ظلت سائدة بين أعضاء الطبقات العليا من اليهود.
2 ـ الدولة العثمانية:
اتَّسمت الدولة العثمانية بتنوع وتعدد الجماعات الدينية والإثنية المقيمة داخل حدودها، والتي تمتعت في ظل الحكم العثماني بحرية العبادة وبحرية تكوين مؤسساتها الدينية والإدارية الخاصة بها. وانعكس هذا التعدد وذلك التنوع واللامركزية على الجماعات اليهودية نفسها والتي اتَّسمت كغيرها بالتنوع وعدم التجانس. وقد انقسمت هذه الجماعات اليهودية إلى جماعات يونانية وإشكنازية وإيطالية وإسبانية وبرتغالية، وكان لكل جماعة مؤسساتها الدينية والإدارية الخاصة بها ومن بينها المدارس. وكانت القسطنطينية وأزمير وسالونيكا وصفد والقدس تضم مدارس ابتدائية ومدارس دينية عليا مهمة. وكانت الجماعة اليهودية في سالونيكا تُعَدُّ أهم وأكبر الجماعات في الدولة العثمانية، الأمر الذي ساعد على تحول سالونيكا إلى مركز للتعليم اليهودي بفضل انتشار المدارس والمؤسسات التعليمية اليهودية بها. وساعد على انتعاش المؤسسات التعليمية اليهودية تدفُّق اللاجئين والمهاجرين اليهود الذين فرّوا من إسبانيا إلى الدولة العثمانية واستقروا بها.
وقد بدأ تحديث مدارس أعضاء الجماعات اليهودية مع نهاية القرن التاسع عشر حين بدأت الدولة العثمانية في تحديث مؤسساتها، ومنها المؤسسات التربوية.
المدرسة الأولية الخاصة (حيدر(
Heder
«حيدر» كلمة عبرية معناها «حجرة»، تُستخدَم للإشارة إلى المدرسة الأولية الخاصة التي ظهرت منذ القرن الثالث عشر الميلادي. وكانت هذه المدارس مدارس خاصة يمكن أن يقيمها أي شخص ملم بالشريعة بعد الحصول على موافقة الحاخام. وكان معلِّمها (ميلاميد) يحصل على أجره من أولياء أمور التلاميذ، وكانت هذه المدرسة تقع غالباً في منزل المعلم. وكان الأطفال يلتحقون بها بين سن السادسة والثالثة عشرة كما كان التعليم فيها إجبارياً. وكان منهجها يتكون أساساً من قراءة كتب الصلوات، وأسفار موسى الخمسة بتفسير راشي، وأجزاء من التلمود. ولم تكن هذه المدارس تُدرِّس أيَّ مواد غير دينية. وبوصول التلاميذ إلى سن الثالثة عشرة، كانت الدراسة في هذه المدرسة تنتهي بالنسبة للغالبية العظمى من التلاميذ.
وقد هاجم دعاة التنوير اليهود هذه المدرسة بسبب عقم منهجها وسوء طرق التدريس فيها. وقامت الحكومة القيصرية بمحاولات في منتصف القرن التاسع عشر لتحديث هذه المدرسة، إلا أنها لم تحقق النجاح الكافي لكونها مؤسسة خاصة. ومع نهاية القرن التاسع عشر، أنشأ الصهاينة مدارس الحيدر المطوَّرة (بالعبرية: حيدر متوكان)، حيث جمعت مناهجها بين المواد العلمانية والمواد الدينية، إلا أن الدراسات الدينية فيها توجهت توجهاً قومياً.
الحيدر
Heder
(انظر»: المدرسة الأولية الخاصة حيدر( «.
المدرسة الأولية الخيرية تلمود تورا
Talmud Tora
استُخدمت عبارة «تلمود تورا» التي تعني «دراسة التوراة» للإشارة إلى المدرسة التي تُدرِّس التوراة والشعائر وأجزاء محدودة من التلمود لإعداد التلميذ للالتحاق بالمدرسة التلمودية العليا (يشيفا)، ثم استُخدمت هذه الكلمة فيما بعد للإشارة إلى المدرسة الأولية التي تخضع لإشراف وتمويل الجماعة اليهودية لتمييزها عن المدرسة الأولية التي كان يديرها المعلم. ولذا، تُسمَّى مدرسة الحيدر «المدرسة الأولية الخاصة»، أما مدرسة التلمود تورا فكانت تُسمَّى «المدرسة الأولية الخيرية».
وقد اختلفت نوعية تلاميذ هذه المدارس من تجمُّع يهودي إلى آخر. ففي تجمُّعات اليهود في أمستردام والمدن الإيطالية المختلفة، كان يدرس في هذه المدارس التلاميذ الميسورون مادياً والفقراء جنباً إلى جنب. وكان مستوى التعليم في هذه المدارس مرتفعاً. أما في تجمعات يهود شرق أوربا، فكان يحضرها أولاد الفقراء فقط، كما كان التعليم فيها أقل من المستوى، وبالذات بعد تآكل أطر الإدارة الذاتية للجماعات اليهودية.
ظلت هذه المدارس، في تجمعات يهود غرب أوربا، محتفظة بطابعها التقليدي حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر. أما مدارس تجمُّعات يهود شرق أوربا حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر،حينما بدأت الدولة القومية تحديثها وتغيير مناهجها، فقد أدخلت بعض الدراسات غير الدينية والإعداد المهني في برامجها.
وفي الوقت الحالي، تُعتبَر المدارس الأولية الخيرية إما مدارس طائفية تُدرِّس كل المواد (دينية وغير دينية) أو مدارس تكميلية تعطي دروساً في التوراة والتلمود بعد أن يلتحق التلاميذ بالمدارس العادية.
تلمــود تــورا
Talmud Tora
«تلمود تورا» عبارة عبرية تعني حرفياً «دراسة التوراة» وتُستخدَم للإشارة لشيئين مختلفين:
1 ـ تُستخدَم العبارة للإشارة إلى دراسة التوراة التي تشكل حجر الزاوية في النظام التربوي اليهودي الديني.
2 ـ تشير العبارة أيضاً إلى المدرسة الأولية الخيرية.
الميلاميــد
Melammed
«ميلاميد» كلمة عبرية تعني «معلِّم»، وكانت تُطلَق على معلم المرحلة الأولية.
الحلقة التلمودية (يشيفا – أكاديمية(
Yeshiva; Academy
«الحلقة التلمودية» مؤسسة فقهية وتربوية يهودية يشار إليها في العبرية بكلمة «يشيفا»، كما تُستخدَم أحياناً كلمة «أكاديمية» ذات الأصل اليوناني أو كلمة «مثبتاه» ذات الأصل الآرامي، وقد وصفناها هنا بأنها «حلقة». ولم تكن الحلقات التلمودية مؤسسات تعليمية بالمعنى المتعارف عليه، إذ لم تكن مؤسسات تُلقَى فيها دروس على الطلبة وإنما كانت تجمعات للمثقفين والمتفقهين في الدين ممن يتدارسون النصوص والتراث الديني اليهودي ذا الطبيعة المزدوجة علماً وشريعة، ويجيبون عن الأسئلة ويصدرون الفتاوى، ويقضون بين الناس. وفضلاً عن هذا، كان هناك بعض الطلبة الذين يتلقون الدروس. ويظهر عدم تحدُّد وظيفتها في التسميات العديدة للحلقة حيث تشير كل تسمية إلى وظيفة واحدة دون الأخرى. فقد كانت تُسمَّى «يشيفا»، أي «بيت الاجتماع» و«بيت هامدراش» أي «بيت الـدرس»، كما كانت تُسـمَّى «السـنهدرين» و«بيت دين»، أي «بيت القضاء».
ويعود تاريخ الحلقات إلى ما بعد مرسوم قورش (538 ق.م) وعودة بعض اليهود من بابل. ولكن أهميتها زادت بعد انتشار اليهود ثم هدم الهيكل (70م) لأنها أصبحت مركز الحياة اليهودية داخل كل التجمعات، سواء في فلسطين أو في خارجها. ومن أهم الحلقات حلقة يفنه التي أسسها يوحنان بن زكاي عام 70 ميلادية، وقد قام بعض مريدي هذه الحلقة بتأسيس حلقات أخرى في مدن مختلفة في فلسطين مثل طبرية وصفد. وقامت هذه الحلقات بجمع وكتابة التلمود ومن هنا تسميتنا لها بـ «الحلقة التلمودية». أما في بابل، فيعود وجود الحلقات إلى القرن الثالث الميلادي، وتوجد أهم حلقتين في سورا ونهاردعه، التي انتقلت إلى بومبديثا في القرن الثالث الميلادي. وقد فقدت هذه الحلقات أهميتها بعد القرن الحادي عشر الميلادي، وإن كانت قد استمرت في الوجود حتى القرن الثالث عشر.
وقد نشب صراع على السلطة بين الفقهاء (جاؤنيم) من رؤساء الحلقات ورأس الجالوت (المنفى)، فكان رؤساء الحلقات يتولون أحياناً جمع الضرائب، وهو ما كان يمثل تحدياً لسلطته. واستمر الصراع عدة قرون. ولكن مع حلول القرن العاشر الميلادي، وبعد انتشار الإسلام، نُقلت الحلقات إلى بغداد. وحُسم الصراع بين حلقتي سورا وبومبديثا في نهاية الأمر لصالح الثانية.
وقد وثَّق رؤساء الحلقات علاقتهم مع التجار والصيارفة اليهود الذين كانت لهم علاقات خاصة مع الحاكم. وأصبحت القوى التجارية نخبة قائدة، وأصبحت القيادة الدينية تابعة لها (ويشبه هذا الوضع إلى حدٍّ ما الوضع في الولايات المتحدة). ومما دعم هذا الاتجاه أن رؤساء الحلقات أنفسهم كانوا من العناصر التجارية. وقد لعبت هذه النخبة دوراً أساسياً بوصفهم صيارفة بلاط (أو حكومة) ذوي نفوذ، وهو ما مكن سعيد بن يوسف الفيومي من أن يظل رئيساً لحلقة سورا مدة عامين، حتى بعد أن طرده رأس الجالوت. ويُلاحَظ أنه في الصراع الدائر بين الحلقات، كانت طبقة التجار تتحد مع الفقهاء باعتبارهم نخبة تستند إلى المال والثقافة المكتسبَين، على عكس رأس الجالوت الذي كان يستند منصبه إلى الميراث (وهذا صدى للصراع الدائر في الحضارة الإسلامية بين العرب والموالي، فالعرب كانوا نخبة تستند إلى الميراث، أما الموالي فكانوا يحققون مكانتهم من خلال الثروة والثقافة). وفي نهاية الأمر، زاد نفوذ التجار حتى أن رأس الجالوت نفسه خضع لهم، فكانوا يعينونه، ثم أصبحح لقباً شرفياً، ثم اندمج منصب رأس الجالوت مع منصب رئيس الحلقة. ومما يجدر ذكره أنه، بسبب التحام العناصر التجارية والثقافية، كانت الحلقات نفسها قنوات لانتقال رأس المال والخدمات المصرفية.
مثبتــــاه
Methbeta
«مثبتاه» كلمة آرامية تُستخدَم للإشارة إلى مجالس الفقه والدراسة والتي كان يُشار إليها أيضاً باسم «يشيفا» و«أكاديمية». وكان يُطلَق على رأس الجالوت اسم «رأس المثبتاه»، نسبة إلى كلمة «مثبتاه».
المدرسة التلمودية العليا (يشيفا(
Yeshiva
«المدرسة التلمودية العليا» ترجمة للكلمة العبرية «يشيفا» وجمعها «يشيفوت»، وهي مؤسسة تعليمية للدراسات التلمودية المتقدمة يلتحق بها الطالب بعد إتمامه الدراسة في المرحلة الأولية. وقد اقتصر منهجها على دراسة التلمود والتفسيرات والتعليقات (الهوامش) المرتبطة به. وغالباً ما كان يحصل الحاخامات على تعليمهم داخلها، إلا أنها لم تكن مدارس لتخريج الحاخامات.
ومنذ القرن الثامن الميلادي، وُجدت مدارس تلمودية في مدينة القيروان وفاس وتلمسان في الجزائر، وفي مدينة الفسطاط في مصر، وفي إسبانيا، وُجدت مدارس تلمودية عليا في عدد من مدنها، وكانت أهمها تلك التي أسسها موسى بن حانوخ في القرن العاشر الميلادي. كما وُجدت مدارس تلمودية عليا في لوسينا وبرشلونة.
وأُسِّست مدارس تلمودية إشكنازية عليا في بلدان أوربا، كان أهمهـا في فرنسـا وألمانيـا منذ القـرن العـاشر الميلادي. وكان من أهـم العلمـاء التلمـوديين الذين تخرجوا في هذه المدارس في العصور الوسطى جرشوم بن يهودا والفقهاء المعروفون باسم «توسافوت».
وقد قامت الدراسة في هذه المدارس حول أحد العلماء المتعمقين في التلمود والشريعة الشفهية بشكل عام، فيكون رئيسها والمعلم الوحيد فيها. ولم تعرف هذه المدارس الفصول الدراسية، فكان الجميع يدرسون نفس النص التلمودي. كما أن ساعات الدراسة كانت طويلة، ولم يكن الدارسون يُعطَون إجازات إلا نادراً. وكان العام الدراسي ينقسم إلى فصلين دراسيين تفصل بينهما عطلة. وعُرف نظام منح الدرجات الجامعية في المدارس العليا في شمال فرنسا، فكان لقب «الزميل» (بالعبرية: حابير) هو بمنزلة اعتراف بإنجاز الطالب ويعادل درجة الليسانس. أما لقب «معلمنا» (بالعبرية: مورينو) فيعادل درجة الدكتوراه، وكان يشير إلى أن الدارس أصبح عالماً بالتلمود معلماً له، ومن المسموح له فتح مدرسته إن أراد.
وكان رئيس المدرسة التلمودية العليا مسئولاً عن تمويلها بمساعدة الجماعة، إلا أن الطلبة الميسورين كانوا يدفعون نفقات تعليمهم. ومنذ منتصف القرن السادس عشر، ظهر نوع جديد من المدارس التلمودية العليا الخاضعة لإشراف التنظيمات الإدارية للجماعات اليهودية، وقامت مؤسسة القهال بإصدار القواعد التنظيمية للمدارس وحدَّدت المؤهلات الواجب توافرها في رئيس المدرسة وشروط قبول الطلاب والمنهج والكتب المستخدمة، كما قامت باتخاذ الإجراءات الخاصة بتوزيع الطلاب الفقراء على الأسر اليهودية في المنطقة بالتناوب حتى يمكن تزويدهم بالوجبات اليومية. ووُجد في إيطاليا وألمانيا نظام عُرف باسم «كلاووس» وهي كلمة ألمانية تعني حرفياً «بيت الدراسة»، حيث كان عدد من العلماء التلموديين وعدد قليل من الطلاب يدرسون معاً في المعابد الصغيرة، واقتصرت الدراسة فيه على الحوار والجدل، ومن ثم تركزت على تفسيرات وشروح التلمود.
ومنذ القرن الخامس عشر وحتى القرن الثامن عشر، أصبحت بولندا وليتوانيا أهم مركز للدراسات التلمودية في العالم، ومن ثم وُجدت فيها أهم المدارس التلمودية العليا مثل مدرسة لوبلين وكراكوف وبراج وبرست ليتوفسك ومنسك. واستُخدمت داخل هذه المدارس طريقة للحوار عُرفت باسم «بلبول» تقوم أساساً على محاولة اكتشاف التناقضات الحقيقية واللفظية الكامنة في أي نص والفروق الدقيقة بين الكلمات، ثم يُطرَح حل لهذا التناقض، وتُعاد الكرَّة مرةً أخرى إن كان الحل نفسه ينطوي على تناقض فيُنظَر فيه من جديد. وقد تدهورت المدارس التلمودية في شرق أوربا منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر نتيجة انتفاضة شميلنكي (1648) التي قضت على عدد من التجمعات اليهودية، بسبب الصعوبات المادية التي كان يعاني منها أعضاء الجماعات اليهودية. كما أن انتشار الحسيدية، التي أخذت موقفاً معادياً من الدراسات التلمودية، لم يساعد على عملية إحياء هذه المدارس.
وفي بداية القرن التاسع عشر، قامت محاولات لتحديث هذه المدارس وتطوير مناهجها، فنبذت هذه المدارس التلمودية طريقة النقاش العقيمة. وحينما زاد عدد تلاميذها أنشئ مبنى خاص بها، ولحل مشكلة التمويل أُرسل مبعوثون لجمع التبرعات في أنحاء روسيا والولايات المتحدة، كما ظهرت بعض المدارس التلمودية العليا التي تتبع حركة الموزار حيث كرَّسـت هـذه المـدارس بعض الوقت لدراسـة نصوص أخلاقية. وقد اعتُبر هذا ثورة فكرية آنذاك في وقت كرَّست فيه معظم المدارس الأخرى جُلَّ وقتها لدراسة التلمود.
ولكن، مع تزايد معدلات العلمنة بين أعضاء الجماعات اليهودية، ومع تراجع اهتمامهم بالدراسات التلمودية، ومع انتشار مُثُل حركة التنوير، تناقص عدد المدارس التلمودية العليا. أما ما كان قائماً منها، فقد أخذ شكلاً مغايراً تماماً للشكل التقليدي. فعلى سبيل المثال، لم تَعُد الدراسة في المدارس التلمودية العليا مقصورة على الدراسات التلمودية الفقهية إذ أصبح من أهدافها إعداد الحاخامات للاضطلاع بمهامهم، بما في ذلك تزويدهم بقدر من الثقافة العامة، وتضمنت مقررات كثير من المدارس بعض المواد غير الدينية. وتحوَّلت هذه المدارس، فيما بعد، إلى معاهد وكليات للدراسات الدينية. ونظراً لتغيُّر نوعية تعليم الطلاب الذين انضموا إلى هذه المعاهد، والذين لم يتلقوا إعداداً كافياً في الدراسات الدينية، أُنشئت مدارس تلمودية متوسطة انضم إليها الطلاب من سن الثالثة عشرة إلى الثامنة عشرة لإعدادهم للدراسة في المدارس التلمودية العليا.
وحتى قيام الحرب العالمية الثانية، لم تكن تُوجَد في أمريكا الشمالية مدارس تلمودية عليا. ولكن، بعد هذا التاريخ، أُسِّست بعض المدارس مثل معهد الدراسات العليا الذي أسسه آرون كوستلر في مدينة ليك وود بولاية نيوجرسي، ونير إسرائيل في بلتيمور. ويجمع طلاب هذه المدارس بين الدراسات الدينية المتخصصة في هذه المدارس والدراسة العامة في الجامعات الأخرى.
وقد بدأ تأسيس المدارس التلمودية العليا في فلسطين منذ القرن السادس عشر وكانت سفاردية. وفي عام 1840، أُسِّست أول مدرسة تلمودية إشكنازية. ثم زاد عدد المدارس التلمودية العليا في إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة هجرة اليهود إليها. وتُعتبَر إسرائيل أهم مركز للدرسات الدينية العليا حالياً. ونظراً لأن دولة إسرائيل تؤجل تجنيد الطلبة في هذه المدارس، فقد زاد عدد الطلبة الذين سجلوا للدراسة فيها. وطبقاً للإحصاءات الحكومية، كان عدد هؤلاء الطلاب 18 ألف طالب في أواخر الثمانينيات.
ومن أهم القضايا التي تُثار في إسرائيل، في الوقت الحالي، الإعفاء من التجنيد الذي يتمتع به طلبه المدارس التلمودية العليا. وتُعتبَر هذه نقطة احتكاك وتوتر بين القطاعات الدينية والقطاعات اللادينية في الدولة الصهيونية.
اليشـيفا
Yeshiva
«يشيفا» كلمة عبرية تعني حرفياً «الجلوس»، ويرجع استخدامها إلى نظام جلوس علماء الشريعة وتلاميذهم الذين كانوا يشاركون في تفسير ومناقشة الشريعة واستخراج التشريعات المختلفة، كما تشير الكلمة إلى مؤسسات تعليمية وُجدت بين التجمعات اليهودية في أزمنة وأماكن مختلفة. فهي تُستخدَم للإشارة إلى:
1 ـ مجالس الفقه والدراسة التي ظهرت في كلٍّ من فلسطين وبابل، والتي يُطلَق عليها في اليونانية والإنجليزية «الأكاديميات» وفي الآرامية «المثبتاه»، وهي المؤسسة التي تم من خلالها جَمْع التلمود الفلسطيني والتلمود البابلي.
2 ـ المدارس التلمودية العليا التي وُجدت بعد القرن الحادي عشر في معظم التجمعات اليهودية، وكان الطالب يلتحق بها بعد إتمامه الدراسة في المرحلة الأولية لدراسة التلمود والتفاسير المرتبطة به.
أي أن كلمة «يشيفا» تشير إلى مدلولين مختلفين ينتميان إلى أماكن وأزمنة مختلفة ويضطلع كل واحد منهما بوظائف مختلفة: الحلقة التلمودية والمدرسة التلمودية. فبينما تُعنَى الحلقة التلمودية بدراسة الفقه والإفتاء والقضاء مضافاً إليها الدراسة، فإن المدرسة التلمودية العليا مؤسسة تعليمية وتربوية. ولذا، فقد قمنا باستخدام مُصطلَحين مختلفين بدلاً من كلمة واحدة (أي «يشيفا») لنميز بين الظاهرتين. إلا أننا احتفظنا برابطة بينهما وهي كلمة «تلمودية». ومن ثم، فإننا نرى شكلاً من أشكال الاستمرار داخل إطار من التنوع والاختلاف. فالحلقات التلمودية هي الحلقات التي أصدرت الفتاوى والتفاسير التي تراكمت ثم جُمعت لتصبح المشناه فالجماراه وكلاهما عنصران يكوِّنان التلمود. فالحلقة «تلمودية» باعتبار أن أصول التلمود وتكوينه يعودان إليها. أما المدرسة التلمودية العليا، فهي «تلمودية» باعتبار أن التلمود يشكل جوهر الدراسة فيها.
الأكاديمية
Academy
«أكاديمية» كلمة من أصل يوناني وتعني «مدرسة عليا» أو «حلقة نقاش»، وتُستخدَم الكلمة في الدراسات العبرية واليهودية باعتبارها مرادفة لكلمة «يشيفا» العبرية. وتشير الكلمتان إلى مؤسستين تربويتين مختلفتين تمـام الاختلاف وينتميان إلى فترات زمنية مختلفة:
1 ـ مجالس الفقه والدراسة التي ظهرت في كلٍّ من فلسطين وبابل، حيث جُمع التلمود الفلسطيني والتلمود البابلي.
2 ـ المدارس الدينية العليا التي أُسِّست بعد القرن الحادي عشر في معظم التجمعات اليهودية، وإن كان هذا المدلول غير شائع.
-
الاربعاء PM 12:56
2021-04-07 - 1433